أبحاث ودراسات

لهذه الأسباب قرار وزير التربية بتحديد قيمة مساهمة الأهالي في تغذية صناديق مجالس الأهل قانوني ولكن!/ملاك حمية

المحامية ملاك حمية:
1- بتاريخ 2024/8/21، صدر قرار عن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي حمل الرقم 680/م/2024، حدّد بموجبه قيمة مساهمة الأهالي في تغذية صناديق ” مجالس الأهل”(i) في المدارس والثانويات الرسمية بمبلغ /4,500,000/ل.ل عن كل تلميذ لبناني، وبمبلغ /9,000,000/ل.ل عن كل تلميذ غير لبناني الذين يتم تسجيلهم للعام الدراسي 2024-2025، سواء في مرحلة الروضة أو في مرحلة التعليم الأساسي(ii) بحلقاته الثلاث(iii)، الأمر الذي يستوجب طرح علامات الإستفهام التالية:
ما هي هذه المساهمة؟ وما مدى صحة وقانونيّة قرار تحديد قيمتها وفرضها على الأهالي، ومدى توافقها مع الأحكام القانونيّة المنصوص عنها في القانون اللبناني لا سيما قانون إلزامية ومجانية التعليم في لبنان ومرسوم تنظيم وتحديد شروطه؟ وفي حال قانونيّة فرض هذه المساهمة، فمن هي الجهة صاحبة الصلاحية في تحديد قيمتها؟ وهل يتعارض فرضها مع المواثيق والإتفاقيات الدوليّة التي سبق للبنان أن انضمّ إليها؟
2- سنتناول في هذه الدراسة الإجابة عن المواضيع المذكورة أعلاه، من خلال استعراض النصوص التي ترعى الحق في التعليم وإلزاميّته ومجانيّته في المواثيق والإتفاقيات الدوليّة، ومن ثم استعراض تطوّر النصوص المُتعلّقة بذلك في القانون اللبناني، وصولاً إلى معرفة مدى قانونية قرار وزير التربية المذكور أعلاه.
3- بداية نُشير إلى أنّ حقّ التعليم هو من الحقـوق التي نصّت عليها المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر بتاريخ 10/12/1948، والتي أوجبت أن يكون التعليم مجاناً على الأقل في مرحلتيْه الأولى والأساسية، وبأن يكون التعليمُ الأولي إلزاميًّا.
– إنّ المادة /3/ من الإتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في 14/12/1960، قد نصّت على:
” تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن، بالتشريع عند الضرورة، عدم وجود أي تمييز في قبول التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، وبأن لا تسمح بأي اختلاف في معاملة المواطنين من جانب السلطات العامة، فيما يتعلق بفرض الرسوم المدرسية، أو بإعطاء المنح الدراسية أو غيرها من أشكال المعونة التي تقدم للتلاميذ، إلا على أساس الجدارة أو الحاجة..”
والمادة /4/ من الإتفاقية عينها قد نصّت على :
” تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، بأن تضع وتطور وتطبق سياسة وطنية تهدف، عن طريق أساليب ملائمة للظروف والعرف السائد في البلاد، إلى دعم تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في أمور التعليم، ولاسيما في جعل التعليم الابتدائي مجانياً وإلزامياً، وجعل التعليم الثانوي بشتى أشكاله متوفراً وسهل المنال بصفة عامة للجميع..”
– إنّ الفقرة (2) من المادة /13/ من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعيّة والثقافيّة المؤرخ في 16 كانون الأول من العام 1966، قد نصّت على أنّ الدول الأطراف ” تقر بأن ضمان الممارسة التامة لحق التعليم يتطلب جعل التعليم الإبتدائي إلزامياً ومتاحا مجاناً للجميع،…”
– إنّ المادة /28/ من إتفاقيّة حقوق الطفل التي أقرّتها الجمعيّة العامة للأمم المُتحدة بتاريخ 1989/11/20، (دخلت حيّز التنفيذ في 1990/9/2) قد نصّت على: ” تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقاً للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجياً، تقوم بوجه خاص بما يلي : (أ) جعل التعليم الإبتدائي إلزامياً ومتاحاً مجاناً للجميع…”.
وقد التزمت الدول الأطراف الموقعة على الإتفاقيات المذكورة أعلاه، ومن بينها لبنان، بإقرار الحماية القانونية لحق التعليم في تشريعاتها بما يتلاءم مع مضمون هذه الإتفاقيات والمعاهدات.
4- في لبنـان، أقرّ المُشرّع اللبناني في العام 1959 حق التعليم المجانيّ في المرحلة الإبتدائيّة الأولى لكل لبناني في سن الدراسة الإبتدائية (دون إلزاميّته)، وذلك بموجب المادة /49/ من المرسوم الإشتراعي رقم /134/ الصادر بتاريخ 1959/6/12 على أن تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء شروط وتنظيم هذا التعليم المجاني.
كما نصّت المادة /50/ من نفس المرسوم الإشتراعي المذكور أعلاه على:
” يقبل التلامذة مجاناً في المدارس الرسمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، غير أنه يستوفى من كل واحد منهم رسوم تحدد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء”.
5- بتاريخ 1998/3/16، صدر القانون الرقم /686/ الذي عدّل أحكام المادة /49/ المذكورة أعلاه، والتي أصبحت تنصّ على:
” التعليم مجاني وإلزامي في المرحلة الابتدائية الأولى وهو حق لكل لبناني في سن الدراسة الابتدائية، تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء شروط وتنظيم هذا التعليم المجاني الإلزامي”.
وقـد أبقى المُشرّع على نص المادة /50/ من نفس المرسوم أعلاه دون إجراء أي تعديل على مضمونها.
6- بتاريخ 2011/8/17، صدر القانون الرقم /150/ الذي عدّل مُجدداً أحكام المادة /49/ من المرسوم الإشتراعي رقم /134/ تاريخ 1959/6/12، والتي أصبحت تنصّ على:
” التعليم إلزامي في مرحلة التعليم الأساسي، ومتاح مجاناً في الـمدارس الرسمية ، وهو حق لكل لبناني في سن الدراسة لهذه الـمرحلة. تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء شروط وتنظيم هذا التعليم الـمجاني الإلزامي.”
وقد بقيـت المادة /50/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1959/134، دون إجراء أي تعديل على مضمونها أيضاً.
7- بتاريخ 2022/7/7، صدر المرسوم رقم 9706 الذي تمّ نشره في الجريدة الرسميّة بتاريخ 2022/7/2 والمُتعلّق بتنظيم وتحديد شروط التعليم المجاني الإلزامي، وقد نصت المادة /2/ من هذا المرسوم:
” التعليم الأساسي المجاني ملزم لكل طفل في لبنان، دون تمييز أو تفرقة لأي سبب كان…. ”
” تشمل إلزامية التعليم مكتومي القيد والجنسية قيد الدرس. أما بالنسبة الى الأجانب المقيمين بصورة مشروعة فتطبق عليهم قواعد التعامل بالمثل، ويشترط لإعتبار إقامة أي تلميذ أجنبي مشروعة في لبنان من أجل تطبيق أحكام هذا المرسوم أن يكون هذا التلميذ حاملا لبطاقة إقامة سنوية، أو دائمة فيه.
” تقوم الوزارة بتأمين شروط تطبيق إلزامية التعليم الأساسي بناء على مبدأ تكافؤ الفرص، في المدارس الرسمية، ويبقى على عاتق الأهل المساهمة في صندوق مجلس الأهل دون سواه.”
8- يتبيّن من النصوص القانونيّة المُشار إليها أعلاه، بأنّ المُشرّع اللبناني، وتطبيقاً للإتفاقيات الدوليّة التي وقّع عليها لبنان، قد بدأ تدريجياً ومنذ العام 1959 بتضمين تشريعاته نصوصاً تُقـرّ حق التعليم المجاني في المرحلة الإبتدائيّة لكل لبناني في سن الدراسة الإبتدائية، ثم جعل هذه المرحلة من التعليم مجانية وإلزامية في العام 1998، ثم وفي العام 2011 وصولاً إلى العام 2022 جعل كامل مرحلة التعليم الأساسي مجانيّة وملزمة لكل طفل في لبنان.
كما يتبيّن بأنّ المُشرع اللبناني في جميع القوانين والمراسيم المذكورة أعلاه، قد أبقى على المادة /50/ من المرسوم الإشتراعي رقم /134/ تاريخ 1959/6/12 دون أي تعديل، والتي تنصّ:
” يقبل التلامذة مجاناً في المدارس الرسمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، غير أنه يستوفى من كل واحد منهم رسوم تحدد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء”.
أي أنّ المُشرّع اللبناني اعتبر بأن مجانية التعليم تشمل إعفاء التلامذة من دفع أي قسط مدرسي في المدارس الرسميّة، إنما يبقى عليهم دفع رسوم تحدد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.
مع الإشارة إلى أنّ الإتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم السابق ذكرها، قد أشارت في المادة /3/ إلى وجود رسوم مدرسية، وأنه على الدول الأطراف أن لا تسمح بأي اختلاف في معاملة المواطنين فيما يتعلق بفرض هذه الرسوم من قبل السلطات العامة، رغم أنّ المادة /4/ منها قد نصت على أن تتعهد هذه الدول بأن تضع وتطور وتطبق سياسة وطنية تهدف إلى دعم تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في أمور التعليم، ولا سيما في جعل التعليم الابتدائي مجانياً وإلزامياً.
9- إنّ الرسوم المذكورة في المادة 50 من المرسوم الإشتراعي رقم /134/ تاريخ 1959/6/12، والتي تحدد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، يختلف مفهومها عن مفهوم مُساهمة الأهالي في صندوق مجلس الأهل التي وردت في الفقرة الأخيرة من المادة /2/ من المرسوم رقم 9706 تاريخ 2022/7/7، (وهي موضوع قرار وزير التربية رقم /680/م/2024)، والتي يدخل أمر تحديد قيمتها ضمن صلاحيّة وزير التربية والتعليم العالي حصراً، إستناداً لما يلي:
– بتاريخ 1987/10/30، صدر القانون رقـم 87/36 الذي نصّت المادة الثالثة منه:
” أجيز لوزير التربية والتعليم العالي إصدار القرارات اللازمة لتنظيم وتحديد أعمال ومهام صناديق المدارس وتنفيذ أحكام هذا القانون”.
– بتاريخ 2007/10/3، صدر قرار عن وزير التربية والتعليم العالي برقم 2007/2153، يتعلّق بنظام مجلس الأهل في مدارس رياض الأطفال والتعليم الأساسي والثانويات الرسمية، والذي نصت المادة /24/ منه على:
” أن مالية (صندوق) مجلس الأهل تتكون من مُساهمات الأهالي التي” يُحدد وزير التربية “سقوفها إضافة إلى التبرعات والمُساعدات التي تُقدمها المراجع الرسمية…”
– إنّ هذه المُساهمات، ووفق المادة /25/ من القرار المذكور أعلاه، تُؤمّن نفقات الرعاية الصحيّة للتلامذة، ومُساعدة التلامذة المُحتاجين، وشراء التجهيزات اللازمة والوسائل التربوية الضروريّة، وكل ما يُساهم في تحقيق جودة التعليم وتحسين نوعيّته في المدارس الرسميّة…
علماً أنّه يوجد العديد من القرارات السابقة الصادرة عن وزراء التربية المُتعاقبين، ومنذ سنوات طويلة، تتعلّق بتحديد قيمة مساهمة الأهالي في تغذية صناديق مجالس الأهل.
10- يُستفاد مما تقدّم، ومن الناحية المبدئيّة، أن مساهمة الأهالي في تغذية صناديق ” مجالس الأهل ” ، وبصرف النظر عن قيمتها، هي صحيحة وقانونية، لوجود قانون ينص على إنشائها ويُعطي وزير التربية صلاحية إصدار القرارات اللازمة لتنظيمها وتحديد أعمالها ومهامها.
كما أنّ هذه المُساهمة لا تتعارض مع ما جاء في المرسوم رقم 2022/9706 المُتعلّق بتنظيم وتحديد شروط التعليم المجاني الإلزامي، لكون الفقرة الأخيرة من المادة /2/ من هذا المرسوم قد أبقت على عاتق الأهل المساهمة في صندوق مجلس الأهل دون سواه.
وبالتالي، إنّ وزير التربية والتعليم العالي هو صاحب الصلاحية في تحديد قيمة هذه المساهمة على النحو السابق بيانه، ويكون قراره رقم 680/م/2024 تاريخ 2024/8/21، الذي جرى تصحيحه بتاريخ 2024/8/22، قراراً صحيحاً وقانونياً.
ولكن ومن جهة ثانية، إن من شأن رفع قيمة مساهمة الأهالي في تغذية صناديق مجالس الأهل، أن يحرم أعداد كبيرة من الأطفال من حق التعليم حتى في المدارس الرسمية، والتي من المُفترض أن تشكّل الملاذ لهم مع تراجع قدرة الكثير من العائلات على تأمين كلفة التعليم في المدارس الخاصة، ومن شأنه أن يزيد من نسبة التسرّب المدرسي في لبنان والتي ارتفعت في الأعوام الأخيرة عمّا كانت عليه قبل الأزمة، ويُتوقَّع ارتفاعها أكثر في العام الدّراسي المقبل بسبب عجز الأهالي عن تأمين قيمة هذه المساهمة.
ختاماً، وفي ظل وضع اقتصادي منهار، وقوانين هشة، وتطبيق جزئيّ للإتفاقيات الدولية التي توجب أن يكون التعليم إلزامياً ومُتاحاً مجاناً بشكل كامل في مرحلة التعليم الأساسيّ، بات مطلب حماية الأطفال ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، وبات ضرورياً على الحكومة والجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والمؤسسات الخاصة والرسمية، تحمّل مسؤولياتها والقيام بإجراءات جدية تحمي الأطفال في لبنان، والذين بات وضعهم خطيراً جداً ومُستقبلهم مجهولاً.
هوامش:
(i) عاد وزير التربية والتعليم العالي وأصدر بتاريخ 2024/8/22 قراراً برقم 688/م/2024، بتصحيح القرار رقم 680/م/2024، وإضافة عبارة ” مجالس الأهل ” بعد كلمة صناديق.
(ii) مرحلة التعليم الأساسي مدتها تسع سنوات (أي تضمّ مرحلتيْ التعليم الإبتدائي والمتوسط) وفق ما تنص عليه المادة 2 من المرسوم رقم 10227 الصادر في 1997/5/8.
(iii) الحلقة الأولى تتضمن الصفوف: الأول والثاني والثالث من المرحلة الإبتدائيّة، والحلقة الثانية تتضمن الصفوف: الرابع والخامس والسادس من المرحلة الابتدائية، والحلقة الثالثة هي المرحلة المتوسطة وتسمى صفوفها، استكمالا لصفوف المرحلة الابتدائية: السابع، الثامن والتاسع وفق ما تنص عليه المادة 2 من المرسوم رقم 10227 الصادر في 1997/5/8.
“محكمة” – الجمعة في 2024/8/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!