كسبار في لقاء حاشد بذكرى انفجار المرفأ: للفاعلين والمحرّضين والمهملين والمستلشقين العدالة السماوية ستطالكم
خاص “محكمة”:
أحيت نقابة المحامين في بيروت الذكرى السنوية الثانية لجريمة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، بلقاء حاشد في قاعة المؤتمرات في “بيت المحامي” بحضور نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار والنقيب السابق النائب ملحم خلف، ونقيبة المحامين طرابلس ماري تريز القوال، وأعضاء مجلسي نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس وعدد كبير من المحامين وأهالي الضحايا والجرحى.
بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد نقابة المحامين، والوقوف دقيقة صمت عن أرواح الضحايا، قدم أمين سر مجلس النقابة سعد الدين الخطيب الحفل قائلاً:
“اسمحوا لي أن أرحب ترحيباً خاصاً، مفعماً بالتقدير والإحترام لأهلنا، أهالي شهداء وضحايا وجرحى تفجير مرفأ بيروت 4 آب 2020. الساعة السادسة وأربعون دقيقة كنت أول الواصلين إلى دار النقابة في قصر عدل بيروت، فوجدت هول الإنفجار قد طالها. دمار في الطابق الثالث، مكاتب النقابة متضررة بشكل كبير وكذلك بيت المحامي، إلا ان هذه الإضرار بالرغم من فداحتها تبقى صغيرة أمام حجم الفاجعة، ثلاثة شهداء من زملائنا: خليل أديب مجاعص، هادي نايف سكر، وإيلي نها نوفل، إضافة إلى العديد من الزميلات والزملاء الجرحى التي انقذتهم العناية الإلهية وفي مقدمتهم نقيبنا الغالي ناضر كسبار الذي بالرغم آلامه واصاباته استمر في أداء عمله النقابي إلى أن تولى سدّة النقابة في تشرين الثاني من العام المنصرم 2021.»
بعده ألقت المحامية سيسيل روكز شقيقة أحد ضحايا مرفأ كلمة مؤثرة طالبت فيها بوجوب كشف الحقيقة، معبّرة عن مدى حزنها وحزن الناس مما حصل ويحصل خصوصاً وان أهالي الضحايا والجرحى يعيشون مأساة العمل الإجرامي يومياً.
وتم عرض فيلم قصير حول بيروت قبل الإنفجار وبيروت بعد الإنفجار.
وقدم المحامي شكري حداد ملخصاً عن تقرير مكتب الإدعاء “الذي تمت مأسسته ضمن هيكلية النقابة، يرسم استراتجية متابعة دعاوى أهالي الضحايا والمتضررين أمام المراجع القضائية اللبنانية والأجنبية. وفي هذا السبيل هو يعقد، منذ 6 آب 2020، اجتماعاته أسبوعياً لمتابعة مجريات التحقيقات وتقديم الدراسات والطلبات للمحقق العدلي والإطلاع على سائر المستندات المحلية والعالمية حول التفجير الآثم وسماع أهالي الإختصاص وكل من يمكنه إنارة هذه القضية.”
ثم تكلمت نقيبة المحامين في طرابلس ماري تريز القوال فقالت:”ماذا يقول الحرف في الشفتين إن نطق الدم؟ فكل كلامٍ ينحني أمام هول الكارثة الوطنية الكبرى بعد الحرب الأهلية، لا الأبجدية تُعيد حياة من ارتحلوا عنا تحت العصف والدويّ إلى سكينة ربهم، ولا التعابير تشفي أوجاع الجرحى، ولا الخطب تضمد جراح الأهلين الذين فقدوا أعزّاءهم، لكننا في نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، وبمبادرة كريمة من سعادة النقيب الزميل ناضر كسبار، أردنا هذه الوقفة التضامنية للخشوع أكثر من الكلام، وللرجاء بانتصار الحقيقة وسطوع فجرها مهما تمادى الظلم والظلام”.
وتابعت: ” باسم نقابة المحامين في طرابلس، أتيت لأعلن صراحةً أننا مع جلاء الحقيقة بأسرع وقتٍ ممكن، ومع إقامة العدل في قضية انفجار المرفأ مهما كان الثمن وأياً كان الفاعلون، لا من أجل الانتقام من شخص أو مجموعة، ولا لخدمة موقفٍ ضد آخر، بل لأنّ ثقافة الإفلات من العقاب التي انتهجناها طويلًا في نواحٍ كثيرة من حياتنا الشخصية والوطنية، قد آن لها أن تنتهي، فما بعد 4 آب ليس كما قبله، وذلك الانفجار المشؤوم أخذ معه بعصفه كلّ المفاهيم القديمة البالية التي حالت دون بناء وطن العدالة والإنسان”.
وأضافت: “ومن أجل أن تكون هذه الحقيقة ناصعةً وشفافةً ينبغي أن نخرجها من دوائر التأثير السياسي والإعلامي، فلا تطلع إلا من خلال الوقائع التي يختزنها ملف التحقيق والأحكام القانونية التي تنص عليها القوانين النافذة، وليكن لنا أجمعين ثقةٌ بأن المسار الطبيعي للعمل القضائي سواءٌ لناحية سلطة الاتهام أو ممارسة حق الدفاع أو المداعاة بالحق الشخصي، ينبغي أن يكون في النتيجة من أجل إظهار الحقيقة لا غير”.
وختمت: “هذا مقامُ الخشوع، لأنني أعرف مقدار الألم النازل في القلوب، ولي بين الضحايا معارف، ومع بعض ذويهم صداقات، وتأخذني العاطفة كل يومٍ إلى الدمع والتأمل والصلاة، وإلى اليقين أخيرًا بأن حقًّا وراءه مطالبٌ لا يموت، فكيف إذا كان الوطن كله يطالب بهذا الحق، من أجل أرواح من ماتوا وآلام المعذبين وحرقة نفوس ذويهم، ومن أجل الأمل بأن يكون العدل أساس الملك اللبناني الجديد عن حقٍّ وحقيقة، رحم الله الضحايا الأبرياء وعزّى قلوبكم وقلوب جميع اللبنانيين.”
بعدها قدم أمين السر الخطيب نقيب المحامين قائلاً: “حاملاً هموم المحامين وقضايا المواطنين في هذه الظروف العصيبة وتحديداً حماية حقوق وأموال المودعين وغيرها من المواضيع النقابية والمعيشية، وطبعاً ما يزال مستمراً في متابعة القضية المركزية الآتية: ملف تفجير مرفأ بيروت، إنّه الشهيد الحي نقيب المحامين في بيروت الأخ والصديق العزيز الشيخ ناضر كسبار المنبر لكم”.
وشدّد النقيب كسبار على وجوب تقديم جميع التسهيلات من أجل تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة، واصفاً الجريمة بحجم الوطن وقال: “في ذلك اليوم المشؤوم، يوم الثلاثاء 4 آب 2020، نُحرت ست الدنيا.
نُحرت بيروت أم الشرائع ومرضعة القوانين، نُحرت سيدة الحب والجمال والأناقة، نُحرت سيدة العطاء والتضحية والوفاء، وعلى يد مَن، على يد مجموعات إرهابية، ومجموعات من المستهترين والمستلشقين والمهملين. فدُمرت عاصمة الشرق وسيدته، العاصمة التي لم تكن تنام قبل أن تسلم الليل للنهار. فدمرت أبنيتها، ومكاتبها، ومؤسساتها ومراكزها التجارية والتربوية والإستشفائية والمهنية والحرفية. وقتل أهلها من أطفال وشباب وصبايا وعجزة. وعُطب الآلاف ممن فقدوا أعضاء من أجسادهم ورُسمت الخرائط على وجوههم وفي إجسامهم، وأنا واحد منهم.
والنتيجة. ممنوع المطالبة بكشف الحقيقة. ومَن يطالب بكشفها كأنه يرتكب جريمة. فمن يمكن أن يرفض تحقيق العدالة غير المجرم؟ جميعنا ننشد العدالة ولا شيء غير العدالة. ونرفض ان يُتهم أي بريء. ولكن لا ولن نقبل بأن يبرأ مجرم.
من هنا، فإننا نطالب جميع المسؤولين في لبنان والخارج بتقديم جميع التسهيلات من أجل تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة. الحقيقة من أجل الضحايا والجرحى وأهل الضحايا ومن أجل لبنان.
وإن ننسى، فلن ننسى الموقوفين الذي يعانون كما يعاني أهل الضحايا والجرحى، من كف يد القضاء وعدم إمكانية متابعة الملف بسبب الطلبات التي تَرِدْ. إذ يجب إعادة وضع اليد على الملف من قبل القاضي للبت بطلبات إخلاء سبيلهم اما سلباً أو إيجاباً.
ايها السادة. العدل أساس الملك، وحيثما وجدت العدالة وجد الوطن. لفتني مَثل حول مدين رفض دفع الدين لدائنه قائلاً له: الحساب يوم الحساب. فأجابه الدائن صدقني اليوم أرخص لك.
نعم … إن يوم الحساب على الأرض أرخص بكثير من تصفيتها يوم القيامة أمام ملك الملوك وجبار السماوات والأرض.
وللفاعلين والمحرضين والمرتكبين والمهملين والمستلشقين نقول: مهما فعلتم. ومهما كابرتم. ومهما تمردتم. ومهما أخفيتم من أدلة. ومهما تهربتم. فإن العدالة السماوية سوف تطالكم. وسوف تكون أقسى عليكم من عدالة الأرض. والكسندرا التي حرمتموها من الحياة ومن طفولتها أخبرت الله بكل شيء، وبأدق التفاصيل.
أيها السادة،
إن جريمة بهذا الحجم، بحجم الوطن، باتت وكأنها تحتاج لتعيين قاضٍ من هنا وقاضٍ من هناك؟.
وهل بات الشغل الشاغل لأهالي الضحايا وللجرحى وللمواطنين، وللموقوفين، أن يأتي الفرج بتشكيل مجلس قضاء أعلى أو هيئة عامة لمحكمة التمييز أو إعادة السماح للقاضي بوضع يده على الملف؟. وبدلاً من أن تأخذ العدالة مجراها بشكل سليم وعادي، ومن دون أي انتقام أو تشفي؛ بتنا نفرح لأنه تم الإفراج عن الملف بعد تقديم الطلبات تلو الطلبات؟
ولكن … لمن يعرقل التحقيق بأي وسيلة من الوسائل نقول: لن نهدأ ولن نستكين قبل أن نكتشف الحقيقة الصحيحة الكاملة، وان مكتب الإدعاء في النقابة الذي يعمل ليل نهار، يعمل في لبنان والخارج بتقنية عالية، ويساعد قدر المستطاع في سبيل ذلك. وإلى من أحزن عروس الشرق، وشعبها، نقول: سوف تبقى بيروت مهد الحضارات. وها هي تنهض من مآسيها مثل طائر الفينيق، وتعود إلى وهجها. أما فرحتها فلن تكتمل إلا بعد كشف الحقيقة مهما طال الزمن. والله وليّ التوفيق.”
“محكمة” – الأربعاء في 2022/8/3