قانون “حقوق الأشخاص المعوّقين”:عشرون عاماً من حبر على ورق!/راجانا حمية
راجانا حمية*:
تنصّ المادة 73 من قانون “حقوق الأشخاص المعوّقين” على تخصيص وظائف في القطاع العام بنسبة 3% لهذه الفئة. على أرض الواقع، هكذا ترجمت الدولة حقّ هؤلاء بالـ3%: من أصل 16766 وظيفة في الإدارات العامة والمؤسّسات العامة والبلديات واتحادات البلديات، أعطت 269 شخصاً معوّقاً الحقّ في العمل. وهي نسبة تكاد تلامس الـ2%.
هذه المادة هي عيّنة عن كيفية تعاطي الدولة مع حقوق هؤلاء التي يكفلها القانون 2000/220.
مناسبة هذا الحديث هو أنّ القانون الشهير بات له من العمر عشرون عاماً، ولم يدخل حيّز التنفيذ.
في الثامن من الجاري(أيّ اليوم)، يكمل قانون “حقوق الأشخاص المعوقين”، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بالقانون 2000/220، عامه العشرين من دون أن يدخل حيّز التنفيذ.
عقدان من الزمن كانا قد توّجا نضالاً طويلاً خاضه هؤلاء، صارا مجرّد رقم للذكرى. الخيبة، اليوم، تأتي بجرعة أكبر. فبعد كلّ هذا الوقت، لم يحظَ الأشخاص المعوّقون بأبسط حقوقهم التي حصّلوها بقوّة القانون، والتي لا تزال حبراً على ورق. مئة ومادتان مقسّمة على عشرة أبواب من الحقوق المختلفة، كأنّها لم تكن بسبب العراقيل الكثيرة. وهي عراقيل بسيطة، لكنّها خارج حسابات الدولة، ولا تتعدّى مهمّة إصدار المراسيم التطبيقية للمواد القانونية. المراسيم لهذا القانون وغيره “لم تعد هناك قدرة على إحصائها لكثرتها”، تقول سيلفانا اللقيس رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً.
وهذه المراسيم هي مقياس اهتمام الدولة بحقوق فئة تعدّ بأكثر من 400 ألف شخص، ولكن، على ما يبدو، فإنّ الدولة لا تأبه لما تعانيه هذه الفئة. فجلّ المراسيم التطبيقية لم يصدر، أمّا ما نجح الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين في الضغط لإعداده فلا يزال محتجزاً في أدراج مجلس الوزراء والوزارات المعنية.
وهذا ما يعطّل حصول الأشخاص المعوّقين على حقوقهم. اليوم، في حضرة الذكرى العشرين لصدور القانون 2000/220، لم تشفِ الدولة غليل هؤلاء. ذلك أنّ الحقوق المقسّمة على عشرة أبواب لم يجر تحصيلها إلّا على الورق. وجلّ ما استفاد منه الأشخاص المعوّقون هو فكرة وجود القانون بحدّ ذاته، لناحية تشكيله “أداة للتفاعل وتشريع باب الحوار حول قضايا كانت منسية سابقاً”.
ما عدا ذلك، لم يجنِ هؤلاء شيئاً. وهنا، بعض الأمثلة عن كيف تتعاطى الدولة مع هذه الفئة.
لا تعرف اللقيس من أين تبدأ في تشريح العلاقة بين الدولة ومواطنيها من ذوي الإعاقات. تحاول قدر الإمكان تبسيط الأمثلة كي نستكشف إلى أيّ مدى تنازلت الدولة عن هؤلاء. وضع القانون للدولة أطراً زمنية لتطبيق بعض المواد القانونية وتفعيل بعضها الآخر، إلّا أنّها فضّلت العبور فوقها، كأنّ قانوناً لم يكن.
وفي هذا الصدد، حدّد القانون، مثلاً، فترة ستّ سنوات كي يصبح لبنان خالياً من العوائق. لكن، ما الذي حصل؟ “لا شيء”، تقول اللقيس. في الأسباب العامة، تسرد الكثير من الأمور التي عطّلت القانون، منها “انعدام وجود استراتيجية وطنية لتطبيق القانون للوصول إلى تكافؤ الفرص في المجتمع، وغياب المعايير الدامجة عن هيكليات الوزارات وإداراتها وقراراتها، وانعدام التوعية تجاه قضايا الإعاقة وحقوق الأشخاص المعوّقين وحاجاتهم”.
أكثر من ذلك، لا تزال الاحتياجات الأساسية للأشخاص المعوّقين (الحقّ بالتعليم، بالصحّة، بالبيئة الدامجة…) خارج الموازنات العامة، أضف إلى ذلك ربط الإفادة من المشاريع بالتمويل الخارجي.
أمّا في التفاصيل، فيمكن الحديث عن أشياء بسيطة يحتاج لها الأشخاص المعوّقون، لكن لا قدرة للوصول إليها لعدم تطبيق القانون. على سبيل المثال، الحقّ في العمل، وتحديداً ما يتعلّق بتخصيص الوظائف في القطاعَين العام والخاص المنصوص عنها في المادتين 73 و74 من القانون. المادة الأولى تنصّ القانون على أنّه “تخصّص وظائف في القطاع العام للأشخاص المعوّقين بنسبة 3% على الأقلّ من العدد الإجمالي للفئات والوظائف جميعها”. لكن، على أرض الواقع، لا مكان للقانون بالمطلق. وفي هذا الصدد، تفيد العودة إلى التعميم رقم واحد الذي أصدرته رئيسة مجلس الخدمة المدنية، القاضية فاطمة الصايغ، في العاشر من أيلول 2018، وطلبت بموجبه من جميع الإدارات العامة والمؤسّسات العامة والبلديات المشمولة بصلاحيات المجلس إفادتها عن وجود أشخاص معوّقين من بين العاملين لديها.
بعد أكثر من عام على الطلب، جاءت الأجوبة لتقول بأنّ ما تؤمّنه الدولة للأشخاص المعوقين ليس أكثر من 269 فرصة عملٍ فقط، بحسب ما صدر عن دائرة الملفّات الشخصية في إدارة الموظّفين في المجلس منتصف كانون الثاني من العام الماضي.
بالأرقام، تضمّ الإدارات العامة 156 شخصاً من ذوي الإعاقة من أصل 12470 شخصاً تضمّهم هذه الإدارات، أيّ ما نسبته 1,25%. وهو بحسب القانون “نموذج ساقط”. أمّا في المؤسّسات العامة، فالحال ليس أفضل، إذ إنّها تفسح المجال لـ88 شخصاً فقط من أصل 3218 يعملون فيها، أيّ ما نسبته 2,7%. وحدها، البلديات والاتحادات البلدية كانت أكثر إنصافاً لجهة التزامها بالعدد، إذ بلغ عدد العاملين من الأشخاص المعوّقين 25 من أصل 1078 شخصاً، أيّ ما نسبته 3,3%. لكن، من حيث التوصيف الوظيفي، ليس ثمّة مكان للعدالة. صحيح أنّ الأشخاص المعوّقين لا يواجهون رفضاً علنياً في التقدّم إلى الوظائف، لكنّهم يواجهون فقدان الآليات القانونية التي تسمح لهم بالتقدّم إلى الوظائف أو نيلها.
ففي ما يخصّ مجلس الخدمة المدنية، وهو الجهة التي أُعطيت صلاحيات تعيين الموظّفين من خلال توليه إجراء المباريات لاختيارهم، لم يلحظ وجودهم ضمن آلية التقدّم للإمتحانات واختيار الموظّفين. من هنا، عمل الاتحاد بالتعاون مع المجلس على تحضير مشروع مرسوم لتطبيق أحكام المادة 73 من القانون. غير أنّ ما آل إليه هذا المشروع هو توقّفه في مجلس الوزراء.
في المادة 74 التي تلزم أرباب العمل في القطاع الخاص باستخدام أُجراء من المعوّقين أيضاً، تشير اللقيس إلى أنّ الواقع كان أفضل، “وإن كان قبول هؤلاء في غالب الأحيان مرتبطاً بالمبادرة الفردية التي كان يقوم بها الاتحاد لناحية تعريف أرباب العمل والمسؤولين في المؤسّسة بحقوق هؤلاء والتدريب على كيفية التعاطي معهم”.
مع ذلك، ما لم يكن على ما يرام هو النظرة إلى الشخص المعوّق، باعتباره غير قادر على القيام إلاّ بمهمّات محدّدة، وهو ما يتجلّى بالنظرة النمطية إلى طبيعة الوظائف التي يمكن منحه إيّاها.
ففي غالب الأحيان، المهام التي يمكن أن يقوم بها هؤلاء “لا تتعدّى أموراً بسيطة مثل وظيفة حاجب أو كاتب أو سنتراليست.”
لا يتوقّف الغبن عند العمل، وإنّما يتعدّاه إلى الحقّ في التعليم والبيئة الدامجة والحقّ في المشاركة السياسية وغيرها. في ما يخصّ الحقّ في التعليم، 45 ألفاً من هؤلاء في عمر المدرسة لا يملكون الحقّ في الحصول على مقعد دراسي بسبب عدم اهتمام الدولة بتهيئة مدارس دامجة، إلى آلاف آخرين ليسوا مصنّفين أساساً في لوائح وزارة الشؤون الإجتماعية على أنّهم أشخاص معوّقون.
تعب الأشخاص المعوّقون من وعود وزارة التربية والتعليم العالي لإعداد سياسة وطنية شاملة لتهيئة الأرضية لمدارس دامجة. ورغم المساعدة التي قدّمها الإتحاد في إطار التحضير لمشاريع أو نماذج حول كيف تكون المدرسة الدامجة، إلاّ أنّه إلى الآن لا شيء. والخطّة الشهيرة عام 2013 التي تستهدف تهيئة 60 مدرسة لاستقبال ذوي الصعوبات التعلمية لم تدخل حيّز التنفيذ. وبعد خفض العدد إلى 30 مدرسة لا تزال هذه إلى الآن في المراحل التحضيرية.
في أحسن الأحوال، وفي ظلّ هذا الواقع، ما تستوعبه المدارس الرسمية اليوم ليس أكثر من 30 إلى 40 شخصاً معوّقاً. وهو رقم تقديري تطرحه اللقيس. وهذه الضآلة ليست لأنّ الدمج في المدارس الرسمية مكلف، خصوصاً أنّ مبالغ كثيرة وصلت من دون أن تعرف وجهة صرفها، وإنّما لأنّ الدولة لا تأبه.
وفي المرّة الوحيدة التي عملت فيها على الالتفات إلى هذا الأمر من خلال تعيين مربٍّ متخصّص في كلّ مدرسة إصطدمت بعقبة النظام الداخلي الذي لا مكان فيه لهذه الصفة، لهذا “اضطرّوا أن يأخذوا وظيفة المربّي المتخصّص بموجب مرسوم!”
أمّا البيئة الدامجة فحدّث ولا حرج، فقد فهم المعنيون التجهيزات بـ”تظبيط” المدخل والحمّام. أمّا ما عدا ذلك فليتدبّر الأشخاص المعوّقون أمرهم. هكذا تتعامل معهم الدولة على قاعدة “عسكري يدبّر راسو.”
بعد؟ يمكن إيراد الكثير ليس أقلّه عدم حجز باب في الموازنة لاحتياجات الأشخاص المعوّقين وللتجهيزات التي يتطلّبها القانون وللتعليم والحقّ في الصحّة الذي اختُصر بـ”بطاقة معوّق” شخصية لا تغني ولا تسمن.
أمّا الأنكى من كلّ ذلك، فليس فقط تجاهل القانون، وإنّما أصله المتمثّل في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوّقين وبروتوكولاتها والتي تنتظر مصادقة لبنان عليها منذ عام 2006.
*المصدر: الأخبار
“محكمة” – الإثنين في 2020/6/8