لردع تجّار الصحّة في السوق السوداء يفترض جعل العقوبة جنائية/ مروى درغام
المحامية مروى طلال درغام:
إنّ من إحدى أهمّ الحقوق لأيّ إنسان هو الحقّ بالحصول على الدواء، ولكن في لبنان أصبح الأمر تجارة تجني منها الشركات أرباحًا طائلة، فيبني أصحابها ممالكهم على دم المواطن.
لا يخفى على أحد أنّ كثيرًا من المواطنين والمقيمين في لبنان باتوا يتنقلون بين الصيدليات لشراء احتياجاتهم من بعض أنواع الأدوية ولا يسمعون سوى كلمات “غير متوافر”، “خالص”، “مقطوع منذ فترة”، هناك بديل! الأمر الذي ولّد هاجس خوف لديهم ودفعهم إلى تخزين الدواء في حال وجدوه خوفًا من انقطاعه أو ارتفاع سعره.
فاليوم، أدوية وعلاجات كثيرة تنقطع من السوق بلا مقدّمات ثمّ تعود بعد أسابيع، ومواطنون يستوردون الأدوية من الخارج لعدم توافرها في بلادهم لأسباب غير معروفة، وبعض الأدوية المهمّة تكون محصورة في علامة واحدة فقط، على الرغم من أنّ شركات أخرى تنتجها بأسماء أخرى، بالمواصفات نفسها وربّما أفضل.
يعاني لبنان منذ سنة تقريبًا أسوأ وأكبر وأخطر أزمة إقتصادية واجتماعية لم يشهدها حتّى أيّام الحروب الكثيرة التي مرّت عليه. واليوم وصلت خطورة هذه الأزمات لتهدّد حياة المواطن اللبناني بصحّته وسلامته من خلال احتكار الأدوية والمستحضرات الصيدلانية دون أيّ وجه حقّ أو رادع إنساني. فأغلب الأدوية على مختلف أنواعها مفقودة أو منتهية الصلاحية أو فاسدة أو مزوّرة أو محتكرة، وإنْ وجدت فإنّ70 بالمئة من المواطنين ليس لهم القدرة على شرائها وهو معدّل من هم دون خطّ الفقر في لبنان. وخلال استفحال هذه الأزمة في لبنان بتنا نشهد حملات مداهمة مكثّفة تقودها وزارة الصحّة اللبنانية بشخص وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن لبعض مستودعات الأدوية والصيدليات التي تخزّن الأدوية والمستحضرات الصيدلانية المفقودة والمقطوعة من الأسواق والتي يعاني كلّ طفل وكلّ امرأة وكلّ عجوز وكلّ مريض بأمراض مستعصية من الحصول على دوائه – ضاربة بذلك عرض الحائط كلّ الأحكام القانونية والمواثيق الدولية التي تحظّر الإحتكار والتلاعب بصحّة المواطن، وكلّ معايير الرحمة والضمير والإنسانية.
وبحسب أحد الخبراء الإقتصاديين، فإنّ هناك 4 شركات تستحوذ على أكثر من 50% من السوق، ولكلّ دواء نسبة جعالة تذهب للصيدلي والمستورد، وتحدّد بحسب تصنيفات الأدوية لدى وزارة الصحّة، وتكون أغلب هذه الجعالات حوالي 30% تقريبًا، وهي تشكّل الحدّ الأدنى للأرباح التي يجنيها التجّار من المستهلك اللبناني.
وبحسب الدراسات، إستورد لبنان عام 2016 أدوية بمليار دولار، فيما وصل حجم السوق إلى 1.48 مليار دولار، أيّ أنَّ الأرباح للمستوردين والصيدليات وصلت إلى أكثر من 480 مليون دولار.
فلم ترحم الكارتيلات المواطن اللبناني حتّى في عزّ أزمته الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية؛ حيث تقوم هذه الشركات باستغلال آلية الدعم لقطاع الدواء التي ينتهجها المصرف المركزي، بحيث إنَّه يؤمّن 85% من قيمة الدواء على دولار 1500 ليرة من احتياطاته، ويبقى على التاجر أنّ يؤمن 15% فقط من الدولار على سعر السوق، وهنا تقوم هذه الشركات بتهريب جزءٍ كبيرٍ من الدواء إلى الخارج وتحديدًا إلى العراق وسوريا، مستفيدةً من السعر المتدنّي التي تحصل عليه. وفيما تُفقد الكثير من الأدوية من السوق، تحقّق هذه الشركات أرباحًا فاحشة على حساب أمن المواطن الصحّي.
الحقّ في الصحّة
يعني الحقّ في الصحّة[[1]]. أنّ على الحكومات أن تهيئ الظروف المناسبة لكلّ فرد أن يحصل على الصحّة المطلوبة قدر الإمكان. وتتراوح هذه الظروف بين ضمان توفير الخدمات الصحيّة وظروف العمل الصحيّة والمأمونة والسكن الملائم والأطعمة المغذّية. ولا يعني الحقّ في الصحّة، الحقّ في أن يكون الإنسان موفور الصحّة.
وتمّ تأكيد الحقّ في الصحّة في العديد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية وفي الدساتير الوطنية في جميع أنحاء العالم. من أمثلة معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الدولية “العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة لعام 1979، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.
ومن الأمثلة على معاهدات حقوق الإنسان الإقليمية: الميثاق الإجتماعي الأوروبي لعام 1961، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب1981، والبروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان المتعلّق بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية (بروتوكول سان سلفادور) لعام 1981.
وتمّ منذ الحرب العالمية الثانية تقنين وتحديد حقوق الإنسان في معاهدات واتفاقيات عدَّة. ففي العام 1948 تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي ما بعد تمّ اعتماد عهدين هما: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية كما ذكرنا آنفًا.
المعايير الدولية للحقّ في الصحّة[[2]].:
من المسلّم به أنّ لبنان طرف في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية”، والذي يتطلّب منه اتخاذ خطوات لتحقيق “حقّ كلّ فرد في التمتّع لأعلى مستوى ممكن من الصحّة البدنية والعقلية”. كما يتطلّب من البلدان اتخاذ الخطوات اللازمة” للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطّنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها”.
تتطلّب مكافحة الأوبئة من بين الخطوات الأخرى “تنفيذ أو تعزيز برامج التحصين والإستراتجيات الأخرى لمكافحة الأمراض المعدية”.
صرّحت “لجنة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية: أنّ على أطراف المعاهدة “إحترام الحقّ في الصحّة من خلال الإمتناع عن إنكار أو تقييد الوصول المتكافئ لجميع الأشخاص بما في ذلك … طالبي اللجوء”.
فالحكومات ملزمة أيضًا بحماية الحقّ في التماس المعلومات الضرورية وتلقّيها ونقلها لتعزيز الحقوق وحمايتها بما في ذلك الحقّ في الصحّة.
تعتبر لجنة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية “التزامًا أساسيًا” يتمثّل في توفير “التعليم والوصول إلى المعلومات المتعلّقة بالمشكلات الصحّية الرئيسية في المجتمع بما في ذلك طرق منعها ومكافحتها”. يجب ضمان حماية هذه الحقوق لكلّ فرد في أراضيها دون تمييز.
كما أنّ لبنان طرف في”اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”، وكما أوضحت لجنة القضاء على التمييز العنصري في توصيتها العامة رقم 30 لعام 2004، فإنّ القوانين التي تعامل المواطنين وغير المواطنين بشكل مختلف ستشكّل تمييزًا إذا كانت لا تخدم هدفًا شرعيًا للدولة أو لا تتناسب مع تحقيق ذلك الهدف. ينطبق على أيّ اختلاف في المعاملة في ما يتعلّق بالحقوق المكفولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحقّ في الصحّة.
عقوبة مزوّري ومهرّبي ومحتكري الأدوية:
ويجب أن نشير إلى نقطة جدّ مهمّة وأساسية ألا وهي أنّ عقوبة مزوّري ومحتكري الأدوية والمستحضرات الصيدلانية في لبنان تُعتبر مجرّد جنحة وعقوبتها لا تتجاوز عقوبة من سرق رغيف خبز لإطعام عائلته. ومن المسلّم به أنّه لا توجد في قانون العقوبات نصوص خاصَّة ومواد تتعلّق بالغشّ في الأدوية أو تزويرها، إذ تمّ تناول جريمة الغشّ بشكل عام، إنّما نجد في قانون مزاولة مهنة الصيدلة اللبناني كما سوف نورده تباعًا نصوصًا قانونية تنصّ على عقوبة كلّ من ارتكب الغشّ في الدواء أو احتكر أو خزّن الأدوية بشكل مخالف للقانون أو بيعها بسعر أكثر من المحدّد، وهو الحبس البسيط و/أو الغرامة الزهيدة، والأخطر أنّه يمكن الإكتفاء بإحدى هاتين العقوبتين، أيّ ممكن أن تنقضي عقوبة مجرمي تهريب وتزوير الدواء الذين يحرمون المرضى والأطفال دون أدنى رحمة أو شفقة من علاجهم فيتلاعبون ويضاربون بصحّتهم وحياتهم، بغرامة زهيدة مقابل حرمانهم من حياتهم وصحّتهم. وهذه العقوبات لا تتناسب على الإطلاق مع حجم الجريمة المرتكبة بحقّ سلامة وصحّة المواطن وحجم الأضرار الجسيمة التي يخلّفها الدواء المزوّر والفاسد في صحّة المواطن.
دعونا نلقي نظرة على العقوبات المقرّرة في قانون مزاولة مهنة الصيدلة:
• تنصّ المادة 86 على أنّه: “يعاقب بغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية وبالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين بالإضافة إلى مصادرة الدواء أو الأدوية لحساب وزارة الصحّة العامة، كلّ من ينشىء صيدلية أو مؤسّسة صيدلانية أو يصنّع ويبيع بالجملة أو بالمفرّق أو يوزّع أدوية أو يحجزها بقصد البيع أو التوزيع بدون أن يكون متمّمًا الشروط القانونية وحائزًا الترخيص القانوني ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقلّ عقوبة الحبس عن ثلاثة أشهر والغرامة عن حدّها الأدنى، وعند التكرار تضاعف العقوبة ولوزارة الصحّة العامة أن تقفل بصورة مؤقّتة الصيدلية أو المؤسّسة المنشأة خلافًا للقانون إلى أن يصدر القضاء حكمه النهائي في القضيّة”.
• تنصّ المادة 87 على أنّه: “يعاقب بغرامة من ستّة ملايين إلى عشرين مليون ليرة لبنانية، وبالحبس من شهرين إلى ستّة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين، كلّ صاحب مستودع يبيع لغير المؤسّسات الصيدلانية المجازة، ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقلّ عقوبة الحبس عن شهرين، والغرامة عن حدّها الأدنى وعند التكرار تضاعف العقوبة، بالإضافة إلى إقفال المستودع وسحب رخصته”.
• وتنصّ المادة 88 على أنّه: “يستهدف للعقوبة ذاتها المنصوص عليها في المادة السابعة والثمانين كلّ صاحب صيدلية أو مستودع أو مصنع أو مستورد أو وكيل يمتنع عن بيع الأدوية أو يقفل محلّه دون إذن من وزارة الصحّة العامة. ولهذه الوزارة أن تصادر الأدوية موضوع الإحتكار”.
• تنصّ المادة المادة 90 على أنّه:” يعاقب بغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية كلّ مستورد أو مستودع يسعّر أو يبيع الدواء أو المستحضرات الصيدلانية خلافًا لمندرجات قرار وزير الصحّة العامة بتحديد التسعيرة، ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقلّ الغرامة عن حدّها الأدنى، كما أنّه يحقّ للوزارة أن تصادر الدواء وتبيعه من الصيدليات بالسعر المحدّد، وعلى هذه الأخيرة أن تدفع الثمن للمستورد، وفي حال ارتكاب المخالفة المذكورة من قبل صيدلية، لا يجوز أن تقلّ الغرامة عن نصف حدّها الأعلى، وبالإضافة إلى ذلك يصادر الدواء من قبل الوزارة”.
• تنصّ المادة المادة 92 – معدّلة على أنّه: “يعاقب بالسجن خمس سنوات على الأقلّ، وبالغرامة من ماية مليون إلى ماية وخمسين مليون ليرة لبنانية، بالإضافة إلى تلفّ الأدوية على نفقته، كلّ من يرتكب الغشّ في المواد الصيدلانية، أو يبيع، أو يصنّع، أو يستورد، أو يوزّع، أو بشكل عام، يقوم بأيّ عمل يتناول أدوية مزوّرة، مهرّبة، منتهية الصلاحية، غير مسجّلة أو ممنوع التداول بها. يمنع من حقّ مزاولة مهنة الصيدلة مدى الحياة كلّ صيدلي يحكم عليه بجناية أو يرتكب الغشّ في المواد الصيدلانية، يبيع أدوية سرّية أو مخدّرات أو من أجل مزاولة مهنة الطبّ بصورة غير قانوني”.
إنّ عقوبة جرائم الاحتكار في المرسوم الاشتراعي رقم 38/37 المتعلّق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها هي: “الغرامة من عشرة ملايين إلى مئة مليون ليرة، وبالسجن من عشرة أيّام إلى ثلاثة أشهر، أو بإحـدى هاتين العقوبتـين، وعنـد التكرار تضاعف العقوبة”.
وكلّ ممانعة للموظّفين المكلّفين بتنفيذ أحكام هذا المرسوم الاشتراعي أثناء قيامهم بوظائفهم، يعاقب عليها بغرامة من مليونين إلى عشرين مليون ليرة، وبالسجن من سبعة أيّام إلى ثلاثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا رافق الممانعة الإهانة أو التهديد أو الإعتداء، تضاعف العقوبة (م53).
وكـلّ من يخفي الوثائق والمسـتندات التي يحـقّ لموظّـفي مصلحـة حمـاية المستهلك الإطلاع عليها، أو يرفض تقديمها، يعاقب بغرامة من مليونين إلى عشرين مليون ليرة، وبالسجن من ثلاثة أيّام إلى شهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وكلّ تذرّع بعدم وجود الدفاتر التجـارية الإلزاميـة أو الفواتيـر يشكّل سببًا لتشديد العقوبة (م63).
وكلّ إخلال بتعهّد يعطى لوزارة الاقتصاد والتجارة، في مجال تسهيل الأعمال التجارية، يعاقب عليه بغرامة من مليون إلى عشرة ملايين ليرة، وبالسجن من ثلاثة أيّام إلى شهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وعند التكرار تضاعف العقوبة (م73).
مكافحة الإحتكار[[3]].:
كان المشترع اللبناني قد أنشأ دائرة مختصة بمكافحة الغلاء والإحتكار بموجب المرسوم رقم 3251 تاريخ 1941/11/18، وكانت مرتبطة في ذلك الوقت بوزارة التموين، وعهد إلى رئيسها بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 73/3491 بمهمّات البحث والتحرّي والتحقيق في جرائم الإحتكار، مع إعطائه حقّ الأمر بإقفال المحلّ الذي وقعت فيه الجريمة.
إلّا أنّه بعد صدور المرسوم الاشتراعي رقم 37 تاريخ 1938/9/9، أعطت المادة 71 وما يليها منه مهمّة ضبط جرائم الإحتكار وتنظيم محاضر الضبط إلى موظّفي مصلحة حماية المستهلك وأفراد الضابطة العدلية المكلّفين رسميًا القيام بهذا النوع من العمل.
ويمارس هؤلاء الموظّفون الصلاحيات المعطاة لهم في جميع المؤسّسات والمحلات التجارية والمستودعات التي تخزّن فيها مواد وحاصلات وسلع وفي مؤسّسات الخدمات المسعّرة. ويشترط لممارسة الوظيفة في الأماكن الأخرى التي يشتبه بوجود بضائع وحاصلات وسلع فيها، الحصول على موافقة خطّية مسبقة من النيابة العامة المختصة. وفي مطلق الأحوال يحقّ لهؤلاء الموظّفين الاستعانة بقوى الأمن الداخلي كلّما دعت الضرورة.
ويحقّ لموظّفي مصلحة حماية المستهلك، المكلّفين رسميًا، مطالبة أصحاب العلاقة بتقديم جميع الوثائق والمستندات التي تثبت صحّة المعلومات المدلى بها. وتضبط المخالفة بموجب محاضر ضبط وفقًا لنموذج معيّن يحدّد بقرار من وزارة الاقتصاد والتجارة في ما يعود لمراقبي مصلحة حماية المستهلك. وتُحال محاضر الضبط إلى النيابة العامة الاستئنافية ذات الصلاحية، من قبل رئيس المصلحة بواسطة رئيس مصلحة الاقتصاد والتجارة في المحافظات بعد التأكّد من استيفائها الشروط القانونية مع كافة المستندات والإفادات والمعلومات الضرورية المتعلّقة بها، أو ترفع للمدير في ضوء التدقيق والتحقيق الإضافي عندما ترتئي رئاسة المصلحة حفظ المحضر لتقترن بقرار المدير العام.
وتنظر في الجرائم، المحاكم الاستئنافية المختصة في المحافظة التي وقعت فيها الجريمة، وتطبّق بشأنها أصول المحاكمات الموجزة المتعلّقة بالجرائم المشهودة، وتكون أحكامها غير قابلة للمراجعة إلّا لتصحيح الخطأ المادي، وفي مطلق الأحوال لا يجوز الحكم بأقلّ من الحدّ الأدنى للغرامة. ويمكن إثبات الجريمة بجميع الطرق القانونية.
الإجراءات القانونية:
تحجز المواد والسلع والحاصلات التي هي من نوع وصنف البضاعة التي ارتكبت بها المخالفة في أيّ مكان وجدت، ويمكن الحكم بمصادرة الكمّية المحجوزة كلّيًا أو جزئيًا حسب الحالة (م4).
ويوضع على المحجوزات خاتم رسمي، وتودع أمانة لدى المخالف أو لدى شخص ثالث على ذمّة بتّ المخالفة. إلّا أنّه إذا كانت الكمّية المحجوزة ضرورية للتموين أو قابلة للتلف السريع، فيقتضي بيعها بمعرفة مصلحة حماية المستهلك، التي تحفظ الثمن حسب الأصول القانونية على ذمّة بتّ المخالفة (م14).
وإذا تكرّرت المخالفة خلال السنة الواحدة يمكن، بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في هذا المرسوم الاشتراعي، الحكم بإغلاق المركز التجاري الذي ارتكبت فيه المخالفة، ويمنع مزاولة المهنة خلال مدّة تتراوح بين ثلاثة أيّام وشهر (م24). ويعتبر بمثابة المخالف الأصلي كلّ من تدخّل أو اشترك في ارتكاب الجريمة، أو حرّض عليها، أو أخفى المعلومات المتعلّقة بها (م34).
ويؤخذ من قيمة الغرامات التي استوفيت فعلًا ومن محصول الصادرات المحكوم بها، مبلغ لا يتجاوز 52% من مجموعها، ويرصد لمكافأة الموظّفين الذين ينظّمون محاضر الضبط والذين يتولّون إكمالها ومتابعتها حتّى صدور الأحكام. ويحدّد وزير الاقتصاد والتجارة، بناء على اقتراح المدير العام للوزارة، نسبة المبلغ الذي يقتـضي اقتطاعه وطريقة توزيعه (م44).
وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ عمل من أعمال الاحتكار المبيّنة في المادة 41 المذكورة سابقًا، يعتبر باطلًا حكمًا، بالنسبة إلى المتعاقدين أو المتكتلين، سواء أكان هذا العمل ظاهرًا أم مستترًا، ولا يجوز لهم التذرّع بهذا البطلان تجاه الغير للتنصّل من مسؤولياتهم (م51).
وهنا يثور التساؤل عن ماهية جريمة الإحتكار رغم أنّ أغلبية التشريعات الداخلية والدولية حظّرت وجود أيّ نوع من أنواع الإحتكار بصورة مخالفة للقوانين المرعية الإجراء، فقد اختلف المفهوم القانوني للإحتكار في تلك التشريعات، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت أنّ القيام بذلك يعتبر جناية يعاقب عليها بالغرامة التي قد تصل إلى مليون دولار للشخص المعنوي ومئة ألف دولار للشخص الطبيعي، أو بالسجن مدّة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بكلا هاتين العقوبتين على حسب تقدير المحكمة.
أمّا القانون الأوروبي، فقد حظّرت اتفاقية السوق الأوروبية إساءة استغلال المركز المسيطر للملتزم أو للمشروع في السوق المشتركة للتأثير على التجارة بين الدول الأعضاء، بقصد بيع أو شراء المنتوجات بأسعار أو بشروط غير عادلة، أو خفض كمّية الإنتاج إضرارًا بالعملاء، أو فرض مراكز تنافسية سيّئة على العملاء، أو فرض شروط لا تتفق مع العادات التجارية.
واعتبرت محكمة العدل الأوروبية أنّ المركز المسيطر هو الذي يؤدّي إلى امتلاك مقدرة اقتصادية تمكّن التاجر من تحديد الأسعار أو السيطرة على الإنتاج أو على توزيع جزء كبير من السلع، وإعاقة دخول منافسين إلى السوق نتيجة التأثير البالغ الذي يمارسه التاجر المحتكر.
أمّا اتفاقية الشراكة الأوروبية وهي الإتفاقية الموقّعة في اللوكسمبورغ في شهر حزيران من العام 2002، والمتعلّقة بالتجارة بين المجموعة الأوروبية والدول الأخرى، والتي وافق عليها لبنان قد حظّرت في المادة 63 من وجود أيّ احتكار ذي طابع تجاري، أو وجود تمييز بين رعايا الدول الأعضاء، وفرضت على أعضائها أن يعدّلوا تدريجيًا أيّة احتكارات موجودة في ما خصّ شروط شراء السلع وتسويقها.
أمّا القانون اللبناني فقد حدّد المشترع اللبناني الإحتكار في المادة 41 من المرسوم الاشتراعي رقم 37 تاريخ 1983/9/9 (المتعلّق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والإتجار بها)، فنصّت على أنّه يعتبر احتكارًا:
1- كلّ اتفاق أو تكتّل يرمي للحدّ من المنافسة في انتاج السلع والمواد والحاصلات أو مشتراها أو استيرادها أو تصريفها، ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع أسعارها ارتفاعًا مصطنعًا أو الحيلولة دون خفض هذه الأسعار.
2- كلّ اتفاق أو تكتّل يتناول الخدمات بغية الحدّ من المنافسة في تأديتها ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع بدلاتها بصورة مصطنعة أو الحيلولة دون خفض هذه البدلات.
3- كلّ عمل يرمي إلى تجميع المواد أو السلع أو الحاصلات أو اخفائها بقصد رفع قيمتها، أو غلق مكاتب أو مستودعات لأسباب غير مشروعة بغية اجتناء ربح، لا يكون نتيجة طبيعية لقاعدة العرض والطلب.
نستنتج من كلّ ذلك، أنّ العقوبات المقرّرة في القانون اللبناني والغرامات المقرّرة زهيدة جدًّا لا تتناسب البتّة مع حجم جريمة احتكار وتهريب الأدوية والتلاعب بصحّة وسلامة وحياة المرضى والمضاربة بها في السوق السوداء، سوق قلّة الضمير والإنسانية والإجرام وقلّة الأمانة والأخلاق، نتيجة الجشع والطمع وعبادة المال على حساب حياة الأطفال والمرضى.
لذلك، طالبنا مرارًا وتكرارًا بضرورة إقرار قانون موحّد يتناول “المسؤولية الموضوعية لمنتجي وبائعي الأدوية عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية”، فارتأينا أن نضع إصبعنا على الجرح ونسلّط الضوء في كتاب قانوني كنت قد أصدرته منذ سنتين تقريبًا تحت عنوان: “المسؤولية المدنية عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية”[[4]].، على المشكلة الأساسية التي نعاني منها ألا وهي عدم وجود قانون خاص موحَّد يرعى المسؤولية عن العيوب الخفية في الأدوية.
فللأسف، فإنَّ المشرع اللبناني لم يعِ أهمّية وخطورة الدواء على صحّة وسلامة الناس في ظلّ كثرة وتواتر حوادث الأدوية المعيوبة والأخطاء الطبّية في لبنان واحتكار الأدوية، وجهل المتضرّر بشكل أساسي للكيفية والسبل والطرق القانونية للرجوع على المسؤول عن الضرر الذي لحق به. لذلك كان كتابي هذا مقدّمة إلى المشرّع اللبناني لوضع تنظيم تشريعي متكامل وجمع شتات النصوص المتفرّقة في قانون واحد يتناول “المسؤولية المدنية والجزائية عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية”. ولكي يعرف كلّ من له الحقّ والصفة والصلاحية في التداول بالأدوية والمستحضرات الصيدلانية من الصيادلة والأطباء وشركات الأدوية حقوقهم وواجباتهم ومسؤوليتهم الإنسانية والمهنية اتجاه المريض.
ومن بين أهمّ التوصيات التي طالبت بها في كتابي:
– ضرورة إنشاء نيابة عامة خاصة يالقضايا الصحيّة للبتّ في الملفّات المحالة إلى القضاء بسبب الضرورة الملحّة المتعلّقة بصحّة المواطنين وأهمّية حسمها والبتّ فيها بالسرعة القصوى.
– ضرورة تغليظ العقوبة على منتجي وبائعي ومهرّبي ومزوّري ومحتكري الأدوية والمستحضرات الصيدلانية واعتبارها جناية وليست جنحة تنقضي بالحبس البسيط أو دفع غرامة زهيدة مقارنة بالأضرار الجسيمة التي تنتج عن الأدوية المعيوبة.
هوامش:
[[1]] الحقّ في الصحّة World Health Organization
[[2]] فجوات لا زالت تشوب خطّة التلقيح Human Rights Watch
[[3]] “الإحتكار في مفهومه وآثاره وعقوبته، إعداد نادر عبد العزيز الشافي، الموقع الرسمي للجيش اللبناني، العدد 239 – أيّار 2005.
[[4]] مروى طلال درغام، “المسؤولية المدنية لمنتج الدواء عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية”، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى، 2018.
“محكمة” – السبت في 2021/8/28