قانون المهنة يمنع الألقاب: المحامي يتقدّم “معالي الأستاذ”
كتب علي الموسوي:
دأب بعض المساعدين القضائيين على تدوين عبارة “معالي الأستاذ” إلى جانب إسم الشخص، بدلاً من صفته الأساسية كمحامي دفاع، وذلك عند تبليغه بالقرارات الصادرة من المحكمة المعنية، أو القاضي المختص، وما ينتج عنها من صور طبق الأصل، وأخرى مستنسخة عنها، فضلاً عن تلك الأساسية المحفوظة في سجّلات العدلية، وأرشيف المحاكم، ودوائر التحقيق، والنيابات العامة، وقصور العدل.
وهذا الخطأُ الآخذُ في التوسّع والتفشّي، يتعارضُ والقانون، ومع ذلك فاستخدامه مستمرّ من قبل المساعدين القضائيين على الرغم من لفت نظرهم إليه لتداركه وتجنّبه في المستقبل، ولكنّ ردّة فعلهم الأوّلية كانت بإطلاق إبتسامة عريضة تعبّر عن عدم مبالاتهم بالقانون المولجين بمساعدة القضاة على فرضه وتحقيقه نصاً وممارسة، وقولاً وفعلاً.
فاكتساب الوزير صفة “معالي” شرعية ضمن النعوت المستخدمة في لبنان، وهي تلازمه خلال ممارسته لمهامه الوزارية ووجوده على رأس الوزارة الممنوحة له ضمن تركيبة الحكومة ومجلس الوزراء، وتزول عنه فور انتهاء ولايته وخروجه من الوزارة، ولا يجوز تدوينها قبل اسمه في أيّة معاملة، أو قُصاصة ورق، أو أيّ كتاب يتعلّق به إذا كان من شريحة المحامين، وهذا يعني أنّه يتوجّب على المعنيين في العدلية من وزير العدل، إلى المدير العام، مروراً بمجلس القضاء الأعلى، ووصولاً إلى هيئة التفتيش القضائي، مقاربة هذا الموضوع باهتمام، والإفساح في المجال أمام صدور تعميم على المساعدين القضائيين والموظّفين بوجوب الامتناع نهائياً عن الإشارة إلى لقب “معالي” قبل إسم أيّ وزير سابق حتّى ولو كان محامياً داخلاً في نادي “الوزراء السابقين”، وأيضاً حتّى ولو كان وزيراً سابقاً للعدل، خصوصاً وأنّه استعاد صفته كمحام بعد خروجه من الوزارة، واسترجع قدرته على ممارسة هذه المهنة بعد تعليق اسمه في الجدول النقابي العام، عملاً بقانون تنظيم مهنة المحاماة.
وأكثر ممّا تقدّم، فإنّ المحامي عند تقديمه مذكّرة ما إلى القضاء، فإنّما يقدّمها بالنيابة عن الشخص بصفته وكيلاً قانونياً عنه وله، وليس بحكم صفته الوزارية السابقة والتي سقطت عنه بزوال مسبّباتها ودوافعها، مع الإشارة هنا إلى أنّ صفة المحامي تتوقّف خلال مزاولة العمل الوزاري وفقاً لمنطوق الفقرة السادسة من المادة 15 من قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 8/70 مع تعديلاته، ومضمونها الحرفي واضح لجهة الفصل بين المحاماة، والعمل المأجور، ونفوذ السلطة.
وبما أنّ الناس متساوون أمام القضاء، فيفترض أن تمحى الألقاب أمام المحاكم وأهل العدل بمختلف تصنيفاتهم ودرجاتهم، ما لم تكن مقترنة بالإسم أبدياً وحتّى انتهاء الحياة وبموجب بطاقة الهوّيّة الرسمية مثل: السيّد، وبك، والأفندي، والشيخ، والخواجة، والمير، والأمير، سواء أكانت سابقة للإسم الأوّل، أو واردة بينه وبين شهرته وإسم عائلته.
ولا يجوز أن يُنادى المحامي بصفته هذه، أيّ محام، بينما يقال لزميله الذي هو الطرف الثاني في الدعوى، أيّ خصمه القانوني، “معالي الأستاذ”، فتحلّ هاتان العبارتان مكان كلمة المحامي التي أولته وأعطته القدرة على تقديم الدعوى، أو المذكّرة، أو المراجعة، ولولاها لما استطاع أن يكون طرفاً في القضيّة، فهما، إذن، متساويان في المحاماة بغضّ النظر عن خبرة كلّ واحد منهما، وامتلاكه نواصي التفنّن فيها، والصفة السياسية السابقة تضمحل أمام القضاء، وتختفي آثارها كلّياً، وليس مدعاة للتباهي كما قد يظنّ بعض الناس، وبعض الموظّفين.
وأكثر من ذلك، فإنّ صفة المحامي تتمتّع بالديمومة والإستمرارية ما دام صاحبها ملتزماً بآداب مهنته وبما يوليه القانون من حقوق، أكثر من صفة الوزير المؤقّتة، وإنْ كان الناس يواظبون على إطلاق كلمة “معالي” على الوزير السابق من باب التقدير، ورغبةً منهم في نيل بركات لم يُغْدقها عليهم يوم كان في الوزارة، لوجود اعتقاد شعبي لديهم بأنّ إمكانية توزيره قابلة للتحقّق ومتاحة في أيّ وقت في المستقبل، ما دام أنّ طريق التوزير قد فتح أمامه وعلى مصراعيه، وخصوصاً إذا كان محسوباً على حزب ما، أو على زعيم طائفي ما، وما أكثرهم في بلد متعدّد الطوائف والمذاهب.
وأخيراً، أنْ يظلّ لقب “معالي” ملازماً لشخص الوزير حتّى الفناء، كما هو متوارث في الذهنية الشعبية، فليس معناه أن ننقل هذه العدوى المقيتة إلى الملفّات القضائية التي يجب أن تبقى فوق كلّ الاعتبارات، والمصالح، وذلك حفاظاً على قدسية هذه الملفّات وهيبة النتيجة الواردة فيها، والمستمدّة، بطبيعة الحال، من هيبة القضاء ومكانته كسلطة دستورية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 4 – شباط 2016).