كتاب مفتوح موجَّه إلى حضرة الأستاذ أحمد الشرع المحترم/أنطونيو الهاشم
بقلم أنطونيو الهاشم (نقيب المحامين في بيروت سابقاً):
تحية طيبة وبعد،
أتوجه إليكم بهذه الرسالة في لحظة أعتبرها تاريخية ومفصلية لشعبينا، لحظة تستدعي منّا جميعًا تأملًا عميقًا في جوهر العلاقة بين لبنان وسوريا. هذه العلاقة التي كُتبت فصولها الأولى بحبر الجغرافيا ودم التاريخ، تحتاج اليوم إلى إعادة صياغة بروح الحكمة، التجديد، والاحترام المتبادل.
إن إزالة إرث الماضي، بما يحمله من ذاكرة سورية سلبية لدى اللبنانيين، يعكس لديكم إدراكًا عميقًا للحساسيات التاريخية. لكنّ هذا الإدراك يجب أن يُترجم إلى أفعال إيجابية تعالج ذيول هذا الإرث، وتفتح صفحة جديدة قوامها الحياد واحترام السيادة. إن التزامكم بمبدأ الحياد وتأكيدكم أن سوريا القادمة ستقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان، وتعهدها بعدم التدخل السلبي، يُعتبر موقفًا متقدمًا وإيجابيًا. ولكن، ما نطمح إليه هو ترجمة هذه التصريحات إلى خطوات ملموسة تعكس حسن النوايا وتعيد بناء الثقة بين شعبينا.
لقد علّمنا التاريخ أن العلاقات بين الدول، خاصة تلك التي تربطها أواصر القربى والمصير المشترك، لا يمكن أن تُبنى على التوتر أو الهيمنة، بل على الاحترام المتبادل والسيادة الحقيقية. إن قوة أي علاقة تكمن في توازنها، وفي إدراك كل طرف لحق الآخر في اختيار مساره بحرية، بعيدًا عن أي تدخل أو فرض للإرادة.
ولعلّ من أبرز ما يجمع بلدينا هو رسالتهما المشتركة في العيش معًا، تلك الرسالة التي أملتها مجتمعاتنا الغنية بالتنوع الديني والمذهبي. إن هذا التنوع ليس عبئًا، بل هو مصدر غنى وقوة إذا ما أُحسن التعامل معه. فهو نموذج فريد للمنطقة بأسرها يُظهر كيف يمكن للتعددية أن تكون جسرًا للتواصل والتعاون، بدلًا من أن تكون سببًا للصراعات والانقسامات.
لبنان، هذا الوطن الصغير في مساحته والكبير في طموحاته، يسعى إلى الحفاظ على استقلاله وهويته، دون أن ينفصل عن عمقه العربي وفي مقدمته سوريا. ومع ذلك، فإن هذا العمق العربي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التزام متبادل باحترام الحدود والسيادة، والاعتراف بحق كل دولة في تقرير مصيرها.
لذلك، أدعوكم بصدق وإيمان إلى فتح صفحة جديدة تقوم على الحوار الفعّال والتعاون البنّاء، صفحة تنبذ منطق الصراع والهيمنة، وتؤسس لمنطق الشراكة. في هذه الصفحة، لن يكون الأقوى من يفرض إرادته، بل من يسهم في تحقيق العدالة والكرامة لشعبه وللشعوب المحيطة.
إن ما نحتاج إليه اليوم ليس مجرد مصالحة سياسية عابرة، بل رؤية عميقة وشاملة تقوم على احترام الإنسان كفرد، والجماعة ككيان مستقل. رؤية تجعل من السلام خيارًا استراتيجيًا دائمًا، وليس هدنة مؤقتة.
أتمنى أن تجد دعوتي هذه صدى في قلوبكم وعقولكم، لأن الأوطان تُبنى بالعقول النيّرة والقلوب الصادقة. فلنعمل معًا على صياغة نموذج جديد للعلاقة بين لبنان وسوريا، نموذج يحتذى به في المنطقة ويُخلّده التاريخ بفخر.
والله وليّ التوفيق.
“محكمة” – الأحد في 2024/12/22