مقالات

قراءة في قرار المحقّق العدلي/ فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
إنّ قرار المحقّق العدلي(القاضي طارق البيطار) هو سليم وصحيح قانونياً! وقد بيّنا ذلك منذ شهر كانون الأول سنة 2020 في عدة دراسات، كنّا قد نشرناها على مواقع مختلفة. غير أنّ إصداره له جاء بعد أن كان رضخ لدعاوى الردّ التي قُدِّمت ضدّه، والتي ألزمته بالتوقّف عن متابعة السير بالتحقيقات بملف تفجير مرفأ بيروت إلى حين الفصل بها.
كما وأنّه بتوقّفه هذا، يكون قد رضخ إيضاً للقرارات القضائية التي سبق وصدرت عن المحاكم الإستئنافية ومحكمة التمييز الجزائية والهيئة الإتهامية لمحكمة التمييز والتي أخضعت جميعها المحقّق العدلي لذات النظام القانوني الذي يخضع له المحقّق القضائي، إن لجهة إمكانية ردّه وإن لجهة طلب نقل الدعوى من تحت يده.الأمر الذي جعل القرار التمهيدي الذي استصدره بتاريخ ٢٠٢٣/١/٢٣ متأخراً ومتناقضاً مع موقفه الذي سبق ورضخ فيه للنظام الاجتهادي الذي يرعى دعاوى ردّ المحقّق العدلي، كما لاجتهاد المحاكم الذي قضى بدوره الى إخضاع هذا الأخير لذات النظام الذي يطبّق على المحقّق القضائي.
لذا، ومن هذه الزاوية، يكون قرار المحقّق العدلي قد جاء إنقلابياً على المسار الذي كان قد رُسِم لملف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت والذي كان قد ارتضاه المحقّق العدلي المذكور لنفسه.
بحيث لم يعد أمام المنظومة القضائية التي ضبطت مسار هذا الملف إلاّ الإنتفاض على المحقّق العدلي من زاوية التضارب في موقفه وتمرّده على الاجتهاد الذي يرعى نظام ردّه.
من هنا، جاءت ردّة فعل مدعي عام التمييز(القاضي غسان عويدات) الذي استغفل هذه الثغرة في أداء المحقق العدلي، حتى اتخذ كلّ الإجراءات لتعطيل عمله ووقف التحقيقات والتشكيك بتلك التي تمّت لتاريخه على يده. وبادر، بصورة تعسفية وغير قانونية، الى إطلاق سراح كلّ الموقوفين المشتبه بهم في ذلك الملف. الأمر الذي أعاده إلى انطلاقته الأولى.
في حين، أنّه من واجب مجلس القضاء الأعلى، بعد صدور قرار المحقّق العدلي، أن يبادر فوراً الى الإجتماع للنظر بصوابه من عدمه. وأن يقترح على وزير العدل تعيين محقّق عدلي بديل في حال توصّل إلى قناعة حول الخطأ الذي ارتكبه المحقّق العدلي بمعرض أدائه لمهامه، نتيجة التضارب في مواقفه ومخالفته للقرارات القضائية التي إرتضاها تحكم عمله، كمحقّق عدلي. ذلك أنه تراعى ذات الأصول والأشكال في تعيين المحقّق العدلي، كما عند استبداله، لأي سببٍ كان، بما في ذلك تقييم أدائه بحيث يأتي تعيينه نتيجة توافق السلطتين التنفيذية والقضائية على إيلائه مهمة محدّدة. ويكون بالتالي تقييم عمله واستبداله، عند الإقتضاء، لهذا السبب أو لأي سببٍ آخر، خاضعاً للتوافق عينه.
ولا يردّ على ذلك بأنّ قرارات المحقّق العدلي التمهيدية هي خاضعة لرقابة المجلس العدلي. ذلك:
• لأنّ هذا الأخير لا يضع يده على ملف التحقيقات برمتها إلاّ بعد أن يكون المحقّق العدلي قد أصدر قراره الإتهامي النهائي.
• كما وأنّه، بحكم نظام عمله، لا يمارس أي عمل رقابي على قرارات المحقّق العدلي التي يتّخذها بمعرض التحقيقات التي يتولاّها.
• فضلاً عن أن لا جدوى من أن يمارس المجلس العدلي المذكور رقابته اللاحقة على قرارات المحقّق العدلي التمهيدية، لأنها تكون واقعة بعد أن يكون هذا الأخير قد وضع قراره الإتهامي النهائي.
في حين، أنّ تلك الرقابة لا بدّ أن تتمّ بمعرض التحقيقات المجراة، حتى يتمّ تصويبها، عند الإقتضاء، قبل ختمها والإنتهاء منها. وإن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل إلاّ من خلال المرجعية التي أولت المحقّق العدلي المهمة التي كُلِّف بها، وهي المتكونّة من مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل (360 أ.م.ج. ).
لذا، بات يتعيّن على تلك المرجعية الفصل بصواب القرار الذي أصدره المحقّق العدلي من عدمه، حتّى يُصار، إمّا إلى إبقائه في مهامه وإمّا الى اتّخاذ قرار باستبداله.
وتكون بذلك القرارات التي اتخذها مدعي عام التمييز بحق المحقّق العدلي، نتيجة تقييمه هو لقراره، ساقطة من زاوية عدم قانونيتها، بفعل عدم صلاحيته الوظيفيه للنظر بصواب القرار الذي اتّخذه المحقّق العدلي.
“محكمة” – الأحد في 2023/1/29

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!