كتب علي الموسوي:
يزخر القضاء اللبناني بعدد لا بأس به من القضاة الشعراء الذين لا يكتفون بإصدار الأحكام والقرارات وعقد الاستجوابات والجلسات والقيام بالتحقيقات ضمن مهامهم شبه اليومية في رحاب العدليات والمحاكم، بل يطلقون أيضاً في أوقات الفراغ، العنان لأقلامهم وأرواحهم لتدبّج على الأوراق البيضاء ما يعتريها من مشاعر وأحاسيس تعبّر عن واقع الحال في لحظة ما من العمر، قد تكون مختزنة بالفرح، وقد تكون عامرة بالحزن، وفي الحالين هناك تعبير صادق يظهر أنّ القضاء فعل إنساني أيضاً.
والجديد في هذا المضمار، إصدار القاضي حسين العبدالله مجموعته الشعرية”لعلّك أنت الذي سوف يحدث بعد قليل” في 168 صفحة من القطع الوسط، من دون ذكر لدار النشر.
واللافت للنظر في هذا الكتاب، إستخدام القاضي العبدالله تعابير قانونية في أشعاره مثل:” حيثية العطر”، “ملفّ وقصيدة”، “الشعر والقانون”، “دفع شكلي”، “قرارات رجائية”،”مرافعة”،”الحكم”، و”وكالة”.
ويتضمّن الكتاب 133 قصيدة موزونة على بحور الشعر الكلاسيكية المتعارف عليها، وعلى التفعيلة، من دون التزام قافية واحدة، بل هناك إطلاق للكلام حيث تحلّ الموسيقى الداخلية الآتية على متن المعنى مكان النغم المنتظر دوماً من القوافي. وتسيطر الغزليات على معظم القصائد الملوّنة ببوح داخلي يشدّ الإنتباه ويؤكّد امتلاك صاحبها القاضي الرئيس العبدالله موهبةَ تطريز الكلمات على هيئة قصيدة منسجمة وتشعر المتلقّي بدفئها وجمالها.
وقد تتألّف القصيدة الواحدة من بيتين إثنين، كما أنّ هناك قصائد على شاكلة خاطرة تطرب الذهن، من دون أن تتخلّى عن زرع الإبتسامة على وجه المتلّقي مثلما تفعل قصيدة “دفع شكلي” التي تقول:
“ضمَّتُها دفْعٌ شكْليٌّ
والقُبْلَةُ خوْضٌ في الممْنُوعْ
قالتْ لي يا شاطرُ مهْلاً
بلّغني.. هلْ دفْعي مسْمُوعْ؟
فَأَجَبْتُ على شوْقٍ منّي:
سأضُمُّ الدفْع إلى الموْضُوعْ”.
وجاءت قصيدة”حيثية العطر” في بيتين على الشكل التالي:
“نادانيَ العطرُ حتّى عدتُ أحْضُنُهُ
لأجْلِ عطْرِكِ أُلْغيها قَراراتي
كنْتُ اقْتَنَعْتُ بها، والعِطْرُ أسْقَطَها
حيثيّةُ العطْرِ أقْوى منْ قَناعَاتي”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 19- تموز 2017)