في مراجعة جمعية المصارف المرتقبة أمام مجلس شورى الدولة ضد الدولة اللبنانية ومصرف لبنان/فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
إن المراجعة القضائية التي تعدّ جمعية المصارف للتقدّم بها أمام مجلس شورى الدولة ضد الدولة اللبنانية ومصرف لبنان لمطالبتهما بتسديدها التوظيفات المالية او القروض السياديّة التي أتماها معها بتمويل من ودائع المودعين لديها، إستناداً الى حكم المادة ١١٣ من قانون النقد والتسليف (التي تختص بكيفية تغطية العجز او الخسارة في الميزانية السنوية لمصرف لبنان بدفعة موازية من الخزينة)، إنما هي معدّة لأن تردّ شكلاً، من الناحية القانونية الصرفة، لتقديمها امام مرجع قضائي غير مختص وظيفياً للنظر فيها.
ذلك أن المجلس المذكور يُعنى بإبطال القرارات الإدارية والمراسيم المخالفة لأحكام القوانين العامة (dispositions de droit public)، وليس الحكم بالالزامات المالية (مبدأً وقيمةً) الناشئة عن التوظيفات والاقتراضات التي عقدتها الدولة اللبنانية كما مصرف لبنان مع المصارف العاملة والتي تستند الى أحكام القانون الخاص (dispositions de droit privé)، إنطلاقاً من قيود ميزانية مصرف لبنان، الموقوفة كما بتاريخ ٢٠١٩/١٠/٣١ (مثلاً).
الاّ إذا كانت الاعتبارات السياسية وما وراءها، هي التي تحكم توسعة نطاق صلاحيات مجلس شورى الدولة لتشمل الفصل بهذه المراجعة والتحكّم بنتائجها، من خلال الممارسة القضائية الخاطئة والاجتهاد الملتبس، كما شهدنا في مسائل أخرى.
علماً أنه يمكن، جمعية المصارف وتجمعات المودعين، تلافياً لمخاطر تلك المراجعة القضائية وطول أمد مجرياتها وإمكانية عرقلتها وعدم ضمان نتائجها، حتى ولو تمّ تقديمها أمام المرجع القضائي الصالح وظيفيا، الضغط بإتجاه إستصدار قانون من المجلس النيابي يلزم الدولة اللبنانية كذلك مصرف لبنان إيفاء مديونيتهما تجاه المصارف الدائنة لهما، وتتحدّد بموجبه برمجة هذا الايفاء ومصادر تمويله التي لا بدّ أن تتأتى تحديداً من الموازنة السنوية العمومية للدولة (وقد أُعدّ اقتراح قانون بهذا الخصوص).
ضمن هذا الإطار، يضحي قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي المطلوب من صندوق النقد الدولي والمقترح من الحكومة اللبنانية، دون موضوع. لأنه إذا ما تمّ إيفاء مديونية الدولة ومصرف لبنان للمصارف ينتفي الشحّ في سيولتها، الذي هو السبب الأساس وغالباً الوحيد في تعثّرها منذ ٢٠١٩/١٠/١٧.
الأمر الذي يعفي جمعية المصارف كما المودعين، على حدّ سواء، من السير بالمراجعات القضائية وغير القضائية المتشعبة والمعقّدة واللامتناهية التي ترمي الى تتبّع كيفية إنفاق تلك المديونية ومهارب تبديدها.
“محكمة” – السبت في 2023/12/9