ليس كلّ ساكت بوقور.. عبّروا عن مواقفكم/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
لا يزال مَثَل الأب والإبن والحمار الذي درسناه في الصفوف الابتدائية من أكثر الأمثلة والحِكمَ تعبيرًا وواقعية.
ففي المثل المذكور يمشي الأب والإبن على الطريق وإلى جانبهما حمار. فإذا ركب الأب والإبن على ظهر الحمار انتقدهما المارة لأنّهما يتعبانه. وإذا ركب الأب ومشى الإبن إنتقد الناس الأب الأناني الذي يجعل ابنه يمشي. وإذا ركب الابن ومشى الأب انتقد الناس الإبن الشاب الذي يجعل والده يمشي. وإذا مشى الاثنان انتقدهما الناس لأنّهما لا يستفيدان من الركوب على ظهر الحمار. وينتهي المثل بأن قام الأب والابن بحمل الحمار.
الحكمة من هذا المثل المعبّر، أنّه مهما فعل الإنسان سوف يكون موضوع انتقاد من قبل الآخرين.
وفي وقتنا الحاضر إذا سكتنا عمّا يحصل من انتهاكات وسرقات وسمسرات. تبدأ الانتقادات لماذا لا تتكلّم؟ لماذا لا تكتب؟ لماذا لا تنتفض وتثور؟ فأنتم أعطيتم الكثير ومن أعطي الكثير يطلب منه الكثير.
وإذا كتبنا وانتقدنا وتكلّمنا. تبدأ الانتقادات السطحية. لماذا تنتقد الحكومة والمسؤولين؟ ولماذا تنتقد الوزير الفلاني وتزعل جماعته؟ علماً بأنّنا نكتب ونكتب ونضع الإصبع على الجرح في عدّة مواضيع. ولكن لا حياة لمن تنادي. لا أحد يقرأ وإذا قرأوا لا يهتمّون ويبقى الكلام كمن يحفر على الماء أو الرمل.
نعم. استهتار، استلشاق ،هدر، سرقات، سمسرات، تجاوزات. وممنوع الإنتقاد خصوصاً لمن يملك المال بالمليارات والسلطة والشعبوية (من مستفيدين ومقتنعين وضالين).
نعم. نحن نتكلّم بكلّ منطق وتهذيب وحرقة. وهذه هي وجهة نظرنا حول ما يحصل وهذه مبادئنا ولن نغيّرها. رحم الله فيلمون وهبي الذي كان ينتقد من يغيّر في مبادئه: “نحن مع المبدأ. كيف ما بيبرم المبدأ منبرم معو”.
نعم. في ظلّ ما يحصل، البعض يفضّل السكوت وينصح الباقين به تجنّباً لانتقاد الآخرين وانتقامهم، ولعدم الإضرار بمصالحهم الضيّقة والواسعة. وبذلك يبدو وكأنّه شخص مهمّ وعميق ووقور ورصين. كيف لا وهو ساكت ولا يتكلّم، بل يهزّ رأسه موافقاً. ولكن ما أن يتبوأ المركز أو المنصب، ويخرج من الزاروب إلى الاوتوستراد، حتّى تبدأ الفضائح، وتبدأ الانتقادات، وتظهر قلّة الكفاءة والخبرة وبُعْد النظر. ويبدأ الصراخ والعويل من التصرّفات والقرارات الضعيفة المتناقضة وتبدأ الانتقادات:”لم نكن نعرف أنّه سخيف وسطحي وقليل الخبرة وعديم الكفاءة والمنطق”.
يحكى أنّ أحدهم زار على رأس وفد أحد وجهاء منطقته وقت الغداء، وكان يرتدي ثياباً أنيقة، فغمز الوجيه العاملين لديه لتحضير طعام الغداء بالسمنة. وما أن بدأ الحديث معه، ولاحظ مدى سطحيته وخفّته وجهله في مقاربة المواضيع، حتّى عاد وأرسل في طلب الشيف وصرخ فيه: بزيت بزيت.
فالمظهر الأنيق قد يغشّ، وحامل الشهادات أيضاً قد يتمتّع بالعلم ضمن اختصاصه، ولكنّه قد لا يتمتّع بالثقافة وبالخبرة الكافية لمقاربة الأمور. وقد لا يتمتّع بالميزة الأساسية لدى الإنسان ألا وهي الإتزان على حدّ قول رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود.
نعم. على كلّ مواطن أن يتابع مجريات الأمور، ويكتب، وينبّه بكلّ محبّة وموضوعية، وينتفض على الظلم عندما تقفل الأبواب في وجهه خصوصاً عندما يُجاوز الظالمون المدى.
“محكمة” – الخميس في 2021/1/21