لا يحقّ لشركة التأمين أن تحلّ محلّ المضمون أمام القضاء الجزائي لتطالب مسبّب الضرر بالتعويض/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
صدر عن محكمة استئناف الجنح في جبل لبنان المؤلّفة من القضاة السادة: عبد اللطيف الحسيني رئيساً، والمستشارين فايز مطر وغادة عون، قرار قضى بأنّه لا يجوز لشركة التأمين أن تحلّ المضمون المتضرّر أمام المحاكم الجزائية لتطالب بالتعويض ممن تسبّب بالضرر.. وعليها مراجعة القضاء المدني.
وجاء في القرار:
عرضت شركة تأمين لبنانية أنّها دفعت بتاريخ 1992/6/30 إلى شركة “peledata” المؤمّنة لديها، مبلغ 19628 د.أ. هو قيمة الخسارة التي لحقت بها بعد أن وقّعت مخالصة تتنازل بموجبها لها عن كامل حقوقها تجاه المسؤولين عن النقص الحاصل في البضاعة.
“وحيث إنّه في ظلّ الواقع الموصوف أعلاه، فإنّه يقتضي معرفة ما إذا كان القضاء الجزائي صالحاً للنظر بالدعوى الحالية المقامة من شركة التأمين كونها حلّت محلّ المتضرّر الأصلي شركة “peledata” بوجه الشركة الناقلة بشخص مديرها العام وبوجه مستخدمي الشركة وبوجه كلّ من يظهره التحقيق.
وحيث إنّ الدعوى الجزائية من حيث المبدأ هي شخصية ولا شأن للغير بها، وإنّه إذا كان التشريع اللبناني قد أجاز للمتضرّر في حقوقه تحريك الدعوى العامة إلاّ أنّ ذلك يبقى ضمن شروط وحدود، ومنها حصر حقّ المدعي الشخصي بتحريك الدعوى العامة بتقديمه شكوى مباشرة إلى محكمة القاضي المنفرد الجزائي، يتخذ فيها المدعي صفة المدعي الشخصي، ولا تحرّك الدعوى المباشرة، المقدّمة من المتضرّر، الدعوى العامة، إلاّ إذا كانت واردة وفقاً للأصول من قبل شخص له صفة الادعاء، وكان ادعاؤه مقبولاً. أمّا دعوى الحقّ الشخصي أو الدعوى المدنية فيقيمها المتضرّر من الجرم طلباً للتعويض عليه عمّا اصابه من ضرر، إمّا أمام المحكمة المدنية كدعوى مستقلّة قائمة بذاتها، أو تبعاً للدعوى العامة أمام المرجع الجزائي.
وحيث إنّه في الحالة الثانية وعند إقامة الدعوى الشخصية تبعاً للدعوى العامة أمام المرجع الجزائي، فإنّ الدعوى المدنية تتطلّب مصلحة شخصية، إذ لا بدّ أن يكون المدعي فيها هو من تضرّر شخصياً من الفعل المسند إلى المدعى عليه.
وحيث إنّ اشتراط الضرر المتولّد عن الجريمة لا يجيز لشخص لم يكن أصلاً المتضرّر مباشرة من الجريمة، وإنّما ربطته به رابطة، حلّ عن طريقها محلّه في حقوقه، أن يقيم الدعوى المدنية أمام المرجع الجزائي (النقيب- أصول المحاكمات الجزائية – طبعة 1993 ص 170).
وعليه لا يكون لشركة التأمين المدعية أن ترفع الدعوى على فاعل الجرم أمام المحاكم الجزائية لتطالبه بالتعويض بدلاً من المتضرّر الذي أوفت إليه بدل ضرره وحلّت محلّه، فالحلول جائز أمام القضاء المدني، ولا محلّ له أمام القضاء الجزائي، لأنّ شركة التأمين لم تصب بضرر شخصي تولّد مباشرة عن الفعل الجرمي، إذ إنّ مصدر حقّها في التدخّل هو رابطة عقدية قائمة على تعهّد منها بضمان الأضرار التي تصيب المضمون وفقاً للشروط المتفق عليها، ويكون حدوث الأضرار هو المنافسة لتنفيذ تعهّدها، ولا شأن للقضاء الجزائي في البحث في دعوى مدنية استمد المدعي حقّه فيها، ليس من الجرم، وإنّما من عقد جمع بينه وبين المتضرّر الأصلي من الجرم (النقيب – أصول المحاكمات الجزائية -طبعة 1993 ص 170)، ويكون على شركة التأمين المدعية أن تدعي أمام المحكمة المدنية وهي مرجعها الطبيعي.
وهكذا صدر الحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفسخ القرار المستأنف، في الأساس، لمخالفة القانون والأصول، والحكم مجدّداً بإعلان عدم صلاحية المحاكم الجزائية للنظر في الدعوى الحالية للجهة المدعية لأنّ النظر فيها يعود للمحاكم المدنية… وحفظ حقّ الجهة المدعية بالمطالبة بحقوقها لدى القضاء المدني المختص.
“محكمة” – الاثنين في 2018/06/18