ليس في تقرير الفاريز من تدقيق جنائي ولا يكشف أية جرائم!/محمد مغربي
المحامي الدكتور محمد مغربي:
في ما يلي مقاربة قانونية محضة ومجردة لهذا الموضوع دون أي هدف سياسي او عاطفي. فقد تمّ على مواقع التواصل الاجتماعي نشر صورة عن مستند باللغة الانكليزية يحمل عنوان: تقرير التدقيق الجنائي التمهيدي وتاريخ 7 آب 2023 لصاحبته شركة الفاريز اند مارسل ميدل ايست المحدودة (A&M)، دون اي من المرفقات المذكورة فيه. وهو يستند الى اتفاق مزعوم حصوله في 24 آب 2021 مع الجمهورية اللبنانية ممثلة بوزير المالية.
وهذا التاريخ يدل على ان هذا الاتفاق هو غير كتاب الاتفاق الذي وقعه وزير المالية في اول ايلول 2020 وتم نشره على موقع الوزارة على الانترنت في حينه حيث اطلعت عليه.
ولم تنشر وزارة المالية اية معلومات تدل على انه تم الغاء كتاب الاتفاق تاريخ اول ايلول 2020 او الرجوع عنه، كما انها لم تنشر نص اتفاق 24 آب 2021 الذي حل محله. فلا يعرف الفرق بين نص كتاب الاتفاق السابق ونص الاتفاق اللاحق.
ولا يظهر على التقرير اي عنوان للشركة او يبيّن جنسيتها ومكان تسجيلها ولا يحمل في ذيله أي إسم وتوقيع.
وليس من ترجمة للتقرير الى اللغة العربية!
لكنه من الواضح ان هذا التقرير المؤلف من 332 صفحة، عدا المرفقات التي لا يعرف حجمها، ليس بالتقرير التمهيدي الذي سيليه تقرير آخر، بل هو التقرير الوحيد بموجب الاتفاق مع وزارة المالية. وقد كلف الخزينة اللبنانية اكثر من مليوني دولار امريكي نقداً تمّ دفعها دون اي نفع أو اي مقابل كما سأبين أدناه.
فإن التدقيق الجنائي forensic audit هو نوع متقدم من انواع التدقيق audit الذي هو بدوره اكثر تقدماً من المراجعة review والتجميع compilation. وهو، اي التدقيق الجنائي، كناية عن فحص السجلات المالية من اجل الحصول على ادلة على افعال جرمية مثل الاختلاس، والرشوة، والغش، والاحتيال، وتزوير البيانات المالية لاظهارها على غير حقيقتها، لاستعمال نتائجه قضائياً. أي أن الهدف منه هو تكوين اساس لشبهات معززة تبرر الملاحقة الجزائية.
ويبدأ التدقيق الجنائي بإجراء تدقيق عادي وشامل للحسابات يقوم على فحص ومعاينة دفاتر المؤسسة موضوع التدقيق وحساباتها والمستندات التي تستند اليها القيود الحسابية التي تنبثق عنها كل قيودها وبياناتها المالية. ويرمي الى التثبت من انطباق البيانات المالية للمؤسسة (الميزانية وبيان تدفق الاموال وكشف الارباح والخسائر، الخ.) على المعايير الدولية المتعارف عليها. فلا يمكن الولوج الى التدقيق الجنائي دون اجراء التدقيق العادي اولاً.
وبمراجعة كتاب الاتفاق تاريخ اول ايلول 2020 يتبين ان المؤسسة صاحبة الحسابات المطلوب تدقيق حساباتها، وهي مصرف لبنان ذو الشخصية المعنوية المستقلة عن الادارة، ليست طرفاً فيه ولا ينص على فحص ومعاينة بياناتها المالية ودفاترها وحساباتها والمستندات كافة التي تستند اليها قيودها الحسابية وبياناتها المالية. بل انه ينص على طلب معلومات من مصرف لبنان بواسطة وزارة المالية حصراً. فتظل المراجع الاصلية التي يجب ان يتناولها التدقيق محجوبة عن الشركة وعن الوزارة في آن معاً. ويكون مصرف لبنان مصوناً من اية اعمال فحص ومعاينة حقيقية لحساباته وقيوده والمستندات التي تستند اليها تلك القيود وبياناته المالية. فنص الكتاب على ان افراد الفريق الذي سيقوم بتنفيذ المهمة لن تطأ اقدام اي منهم ارض مكاتب المصرف المركزي، ولن تقوم اية علاقة مباشرة بينهم وبينه.
فأين هو التدقيق ؟ لم يحصل أي نوع من انواعه.
تقدم الشركة نفسها على انها مكتب استشـارات ادارية. وهي تعلن انها تنفي عن نفسها انها شركة تدقيق بمعنى التدقيق الذي يقوم به مدققو الحسابات المعتمدون. وهم في لبنان خبراء المحاسبة المجازون، وفي الولايات المتحدة (التي تنتشر فيها مكاتب الشركة الام زعماً) المحاسبون العامون المجازون (CPA) certified public accountants بل انها تؤكد، أي الشركة الام زعماً، في موقعها على الانترنت بأنها ليست مؤسسة تدقيق مجازةCPA firm Not a licensed.
وجاء في كتاب الاتفاق، البند 4، ص 8:”يقرّ العميل (اي الجمهورية اللبنانية) ان الاتفاق مع A&M لا يؤلف تدقيقاً او مراجعة او تجميعاً او اي نوع آخر من التقارير حول البيانات المالية مما يخضع لقواعد المعهد الامريكي للمحاسبين العموميين المجازين او لجنة السندات المالية والبورصة او اي نوع آخر من الهيئات المهنية او التنظيمية الوطنية و الدولية”.
وبمراجعة الــ 332 صفحة من صفحات التقرير، لا يتبين ان الشركة توصلت الى ادلة جرمية اصلية او حاولت الحصول على مثل هذه الادلة. وحتى في حالة شركة فوري وحسابات رياض سلامة الشخصية فإنها اكتفت بإيراد ما تمّ نشره على الانترنت من معلومات منسوبة الى السلطات السويسرية التي تجري تحقيقاً، في نطاق صلاحياتها، عن مشروعية الاموال التي تم تحويلها من مصرف لبنان لصالح سلامة والمقربين منه.
فأين هي الاموال المفقودة التي تفوق مائة مليار دولار وكيف خرجت من حسابات مصرف لبنان الخارجية ؟ وكيف ضاعت ؟ لا جواب ولا محاولة للوصول الى جواب ابتداءً من تدقيق كشوفات البنوك الاجنبية (ومعظمها امريكية) حيث يفترض انه تم ايداع تلك الاموال.
وبإختصار، فإن التقرير التمهيدي هو التقرير الوحيد الذي التزمت الشركة بتقديمه وهو مجرد رواية تتألف من تجميع اخبار مختلفة كانت متداولة ومتاحة للعموم Public ولم يكشف عنها اي تدقيق قامت (لم تقم) به الشركة ولا تؤلف افعالاً جرمية ولو ان بعضها يثبت سوء الادارة الشديد والتخبط غير المعقول داخل المصرف المركزي كما داخل الحكومات المتعاقبة، وحتى مجلس النواب! فهو لا يثبت افعالاً جرمية! ولا يكشف اية ادلة عليها. وعلى سبيل الحصول مسبقاً على الحماية من رد فعل ضد الشركة من جانب الاشخاص الذين تمت تسميتهم في التقرير، فإن كتاب الاتفاق السابق، ولا بدّ الاتفاق اللاحق ايضاً، منع استعمال التقرير قضائياً.
مليونا دولار امريكي تم هدرها للحصول على لا شيء. ولانه لم يحصل بالفعل اي تدقيق جنائي فمن الواجب استعادة تلك الاموال سواء من الشركة او من الذين اجازوا دفعها لها.
وإذا كان للتقرير أي نفع لاحد، فإن المستفيد منه هو السيد رياض سلامة دون سواه في دفاعه ضد ما تتم ملاحقته به جزائياً في لبنان والخارج بالاستناد الى القانون اللبناني. ذلك ان القاعدة الشرعية والقانونية السائدة منذ القدم هي ان عبء الاثبات يقع على من يدعي الواقعة والعمل لأن الاصل هو البراءة.
“محكمة” – الجمعة في 2023/8/25