لا يوم للمحامي.. فكلّ الأيّام أيّامه*
كتب المحامي بسّام أمين الحلبي:
أقف على هذا المنبر، بخشية واعتزاز وشكر، الخشية لأنّ كلمتي ستكون بعد ثلاث كلمات، ألقيت من زملاء كبار أمراء في القانون والأدب والخطابة، والإعتزاز هو لمهنتي التي ورثتها أبّاً عن جدّ، إنطلاقاً من اسطنبول في نهايات القرن التاسع عشر مروراً بدمشق ووصولها إلى بيروت في القرن العشرين، وحملّتني أجمل صفتين يحملهما الإنسان، فأكون أحياناً المحامي، وأحياناً أخرى الأستاذ، وهل هناك أعظم من هذين اللقبين المشرّفين؟، والشكر لربيا الذي كرّمني بسنوات من المحاماة أرجو أن يطيلها سنتين أخريين لأحظى بميدالية الممارسة التي تمنح بعد خمسين عاماً من مزاولة المهنة.
يوم المحامي؟ أعتقد أنّ المحامي لا يوم له، لأنّ كلّ الأيّام أيّامه، فالحقّ والعدالة، والدفاع عنهما، يمتزجان بشخصه، والحقّان لهما كلّ الحياة، فهو بذلك، يعيش مدافعاً عن الحقّ، وساعياً لتحقيق العدالة، ما يجعل كلّ دقيقة وثانية مرتبطة به حامياً الحقّ والحقيقة، وساعياً لتطبيق مبدأ سيادة القانون.
كما أنتهز وقوفي على هذا المنبر لأنادي ربّ البيت قائلاً له، إنّ أفراد العائلة بحاجة إلى رعايتك، خاصة العلمية، فتشدّدوا معهم حيث وجب الأمر، لأنّه لا يجب أن يحمل لقب المحامي من لا يستحقّه، علمياً وأدبياً، وهو من أنبل الألقاب التي يحملها الإنسان، فإذا حمله من لا يستحقّه يتحوّل إلى عارض حال مبتعداً عن العلم والتحليل القانوني، ولنعزّز المعهد ونُدخل في برنامجه مادة علم صياغة اللوائح والبحث، ومادة حسن العلاقة مع القضاة بجعل العلاقة معهم علاقة خطيّة نطلب منهم ما نريد خطيّاً ويتخذوا القرار الذي نطعن به إذا وجدناه في غير موقعه، فنزيل بهذا المفهوم كلّ إمكانية للتصادم معهم. والعلاقة مع الموكّل بشقّيها، العلمي الصادق والمادي الواضح، وذلك من خلال تعزيز ثقافة إتفاقية الأتعاب.
ولا يمكننا ذكر المحامي دون ذكر من يؤكّد ويعطي للمحامي الحقّ الذي اؤتمن عليه واقعاً ووجداناً ودافع عنه بعلم، حامياً له من المعتدي عليه، وأعني بذلك القاضي، ذلك الإنسان الذي حمل ما لا طاقة لبشر به، فهل هناك أثقل على ضمير الإنسان من الفصل بين رأيين مقتنعين بأنّهما صاحبا حقّ، فيفصل بينهما ويضيء على الحقّ ويعطيه لصاحبه؟، وهنا تظهر فروسية المحامي ونبله فيقول لا يمكن أن أكون على صواب وما لا يقلّ عن سبعة، وأحياناً تسعة قضاة، قرّروا خطأ رأيي، فيعتبر المبارزة النبيلة منتهية، ويصافح زميله متبادلاً التهاني معه لظهور الحقّ.
وكلمة هنا أوجّهها إلى السادة القضاة، الفيصل في المبارزة بين المحامين ، فأناديهم قائلاً إجعلوا المبارزة قصيرة الأمد، لأنّ إطالتها هي تحويلها إلى مشاجرة بين الخصوم بحيث يستفحل الخلاف ويصدر الحكم بعد فوات أوانه، وزيادة الأضرار على الفرقاء وعلى المحامين.
كما نتمنّى إذا تعذّر الإسراع لأسباب إدارية، أن تصدر القرارات، أقلّه، بالتواريخ المحدّدة لها، لأنّ مرور الأشهر، وأحياناً السنوات، على التاريخ المحدّد لصدورها، هو تعميق للخلاف بين المتقاضين، فالتأخّر بإحقاق الحقّ هو كعدم إحقاقه. كما أناديكم أن ترفضوا ربط تحرّككم بتعبير رفع الغطاء عن المرتكبين، لأنّه يشكّل إهانة للقضاء والمحاماة معاً، ويؤكّد أنّ هناك قوى مسيطرة تمارس قضاءها الخاص، وتجيز لكم ممارسة سلطتكم إذا سمحت، وهو ما يقضي على العدالة كسلطة مستقلّة درسناها في كلّيّات الحقوق وغيّبت في وطننا، وحلّ محلّها سلطة من يرفع الغطاء. فأنتم يا سادة السلطة الوحيدة الباقية من سلطات الدولة، فالأولى اغتيلت، والثانية أصيبت بالشلل، ولم يبق سوى سلطتكم تقوم عليها الدولة، نعم العبء ثقيل، ولكنّه شرف كبير لسلطتكم أن يقال في التاريخ إنّه عند إنهيار عمودين من العواميد التي تقوم عليها الدولة في لبنان تبيّن أنّ السلطة القضائية هي الوحيدة التي منعت انهيار الوطن.
كما أتوجّه الى السادة رئيس معهد الدروس القضائية ومديره بالقول إنّه لا بأس من إدخال في برامج معهد الدروس القضائية، شأن معهد المحاماة، مادة حسن التعامل مع المحامين منعاً لأيّة إشكالات، والتقيّد بمواعيد المحاكمات وغيرها من الأمور الإدارية التي تسهّل وتنظّم مهام المتقاضين والمحامين، ولن أستفيض لأنّ في الإستفاضة شؤوناً وشجوناً.
كما أستغلّ يومنا هذا أيضاً، لأتوجّه إلى المسؤولين في هذا الوطن الحبيب وأقول لهم إنّ هذا الشعب الطيّب يئس ممّا يعانيه على الصعد كافة، وألفتهم إلى أنّ الداعشية ليست فقط بقطع رؤوس البشر، فهناك الداعشية السياسية التي تقطع رأس الدولة، وأرزاق المواطنين، وتغطّيها ببدعة الديمقراطية بالإمتناع.
لـذلك ننادي في هذا اليوم العظيم هؤلاء ونقول لهم إذا كانت الداعشية تقطع رأس الإنسان لتبني دولة التخلّف، فإنّ الديمقراطية بالإمتناع هي قطع لرأس الدولة لنصرة الشخص. لـذلك أنادي من هذا المنبر رئيس السلطة التشريعية، المحامي الأوّل الزميل الأستاذ نبيه برّي، زميل الدراسة والمهنة، وأقول له إجتهد يا دولة الرئيس وأرسم ِلهذا الشعب خريطة الطريق لعدم قطع رأس دولته.
مناسبة عظيمة تكرّم من يستحقّ وهو المحامي والمحاماة، وتكريم المحامي هو تكريم للسلطة القضائية وللشرعية بأكملها التي نشاركها وتشاركنا الإحتفال، وأختم موجّهاً تحيّة خاصة للنقيب الكبير الأستاذ عصام كرم التي أطلق هذا اليوم وجعل منه مناسبة وطنية.
أعاد الله هذه المناسبة على المحاميـن ونقابتهم. شاكراً إصغاءكم معتذراً إذا شطت.
• ألقيت هذه الكلمة خلال احتفال نقابة المحامين في بيروت بيوم المحامي في “بيت المحامي” في 10 تشرين الأوّل 2016.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 12 – كانون الأوّل 2016).