أبحاث ودراسات

لماذا هذا الفارق بين سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية وسعرها في السوق الحرة؟/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
إن سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية هو ليس السعر القانوني الانتقالي لليرة اللبنانية الذي نصت عليه المادة ٢٢٩ من قانون النقد والتسليف، بل السعر الذي يحدده مصرف لبنان بالتوافق لزوماً مع وزارة المالية وبموافقة الحكومة اللبنانية دوماً، بحيث يتمّ تعديله على ذات النحو.
علماً أن هذا التحديد قد ارتبط في السابق، على ما يبدو، بشكل رئيسي بالسياسة النقدية للدولة التي ارتكزت على معطيات المالية العامة للخزينة والتدفقات النقدية الجارية والمتوقعة للعملة الصعبة، دونما الأخذ في الاعتبار إحتياطي مصرف لبنان بالذهب، المجمّد والمحظور تحريكه أو التصرف به بأي شكلٍ كان، الاّ بموجب قانون خاص يصدر عن المجلس النيابي.
اما هذا الارتباط، فقد توسّع بعد اندلاع الازمة المصرفية في البلاد في أواخر العام ٢٠١٩ حتى بات:
• يراعي الوضعية المالية المستجدة على المصارف، نتيجة الشحّ والنضوب القاسيين اللذين تظهّرا في سيولتها بالعملة الصعبة،
• ويراعي كذلك كيفية العمل على تحريرها من أعبائها بتلك العملة، بفعل عجزها أو تعجيزها المفتعل، عن إيفاء ودائع المودعين لديها بالعملة المذكورة،
• ويراعي أيضاً كيفية استيفائها للقروض التي وفّرتها لعملائها بالعملة الصعبة دوماً، الذين أصبحوا في وضعية متعسّرة، نتيجة تجفيف مواردهم بتلك العملة وانهيار القيمة الايفائية للعملة الوطنية نسبةً إلى هذه الأخيرة.
وإن مثابرة الحكومة ومصرف لبنان على إبقاء هذا الفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية وسعرها في السوق الحرة، بنسبة 1/6 حالياً، إنّما غايته المباشرة والثابتة، هو تذويب ودائع المودعين بالعملة الصعبة، عملة وطنية بأقل كلفة ممكنة، وإتمام هذا التذويب بوتيرة سريعة، الى جانب العمل على إطفاء القروض المصرفية بالعملة الصعبة، عملة وطنية بأبخس الأثمان، أي على سعر صرفها الرسمي، أو بالقيم الإسميّة للشيكات المصرفية الفاقدة لسيولتها بذات تلك القيم.
كما وان هذه السياسة النقدية الرسمية هي معدّة لأن تستمرّ وتطول في الزمن لطيلة الفترة اللازمة لتحقيق الغاية التي أقرّت من أجلها، وذلك أيّاً تكن توصيات ومقترحات صندوق النقد الدولي.
وذلك على قاعدة أن الدولة اللبنانية ومصرف لبنان لا يقرّان “بمديونيتهما” للمصارف، وإنّهما يعمدان إلى تحميلها لهم “كخسائر” محقّقة، بعدما تمّ تبويبها عمداً على هذا النحو في ميزانيات مصرف لبنان المحدّثة قبل رحيل حاكمه السابق رياض سلامة، وذلك حتّى ترتدّ تلك الخسائر على ودائع المودعين فتُصفّى بها.
كلّ ذلك، لأننا شعوبٌ مفتحةٌ عيونهم نيام.
“محكمة” – السبت في 2024/3/9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!