لثورة نظيفة وإعطاء المسؤول الذي يعمل حقّه/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
منذ عدّة أشهر، وفي ظلّ احتدام التعليقات والمداخلات والمناقشات والجدل بعد بروز الانتفاضة و”كورونا” والوضع الحكومي وغيرها، كتبت مقالة بعنوان:”كيف نتعامل مع هذا النوع من البشر”، انتقدت فيها ما يحصل حالياً.
إذ قديماً كان هناك تلفزيون واحد وإذاعة واحدة وعدّة صحف ومجلات، وكانت التعليقات محدودة وأكثر رصانة، وكان يستطيع من يتعرّض لأيّ خبر كاذب أو ذم أن يتصل بالقيّمين على الوسائل الإعلامية ليوضح ما يقتضي إيضاحه. أمّا اليوم، فهناك الملايين ممن يحملون هاتفهم الخلوي ليكتبوا، ولو أحياناً بتسرّع وكردّة فعل، ما يشاؤون. طبعاً منهم من يكتب عن علم ومنهم عن جهل. منهم عن قناعة ومنهم على طريقة نحن هنا أو لإيصال رسائل لزعيمهم. …الخ. إذ أحياناً يكتب المواطن قناعته فيأتي التعليق ضدّه بأنّه مثلاً منافق أو أنّه لا يفهم أو فليصمت هذا…وتكون الكتابة آتية من أشخاص منبوذين في مجتمعهم وبيئتهم. ولكن بالنتيجة يحملون بين أيديهم سلاحاً خطيراً يشبه السلاح الحربي وهو سلاح الإعلام. وويل لمن تعرّض للذمّ والشتم والأخبار الكاذبة إذا دخل مع الجاهل أو السيء النيّة أو صاحب المصلحة في جرّه إلى جدل معه، وويله إذا لم يجب.
وجاءت الانتفاضة وحملت معها شعار “كلّن يعني كلن” وهو شعار لا أحبّذه خصوصاً وأنّه مأخوذ عن نكتة بذيئة. وفهمه عدد كبير جدّاً من المواطنين بطريقة خاطئة، وكأنّ كلّ من تبوأ أيّ منصب أو مركز في الدولة هو مرتكب. في حين أنّه يجب أن يفسّر بأن لا أحد فوق التفتيش والتحقيق والمحاسبة. بمعنى أنّه لا يجوز أن يتهم الجميع حكماً بأنّهم مرتكبون بل يجب التحقيق أوّلاً.
من هنا، أدخلت الانتفاضة البعض في جوّ الأمر الواقع، وكأنّه يجب أن ننتقد جميع المسؤولين، وألاّ نتكلّم عن إنجازات من ينجز، ونشجّع من يقوم بمهامه بشكل صحيح. وباتت مجموعات ليست بقليلة تطلّ يومياً على شاشات التلفزة والإذاعات والفايسبوك تناقش وتشرح عن إنجازاتها وكأنّها هي التي أنقذت وتنقذ البلد، مع علمنا المسبق حول تاريخ مجموعات كثيرة منها. كما بدأت توجّه المواطنين وكأنّها هي الفئة الواعية والمنقذة والقيّمة على شؤونهم. من هنا يجب أن تلد ثورة عفوية غير مسيرة، يكون أبطالها من غير أصحاب المصالح الذين يعملون للوصول إلى المناصب والمراكز، ومن غير التابعين لهذه الجهة أو تلك، وتعمل بشكل علمي ومدروس وتشدّد على هدف أساسي وهو استعادة الأموال المنهوبة.
أكتب هذا الكلام وأنا حزين على ما آلت إليه الأمور من عدم توصّل الإنتفاضة إلى الهدف الأساسي بسبب تشابك الأمور، ووضع العراقيل طبعاً ممن يملكون المال والسلطة والشعبوية، في حين أنّ أركان الإنتفاضة، ومن يسمّون أنفسهم مسؤولين فيها يتلهون بالشعارات وبالطلاّت الإعلامية، وباتخاذ المواطن السلبية من كلّ شخص يحاول أن يضيء على جوانب إيجابية في بعض المسائل، حتّى بتنا نحتاط لأيّ كلمة نكتبها حول مسؤول يقوم بعمل جيّد حتّى لا يفسّر بأنّنا نؤيّد سياسته العليا، في حين أنّنا نضيء على زواية معيّنة لنعطيه حقّه.
وفي هذا المجال، ومع تأكيدي على ما كتبته بعد اعتذار الرئيس الدكتور مصطفى أديب حول “الفرصة الضائعة”، فأنا لا أزال اعتبر بأنّ الرئيس سعد الدين الحريري هو الأكثر تمثيلاً في الطائفة السنّية الكريمة، وعلى علاقة وثيقة مع عدّة مرجعيات دولية قد تساعد لبنان على الخروج من محنته الاقتصادية.
كما لا يمكن إلاّ أن أذكر ما أخبرني به صديق عزيز جدّاً، وهو عين مؤخّراً بعد زلزال المرفأ في منصب دقيق. فقد قال لي (ومن دون أن أدخل في أساس المناقشات التي لا أعرفها أو أساس الموضوع بل فقط شكلياً)، أنّه في اجتماع ضمّ فخامة الجنرال ميشال عون وعدداً من الوزراء وكبار المسؤولين الأمنيين. وبعد أن تكلّم الجميع، رفع إصبعه. وبعد إعطائه الإذن بالكلام أعطى حلولاً عملية لعدّة أمور دقيقة. فوافق فخامة الجنرال وشجّعه. وفي اليوم التالي اتصل فخامته وسأله عن سير العمل. فأجابه. ثمّ أخبره أنّ قضيّة معقّدة هنا وقضيّة معقّدة هناك. فأقفل فخامته الخطّ. وبعد عشر دقائق اتصل به وقال له بالنسبة لهذه القضيّة تفعل كذا وكذا. وبالنسبة للقضيّة الثانية تفعل كذا وكذا…وهذا ما حصل ومشت الأمور على أحسن ما يرام.
أمّا العبرة ممّا ذكرت أعلاه فهي أنّ فخامة الرئيس وعلى الرغم من مآخذي الكثيرة على الأداء الرئاسي، يعمل بحزم عندما تعرض عليه الأمور بشكل واضح، ويتابعها خصوصاً إذا شعر بأن لا صفقات ولا سمسرات من ورائها. كما أنّني لا أزال انتقد موقفه من عدم تعيين مستشارين يساعدونه في مهامه إلى جانب مستشاره معالي الأستاذ سليم جريصاتي. فالمستشارون الجيّدون هم الركيزة الأساسية لنجاح المسؤول.
“محكمة” – الخميس في 2020/11/5