لئلّا تتكرّر قضيّة لطيفة قصير: يتوجّب تشديد العقوبات وتعديل قانون تنفيذها ورفع التعويضات/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لئلّا يقع الظلم مرّتين، بذهاب المرأة ضحيّة زوجها أو طليقها وما قد ترسمه له مخيّلته من صور وألوان وغشاوة تستبيح عقله وقلبه وتدفعه إلى قتلها والتخلّص منها مع أنّ أهون الشرور تركها بإحسان، وباستفادة القاتل من أحكام مطّاطة في قانون العقوبات ومن استنسابية متاحة للجنة تخفيض العقوبات تؤدّي في لحظة ما إلى تخفيض العقوبة مع احتساب السنة السجنية تسعة شهور بدلًا من إثني عشر شهرًا، بات من الضروري التشدّد في جرائم قتل النساء للحؤول دون تكرارها.
فلم يعد مقبولًا مثلًا مع كلّ جريمة قتل تطال امرأة ما، وصدور حكم مخفّف لا يتناسب والجرم وتداعياتها، أن ينتظر المرء تحرّك النيابة العامة التمييزية للقيام بمسؤوليتها تجاه المجتمع بتقديم استدعاء تمييزي ضدّ الجاني يترافق مع مثيل له يقدّمه أهل الضحية بغية السعي إلى تشديد العقوبة كما حصل في قضيّة مقتل منال عاصي على يد زوجها محمّد النحيلي، ولولا الضغط في بعض وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، لما تحرّكت النيابة العامة التمييزية آنذاك في العام 2017.
إنّ مناسبة الحديث عن هذا الجرح، هو القرار المبرم الصادر عن محكمة الإستئناف الناظرة بقضايا تخفيض العقوبة في جبل لبنان لمصلحة السجين إبراهيم عارف طالب قاتل طليقته لطيفة قصير في العام 2010 والمحكوم بعقوبة السجن 18 سنة.
قرار مبرم
فهذا القرار من الناحية القانونية البحتة، مبرم ونهائي وغير قابل للطعن من أيّة جهة كانت سواء أكانت النيابة العامة أو المتضرّر، لا بل لا يوجد سبيل قانوني ولا بصيص أمل قانوني واحد في المئة للطعن به أو تأخير تنفيذه بمجرّد صدوره عن الهيئة القضائية المعنية، وهو “يتمتّع بقوّة تنفيذية ولا يخضع لأيّ طريق من طرق المراجعة العادية أو غير العادية” على ما تقول المادة العاشرة من قانون تنفيذ العقوبات رقم 2002/463 وتعديله بموجب القانون رقم 2011/183.
وقد منحت محكمة الإستئناف الناظرة بقضايا تخفيض العقوبة في جبل لبنان برئاسة القاضي أميرة شحرور القاتل إبراهيم طالب الحدّ الأدنى لتخفيض العقوبة وهو بنسبة السدس أيّ ما يوازي ثلاث سنوات كانت كفيلة مع احتساب السنة السجنية تسعة شهور بتحويل عقوبة الأشغال الشاقة مدّة 18 سنة إلى 11 سنة لتتوافق مع مدّة مكوثه خلف القضبان، وبالتالي تعبيد الطريق أمامه للخروج إلى الحرّية.
إقتراح اللجنة
ويأتي عادة، قرار محكمة الإستئناف بعد صدور اقتراح عن لجنة رباعية برئاسة قاض وعضوية الضابط المسؤول عن السجن الموجود فيه المحكوم عليه مقدّم طلب تخفيض العقوبة، وطبيب نفساني، ومساعد إجتماعي بحسب نصّ المادة الثانية من القانون رقم 2002/463، فتأخذ هذه اللجنة بعين الإعتبار الوضع الإجتماعي للمحكوم عليه وسلوكه في السجن، ومكان توقيفه، وسجّله العدلي، وظروف الجرم المرتكب، وتعمل على درسها والتمحيص فيها والتحقّق من وضعه الصحّي والنفسي والعقلي، ويتوجّب عليها مراعاة شرط رئيسي يقضي بالتثبّت من أنّ إطلاق سراح المحكوم عليه لا يشكّل خطرًا على نفسه أو على غيره، وفق منطوق المادة الثالثة من القانون نفسه والمعدّلة بدورها بموجب القانون رقم 2011/183.
ثمّ تضع هذه اللجنة اقتراحًا يرمي إلى تخفيض العقوبة بنسبة النصف كحدّ أقصى، أو بنسبة السدس في حدّها الأدنى، وبإمكان هذه اللجنة أن تردّ الطلب المرفوع إليها من صاحب العلاقة، على أنّ اقتراحها غير ملزم لمحكمة الإستئناف على الإطلاق بحيث يمكنها القبول بمضمونه أو الإقتطاع منه أو عدم التقيّد به كلّيًا، بحسب الحالة المعروضة عليها، مع الإشارة إلى أنّ اللجنة هي التي تحتك بالسجين وليس محكمة الإستئناف، وبالتالي فإنّ مسؤولية اللجنة كبيرة ودقيقة للغاية ومصيرية في تحديد نتيجة التخفيض.
التعويض المالي الزهيد
وبالنسبة إلى المرحومة لطيفة قصير، فإنّه يبدو من متن الحكم الصادر في قضيّتها عن محكمة الجنايات في جبل لبنان، أنّ والدها محمّد قصير طالب بتعويض رمزي وزهيد جدًّا لا يعتدّ به وهو ليرة واحدة كتعويض له عن العطل والضرر اللاحق به بمقتل ابنته، ولم يشأ لأسباب خاصة به، أن يرفع سقف مطالب الإلزامات المالية، ولو فعل لما استطاع الجاني إبراهيم طالب أن يستفيد من هذه الثغرة، فلو أنّه طالب بمبلغ مائة مليون ليرة أو أكثر وحدّدته له محكمة الجنايات في متن حكمها، لصعّب على القاتل تأمين هذا المبلغ ما لم يكن ميسورًا أو قادرًا على الإيفاء والتسديد، ولأبقاه داخل السجن فترة أطول، ذلك أنّ تنفيذ قرار تخفيض العقوبة مشروط بالإستحصال على إسقاط للحقّ الشخصي أو دفع التعويضات المالية الشخصية.
ومن البديهي في ظلّ صعوبة الإستحصال على إسقاط شخصي في جريمة قتل، أن تقف التعويضات المالية حجر عثرة أمام المحكوم عليه إذا كانت قيمتها كبيرة، وهي في مطلق الأحوال، لا توازي روح الضحية ولا تعيدها إلى رحاب الحياة، لذلك فإنّ الجاني إبراهيم طالب استفاد من مطالبة والدة المرحومة لطيفة قصير بليرة لبنانية واحدة، ممّا سهّل قدرته على الخروج من السجن.
الإندماج بالمجتمع
ولكنّ السؤال الأساسي هل استطاعت محكمة الإستئناف أن تتثبّت من أنّ إبراهيم طالب قادر على الإندماج بمجتمعه وهو الذي كان يتعاطى المخدّرات على ما قالت عائلة لطيفة قصير، والذي لم يتوقّف عن تهديد أفرادها بالأذية من داخل السجن؟!
وهل تحقّقت المحكمة من أنّ إطلاق سراح طالب يتوافق تمامًا مع نصّ المادة الثالثة من قانون تنفيذ العقوبات لجهة عدم تشكيله خطرًا على نفسه أو على غيره؟
شوائب
ولا شكّ أنّ قانون تنفيذ العقوبات رقم 2002/463 وتعديلاته تعتريه شوائب كثيرة، منها على سبيل المثال أنّ المحكمة المختصة بالنظر في اقتراح اللجنة هي محكمة استئنافية في بيروت أو في بقيّة المحافظات يجري تعيينها ضمن جدول توزيع الأعمال الذي يحصل عادة بعد كلّ مرسوم للتشكيلات القضائية، وبالتالي فهي ليست محكمة متخصّصة، بل تردها ملفّات تخفيض العقوبة بالإضافة إلى ما لديها من ملفّات، وهذا يستنفد جهدها ويعوّق قدرتها على التدقيق في كلّ ملفّ بطريقة آمنة وصحيحة ودقيقة.
ومن الشوائب أيضًا نذكر أنّ الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري ممثّلًا بالمحكمة العسكرية لا تتضمّن تعويضات شخصية، وهذا يعني أنّ المتضرّر فقد عنصرًا مهمًّا من شرطي تنفيذ قرار تخفيض العقوبة في حال امتناعه عن إسقاط حقّه الشخصي.
وبعد إقرار تعديل قانون تنفيذ العقوبات في العام 2011، ظهر قانون تحديد السنة السجنية بتسعة أشهر بعدما كانت 12 شهرًا، وهو القانون رقم 2012/216، لتتضاعف استفادة المحكوم عليه من هذه الوفرة القانونية التي استجدت بعد أعمال شغب وتمرّد في سجن رومية المركزي، ممّا يفرض إعادة النظر في شروط قبول طلبات تخفيض العقوبة، وتضييقها، وإلّا اعتبار جرائم القتل، وتحديدًا جرائم قتل النساء، مستثناة من منحة التخفيض أسوة بالجرائم الواقعة على أمن الدولة والمال العام والإتجار بالمخدّرات وتزوير العملة.
تناقض
وبالعودة إلى الحكم الصادر في جريمة مقتل لطيفة قصير، فإنّه يتضح وجود تناقض في متنه، ففي حين تقول المحكمة في سردها للوقائع الصادرة بطبيعة الحال عن القاتل، إنّه وضع منشفة في فم لطيفة في محاولة منه لخنقها، ثمّ عاد إلى صوابه وتخلّى عن الفكرة وإنْ كان قد ألحق جروحًا بالضحية نتيجة العراك بينهما وكانت الساعة قرابة التاسعة صباحًا،
تعود المحكمة وتقول بعد سطور خمسة إنّه “حوالي الساعة الثانية عشرة تقريبًا وتحت تأثير الغضب الذي لم يزل مسيطرًا عليه، عزم مجدّدًا على قتلها فحمل المنشفة عينها ووضعها مجدّدًا في فمها”، فكيف وفّقت المحكمة في الجمع بين العودة إلى الصواب وتأثير الغضب وهما نقيضان تمامًا؟ فالغضب حلّ على الزوج منذ أن جدّدت لطيفة إخباره قرارها النهائي برفضها العودة إليه كزوجة وكانت ردّة فعله السعي إلى خنقها، ولا يمكن أن يستمرّ الغضب ثلاث ساعات متواصلة وتتخلّلها أحاديث جانبية وقول المحكمة بإقامة علاقة جنسية، إلّا إذا كان القاتل قد صمّم قبل مجيئه إلى منزل طليقته وولديه في ساعات الصباح الباكر على القيام بفعل جنوني ما، وهذا ما تجسّد لاحقًا بخنقها حتّى الموت، وليس بالضرورة أن تُرتكب كلّ جريمة قتل بسلاح أو سكّين لتأكيد وجود مخطّط مسبق ونيّة مبيّتة للقتل.
ولاستبعاد نيّة القتل وحضور طالب إلى المنزل بقصد القتل، إرتأت المحكمة حصول علاقة جنسية وهذا القول لا يتوافق والمنطق فهما مطلّقان، والمرأة المعروفة بتقواها وإيمانها والتزامها الديني والآتية من بيت متدين، كانت ترفض بشدّة العودة إلى زوجها، وبالتالي فإنّه يستحيل أن تقبل برضاها بإقامة علاقة جنسية معه، كما أنّ رفضها للعودة ليس دليلًا قاطعًا على أنّ ما توهّمه القاتل من خيانتها له صحيحًا، وقد دأب قتلة النساء على إلصاق تهمة الخيانة بالضحايا لتبرير فعلهم الجرمي والسعي إلى نيل عقوبة مخفّضة.
ولم ترو المحكمة في حكمها كيف تثبّتت علميًا من هذه الواقعة وهي مفصل أساسي في الجريمة لا يمكن القفز فوقه باستسهال دون تقديم الدليل الحاسم بشأنه، وكان بمقدورها أن تفعل ذلك، غير أن مضمون الحكم لا يشي بالأمر وإلّا كانت ذكرته لأنّه دليل أساسي في تفاصيل هذه الجريمة.
لذلك كان يتوجّب على المحكمة أن تشدّد العقوبة بحقّ طالب، ولا تكتفي بالسجن 18 سنة وهي قليلة إزاء إزهاق روح إنسان، خصوصًا أنّ المحكمة كانت تدرك أنّه بمقدور القاتل أن يستفيد من وجود قانون تنفيذ العقوبات الصادر قبل إصدارها لحكمها، وأن يغنم كثيرًا من الزمن من قانون تحديد السنة السجنية بتسعة أشهر الصادر قبل إصدارها لحكمها أيضًا.
النصّ الكامل للحكم
“محكمة” تنشر النصّ الكامل لمحكمة الجنايات على الشكل التالي:
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة الجنايات في جبل لبنان- الغرفة الثانية- والهيئة مؤلّفة من القضاة الرئيس هنري الخوري والمستشارين منذر ذبيان وربيع الحسامي،
بعد الإطلاع على الأوراق،
ولدى التدقيق والمذاكرة،
تبيّن أنّه بموجب قرار الاتهام رقم 2010/2188 تاريخ 2010/10/28، وادعاء النيابة العامة في 2010/11/30، أحيل أمام هذه المحكمة:
المتهم إبراهيم عارف طالب، والدته أنيسة ، مواليد 1966، سجّل 89 الشهابية، أوقف إداريًا في 2010/5/10، ووجاهيًا في 2010/5/21 ولا يزال،
لإقدامه على ارتكاب جناية المادة 549 من قانون العقوبات،
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة المنعقدة بتاريخ 2012/3/1 أحضر المتهم ومثل في قفص الإتهام بدون قيد وحضر وكيله المحامي محمّد كرنيب وحضر المحامي زياد فرهود عن المدعي محمّد أسدالله قصير والد الضحية لطيفة قصير، وكرّر ممثّل النيابة العامة الإدعاء العام وتلي القرار الإتهامي وقائمة شهود الحقّ العام والتحقيقات كافة، وسئل المتهم عمّا أسند إليه فاعترف بقتل زوجته مكرّرًا أقواله الأوّلية والإبتدائية.
وأنّه في جلسة 2012/5/10 أحضر المتهم ومثل في قفص الاتهام بدون قيد وحضر وكيله المحامي محمّد كرنيب وحضر المحامي زياد فرهود عن المدعي وحضر الشهود بلال قصير وهاني قصير وأنيسة بيضون وسمير قرضاي فاستمعت إليهم المحكمة كلّ بمفرده على سبيل المعلومات،
وأنّه في جلسة 2012/7/5 أحضر المتهم ومثل في قفص الإتهام بدون قيد وحضر وكيله المحامي محمّد كرنيب وحضر المحامي زياد فرهود عن المدعي، وبسبب التبدّل الحاصل في هيئة المحكمة أعيدت تلاوة الأوراق علنًا وكرّر المتهم أقواله السابقة وطلب وكيل المدعي تجريم المتهم بالمادة 549 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع للمدعي مبلغًا قدره ليرة لبنانية واحدة كتعويض عن الضرر اللاحق به، وأبرز مذكّرة بهذا الخصوص ورافع ممثّل النيابة العامة طالبًا تطبيق مواد الإتهام، ورافع وكيل الدفاع طالبًا تطبيق أحكام المادة 550 من قانون العقوبات بحقّ المتهم ومنحه الأسباب التخفيفية، وأعطي المتهم الكلام الأخير فطلب الرحمة وختمت المحاكمة.
بناء عليه وبنتيجة المحاكمة العلنية تبيّن ما يلي:
أ – في الوقائع والأدلّة: تبيّن أنّ المتهم ابراهيم طالب كان متأهّلًا من الضحية لطيفة قصير وله منها ولدان، وهما تطلّقا بتاريخ 2009/12/16 بسبب اعتقاد المتهم بأنّها تخونه، غير أنّ العلاقة بينهما لم تنقطع بشكل نهائي، بل هو ما برح يتردّد إلى منزلها في منطقة سنّ الفيل، حيّ الدوامري من حين إلى آخر لرؤيتها ورؤية ولديه.
وأنّه بتاريخ 2010/4/13 حوالي الساعة السادسة والنصف صباحًا حضر المتهم إلى منزل طليقته ففتحت له الباب وعادت إلى النوم، في حين شاهد هو التلفاز، وبعد حوالي نصف ساعة إستفاقت من النوم ومارست القليل من الرياضة في حين استفاق الولدان وحضّر لهما الوالد الحليب والطعام، ثمّ غادرا إلى المدرسة وبقي إبراهيم ولطيفة بمفردهما.
وأنّه حوالي الساعة التاسعة وبعد أن شربا القهوة دخلا إلى غرفة النوم وطلب المتهم منها الإقتران به مجدّدًا إلّا أنّها رفضت فاعتبر أنّ ذلك يشكّل دليلًا على خيانتها له، فحمل منشفة وضعها على فمها بشكل مُحْكم محاولًا خنقها فأخذت بالمقاومة، وبعد برهة قصيرة عاد إلى صوابه وتخلّى عن الفكرة، وإنّ لطيفة وبسبب الجروح التي أصابتها نتيجة العراك، إتصلت بشقيقتها الطبيبة غادة وأوهمتها أنّ الخزانة وقعت عليها فوصفت لها دواء لهذا الغرض، وأنّ لطيفة طلبت من إبراهيم إحضار الدواء لها فرفض، وأنّه حوالي الساعة الثانية عشرة تقريبًا وتحت تأثير الغضب الذي لم يزل مسيطرًا عليه، عزم مجدّدًا على قتلها فحمل المنشفة عينها ووضعها مجدّدًا في فمها بشكل قوي وأخذت لطيفة عبثًا بالمقاومة ممّا تسبّب بإصابتها بجروح جديدة، وأنّه بعد عدّة دقائق خارت قوى الضحية وفارقت الحياة فتركها المتهم ومسح الدم عن جسمه ووضع المنشفة في الغسّالة وترك المنزل متوجّهًا إلى منزله، علمًا أنّه عرّج على أحد المحلات حيث اشترى الديمول، وأنّه في منزله شرب كمّية من المادة التي اشتراها بقصد الإنتحار إلّا أنّه والدته إتصلت بالدفاع المدني الذي حضر ونقله إلى مستشفى المقاصد في بيروت حيث أجريت له الإسعافات اللازمة ممّا أدّى إلى إنقاذ حياته.
وأنّه في التحقيق الأوّلي إعترف المتهم بارتكابه التهمة المسندة إليه موضحًا أنّه وضع المنشفة على فم المغدورة بقصد قتلها، وكشف الطبيب الشرعي أحمد المقداد على الجثّة ونظم تقريرًا بالخصوص ذكر فيه أنّ سبب الوفاة هو كتم المجاري التنفّسية بواسطة الضغط، ووصف الجروح التي أصابتها نتيجة المقاومة التي أبدتها أثناء عملية الخنق، وحضر عناصر مكتب الحوادث في بعبدا وكشفوا على موقع الجريمة ونظّموا تقريرًا بالخصوص.
وأنّه في التحقيق الإبتدائي كرّر المتهم اعترافه الأوّلي.
وأنّه أمام المحكمة اعترف المتهم بالتهمة المسندة إليه
وتأيّدت هذه الوقائع:
– بالإدعاء العام والإدعاء الشخصي.
– بالتحقيقات الأوّلية والإبتدائية والنهائية وتقرير مكتب الحوادث في بعبدا.
– باعتراف المتهم في التحقيق الأوّلي والإبتدائي والنهائي.
– بأقوال الشهود أنيسة بيضون والدة المتهم وبلال قصير زوج شقيقة الضحية وهاين قصير شقيق الضيحة وسمير قرضاي زوج شقيقة الضحية.
– بتقرير الطبيب الشرعي أحمد المقداد.
– بمجمل التحقيق.
ب- في القانون:
حيث إنّ المتهم أحيل أمام هذه المحكمة ليحاكم بجناية المادة 549 من قانون العقوبات.
وحيث إنّه اعترف في التحقيقات كافة بإقدامه على قتل المغدورة فيكون من الثابت أنّه هو الذي ارتكب الجريمة موضوع الدعوى.
وحيث يبقى تحديد الوصف القانوني للجرم الحاصل.
وحيث تبيّن من التحقيقات كافة أنّ المتهم لم يحضر إلى منزل المغدورة بنيّة قتلها، بل بقصد رؤيتها ورؤية ولديه، وإنّه لم يحضر معه أيّ سلاح لتنفيذ الجريمة، علمًا أنّ وجود الجثّة في السرير عارية إلّا من السروال الداخلي يشكّل دليلًا على ممارستهما الجنس، الأمر الذي لا يتوافق مع فكرة أنّه حضر بقصد القتل.
وحيث من المرجّح في الحالة الراهنة، والترجيح يفسّر لصالح المتهم، أنّه بعد رفض المغدورة العودة إليه، إقتنع بأنّها أقدمت على خيانته فثار غضبه، وأقدم تحت تأثير ذلك على قتلها، علمًا أنّ مرور حوالي ثلاث ساعات بين علمه بالخيانة المفترضة وبين ارتكاب الجريمة لا يفيد بأنّه حضّرها ونفّذها بكلّ هدوء وروية وفقًا لما يفترضه العمد المنصوص عليه في المادة 549 من قانون العقوبات، بل من الواضح أنّه ظلّ طوال هذه الفترة واقعًا تحت تأثير الغضب الذي ألمّ به،
وحيث وفقًا لما سبق لا يكون فعل المتهم منطبقًا على جناية المادة 549 من قانون العقوبات، بل على جناية المادة 547 من القانون عينه ويقتضي تجريمه سندًا لذلك،
وحيث إنّ المتهم يطلب تطبيق أحكام المادة 550 من قانون العقوبات،
وحيث إنّ المادة المذكورة تتكلّم عن الوفاة الحاصلة نتيجة العنف المرتكب دون توافر نيّة القتل،
وحيث في الحالة الراهنة، فإنّ المتهم اعترف في التحقيق الأوّلي أنّه وضع المنشفة في فم المغدورة بنيّة قتلها، علمًا أنّ إقدامه على كتم المجاري التنفّسية لديها لمدّة طويلة حتّى فارقت الحياة يشكّل دليلًا قاطعًا على توفّر نيّة القتل لديه ممّا يقتضي معه رفض طلبه لجهة تطبيق أحكام المادة 550 من قانون العقوبات،
وحيث إنّ المدعي محمّد قصير والد المغدورة، يطلب إلزام المتهم بأن يسدّد له تعويضًا رمزيًا عن الضرر الذي أصابه مبلغًا قدره ليرة لبنانية واحدة،
وحيث إنّ المحكمة ترى إجابة الطلب،
لذلك،
وبعد سماع المدعي وممثّل النيابة العامة ومرافعة وكيل الدفاع والكلام الأخير للمتهم،
تحكم بالإجماع:
أوّلًا: باعتبار أنّ فعل المتهم إبراهيم عارف طالب المبيّنة كامل هويته أعلاه لا ينطبق على جناية المادة 549 من قانون العقوبات، بل هو ينطبق على جناية المادة 547 من القانون نفسه وتجريمه وفقًا لذلك وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤقّتة به لمدّة ثماني عشرة سنة على أن تحسب له مدّة توقيفه الإحتياطي.
ثانيًا: بإلزام المتهم بأن يسدّد للمدعي محمّد أسدالله قصير مبلغًا قدره ليرة لبنانية واحدة عن الضرر الذي أصابه.
ثالثًا: بتضمين المتهم الرسوم والمصاريف كافة.
حكمًا وجاهيًا صدر وأفهم علنًا في بعبدا بحضور ممثّل النيابة العامة في 2012/8/3.
“محكمة” – الجمعة في 2021/7/16
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.