للمستجوب حقّ الاستعانة بمحام لحضور التحقيق الأوّلي!/أديب زخور
المحامي أديب زخور:
إنّ المواد التي تسمح للمحامي حضور الاستجواب جاءت صريحة.
فقد نصّت المادة 32 أ.م.ج. بوضوح على حقّ المحامي بحضور الاستجواب في الجريمة المشهودة أمام المدعي العام، وهذا الحقّ معطى لكلّ مستجوب، حيث نصّت صراحةً وحرفياً على أنّ “للمستجوب أن يستعين بمحام لحضور استجوابه”. وإنّ المدعي العام أو المحامي العام هو الموظّف الأصيل الذي يقوم بهذه المهام وغيرها بحسب المواد 24 و25 و26أ.م.ج.، وله الصلاحية في أن ينيب الضابطة العدلية ببعض المهام ومنها التحقيقات الأوّلية والاستجواب، ونصّت المادة 44أ.م.ج. على أنّه يمكن أن يشمل التكليف تحديداً استجواب المشتبه فيه، وعندها يعطى ذات الحقوق للموقوفين وللمحامين بحضور الاستجواب، كما جاء في صريح نصّ المادة 40 أ.م.ج. أنّ الضابطة العدلية تقوم بالاجراءات التي يقوم بها النائب العام عند تعذّر عليه مباشرتها، ونصّت صراحة وحرفياً ” وعلى الضابط العدلي أن يراعي في إجراءاته الأصول التي حدّدها القانون للنائب العام عند تولّيه التحقيق في الجريمة المشهودة”،
ومن الرجوع إلى نصّ المادة 40أ.م.ج. نجد أنّها ذكرت بوضوح أنّ على الضابط العدلي أن يتبع ذات الأصول والإجراءات المذكورة، والمعطاة بشكل أساسي للنائب العام، وهنا بيت القصيد، فعلى المستناب أن يمارس ذات الأصول والاجراءات، لا أن يستنبط أصولاً أخرى، وليس له أن يتجاوزها بتاتاً، بحيث يستمدّ الضابط العدلي أثناء الاستجواب سلطته وصلاحياته من النائب العام، بحيث لا يمكن تجاوزها، ولم يعطه القانون أيّ صلاحية تتجاوز صلاحيات الأصيل الذي هو النائب العام، وإلاّ أصبحنا أمام تحقيق بوليسي وهذا ليس نيّة المشترع بالطبع، بحيث نصّت المادة 40أ.م.ج. بوضوح لا لبس فيه على أنّ “للمستجوب أن يستعين بمحام لحضور استجوابه”، واستعمل المشترع الالزام مستعملاً كلمات الإجبار ” وعلى الضابط العدلي أن يراعي في إجراءاته الأصول التي حدّدها القانون للنائب العام عند توّليه التحقيق في الجريمة المشهودة” أيّ ألزمه بالتقيّد بذات الأصول والإجراءات وضمان حقوق المستجوب ومنع عليه استنباط أيّة أصول أخرى مخالفة غير منصوص عليها لدى المدعي العام ومنها حضور المحامي الإستجواب وفقاً للمادة 32 و40 و44 أ.م.ج.،
وقد أعطت المادة 49 أ.م.ج. بوضوح الصلاحية الأساسية للنائب العام بأن يتولّى التحقيق الأوّلي بنفسه في الجريمة غير المشهودة، وإذا فعل فيكون لوكيل المشتبه فيه “المحامي” أن يحضر مع موكّله أثناء استجوابه. وبالتالي إذا كلّف النائب العام الضابطة العدلية بإجراء التحقيقات، فعليهم اتباع ذات الأصول والاجراءات المذكورة، بحيث لا تعطى أيّة صلاحيات إضافية أو مختلفة عن تلك المعطاة للنائب العام، كونه يستمدّ صلاحياته منه وفقاً للمواد 24 و25 و26 أ.م.ج. الصريحة، وعليه تطبيق ذات الإجراءات والأصول، بخاصة حضور المحامي مع موكّله أثناء استجوابه. وبالتالي، إذا كان للمحامي الحقّ في حضور الإستجواب لدى المدعي العام صاحب الصلاحية الأصيل، فيحقّ له بالأولى حضوره عند استنابة الضابط العدلي وهو تراتبياً أدنى درجة ويعمل تحت إشرافه وتوجيهاته، ولوجود نصّ صريح باتباع الضابطة العدلية ذات الأصول والإجراءات، إضافة إلى المبدأ celui qui peut le plus peut le moins، أيّ إذا كان للمحامي حقّ حضور الاستجواب مع موكّله لدى النائب العام وهو المرجع الأعلى والأصلي فيستطيع المحامي ممارسة ذات الحقّ في الدرجة الأدنى لدى الضابطة العدلية عند استنابتها وعند إعطاء ذات صلاحية الاستجواب للدرجة الأدنى تراتبياً، فمن يستطيع الأكثر يستطيع الأقلّ.
كما يتوجّب التوضيح تبعاً للمبدأ الصريح “لا اجتهاد عند وضوح النصّ”، وبما أنّ النصوص صريحة بحضور المحامي التحقيقات الأوّلية لدى المدعي العام ولدى الضابطة العدلية التي تطبّق ذات الإجراءات والأصول المطبّقة لدى النائب العام كما ورد صراحة في النصوص أعلاه، فلا يمكن بعدها مخالفة المواد الصريحة وعزل المحامي وحرمان أيّ شخص من حقّ الدفاع أو التوسّع بالتفسير عند وضوح النصّ. فالمبدأ هو حضور المحامي الإستجواب، وإذا أراد المشترع حرمان المستجوب من هذا الحقّ فعليه أن يشير إلى ذلك بنصّ صريح مماثل ويذكر صراحة المنع، وهذا ما لم يفعله المشترع، وينبغي على جميع المرجعيات التقيّد بهذه النصوص الصريحة،
(يراجع: تمييز مدني حكم رقم 1997/143 الرئيس حسين زين والأعضاء شبطيني العمّ وأنطوني عيسى الخوري”)
وحيث إنّ المبدأ القانوني أن لا اجتهاد في معرض نصّ قانوني صريح”
مع التشديد أيضاً، على أنّه يقتضي أوّلاً العمل بالمواد الصريحة وتفسيرها الصريح والمباشر والأوضح لمصلحة المدعى عليه، التي تعطي الضمانة لحقّ الدفاع بوجوب حضور المحامي الإستجواب، وهي ترجّح في التطبيق عند عدم وجود أيّ مواد صريحة تمنع الحضور، ويتوجّب تنفيذ المواد وتطبيقها لجهة القانون الأرحم على المدعى عليه وتأمين حقّ الدفاع كاملاً تحت طائلة إبطال الإجراءات، لمخالفة القانون والإخلال بالقواعد الجوهرية في التحقيق، التي يمكن الطعن فيها وإبطال المخالفات كما جاء في المادة 306 أ.م.ج. على سبيل المثال.
بخاصة، أنّ المبدأ القانوني هو تأمين الحماية الفضلى للمدعى عليه حيث يؤخذ بالنصّ الأرحم ويطبّق عليه، هذا إذا سلّمنا جدلاً أنّ هناك غموضاً أو تأويلاً للنصوص، وبالطبع، إنّ مخالفة القانون أو الإخلال بالقواعد الجوهرية في التحقيق كمنع حضور المحامي الإستجواب تشكّل مخالفتها سبباً للطعن استئنافاً وتمييزاً في القرارات والأحكام بحسب المادتين 296 و306 أ.م.ج. على سبيل المثال، والتمسك بهذا الحقّ هو ضمانة لحقّ الدفاع المقدّس وقاعدة جوهرية تحفظ للمدعى عليه وللمتهم أو الموقوف الحقّ بالإستعانة بمحام للدفاع عنه بدءًا من التحقيق الأوّلي حيث يعتبر الإستجواب إحدى المحطّات الرئيسية في الإدانة أو البراءة، مع باقي الأدلّة، فإذا ابتدأت التحقيقات بطريقة خاطئة، فقد يبنى التحقيق على استجواب خاطىء قد يؤدّي إلى أحكام بالإدانة خاطئة، وبالتالي، يجب التقيّد بتطبيق جميع الإجراءات والأصول وحقّ الدفاع المقدّس وعدم التنازل عن أيّ منها، وعدم انتقائية المواد وبخاصة حقّ المحامين حضور الاستجواب لدى الضابطة العدلية وفقاً لصراحة النصوص، كما يحصل في تطبيق باقي المواد في التحقيقات الأوّلية.
وبالتالي، لا يمكن فصل المادة 47 أ.م.ج. عن باقي المواد السابقة أو تفسيرها بمعزل عنها، ولا سيّما المواد24 و25 و26 و 32 و40 و44 أ.م.ج. وما يليها، وإلاّ فقد حقّ الدفاع معناه وأفرغنا المواد من مضمونها القانوني، بخاصة أنّ المادة 47 أ.م.ج. منعت على الضابطة العدلية استجواب المدعى عليهم وأشارت بذلك بوضوح، ويجب التشديد على أنّ القاعدة هي أنّ الضابط العدلي يقوم بالاستماع لأقوال المشكو منهم أو المشتبه فيهم، وإن امتنعوا أو التزموا الصمت فيشار بذلك في المحضر ولا يحقّ لهم إكراههم على الكلام أو استجوابهم تحت طائلة إبطال استجوابهم. وإذا منع المحامي عن ممارسة دوره منذ بدء التحقيق وحقّه في حضور الإستجواب فتكون مخالفة جوهرية لمواد صريحة يتوجّب على النيابات العامة التشدّد بتطبيقها وضمان حقّ الدفاع منذ اللحظة الأولى للإستجواب والتوقيف، وبالتالي، عدم إعطاء صلاحيات للضابطة العدلية تفوق الصلاحيات المعطاة للمدعي العام أو تجاوزها، وهذا ليس هدف ولا نيّة المشرّع ولا القانون.
“محكمة” – السبت في 2019/12/21