أبحاث ودراسات
قرارات مهمّة ومبدئية لمحكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة في القضايا النقابية/ناضر كسبار
ناضر كسبار (نقيب المحامين في بيروت سابقاً):
تعتبر محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الناظرة في القضايا النقابية، والمؤلفة حالياً من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، ومن عضوين منضمين من مجلس نقابة المحامين، من المحاكم النشيطة. وهي تصدر القرارات المهمة والمبدئية، خصوصاً وان رئيس المحكمة القاضي أيمن عويدات امضى اكثر من ست عشرة سنة في رئاستها، لانه رفض زيارة السياسيين وبقي في مركزه ولم يُعين في مراكز اخرى هو الأحقّ في تبوئها.
1- ففي قرار مهم صادر عن هيئة المحكمة وانضم اليها عضوا مجلس النقابة الاستاذان عبدو لحود وميسم يونس، بتاريخ 2024/4/4 ويحمل الرقم 2024/23، اعتبرت المحكمة ان عدة نزاعات بين الزوجين ادت الى صدور قرارات متعددة منها القرار الصادر عن قاضي الامور المستعجلة في جديدة المتن واعتراض المستأنف عليه على هذا القرار، وصدور قرار عن المحكمة الروحية في معرض دعوى بطلان الزواج المقامة من المستأنف عليه وزوجته، يتعلق بإجابة طلب المستأنف عليه بمشاهدة واصطحاب اولاده وفق جدول واطار زمني ومكاني محدد، كما ادت الى صدور قرار بحبس زوجته لتمنعها عن تنفيذ قرار المشاهدة الآنف الذكر، وكذلك صدور قرارين عن القاضي المنفرد الجزئي في جبل لبنان- بعبدا الناظر بقضايا الاحداث تتعلق بالمستأنف وزوجته ينفيان حصول اي تحرش جنسي منسوب للمستأنف عليه.
وحيث تبين ان المستأنف عليه قد مثل نفسه بصفته محاميًا في بعض النزاعات الآنف ذكرها، كما استعان بمحامين آخرين لمعاونته في الدفاع عن حقوقه في هذه النزاعات، فيكون الفعل المنسوب للمدعي بسبب ممارسة مهنة المحاماة.
وحيث ان الوقائع الآنق ذكرها وما تضمنته من ادلة وقرارات واثباتات مدلى بها، إنما تبين بشكل واضح وصريح ان الفعل المنسوب للمستأنف عليه إنما لم يدع به بشكل واضح واصولي ولم تقدم بشأنه شكوى بهذا الخصوص من الزوجة، بل ورد اثناء ادلائها بأقوالها اثناء التحقيق الاولي معها، وقد ادلت بالواقعة المذكورة امام المراجع القضائية التي نظرت في الخلافات بينها وبين زوجها، وقد اتخذت هذه المراجع القضائية بشأنها القرارات القضائية اللازمة.
وحيث على ضوء ذلك يكون الفعل المنسوب للمستأنف عليه موضوع الملف الراهن غير جدي ويهدف للضغط عليه في اطار المنازاعات العالقة بينه وبين زوجته والمتعلقة ببطلان الزواج القائم بينهما وحقوق الرعاية والوصاية على الاولاد، بحيث ان المحكمة لا ترى جدية في الوقائع المنسوبة للمستأنف عليه، وتعتبر ان الفعل المنسوب له هو على سبيل الكيد بحقه، وانه جاء في معرض النزاعات الآنف ذكرها.
2- وفي قرار آخر صادر عن هيئة المحكمة وانضم عضوا مجلس النقابة الاستاذان عبدو لحود ولبيب حرفوش، صادر بتاريخ 2024/4/25 تحت الرقم 2024/31، ردت المحكمة الاستئناف المقدم من الجهة المدعية اساساً لعدم الصفة، خصوصاً وان النيابة العامة لم تستأنف قرار مجلس النقابة الذي قضى برد طلب الإذن. ومما جاء في القرار:
“وحيث انه يتبين في المقابل ان طلب الملاحقة الجزائية موضوع الطعن الراهن قدم من قبل النيابة العامة الاستئنافية في بيروت فيكون للمرجع الجزائي (النيابة العامة) وحده الصفة للطعن بقرار رد طلب اذن الملاحقة دون مقدم الشكوى المباشرة ولو تضرر من القرار لتمتعه بالمصلحة دون توافر الصفة لديه لتقديم الطعن تبعاً لعدم تقدمه بالذات ومباشرة بطلب إذن الملاحقة من المرجع المختص اي مجلس نقابة المحامين ولعدم اعتباره بالتالي الجهة التي حركت دعوى الحق العام في هذا السياق.
وحيث انه لم يتبين ان النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان المختصمة في الدعوى الراهنة بصفة مستأنف عليها، قد تقدمت بأي استئناف طعناً بالقرار الصادر عن مجلس نقابة المحامين.
وحيث ان استنكاف النيابة العامة المذكورة عن الطعن بالقرار المستأنف ليس من شأنه ان يبيح للمتضرر من ذلك التقدم بالطعن المشار اليه، بمعزل عن آثار الاستنكاف المشار اليه.
وحيث انه على ضوء ذلك يمسي الاستئناف الراهن مردوداً وغير مقبول لعدم توافر الصفة لدى مقدمه”.
3- واعتبرت المحكمة المؤلفة من القضاة عويدات وعطالله ومعماري ومن عضوي مجلس النقابة الاستاذين عبدو لحود ولبييب حرفوش، في قرار صادر بتاريخ 2024/5/19 تحت الرقم 2024/23 ان النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان اُبلغت قرار مجلس النقابة بتاريخ 2023/1/12، وتقدمت بالاستئناف بتاريخ 2023/2/8. وقضت برد الاستئناف شكلاً. ومما جاء في القرار:
“وحيث انه من مراجعة اوراق الملف، فإن المستأنفة ادلت بأنها ابلغت القرار المستأنف بتاريخ 2023/1/12، في حين تقدمت بالاستئناف الحاضر بتاريخ 2023/2/8، فيكون بالتالي الاستئناف الحاضر وارداً خارج المهلة القانونية المنصوص عنها في المادة 19/محاماة الفقرة الاخيرة المعدلة، ما يقتضي معه رد الاستئناف لهذه العلة.
وحيث انه وعلى سبيل الاستطراد لم يثبت من اوراق الملف، إقدام المستأنف على الفعل الجرمي المنسوب له من المدعية كي يعطى الاذن بملاحقته، بل هو سبق ان ادعى على المدعية بجرم تزوير مستند واستعمال مزوّر، وقد ثبت هذا الامر بعد اعمال الخبرة له من الشرطة القضائية، وقد ادعت النيابة العامة الاستنئافية عليها مع غيرها وأحيل الملف الى المحكمة المختصة، ليتبين ان الادعاء موضوع الاذن الراهن قد قدم مقابل هذا الادعاء الاخير”.
4- وفي قرار قضت فيه بفسخ قرار مجلس النقابة وحجبت الإذن عن المحامي المستأنف، اعتبرت محكمة الاستئناف المؤلفة من القضاة عويدات وعطالله ومعماري ومن عضوي مجلس النقابة الاستاذين عبدو لحود وميسم يونس، ان المعطيات المتوفرة في الملف، لا تبرر إعطاء الاذن بملاحقة المحامي. ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2024/4/4 تحت الرقم 22/2024:
“وحيث ان المحكمة الحاضرة وان كانت تعطي الاذن لملاحقة محام بنتيجة الادعاء عليه بفعل جرمي ارتكبه، ولو اثناء ممارسة المهنة او بمعرضها، واحياناً كثيرة جلاءاً للحقيقة، الا انه لا بد ان تتوافر بعض المعطيات في الملف المطروح امامها تبرر اتخاذها هذا المنحى، وهو الامر غير المتوافر في الملف الحاضر، اذ لم تظهر مناورات احتيالية ارتكبها المستأنف، كما لم تظهر اية افادة جناها من كل ما حصل، بل انه طلب تدوين وقف التحقيق مؤقتاً لوجود مفاوضات صلح ولم يتنازل او يتراجع عنه بصورة نهائية بما يضر بمصالح موكلته المدعية، او تراجع عن الدعوى من الاساس، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فإنّ المدعية وبعد ان عزلت المستأنف، عادت ونظمت لدى الكاتب العدل في برج البراجنة السيد “علي حمزة” بتاريخ 2024/2/6 اسقاط حق ورجوع عن الدعوى موضوع الاذن الحاضر مبرئة ذمته من اي حق او مطالب، كما عادت ونظمت له بالتاريخ عينه، وكالة للمرافعة والمدافعة عنها، ما يضفي الجدية والصحة على اقوال وادلاء المستأنف بان كا ما قام به هو بناءً لطلب المدعية وبانه لم يسع لأيّ مصلحة شخصية بكل ما اقدم عليه.
وبالتالي ليس في المسألة امور غامضة تخفي جرماً جزائياً يقتضي التحقيق به لجلاء الحقيقة، ما يقتضي معه فسخ القرار المستأنف في البند الثاني وعدم اعطاء الاذن بملاحقة المستأنف”.
5- وفي قرار صادر بتاريخ 2024/4/16 تحت الرقم 2024/34، اعتبرت المحكمة المؤلفة من القضاة عويدات وعطالله ومعماري، وعضوي المجلس لحود وحرفوش ان المحامي قد تصرف كعضو مجلس في البلدية من جهة، ولم يكن الهدف من كتاباته حماية فئات معينة او الدفاع عن حقوق محددة مثل ابناء بيروت، او يضع خبرته في المجالين القانوني والقضائي في خدمة القضايا العامة والمجتمعية. وقضت بفسخ قرار مجلس النقابة وقررت اعطاء الاذن بملاحقة المحامي. ومما جاء في القرار:
“وحيث للقول بإعطاء الاذن بالملاحقة او رفضه، لا بد من بالعودة الى معطيات الملف الراهن من اجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة فيما اذا كانت الافعال المدعى بها في الشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت مرتبطة بالمهنة وما إذا كانت ظاهرياً جرماً جزائياً يقتضي ملاحقة المستأنف عليه بسببها.
وحيث يعتبر الفعل ناشئاً عن ممارسة مهنة المحاماة او بمعرضها عندما يتعلق الامر بأي عمل يقوم به المحامي اثناء دفاعه او تحضيراً له او ناتجاً عنه.
وحيث انه من الثابت ان المستأنف عليه كان عضواً في مجلس بلدية بيروت، وهو بهذه الصفة يمارس مهامه كعضو في المجلس المذكور وليس كمحامٍ يحمل توكيلاً من البلدية للمرافعة والمدافعة عنها، بحيث يعتبر خارجاً عن اطار ممارسة مهنة المحاماة.
وحيث من جهة ثانية، فإنه اذا كانت مهنة المحاماة تساهم في تنفيذ الخدمة العامة وتحقيق رساة العدالة، وفقاً للمواد /1/ و /2/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة، إلا ان ذلك يجب ان يتم ضمن نظاق القوانين والانظمة، بحيث يتعين على المحامي، ولو كان يتولى الى جانب ملفاته الخاصة والفردية – نشاطات اخرى في مجال العمل البلدي مثلاً، يهدف من خلالها الى حماية فئات معينة او الدفاع عن حقوق محددة، مثل ابناء بيروت، ان يسلك، توصلاً لذلك، الاطر التي وضعها له القانون بصفته محامياً، فيضع خبرته في المجالين القانوني والقضائي في خدمة القضايا العامة والمجتمعية التي يهمه متابعتها، وذلك من خلال تقديم الطلبات او الدعاوى او الشكاوى او الاخبارات بالطرق المناسبة وامام المراجع المختصة.
وحيث انه اذا قرر المحامي عدم استعمال تلك الادوات او المعلومات وعمد إلى الخروج عن تلك الاطر، وهو امر مشروع ومفهوم كون المحامي بالنتيجة مواطناً وفرداً من افراد المجتمع يتأثر بما يحيطه ويكوّن قناعاته وآراءه الشخصية، فإنه لا يعد في هذا السياق محامياً يمارس مهنته بل يعتبر مواطناً عادياً له حقوق ومطالب”.
6- وفي قرار صادر بتاريخ 2024/5/16 تحت الرقم 2024/32، اعتبرت هيئة المحكمة المؤلفة من القضاة عويدات وعطالله ومعماري وعضوي المجلس لحود ويونس ان قرار المجلس التأديبي قد جاء في محله لجهة الادانة المسلكية ولجهة مدة العقوبة، ومما جاء في القرار:
“وحيث انه بصرف النظر عن مدى جدية ادعاء المستأنف بتزوير الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف المذهبية الدرزية العليا، كما وبمعزل عن طبيعة العلاقة الاجتماعية السابقة التي تربطه بالقاضي الموجهة له الرسالة ومدى إرتضاء الاخير التواصل معه عبر الهاتف، إلا ان طبيعة العبارات الواردة في الكتاب إنما تتخطى اصول التخاطب مع مطلق شخص وبالاخص مع قاضي ناظر في نزاع يخص المرسل، كما انها تتجاوز حدود الدفاع التي يجب ان يلتزم بها المحامي سواء بمعرض دفاعه عن موكل او عن نفسه.
وحيث ان العبارات المشار اليها آنفاً، والتي لم يكتف المستأنف بتوجيهها الى القاضي نفسه بل بعث بها لسواه، إنما تتضمن شكاً بنزاهة القاضي وحيادته واستقلاليته ما يشكل إهانة قصوى وتعرض غير مقبول لشخص اي قاض، ومساً خطيراً بشرفه وكرامته، ونسبة جرم جزائي له. وبالفعل فإنه قياساً على ما ورد في المادة /74/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة، فإنه اذا كان لا يُسأل المحامي، ولا يترتب عليه اي دعوى بالذم او القدح او التحقير من جراء المرافعات الخطية او الشفهية، التي تصدر عنه ما لم يتجاوز حدود الدفاع وآداب المرافعة، فكيف اذا كان التخاطب خارج هذا الاطار او اذا كان موجهاً لقاضٍ.
وحيث على صعيد آخر، فإن إرسال اوراق المحكمة من لوائح ومذكرات بواسطة الكتاب المضمون، وإن لم يكن محظّراً بشكل صريح في القانون، إلا انه يخرج عن التعامل الاعتيادي المعتمد اصولاً الذي يفرض تسليم الاوراق لايداعها ملف النزاع في القلم للتأكيد على وصولها والتمكن من ايرادها اصولاً على المحضر وتحديد هوية الشخص الذي احضرها، كذلك فإن المطالبة بالاطلاع على الاوراق والقرارات والاحكام عبر الهاتف يخرج هو الآخر عن الاساليب القانونية المتبعة، وهي امور تعتبر غير مهنية وغير محبذة ولو تجاوب الموظفون معها من وقت الى آخر لياقة او تسهيلاً للامور في ظل الاوضاع الاقتصادية والصحية التي شهدها البلد.
وحيث انه تبعاً لمجمل ما تقدم، فإن الافعال المنسوبة الى المستأنف تعد مخالفة للمواد موضوع الإحالة، ما يعرض المستأنفة للمساءلة المسلكية.
وحيث انه لناحية العقوبة، فإنه يجب ان تتناسب مع طبيعة الفعل وخطورته وان تتلاءم مع حجم المخالفة مع الاخذ في الاعتبار نية الفاعل وظروفه.
وحيث انه في ضوء الاوضاع العامة السائدة خلال المحاكمة الجارية امام المحاكمة المذهبية والاقفال شبه المتواصل الناجم عنها، وبالنظر لكون الملف الحاصل بمعرضه الفعل خاصاً بالمستأنف بموضوع طلاق وحضانة اولاد وما ينجم عن ذلك من اضطرابات ومشاكل شخصية، فإن المحكمة ترى ان العقوبة الملقاة على المستأنف تتناسب مع الفعل المرتكب منه.
وحيث تبعاً لما تقدّم، يقتضي رد الاستئناف اساساً وتصديق ما قضى به الحكم المستأنف، لاسيما وان الحكم المذكور لا يعتبر متمتعاً بالصفة التنفيذية إلا من تاريخ صيرورته مبرماً بعد تصديقه من قبل محكمة الاستئناف”.
“محكمة” – الإثنين في 2024/6/3