لماذا أحيل صحناوي وحرب والجرّاح على “محكمة سياسية”؟!/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
إنتظر اللبنانيون إيقاظ الملفّات الموضوعة في أدراج القضاء منذ شهور وسنوات وإخراجها إلى النور لكي تأخذ مسارها القضائي الطبيعي ادعاء وتحقيقاً ومحاكمة، غير أنّ النيابة العامة المالية أخطأت في وُجْهة ادعائها في ملفّ وزارة الاتصالات ورمت كرة الملاحقة على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الأمر غير المتوافر في الوقت الراهن لسببين إثنين:
الأوّل، أنّ هذا المجلس غير مؤلّف من القضاة، وإنْ كان بالإمكان معرفة أسمائهم نوعاً ما على الرغم من تبدّلهم في كلّ حين بفعل التقاعد لينضمّوا إلى النوّاب السبعة الأصيلين المنتخبين بالتزكية من الهيئة العامة لمجلس النوّاب في 6 آذار 2019 وهم: علي عمّار، جورج عقيص، سمير الجسر، فيصل الصايغ، جورج عطالله، آغوب بقرادونيان، والياس حنكش والاحتياطيين الثلاثة سليم عون، وعلي عسيران ورولا الطبش، وقد مرّت سنوات واللبنانيون يسمعون بوجود هذا المجلس في الإعلام من دون أن يتسنّى لهم أن يروا أفعاله وإنتاجيته التي تعيد الحقوق، لا أن تغضّ الطرف عنها وتطمسها نهائياً وإلى غير رجعة.
والثاني، أنّ مسيرة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء محبطة وفاشلة، وهو لم يؤدّ الغاية المتوخّاة منه لأنّه لم يقم بواجبه على أكمل وجه، أو بالأحرى، فإنّ سيطرة السياسة على وجوده تشكيلاً وتفعيلاً وبرنامجَ عمل، لم تسمح له بأن يكون على قدر آمال الشعب اللبناني، والدليل تجربة محاكمة الرئيس فؤاد السنيورة بصفته وزيراً للمالية في ملفّ محرقة برج حمود، ووزير النفط الأسبق شاهيه برسوميان في ملفّ الرواسب النفطية.
ويؤخذ على ادعاء النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم على وزراء الاتصالات المتعاقبين نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجرّاح بجرم هدر المال العام، أنّه أحالهم بطريقة خاطئة على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء الوزراء، فيما كان يفترض به أنّ يحيلهم على قاضي التحقيق الأوّل في بيروت لتحديد الجهة القضائية المخوّلة بملاحقتهم والتي تملك صلاحيات المحاكمة، على غرار ما حصل سابقاً مع وزراء آخرين في عهود ماضية، حيث يقدّم وكلاء هؤلاء الوزراء دفوعاً شكلية بشأن الجهة المختصة قانوناً وما إذا كان القضاء العدلي أيّ القضاء العادي، أو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ويبتّ قاضي التحقيق بالأمر سلباً أو إيجاباً، فإما أن يبقي الصلاحية للقضاء العدلي أو أنّه يعتبر نفسه غير مختص، وبالتالي يرفع يده عن الملفّ، ويحيله إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء عبر القنوات القضائية المعتادة، ولكي يشرع المجلس المذكور في المحاكمة يتوجّب عليه الحصول على عريضة ادعاء أو مضبطة اتهام يقدّمها عدد من النوّاب.
وفي جميع هذه الأحوال والحالات، فإنّه يمكن استئناف قرار ردّ أو قبول الدفع الشكلي أمام الهيئة الاتهامية، وتمييزه أمام الغرفة الثالثة لمحكمة التمييز الجزائية كما حدث في السابق حيث أعطيت آراء ومواقف قضائية متفاوتة ومتناقضة ومتأرجحة واستنسابية، غير أنّ النيابة العامة المالية تسرّعت في تحديد الجهة القضائية الصالحة وهو أمر لا يدخل ضمن اختصاصها، وهذا ما تحكيه كلّ الأسبقيات في هذا المجال، كما أنّه لا صلاحية للنيابة العامة المالية لإحالة الملفّات على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي توجد لديه نيابة عامة ممثّلة بالنائب العام التمييزي وذلك بعد تحديد الجهة القضائية المختصة للنظر في ملفّات الوزراء والاتهامات المنسوبة إليهم وما إذا كانت القضاء العدلي أم المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
إنّ إحالة الوزراء الثلاثة صحناوي وحرب والجرّاح على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء غير مستساغة من الناحية القانونية، لأنّ هذا المجلس غير مفعّل وغير فاعل، وإلغاؤه أفضل من إبقائه النظري وذلك في ظلّ الانكماش الحاصل في قدراته، واشتراك الكتل النيابية في تشكيله وتعيين نوّابها فيه ووفق منطوق التوزيع الطائفي المعتاد في لبنان، وهذا ما لا يجترح العدالة الحقّة والمنتظرة، وإذا ما كان هناك إصرار سياسي على “التمترس” خلف هذا المجلس، فلا بدّ من إجراء تعديلات جذرية وواضحة في مضمون قانون إنشائه والذي يحمل الرقم 13 الصادر في 18 آب 1990.
لذلك فإنّ ثمّة سؤالاً جوهرياً يطرح بشكل عفوي وتلقائي بمجرّد تبيان حقيقة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فهل الادعاء والإحالة حصلا لتمويت الملاحقة نهائياً بفعل غياب هذا المجلس، أمّ أنّ الجدّية اقتضت اختصار الطريق لتسريع المحاكمة التي تتحكّم السياسة في إصدار الحكم النهائي فيها وإنْ تضمّن المجلس قضاة في صفوفه، وعادة تطبخ مثل هذه المحاكمات في الغرف السياسية المغلقة وتكون نتيجة حتمية لاتفاقات سياسية معلومة ومجهولة في آن معاً؟
على الأقلّ، هذا ما تبدّى من تاريخ عمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في محاكمة السنيورة وبرسوميان.
“محكمة” – الخميس في 2019/11/21