قرار جريء لاتهامية بيروت برئاسة دلول: أيّ مذكّرة توقيف قبل الاستجواب تُفْسخ حكْماً
كتب علي الموسوي:
أثار القرار الصادر عن الغرفة الاستئنافية في بيروت برئاسة القاضية فريال دلول بصفتها هيئة إتهامية بالانتداب، لجهة منع صدور مذكّرة توقيف قبل حصول إستجواب للمدعى عليه لدى قاضي التحقيق المحال عليه الملفّ، ردود فعل متناقضة بين القضاة والمحامين، وإنْ كان مُتفقاً مع النصّ وإعمالاً له بحذافيره، لا بل إنّ نقيضه كان سائراً ودارجاً بين قضاة التحقيق في أغلبية الحالات والدعاوى إنْ لم نقل كلّها وهو ما يتعارض والقانون.
وشكّل هذا القرار القانوني السليم وثبة إلى الأمام، وإرباكاً لدى قضاة التحقيق في آن معاً، ذلك أنّ هناك أسلوباً معتمداً يقول بوجوب قطع مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدعى عليه فور إحالته إلى قاضي التحقيق وقبل استجوابه كما تقتضي الأصول لكي يكون توقيفه سليماً من الناحية القانونية وليس احتجازاً للحرّيّة أو افتئاتاً عليها، فبمجرّد وصول الإدعاء بموجب ورقة طلب من النيابة العامة إلى دائرة قاضي التحقيق كان يصدر في أغلب الأحيان، مذكّرة توقيف وجاهية بحقّه حتّى ولو لم يتسنّ له استجوابه، وهو ما اعتبرته الهيئة الاتهامية ضرباً لنصّ المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي حرص المشرّع فيها على تقديم مرحلة الاستجواب على مرحلة إصدار قرار التوقيف، بمعنى أنّ الاستجواب سابق لقرار التوقيف، وليس العكس، وكلّ عمل يتناقض مع هذه التراتبية يعتبر مخالفاً للقانون وغير مراع للإجراءات المُوجبة للتوقيف.
وإذا ما جرى اعتماد ما ذهبت إليه الرئيسة دلول والمستشارتان حاطوم ومنير في حركة عمل قضاة التحقيق اليومية، فإنّه قد يؤثّر على مبدأ التوقيف وقانونيته، إذ إنّه كثيراً ما يحال مدعى عليهم موجودون على قضاة التحقيق ويستمهلون لتوكيل محامين للدفاع عنهم، فيضطرّ الواحد من هؤلاء إلى إصدار مذكّرة توقيف وجاهية لإعطاء هذا التوقيف صبغة قانونية.
كما أنّ وكلاء بعض المدعى عليهم يستمهلون لتقديم دفوع شكلية تحجب البدء بالاستجواب إلى حين الانتهاء من مرحلة الدفوع الشكلية، غير أنّ بعضهم أيضاً يستقلّ قطار هذه الدفوع للتهرّب من إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّه في حال كان موقوفاً في ملفّ آخر.
وهكذا صار يتوجّب على قضاة التحقيق التنبّه إلى ضرورة القيام للوهلة الأولى، بالاستجواب اللازم، ولو شكلياً، ولو الاقتصار على مآل الإسناد، دون الغوص كثيراً في متن القضيّة، وذلك تمهيداً لإصدار مذكّرة توقيف وجاهية سليمة من الوجهة القانونية، وإلاّ فإنّ أيّ مذكّرة توقيف تسبق الاستجواب تكون عرضة للفسخ إذا ما جرى استئناف القرار الصادر فيها أمام الهيئة الاتهامية.
وقد جاء القرار اليقظ من القاضية دلول في واحدة من الدعاوى الكثيرة المحال بها رجل الأعمال بهيج أبو حمزة أمام القضاء. ويسجّل لهيئة محكمة الاستئناف جرأتها في موقفها دون التوقّف عند اعتبارات معيّنة تمليها ظروف القضيّة أو اسم المدعى عليه أو اسم المدعي، ولذلك قرّرت فسخ قرار قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق لجهة إصدار مذكّرة توقيف بحقّ أبو حمزة وإطلاق سراح هذا الأخير ما لم يكن موقوفاً بداع آخر.
وبسبب أهميّة هذا القرار النوعي والمميّز، فإنّ “محكمة” تنشره حرفياً تعميماً للفائدة القانونية المرجوة منه، وهو أتى على الشكل التالي:
قرار
إنّ الهيئة الاتهامية المنتدبة في بيروت المؤلّفة من الرئيسة فريال دلول والمستشارتين فرح حاطوم ولارا منير
لدى التدقيق والمذاكرة،
وبعد الاطلاع على الاستئناف المقدّم بتاريخ 12/5/2016 من المدعى عليه بهيج أبو حمزة، وكيله المحامي بهيج أبو مجاهد، طعناً بالقرار الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت والذي قضى بتاريخ 10/5/2016 بإصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدعى عليه الذي طلب بموجبه ما يلي:
– قبول الاستئناف في الشكل، وفسخ القرار المستأنف في الأساس لمخالفته أحكام المادة 107 أصول محاكمات جزائية، واتخاذ القرار بترك المستأنف حرّاً، وتدريك المستأنف عليها الرسوم والمصاريف والنفقات.
وتبيّن أنّ المستأنف عليها المدعية شركة “الوود فينيس أنك”، وكيلتها المحامية ندى عبد الساتر أبو سمرا قدّمت بتاريخ 31/5/2016 مذكّرة توضيحية طلبت بموجبها ردّ الاستئناف شكلاً إذا ما تبيّن أنّه وارد خارج المهلة القانونية المحدّدة بأربع وعشرين ساعة، وردّه أساساً لعدم قانونيته، وتصديق القرار المستأنف القاضي بإصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدعى عليه.
بناء عليه
أولّاً: في الشكل: حيث إنّ القرار المستأنف صدر بتاريخ 10/5/2016 ولم يظهر من المحضر التأسيسي أنّه أبلغ من المدعى عليه، فيكون الاستئناف المقدّم بتاريخ 12/5/2016 قد ورد ضمن المهلة القانونية وهو مستوف لسائر شروطه الشكلية، فيُقبل في الشكل.
ثانياً: في الأساس: حيث يتبدّى من مفهوم المادة 107 أصول محاكمات جزائية أنّ قرار التوقيف يصدر بعد استجواب المدعى عليه، فضلاً عن أنّ ورقة طلب النيابة العامة تاريخ 30/4/2016 طلبت من قاضي التحقيق إصدار مذكّرة التوقيف الوجاهية بحقّ المدعى عليه بعد الاستجواب.
وحيث إنّه لم يظهر من الملفّ أنّ قاضي التحقيق قد راعى الإجراءات الموجبة للتوقيف لاسيّما إستجواب المدعى عليه، ممّا يستوجب فسخ القرار المستأنف وإطلاق سراح المدعى عليه ما لم يكن موقوفاً بداع آخر لمخالفته أحكام المادة 107 أ.م.ج.
لذلك نقرّر:
أولّاً- قبول الاستئناف في الشكل.
ثانياً- قبوله أساساً، وفسخ القرار المستأنف، وترك المدعى عليه المستأنف حرّاً ما لم يكن موقوفاً بداع آخر للأسباب المبيّنة في المتن.
ثالثاً- حفظ الرسوم والنفقات كافة.
رابعاً: إعادة الملفّ إلى مرجعه.
قراراً صدر في بيروت بتاريخ 1/6/2016”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 9 – تموز 2016).