ليس الوقت للإضراب/نهاد جبر(نقيب المحامين سابقًا)
نهاد جبر(نقيب المحامين في بيروت سابقًا):
“مع الاعتراف بالحقّ المشروع لكلّ فئة من فئات المجتمع بإعلان الإضراب والتوقّف عن العمل كوسيلة تهدف إلى الضغط على المسؤولين لتأمين الوصول إلى غاية معيّنة.
ومع تقديرنا للغايات التي هدفت إليها النقابات مؤخّرًا من خلال سلوكها واختيارها هذا المنحى، وهي غايات لا يشكّ أحد في أحقّيتها،
فإنّ الوقت الحالي تحديدًا ليس بالوقت المناسب للجوء إلى هذه الوسيلة في التعبير عن استياء أو في المطالبة بحقوق.
فمن المعلوم أنّ الحركة الإضرابية أيًّا تكن أهدافها، ومهما تحقّق من نتائج مُرضيه للقيّمين عليها، فإنّها بلا ريب تترك بصمات وقعُها السلبي على الإقتصاد العام للبلاد في ظلّ أوضاع طبيعية، فكيف الحال إذًا في بلد كاد أن يحتضر كلبنان حيث ما زالت الظروف المصيرية التي يعيشها والتي يتأثّر بسببها، بأيّ حدث خارجي أو داخلي، سياسي أو اقتصادي أو أمني،
إنّ عودة سريعة إلى العقل ومراجعة للنفس بدون أيّ تأثيرات أو إيحاءات سوف تفرض على النقابيين المسؤولين عن الإضرابات، التعالي عن المطالب والمساهمة في عملية إنقاذ الوطن وإعادة الروح إليه وتأجيل البحث في توجّب أو عدم توجّب أيّة حقوق إلى حين معافاة لبنان كلّيًا وإنجاز خطوات هامة تتّصل بصميم الحياة اللبنانية على مختلف الصعد، وأكبر مساهمة من النقابات على اختلافها نجد أنّها تتمثّل في تقديم المصلحة العامة للبلاد على مصالح فئوية إو قطاعية تبعًا للأولويات التي تفرضها المرحلة الحاضرة.
إنّ دعوتنا إلى التعقّل والإيجابية لا تقتضي بالضرورة إغفال الحقوق التي يطالب بها المضربون أو هدر هذه الحقوق او إِنقاصها، بل على النقيض من ذاك تمامًا، فالحقوق هذه مقدّسة لا يجوز لأيّ كان التنكّر لها أو الإستخفاف بها، ولكنّ الوقت الآن للعمل الجاد والإيجابي في مختلف الحقول في بلد يمرّ في مرحلة الإجهاض، مع ما يستتبع ذلك من مسؤوليات جسام نربأ بالقطاعات النقابية أن تتحمّلها في هذه الحقبة من حياة الوطن. ”
(مقتطفات من مقالة للمحامي سليم أحمد الطيّارة نشرت في جريدة اللواء في عددها الصادر في 1991/5/9).
قصدتُ إِعادة نشر هذا المقال الذي يعود تاريخه لأكثر من ثلاثين عامًا، وكأنّ مضمونه، على العموم، يتطابق مع ما نشهده اليوم في لبنان.
أمّا بالنسبة لإضراب المحامين، وقد مضى عليه نحو سبعين يومًا، وكأنّه في يومه الأوّل، لم يعطِ أيّ مفعول أو مردود إيجابي لأيّة غاية منه، وقد تخلّلته استثناءات وتقديم معاملات وتسجيل دعاوى، إنْ مباشرة من محامين، وهذا من حقّهم، وإنْ بصورة غير مباشرة من أصحاب العلاقة أو معقّبي المعاملات أو موظفين لا يطالهم الإضراب، بحيث إنّ الإضراب شلّ فقط جلسات المحاكمة وأدّى إلى تأجيلها لفترة طويلة.
والحال إنّ قرار هذا الإضراب اتخذه مجلس النقابة، في حين أنّ مثل هذا القرار كان يقتضي طرحه على الجمعية العمومية غير العادية للمحامين، وهي المرجع الأعلى التي يعود لها إمّا الموافقة عليه أو عدمها، وهو الإجراء الذي كان معمولًا به في السابق بالنسبة لمثل هذه القرارات منذ سنة 1933.
أمّا المراوحة كما هي حاليًا، فتُضاعف من مسؤوليات المحامين تجاه موكّيلهم، فضلًا عن الخسائر التي لحقت وتلحق بهم في ظروف صعبة يمرّون بها كما الوطن على كلّ الأصعدة، جرّاء هذا الإضراب الذي عطّل سير المحاكمات بفعل تغيّب المحامين عن حضور جلسات المحاكمة، أو المثول مع موكّليهم ومنهم من بات يمثل دونهم، وأرهق حقوق الناس وحال دون أداء المحامين لمهماتهم.
وبالمقابل،
إنّني لا أنكر أنّ علاقة بعض المحامين مع عدد من القضاة يشوبها تدهور يقتضي تصحيحه،
إنّما،
وإزاء عدم التنكّر لبعض العلاقات المتردّية التي حصلت مع بعض المحامين وبعض القضاة،
وإزاء فشل المبادرات الطيّبة التي قام بها العديد من أصحب النوايا الحسنة، ومنهم وزيرة العدل،
وإزاء انقسام آراء المحامين بين داعم للإضراب ومنتقد له على أنّه حقّ وليس واجبًا،
أرى، من واقع المسؤولية، أنّ الحلّ لهذه المشكلة، التي هي تصحيح العلاقة بين نقابة المحامين ومجلس القضاء الأعلى محكومة بالتأجيل إلى حين اكتمال عقد مجلس القضاء الأعلى بكامل أعضائه، وإلى حين معافاة لبنان ونهوضه من المحن التي طالته كيانًا وشعبًا ومؤسّسات، الأمر الذي يستدعي والحال ما هي، انعقاد مجلس النقابة، الذي بيده الحلّ، لمراجعة سلبيات قرار الإضراب التي تفوق إيجابياته، وبالتالي الرجوع عن قرار الإضراب أو على الأقلّ تعليقه، خاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها لبنان.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/8/11