لا حكمة من عرض طلب إخلاء السبيل على النيابة العامة
كتب علي الموسوي:
لا تزال الحكمةُ من استطلاع رأي النيابة العامة الاستئنافية في طلبات إخلاء السبيل التي تقدّم من المتهمّين أمام محاكم الجنايات مجهولةً، كما أنّ الغاية المتوخّاة من هذا التصرّف غير واضحة المعالم، سوى هدر المزيد من الوقت، فمتى يتمّ التوقّف عن ممارسة هذا السلوك شبه اليومي والإنصراف أكثر إلى ما يفيد العدالة والإنسان؟.
فالقرارات الصادرة عن محاكم الجنايات في معرض البتّ بطلبات إخلاء السبيل سلباً أو إيجاباً لا تقبل أيّ طريق من طرق الطعن لا سيّما وأنّه لا يوجد مرجع للطعن بقراراتها إلاّ تمييزاً، وبالتالي يعاني قضاة ومحامون من إضاعة الوقت وإرهاق الملفّات بعرض طلبات إخلاء السبيل الواردة، على النيابة العامة الاستئنافية(والمالية إذا كان الجرم من اختصاصها) والتي غالباً ما تطلب إيداعها كامل الملفّ، ونادراً ما توافق، علماً أنّه لا يوجد أيّ تأثير على الإطلاق لرأيها على قرار المحكمة سلباً أو إيجاباً، في وقت لا تبلّغ معظم محاكم الجنايات، طلبات إخلاء السبيل أو قراراتها من المدعي الشخصي لإبداء ملاحظته، فلماذا اقتصار الأمر على النيابة العامة من دون أيّ فائدة ترتجى من هذه الإحالة باستثناء إضاعة الوقت؟.
وما يلفت النظر أيضاً، أنّ بعض رؤساء محاكم الجنايات يمتعضون من طريقة جواب النيابة العامة على طلبات إخلاء السبيل، إذ يورد قضاتها على المحضر عبارة “نطلب إليكم ردّ طلب تخلية السبيل”، في حين أنّه لا سلطة لهم، ولا صفة لكي يطلبوا من محكمة الجنايات هذا الأمر المستغرب.
وقد وجّه بعض رؤساء محاكم الجنايات ملاحظات إلى قضاة النيابات العامة الاستئنافية حول هذا الموضوع الحسّاس بالنسبة إليهم، وطلبوا إليهم أن يدوّنوا بدلاً من كلمة “نطلب إليكم ردّ الطلب” عبارة “نرى ردّ الطلب”، لأنّ ما تقوم به النيابة العامة في هذا الصدد هو مجرّد بيان رأي لا يلزم المحكمة بأيّ إجراء، بل هي حينما تمثل في المحاكمة تصبح “خصماً” يمثّل الادعاء العام، أيّ أنّها طرف في الدعوى، وبالتالي لا يمكنها أن تطلب ما يعود حقّ البتّ فيه حصراً إلى هيئة المحكمة.
لذلك، أليس من الأفضل الإستغناء عن هذا الإجراء غير المنتج ضنّاً بوقت المحاكم؟.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الملفّ يبقى في بعض الأحيان، بحوزة النيابة العامة مدّة من الزمن لقراءة المحاضر والبتّ في طلب إخلاء السبيل، ممّا يؤدّي حتماً إلى تعطيل سلطة المحكمة في هذا الخصوص بعد اعتبارها أنّ مدّة التوقيف تجاوزت المهلة الزمنية لها، أو أنّ المتهم بريء، أو أنّ هيئة المحكمة لا تلتئم إلاّ يومين في الأسبوع الواحد، ممّا يؤدّي حكماً إلى تأخير البتّ بطلب إخلاء السبيل.
وفي المحصّلة ليس هنالك من تأثير لرأي النيابة العامة على طلب إخلاء السبيل، ولا على رأي المحكمة بشأنه، بل عليها أن تنفّذ قرار المحكمة بتخلية السبيل أو ردّه، وعليه يكون الجواب المفيد أن لا حكمة من عرض طلب إخلاء السبيل على النيابة العامة.
وعلى هامش هذا الموضوع الذي يعاني منه القضاة والمحامون، من الضروري التأكيد بأنّه لم يعد مسموحاً للنيابة العامة أن تتلقّى اتصالاً من محقّق، أي رتيب تحقيق، وتقرّر توقيف إنسان من دون الإطلاع على إجراءات التحقيق وقراءة المحاضر، في حين أنّ النصّ ألزمها في قضايا محدّدة توفّر أسباب موجبة للتوقيف، من هنا وجوب صدور قرار بالتوقيف معلّلاً دون الاكتفاء بعبارة “وقفوا”! التي نادراً ما لا يتلفّظ بها النوّاب العامون ومعاونوهم من المحامين العامين، لا بل هي العبارة الأكثر شيوعاً وتداولاً على ألسنتهم!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14 – شباط 2017).