قرار لمحكمة “استئناف إيجارات بيروت” حول القانون الواجب التطبيق ومفهوم النزاع الجدّي/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الناظرة في دعاوى الايجارات والمؤلفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري عدة نقاط قانونية. فاعتبرت ان لا مبرر لفتح المحاكمة لأنّ الطلب لم ينطو على وقائع جديدة غير معلومة.
كما بحثت المحكمة في القانون الواجب التطبيق في ظل صدور عدة قوانين، وان القاضي المنفرد لم يثر مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق من تلقاء نفسه وعفواً دون ان يدعو الفريقين الى مناقشتها، ولا يكون قد خالف مبدأ وجاهية المحاكمة.
كما بحثت المحكمة مسألة النزاع الجدي الذي يجب ان ينظر اليه من الناحية الموضوعية وليس من خلال تفسيرات فرقاء الدعوى. وبالتالي فإن حسن النية يفترض قيام كل مستأجر مدين بالتعامل مع دائنه المؤجر على وجه يحافظ على الحقوق والموجبات المتقابلة، وتسديد هذه الحقوق ضمن المهل القانونية المحددة من قبل المشرع دون التذرع بأسباب واهية تخفي رغبة بعدم تسديد المستحقات ضمن المهل القانونية.
وقضت بتصديق الحكم المستأنف الذي قضى بفسخ عقد الاجارة والاسقاط من حق التمديد القانوني والاخلاء.
ومما جاء في القرارالصادر بتاريخ 2019/5/9:
بناء عليه،
ثانياً: في طلب فتح المحاكمة
حيث ان المستأنف تقدم بطلب فتح المحاكمة مبرزاً انذاراً مرسلاً من المستأنف عليه الى المستأنف بواسطة الكاتب العدل في بيروت يطالب بموجبه بتسديد بدل الاجارة البالغ /765,000/ل.ل. عن السنوات 2015 و 2016 و 2017 وايصالاً بالرقم /0009/ تاريخ 2018/6/2 سدّد بموجبه دفعة عن حساب الايجار للاعوام 2015 و 2016 و2017.
وحيث ان المادة /500/أ.م.م. تنص على انه اذا حدثت واقعة جديدة او ظهرت واقعة غير معلومة بعد اختتام المحاكمة وقبل النطق بالحكم، كان للمحكمة ان تقرر، من تلقاء نفسها او بناءً على طلب احد الخصوم، فتح المحاكمة واعادة قيد القضية في جدول المرافعات.
وحيث ان المعطيات التي اشتمل عليها طلب فتح المحاكمة لم تنطو على وقائع جديدة او غير معلومة تبرر فتح المحاكمة لاسيما وان المستندات المبرزة في اللائحة سبق ان ابرزها المستأنف في الملف الابتدائي، ما يقتضي معه رد طلب فتح المحاكمة لعدم الجدوى والجدية.
ثالثاً: في الأساس
حيث ان المستأنف يطلب، من نحواول، فسخ الحكم المستأنف لمخالفته القانون واسناده الى اسباب قانونية اثارها القاضي من تلقاء نفسه لناحية تحديد القانون الواجب التطبيق دون ان يدعو الخصوم مقدماً الى مناقشتها وتقديم ملاحظاتهم بشأنها.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب رد ادلاء المستأنف لهذه الجهة كونه قد استند في مدعاه الى الفقرة /أ/ من المادة /34/ من القانون تاريخ 2014/5/8 وقد نازع المستأنف بهذه النقطة القانونية حين اعتبر ان الدعوى مسندة الى قانون معلق العمل به لعدم دستورية بعض مواده، بحيث يكون واجب الحكم المستأنف مناقشة القانون الواجب التطبيق وفقاً لطلبات الخصوم معتبراً ان قانون الايجارات الواجب التطبيق في الحالة الراهنة هو القانون تاريخ 2014/5/9 سنداً للمادة /55/ من قانون الايجارات الجديد 2/2017.
وحيث ان الفقرة 2 من المادة /370/أ.م.م. نصت على ان “للقاضي ان يثير من تلقاء نفسه الاسباب القانونية الصرفة، اياً كان الاساس القانوني الذي تذرع به الخصوم” كما نصت الفقرة 3 من المادة 373 أ.م.م.، انه “لا يصح للقاضي اسناد حكمه الى اسباب قانونية صرفة دون ان يدعو الخصوم مقدماً الى تقديم ملاحظاتهم بشأنها”.
وحيث ان موضوع الدعوى يتعلق باسقاط حق المدعى عليه – المستأنف من التمديد القانوني في المأجور الكائن في القسم /27/ من العقار 4452/المصيطبة لعدم دفع البدلات، ما يقتضي معه اولاً بحث القانون الواجب التطبيق على النزاع.
وحيث انه بعد الاطلاع على اللوائح المقدمة في المرحلة الابتدائية من فريقي الدعوى، يتبين من جهة ان المدعي المستأنف عليه قد طلب في الاستحضار المقدم منه اسقاط حق المدعى عليه من التمديد القانوني والزامه باخلاء المأجور الذي يشغله في الطابق السادس قسم /27/ من البناء القائم على العقار رقم 4452/المصيطبة سنداً للفقرة /أ/ من المادة 34/ من القانون تاريخ 9/5/2014، كما تبين من جهة اخرى ان المدعى عليه المستأنف قد نازع في اللائحة الجوابية تاريخ 2017/2/6 بالقانون الوجب التطبيق بحيث طلب في ختامها رد الدعوى لعدم جديتها ولعدم قانونيتها ولاستنادها الى قانون معلق العمل به لعدم دستورية بعض مواده ولكون قد تم التصويت على قانون جديد يلغي القانون الصادر بتاريخ 2014/5/8 كلّياً.
وحيث لا يكون القاضي المنفرد المدني الناظر قد اثار مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع الحاضر من تلقاء نفسه وعفواً ودون ان يدعو الفريقين الى مناقشتها، تبعاً لاثارة المستأنف لوجود القانون الجديد للايجار.
وحيث لا يكون بالتالي قد خالف مبدأ وجاهية المحاكمة، ما يقتضي معه رد ادلاءات المستأنف لهذه الجهة.
وحيث ان المستأنف يطلب، من نحو ثانٍ، فسخ الحكم المستأنف لاستناده الى انذار باطل واحتساب البدلات خلافاً لاحكام القانون المقرر التطبيق من قبل قاضي الايجارات خاصة وان المستأنف غير العالم بدقائق القانون قد اصبح بحالة من التشوش الذهني جراء ما تضمنه الانذار المرسل من قبل المستأنف عليه، علماً انه قد سدد كامل بدلات العام 2015 وجزءً يسيراً من بدل العام 2016، فضلاً عن ان القانون الجديد الذي اقر عام 2014 هو موضوع طعن امام المجلس الدستوري وبالتالي لا امكانية من تطبيق الزيادات على المستأجر في ظل التناقض الواضح بين احكامه.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب رد ادلاء المستأنف لهذه الجهة كون زعم المستأنف بانه حسن النية وغير ملم بدقائق القانون مردود شكلاً لعدم جواز الادلاء به لاول مرة استئنافاً سنداً للمادة /662/أ.م.م. وكونه من الثابت ان المستأنف لم يبادر الى دفع اي مبلغ عن بدل ايجار عن العام 2016 بالرغم من انصرام مهلة الشهرين على ابلاغه الانذار بدفع البدلات ولا حتى بادر الى دفع المبلغ الذي يعتقد انه مدين به بحسب بدل الايجار القديم لاثبات حسن نيته.
وحيث ان النزاع الراهن يتعلق، كما سبقت الاشارة، بإسقاط المستأجر من حقه في التمديد القانوني لعدم دفع البدلات بعد ان انذر بوجوب دفعها قبل نفاذ القانون رقم 2017/2 الصادر بتاريخ 2017/2/28، فلا يمكن تطبيق احكام هذا القانون على الانذار موضوع النزاع والآثار المترتبة عليه، ما يوجب تحديد القانون الواجب التطبيق على ضوء تتابع نفاذ القوانين الاستثنائية في قضايا الايجارات.
وحيث ان قانون الايجارات الجديد رقم 2017/2 الصادر بتاريخ 2017/2/28، تضمن في المادة /55/ منه تمديد العمل بقانون الايجارات رقم 92/160 حتّى تاريخ 2014/12/28 ، اي تاريخ بدء نفاذ قانون الايجارات الصادر بتاريخ 2014/5/8، ما يفيد ان نية المشترع هي تطبيق احكام القانون المشار اليه بين تاريخ 2014/12/28 وحتى تاريخ نفاذ قانون الايجارات الجديد رقم 2017/2 الآنف ذكره.
وحيث يقتضي التأكيد على وجوب اعمال النصوص القانونية التي تضمنها قانون الايجارات الصادر بتاريخ 2014/5/8 بإستثناء تلك المتعلقة بزيادة بدلات الايجار للمستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ثلاثة اضعاف الحد الادنى للاجور اذا تقرر الموافقة على منحهم مساعدة الصندوق وذلك لحين تنفيذ قرار الموافقة المذكورة بعد انشاء الصندوق وتنظيم آلية عمله من قبل السلطة التنفيذية، كل ذلك من تاريخ نفاذ القانون المشار اليه ولحين دخول القانون رقم 2017/2 تاريخ 2017/2/28 حيّز التنفيذ.
وحيث انه، بالعودة الى الحالة الحاضرة، فإن القانون النافذ بتاريخ 2014/12/28 ، الذي ارسل الانذار بتاريخ 2016/2/18 في ظله وحصل التمنع عن الايفاء في ظله وقدمت الدعوى بداية بتاريخ 2016/9/20 في ظلّه، هو الواجب التطبيق في الحالة الراهنة لناحية شروط الاسقاط من حق التمديد لعدم دفع البدلات.
وحيث انه بحسب الفقرة “أ” من المادة /34/ من القانون المذكور يسقط حق المستأجر بالتمديد القانوني…اذا لم يدفع ما استحق عليه من بدل الاجارة خلال شهرين من تاريخ تبلغه بنفسه او بواسطة احد افراد عائلته الراشدين المقيمين معه انذاراً بموجب بطاقة مكشوفة مضمونة مع اشعار بالاستلام او بموجب كتاب موجه اليه بواسطة الكاتب العادل.
وحيث ان الانذار يجرد من مفعوله المسقط للاجارة في حال وجود نزاع جدي بين المؤجر والمستأجر حول المبالغ موضوع الانذار، على ان النزاع الجدي لا ينظر اليه من خلال تفسيرات الفريقين المشار اليهما وإنّما من الناحية الموضوعية.
(مراجعة: القاضي غسّان رباح والقاضي راشد طقوش، قانون الايجارات الجديد مع كافة تعديلاته، الطبعة الثانية 2002، تفسير المادة العاشرة من القانون رقم 92/160، ص156)
وحيث ان حسن النية يفترض قيام كل مستأجر مدين بالتعامل مع دائنه المؤجر على وجه يحافظ على الحقوق والموجبات المتقابلة، وتسديد هذه الحقوق ضمن المهل القانونية المحددة من قبل المشرع دون التذرع بأسباب واهية تخفي رغبة بعدم تسديد المستحقات ضمن المهل القانونية.
وحيث انه يتبين في هذا السياق، انه بتاريخ 2016/2/18 وجّه المستأنف عليه انذاراً الى المستأنف بوجوب تسديد البدلات المستحقة بذمته عن عام 2015 و 2016، تبلغه هذا الاخير بتاريخ 2016/3/2
وحيث من مراجعة مجمل المستندات المرزة في الملف، يتبين ان المستأنف سدد بموجب الايصال رقم /536/ تاريخ 2018/8/18 مبلغ /500/د.أ. يمثل دفعة على حساب ايجار الشقة موضوع الدعوى عن العامين 2014 و2015، كما يتبين ان المستأنف سدد لاحقاً بموجب الايصال رقم /0009/ تاريخ 2018/6/2 مبلغ /2,025,000/ل.ل. يمثل دفعة على حساب ايجار الشقة المذكورة عن الاعوام 2015 و2016 و2017.
وحيث ان المستأنف لم يقدم اي دليل على دفعه بدل الايجار العائد لعام 2016 حتى دون الزيادة المحددة في تقرير الخبرة خلال المهلة المكرسة قانوناً، اي شهرين من تاريخ تبلغه الانذار، لاسيما وان تاريخ الايصال رقم /0009/ الذي دفع بموجبه المستأنف ايجار الشقة عن عام 2016 هو تاريخ لاحق لتاريخ انقضاء مهلة الشهرين القانونية التي لحقت تاريخ تبلغ المستأنف الانذار في 2016/6/15.
وحيث انه، وعلى فرض ان المستأجر المستأنف لم يكن عند انذاره موافقاً على طريقة احتساب بدل الايجار والزيادة المتوجبة، الا انه يبقى المستأجر ملزماً بايفاء ما يعتبره مستحقاً في ذمته، فيكون ملزماً بالتالي بايفاء بدل الايجار الاساسي المتوجب عليه عن العام 2016، والمطالب به بشكل واضح في الانذار الموجه اليه وذلك خلال المهلة القانونية المحددة بشهرين من تاريخ تبلغ الانذار، دون سائر الزيادات التي قضى بها القانون الجديد.
وحيث ان حسن نية المستأجر لا تمنع من اسقاطه من حقه في التمديد القانوني في حال توافرت شروط هذا الاسقاط.
وحيث ان شروط الاسقاط من حق التمديد تكون متوافرة في الحالة الراهنة لتقاعس المستأجر عن تسديد ما هو متوجب عليه، اي بدل الايجار الاساسي المتوجب عن عام 2016، خلال المهلة المكرسة قانوناً فيكون الحكم المستأنف فيما قضى به من نتيجة واقعاً في محله القانوني، فيقتضي بالتالي تصديقه.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد اما لكونها لاقت رداً ضمنياً او لعدم تأثيرها على النزاع، وكذلك رد المطالبة بالعطل والضرر لعدم تحقق شروط ذلك.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف الاصلي شكلاً
2- ردّ طلب فتح المحاكمة
3- ردّ الاستئناف اساساً، وتصديق الحكم المستأنف
4- ردّ طلب العطل والضرر
5- ردّ سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة
6- مصادرة التأمين الاستئنافي، وتضمين المستأنف الرسوم والنفقات القانونية
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/5/9
“محكمة” – الأربعاء في 2019/7/10