قراءة أوّلية في حكم المحكمة الدولية/حاتم ماضي
القاضي حاتم ماضي(النائب العام التمييزي شرفاً):
تعرّض اللبنانيون لأكبر عملية غسل دماغ على مدى ١٥ عاماً.
جرى إقناعنا أنّ من اغتال الرئيس رفيق الحريري هو حزب الله والنظام السوري، وأنّ الجهة الوحيدة التي يمكنها أن تكشف هذا الأمر هي محكمة دولية وليس القضاء اللبناني لأنّ هذا القضاء ليس حرّاً.
ذهبنا إلى المحكمة الدولية وكنّا نتوقّع حكماً يدين النظام السوري ومعه حزب الله.
ولكن وبعد مرور ١٥ عاماً وحوالي مليار دولار صدر الحكم وأعلن عدم إدانة سوريا والحزب وإنّما أدان شخصاً واحداً ينتمي إلى الحزب.
أصيب الناس بصدمة، وشكّكوا لأوّل وهلة بالقضاء الدولي واعتبروا أنّ المحكمة كانت مسيّسة لمصلحة سوريا والحزب. وبدات ردّات الفعل تتوالى وراوحت بين الشماتة وبين الخيبة.
المشكلة أنّ الناس، نتيجة عملية الحقن المستمرّ، كانت تتوقّع حكماً سياسياً فجاء الحكم قضائياً!
أدان من أدان وبرّأ من برّأ. ولهذا لم يتقبّله جمهور تيّار المستقبل.
إبتداء من اليوم سوف تبداً عمليات تحليل الحكم سياسياً. وقد بدأت هذه التحليلات. وعلينا أن ننتظر المزيد من الوقت لنعرف عملية غسل الدماغ الجديدة التي سوف نتعرّض لها.
مهنياً، لقد أكّد الحكم المنحى الغربي لموضوع الأدلّة إذ أكّد أنّ المدعي العام وهو جهة الإدعاء لم يستطع أن يقدّم الأدلّة الكافية للإدانة. وهذا يعني أنّ التحقيقات الإبتدائية لم تكن مشغولة بشكل جيّد.
إلى المهتمين أقول إنّه حتّى القضاء الدولي بما يملك من قدرات يعاني ممّا يعاني منه القضاء في بلدنا.
لذلك علينا أن نتعامل مع الحكم على أنّه حكم قضائي موضوعي وليس على أنّه وثيقة سياسية، وأن نفصل بين القضاء والسياسة، وأن لا نسيّس الشأن القضائي.
صرّح وزير العدل الأسبق شارل رزق في برنامج”صار الوقت” بأمرين هامين:
الأوّل أنّه كان يُطلع شخصياً سماحة السيّد حسن نصرالله على كلّ مسودّة من مسودّات نظام المحكمة الدولية حتّى المسودّة النهائية.
الأمر الثاني أنّ نظام المحكمة كان يتضمّن من أوّل يوم أنّ الحكم الذي سيصدر لن يطال لا دولاً ولا أحزاباً ولا منظّمات. ولكن لماذا لم يصارح كلّ زعيم تابعيه بمضمون مشروع المحكمة؟!
حسناً، فعل الرئيس سعد الحريري عندما تلقّف الحكم بهدوء. وعندما طلب من محازبيه الهدوء. ولكن عليه أن يطلب من حلفائه أيضاً الإمتناع عن استغلال الوضع.
مهنياً، هل يجيز نظام المحكمة إستئناف الحكم الغيابي؟
ماذا لو سلّم المحكوم عليه نفسه؟ هل يعترض أم يستأنف؟
هل يحقّ لمن تضرّر من سير المحاكمات أن يقاضي المسؤول؟
“محكمة” – الخميس في 2020/8/20