ما تجب معرفته عمّا خفي من حقائق ملفّ انفجار 4 آب/ محمّد مغربي
المحامي الدكتور محمد مغربي:
منذ الانفجار الرهيب الذي أصاب حرم مرفأ بيروت مساء يوم الاربعاء في 4 آب 2020 ونتج عنه الضرر الفادح بالارواح والاجساد والممتلكات، تعددت، منذ الحين وحتى اليوم، الاقاويل والاجتهادات التي تم ترويجها دون ان تكون مستندة بالضرورة الى وقائع ثابتة بل كثير منها هو من نسج الخيال، ولست في وارد تعدادها وتفنيدها أو الإدلاء بتكهنات من عندي تحلَّ محلها.
وإذا كانت بعض الوقائع التي تم ترويجها ثابتة فإن ذلك لا ينفع اما لأن لا علاقة لها بجوهر المسألة أو لانها من قبيل رؤية بعض الاشجار في الغابة دون رؤية الغابة بأكملها. وأحياناً يكون الامر معكوساً مثل عدم رؤية الفيل في الغرفة.
وان ما أحاوله في هذه الدراسة، المبنية في الغالب على مستندات غير منشورة، هو إلقاء ما تيسّر من الضوء على الغابة والفيل أو الأفيال. وقد يكون المخفي أعظم وقد يفاجيء الجميع.
أولاً:لمحة تاريخية ودور المرجعيات التي تحكم المرفأ
لا بدّ اولاً من معرفة خلفية الموضوع وأبدأ بتحديد ماهية المرجعيات الادارية التي تتحكم في ما يعرف بالعبارة الشائعة: مرفأ بيروت.
في البدء هناك مرجعيتان:
فإن المرفأ بكل معنى الكلمة هو المرسى أي حيث ترسو السفن فحسب، أي انه مساحة صالحة لرسو السفن داخل حوض من المياه متصل بالبحر. وهو يخضع للمرجعية الاولى وهي المديرية العامة للنقل البري والبحري في وزارة الاشغال العامة والنقل. وتتمثل فيه بعدد ضئيل من الموظفين تحت رئاسة رئيس المرفأ. وتحيط بالمرفأ، لجهة دخول السفن اليه ورسوها فيه فحسب، مساحة برية مصوّنة ومحروسة هي حرمه، وتقع عليها المخازن الجمركية والعمومية والخاصة وسائر المرافق المتعلقة بتفريغ ونقل الحاويات وسائر البضائع ، وهي تخضع لكيان يسمى: “ إدارة واستثمار مرفأ بيروت ”، وهي المرجعية الثانية.
ولكن البضاعة التي تدخل الحرم المذكور او تخرج منه تخضع ايضاً، وفوق كل ما تقدم، لمرجعية ثالثة هي المديرية العامة للجمارك في وزارة المالية. وهي وحدها التي تجيز ادخال البضائع الى حرم المرفأ واخراجها منه بعد معاينتها وتسديد الرسوم عنها.
ولا علاقة لرئيس المرفأ بالبضاعة بعد تفريغها من السفينة على الرصيف. ويخضع نقلها داخل حرم المرفأ الى “ ادارة واستثمار مرفأ بيروت ” تحت مراقبة الجمارك التي لها الكلمة الاخيرة في اخراجها بعد اتمام المعاملات الجمركية. وقد تتداخل المرجعيات الثلاثة كما حصل في القضية الحاضرة. لكن المخالفات الجمركية تخضع لصلاحية محكمة الدرجة الاولى في بيروت. وأخيراً فإن قضاء العجلة كثيراً ما يتدخل.
وان ما حصل بالتسلسل الزمني بين تاريخ 2013/11/21 واليوم هو:
– في 2013/11/21 وصلت السفينة التعيسة الحظ روسوس الى بيروت وعليها حمولة مقصدها موزامبيق دون بيان نوعها من اجل نقل معدات ثقيلة من بيروت الى العقبة، واتضح فيما بعد ان تلك الحمولة تتألف من مادة الامونيوم نيترات التي اتضح فيما بعد ايضاً أنها ليست مادة عسكرية او متفجرة بحد ذاتها بل يمكن استعمالها في التفجير لا في صناعة المتفجرات.
– في 2013/11/23 جرت محاولة لتحميل المعدات المطلوب نقلها الى العقبة عليها لكنها لم تنجح. فتخلى الربان فوراً عن تحميلها وطلب إعطاءه الاذن بالمغادرة.
– وفي ذات اليوم، اعطى رئيس المرفأ السيد محمد المولى الإذن بسفر السفينة بموجب رخصة السفر رقم 47318. فإن رئيس المرفأ هو المرجع الصالح لاعطاء الاذن بدخول السفن او خروجها من المرفأ.
– وفيما كان يجري إعداد روسوس للسفر فعلاً، حضرت في 2013/11/25 مجموعة من جهاز المراقبة على السفن الوطنية والاجنبية التابع للمديرية العامة للنقل البري والبحري وأجرت كشفاً عليها فوجدت فيها عيوباً، وأصدرت تدبيراً بلّغته الى القبطان بمنع سفرها حتى يتم تصليح تلك العيوب المانعة للإبحار. لكن السفينة كانت وصلت إلى بيروت قبل بضعة أيام ولو كانت عيوبها مانعة من الإبحار لغرقت قبل الوصول إلى بيروت!
– ويظهر انه تمّ إصلاح تلك العيوب بعد مدة وجيزة لكنه تمّ منع السفينة من الابحار لاسباب أخرى سأتناولها أدناه، وما لبث القبطان وطاقم السفينة ان هجروها على مراحل.
– ففي 2013/12/19 تقدم المحامي سمير بارودي بالوكالة عن شركة بنكر نــــــت ليمتـــــد بطلب لالقـــــاء الحجــــــز الاحتياطي على السفينة روســــــوس ضـــــد المحجوز عليهــــــم وهم “ اصحاب ومجهزو ومستأجرو السفينة وشركة تيرو سينغ ليمتد ”، فصدر في اليوم التالي قرار الحجز الاحتياطي رقم 2013/1031 عن قاض، وضع عليه توقيعاً دون إسم، تأميناً لمبلغ 132,000 دولار وتم ابلاغه فوراً الى رئيس المرفأ، وتلته ثلاثة قرارات حجز احتياطي اخرى.
– في 2014/4/4 وجه المدير العام للنقل البري والبحري السيد عبد الحفيظ القيسي (حالياً موقوف قيد التحقيق) كتابــــاً الى وزارة العــــدل عرض فيه ان السفينة روسوس وصـــلت الى مرفأ بيروت في 2013/11/21 حاملة شحنة من نيترات الامونيوم وهي مادة تصنف على انها خطرة وصدر في 2013/12/20 القرار رقم 2013/1031 بالحجز الاحتياطي عليها مما منعها من مغادرة المياه الاقليمية ما لـــم تقدم كفالة ضامنة بقيمة المبلغ المحجوز لأجله، كما جرى في 2013/11/25 منعها من السفر لعيوب فيها. وطلب القيسي اخذ العلم بما تقدم واتخاذ الاجراءات لتلافي غرق السفينة المحملة ببضائع خطرة والتعجيل في البت بقضيتها وبيعها بالمزاد العلني.
وأرفق القيسي بكتابه المذكور تقريراً صادراً عن الربان هيثم شعبان من جهاز الرقابــة على السفن في دائرة الملاحة البحرية مصلحة النقل البحري، المديرية العامة للنقـــل البري والبحري، وزارة الاشغــــال العامة والنقل، نتيجــــة للكشف على السفينة روســـوس في 2014/4/2، يبيـــــن ان نـــــوع الحمولـــــة هو امونيــــــوم نيترايت ذات كثافـــــة عاليــة high density ammonium nitrate وانتهى التقرير الى توصيات منها:
“البضاعة الموجودة داخل العنبرين (في السفينة) منذ تاريخ 2013/9/27 هي بضاعة خطرة وفق تصنيف المنظمة البحرية الدولية 5،1، وبالتالي قد يحدث تفاعل كيمائي ما، او قد تكون البضاعة غير صالحة بعد كل هذه المدة للاستخدام”.
واقترح القيام بما يلزم لمغادرة السفينة مرفأ بيروت والمياه الاقليمية اللبنانية كونها تشكل خطراً مستداماً.
– وفي 2014/4/30، ابرز محامي الدولة الاستاذ عمر طرباه من هيئة القضايا في وزارة العدل كتاب القيسي والتقرير المرفق به مع طلب امر على عريضة قدمه الى قاضي الامور المستعجلة في بيروت تسجل برقم 2014/429، ووضع يده عليه القاضي المنفرد السيد جاد معلوف، نوه فيه بأن السفينة روسوس محملة بمواد خطرة جداً ومعرضة للغرق، منتهياً الى طلب الترخيص للدولة اللبنانية بإنجاز اعمال تعويم السفينة المذكورة ونقل المواد المذكورة نظراً لخطورتها الى مكان آمن وتأمين حراستها وبيع السفينة وما عليها بعد انتشالها. أي ان ما طلبه طرباه اختلف عما عرضه القيسي وشعبان ولا سيّما لجهة الطلبات. فالسفينة لم تكن غارقة كي تحتاج الى تعويم.
– وفي 2014/6/2 عاد القيسي ووجه كتاباً الى وزارة العدل نوه فيه بأنه اخذ علماً بأن القضية اصبحت بين ايدي قاضي الامور المستعجلة لكن وجود الباخرة المذكورة بات يشكل خطراً كبيراً لوجود مواد خطرة على متنها مما قد يتسبب بإنفجار الباخرة الذي سيؤدي الى كارثة انسانية وبحرية داعياً وزارة العدل لاعطاء طلبه صفة العجلة لجهة بيع الباخرة بالمزاد العلني بأقصى سرعة ممكنة حتى يصار الى تفادي الكارثة التي باتت محتمة الحصول. فأبرز المحامي طربيه هذا الكتاب الى قاضي الامور المستعجلة ربطاً بمذكرته تاريخ 2014/6/5.
– وفي 2014/6/27 اصدر القاضي جاد معلوف قراراً بما يلي:
“(1) الترخيص للمستدعية (أي الدولة اللبنانية) بتعويم السفينة موضوع الاستدعاء… بعد نقل المواد الموجودة على متنها الى مكان مناسب لتخزينها تحت حراستها.
(2) رد طلب الترخيص ببيع السفينة لعدم الاختصاص.
(3) تكليف الكاتب زياد شعبان بالتنفيذ”.
– لم يحاول شعبان وهو كاتب في قلم قاضي الأمور المستعجلة في قصر العدل في بيروت، تنفيذ القرار حتى يوم الثلاثاء في 2014/10/21 فوجد السفينة راسية على الرصيف رقم 9 وصرح له رئيس المرفأ السيد محمد المولى ان حمولتها تتألف من مواد خطرة لم يتم الكشف عليها بالنظر للوقت الطويل ويجب اخلاء محيطها وتهوئة العنبر وبعدها يتم الكشف على البضاعة داخله قبل تفريغها والعمل على نقلها الى مستودع مخصص لتخزين المواد الخطرة، على نحو ما جاء في المحضر الذي نظمه شعبان.
– وفي 2014/10/23 تم افراغ حمولة السفينة روسوس ونقلها الى العنبر الجمركي رقم 12 الذي حددته إدارة واستثمار مرفأ بيروت لكونه مخصصاً لايداع المواد الخطرة والواقع تحت سلطتها وذلك بموجب محضر موقع عليه من ممثل للجمارك وممثل لإدارة واستثمار مرفأ بيروت وقسيمة إدخال تحمل اسمي المذكورين وتوقيعهما وهما غسان غساني وعادل نصور.
– وفي 2014/10/25 وصل الى بيروت مندوب للشركة الموزمبيقيـــة التي كانت البضاعة مرســــلة اليها واجرى اتصالات اما لمحاولة تحرير البضاعة ونقلها الى وجهتها الاصلية أو للحصول على ما يثبت حالتها القانونية والواقعية في بيروت ابراءً لذمة الشركة تجاه البائع. وكان الوضع القانوني للحمولة غير معروف. فإنه قد يكون تمّ شحنها بواحدة من طريقتين، إما بإعتماد مستندي bill of lading بقيمة البضائع وأجرة الشحن فتحه المستورد ويتحرك بموجب دائرة مقفلة ويتم صرف قيمته مقابل بوليصة الشحن التي ترسل إليه عن طريق المصرف وتعطيه الحق في الإستلام عند وصول البضاعة إلى مقصدها بموجب إذن تسليم يحصل عليه وعلى المستندات المرفقة به بعد تسديد الرسوم الجمركية، وإما بطريقة ‘‘نقداً مقابل المستندات cash against documents’’ أي أن البوليصة ومستنداتها ترسل إلى مصرف في بلد المستورد وتسلم إليه عند الدفع. وفي كل الأحوال فان ملكية البضاعة تعود لحامل بوليصة الشحن ومرفقاتها ومنها شهادة المنشأ والفاتورة المصدقتين. ولا بدّ ان مندوب الشركة تعرض في بيروت لنوع من الإبتزاز الذي لم يتجاوب معه فسافر خائباً. وكما يتبين من السرد أعلاه فإن البضاعة أدخلت إلى لبنان بأمر قاضي العجلة خارج الدائرة المذكورة فصار من الممكن التصرف بها دون المستندات أو إذن التسليم بطريقة البيع بالمزاد العلني وربما السرقة المتمادية من المستودع.
– عاد الكاتب شعبان الى المرفأ يوم الخميس في 2014/11/13 وتبين له انه تم دون حضوره افراغ حمولة السفينة روسوس وايداعها العنبر الجمركي رقم 12. فتثبت من افراغ الحمولة التي كانت على متن السفينة. ولم يتمكن من تعداد أكياس نايترات الأمونيوم ويفترض ان كل كيس كان يحمل مقدار طن واحد من تلك المادة لكنه تمّ تكديس ما دخل العنبر منها عشوائياً مما يستحيل معه العدّ من ثقب في الحائط. وصرّح المولى لشعبان ان العنبر هو تحت مسؤولية الجمارك وإدارة واستثمار مرفأ بيروت وليست له أية سلطة على هذين المرجعين ولا يمكنه ممارسة الرقابة على البضائع داخل العنبر رقم 12 ولم يقبل ابداً تعيينه من جانب الكاتب شعبان حارساً قضائياً عليها. علماً بأن القاضي المعلوف، وعفواً دون طلب، عيّن الدولة اللبنانية حارساً، وعلماً بأن العنابر لا تفتح ابوابها او يتم ادخال او اخراج البضاعة اليها الا في حضور ممثل للجمارك وآخر لادارة واستثمار المرفأ في آن معاً وكل منهما يحمل مفتاحاً ولا تفتح أبواب العنبر الا بإستعمال المفتاحين، وعلماً ان ممثلين للجمارك والإدارة مختصان بالتعداد يقومان بعدّ طرود البضائع عند إدخالها إلى العنبر ويدونان النتيجة في محضر موقع منهما، وعلماً بأن الدولة لم تطلب تعيينها او تعيين سواها حارساً قضائياً. وعلماً بأن الحارس القضائي لا يكون الا شخصاً طبيعياً، وعلماً بأن شروط الحراسة القضائية غير متوافرة قانوناً في القضية.
– وفي كل من 2014/12/5، و 2015/6/5، و2016/5/20، و 2016/10/13، و 2017/12/28، خاطب مدير الجمارك العام السيد شفيق مرعي (وهو موقوف) وبعده بدري ضاهر (وهو موقوف) قاضي الامور المستعجلة طالباً مطالبة الوكالة البحرية للسفينة روسوس بإعادة تصدير كمية امونيوم نيترايت التي افرغت منها والمودعة في العنبر رقم 12 او الموافقة على بيعها. فرد معلوف كل تلك الطلبات او تجاهلها.
– في 2014/11/27 وجهت ادارة واستثمـــــار مرفــــأ بيروت كتابــــاً للمديريــــة العامة للنقـــل البري والبحري بإعلامهـا انه تم تفريغ الحمولة المذكورة وايداعها العنبر الجمركي رقم 12. لكنه لم يجرِ تعداد البضاعة عند ادخالها المستودع كما يوجب القانون ويتم دائمــاً.
– وفي نيسان من العام 2019 أُحدث في حرم مرفأ بيروت، بالاضافة الى مركز للامن العام ومكتب لامن المرفأ في مديرية المخابرات في الجيش، مركز لأمن الدولة. وكل ذلك بالإضافة إلى الضابطة الجمركية. فأصبح المرفأ في حماية أربعة أجهزة أمنية مسلحة. وتبين لرئيس مركز أمن الدولة الرائد جوزف النداف ان ابواب العنبر الجمركي رقم 12 مخلّعة وفي حائطه اكثر من فجوة يمكن الدخول من خلالها اليه والخروج منه فرفع تقريراً بذلك للمدير العام لامن الدولة الذي أمره بالتنسيق مع مكتب مديرية المخابرات بشخص رئيسه العميد انطون سلوم. ثم تلقى الرائد النداف تعليمات من المدير العام لامن الدولة بمراجعة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالامر للعمل بتعليماته، وهو القاضي السابق بيتر جرمانوس، الذي رفض ان يتدخل لعلة عدم الاختصاص، وعلى اثر ذلك قرر المدير العام لامن الدولة مراجعة النائب العام لدى محكمة التمييز السيد غسان عويدات الذي أمره بتوجيه كتاب الى إدارة واستثمار مرفأ بيروت من اجل تأمين الحراسة على العنبر الجمركي رقم 12 وتعيين رئيس له وصيانة الابواب المخلّعة وسدّ الفجوات، فوجه رئيس اللجنة المؤقتة السيد حسن قريطم كتاباً في 2020/7/6 الى السيد ميشال نحول مدير المشاريع في إدارة واستثمار مرفأ بيروت من اجل استدراج العروض لصيانة العنبر رقم 12 وابوابه وسد الفجوات في حائطه تنفيذاً لتعليمات النائب العام لدى محكمة التمييز، فتمّ تلزيم احدى الشركات بهذا الامر وهذه الشركة هي Qualy Consult وفي قول آخر شركة شبلي للتعهدات، فتمت المباشرة بالاعمال يوم 2020/7/29. وفي الساعة الثانية بعد ظهر يوم 2020/8/4 تبلغت إدارة واستثمار مرفأ بيروت بشخص ميشال نحول مدير المشاريع فيها بأن أعمال الصيانة في العنبر رقم 12 قد أنجزت واصبح بالامكان تسليمها للادارة.
ثانياً: كيف يدار مرفأ بيروت؟
1 – في العام 1887 كانت مدينة بيروت عاصمة ولايــــــة بيروت في الدولــــة العثمانية. وكـانت الدولة ترغب في إقامة مرفأ بحري حديث في تلك الولاية فطُرح اختيار واحد من ثلاثــة مواقع: بيروت، جونيه، الجيّة. فاختارت وزارة التجارة والاشغال العثمانية في اسطنبول مدينة بيروت.
2 – وفي 15 آب 1887 وقع وزير التجارة والاشغال ذهني باشا مع السيد جوزف مطـران العثماني الجنسية عقداً لاعطائه وشركائه امتياز انشاء واستثمار مرفأ في بيروت بموجب دفتر شروط لمدة ستين سنة ابتداء من تاريخ الفرمان السلطاني الذي سيصدر وقد صدر فعـلاً في 11 شـــــوال 1304. وعلى الاثر تم تأسيس شركــــــة إدارة واستثمــار مرفأ بيروت وحواصلــه في “بيروت (سوريا)”. وتم تحويلها الى الجنسية الفرنسية في 20 ايار 1925 حين تم تسجيل هذا التحويل في السجل التجاري في بيروت.
3 – استعادت الدولة اللبنانية الامتياز بموجب اتفاق 1960/4/13 فانتقلت الشركة الفرنسية الى لبنان واتخذت الجنسية اللبنانية وسجلت تحت اسم: شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت وموضوعها: إدارة واستثمار المرفأ والارصفة والمستودعات الجمركية والمخازن العمومية والمنطقة الحرة وفقاً لاحكام اتفاق 1960/4/13. وتعيّن مجلس لادارتها برئاسة هنري فرعون وعضوية نجيب صالحه، فائز الاحدب، عبد الله خوري، خليل صحناوي، هنري إده، بلاتري مكسيم ده دوما، ادوار ده مونيسكو.
4 – تصدق اتفاق 1960/4/13 بقانون 1960/5/31 وجاء في المادة 10 منه:
“ان شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت تقوم لحساب الدولة ابتداء من اول كانون الثاني 1961 بإدارة ارصفة واحواض ومختلف منشآت مرفأ بيروت كما تدير ايضاً شؤون اراضي وابنية الملك العام المرفئي… وتستمر في استثمار المستودعات الجمركية والمخازن العمومية والمنطقة الحرة وفي ممارسة حقوقها… حتى 1990/12/31”.
وتُختصر هذه الحقوق بعبارة الادارة والخزن والعتالة!
5 – وجاء في المادة 14 منه:
“تأخذ شركة الادارة على عاتقها البضائع بموجب تعداد وجاهي يدوّن على قسيمة الادخال ويوقعها ممثلها وممثل الجمرك وممثل وكالة الملاحة او النقل البري او المرسلة اليه البضاعة اذا حضر عند التسليم”.
6 – وفي 1966/1/26 صدر نظام المرافئ والموانئ اللبنانية بقرار وزير الاشغال والنقل رقم 31/1 وتعرّف المادة 7 منه مياه المرفأ بأنها السطح المائي داخل الاحواض. وتعرّف المادة 11 منه حرم المرفأ بأنها المنطقة المصوّنة الخاضعة لرقابة ادارة الجمارك (أي لجهة السلطة الجمركية وهي غير الادارة والاستثمار والخزن والعتالة) وجاء في المادة 17 منه:
“على كل سفينة تحمل مواد خطرة (محروقات سائلة ومتفجرات الخ) ان ترفع عند اقترابها من المرفأ وطيلة مدة رسوها:
– علماً احمر مرفوعاً على ساريتها في النهار.
– ضوءاً احمر منظوراً على دائرة الافق في الليل”.
وتوجب المادة 54 منه ان يجري تفريغ السفن من جانب شركة المرفأ وفقاً للانظمة الجمركية. وتمنع المادة 58 ابقاء البضائع على حافة الارصفة وتوجب نقلها فوراً الى الامكنة المخصصة لها.
7 – وحددت المادة 73 من النظام المذكور نطاق صلاحية رئيس المرفأ بأنها السطح المائي الكائن في منطقة اختصاصه وله منع سفر السفن او تأخير ابحارها إذا ثبت له سوء حالتها وتحديد امكنة الرسو.
8 – وأخضعت المادتان 2 و13 من قانون الاسلحة والذخائر المعدلتان وفقاً للقانون 347 تاريخ 16/6/1994 والقانون 72 تاريخ 31/3/1999 استيراد وتصدير مادة نيترات الامونيوم المحتوي على الازوت بنسبة تفوق 33،5 % (high density) لموافقة وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش) ومجلس الوزراء بما حرفيته:
“المادة 17:
ان استيراد وتصدير واعادة تصدير المعدات الحربية والاسلحة والذخائر وقطعها المنفصلة وجميع المواد المذكورة في الفئات الاربع الاولى تخضع لاجازة مسبقة من وزارة الاقتصاد الوطني بعد موافقة وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش) وموافقة مجلس الوزراء.
أما اسلحة الصيد وذخائرها والاسلحة والمواد المذكورة في الفئات الخمس الاخرى فتخضع لاجازة مسبقة من وزارة الاقتصاد الوطني بعد موافقة وزارة الداخلية.
غير ان نيترات الامونياك (كذا) التي تحتوي على الازوت تتجاوز 33،5 % فانها تخضع للاجازة المسبقة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من هذه المادة”.
9- وفي العام 2000 إنتقلت إدارة واستثمار مرفأ بيروت إلى بناية مكاتب حديثة أُنشئت لها في الكرنتينا قرب مدخل حرم المرفأ الشرقي وافتتحت باحتفال رسمي تحت رعاية رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
10 – وفي 2000/12/15صدر قانون الجمارك بالمرسوم الاشتراعي رقم 4461 وهو ينص في مادته الاولى على منع دخول البضائع الى لبنان او تصديرها منه بصورة مخالفة للقانون ويوجب استيفاء الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة الى لبنان.
11 – ونصت المادة 3 منه على ان كل بضاعة تدخل المنطقة الجمركية او تخرج منه تخضع لاحكامه. وتوجب المادة 67 منه على كل بضاعة ترد بطريق البحر ان تدرج في بيان وحيد بحمولة السفينة يسمى: المانيفست ولا سيما منها البضائع الممنوعة والمحتكرة ويترتب تقديم المانيفست ولو كانت السفينة فارغة. وتمنع المادة 80 منه تفريغ اية بضاعة من أية سفينة بدون ترخيص من موظفي الجمارك ودون حضورهم.
12 – وتجيز المادة 144 منه اتلاف البضاعة المخالفة للقانون على يد لجنة خاصة يعينها مدير الجمارك العام الذي له أن يفرض اعادة تصديرها اذا كان من شأن الاتلاف الاضرار بالبيئة وذلك ضمن الشروط التي يحددها مدير الجمارك العام.
13 – وتجيز المادة 292 منه اعادة تصدير البضائع الاجنبية المفرغة في المخازن الجمركية بموجب الاصول التي يحددها مدير الجمارك العام على ان يقدم طلب لاعادة التصدير.
14 – وتجيز المادة 322 منه ضمناً الحراسة القضائية على البضائع الباقية في المخازن والمستودعات التي تديرها ادارة الجمارك مباشرة على ان تحدد قيمة رسم الخزن السلطة التي فرضت الحراسة القضائية او الحجز.
15 – وبعد انتهاء العقد بين الدولة اللبنانية وشركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت في 1990/12/31 قرر مجلس الوزراء في 1993/3/17 مؤقتاً تشكيل لجنة مؤقتة لادارة واستثمار مرفأ بيروت (وهي التي كان يترأسها السيد حسن قريطم يوم 2020/8/4). وإستمرت هذه الحالة المؤقتة الى يوم كتابة هذه السطور.
16 – وفي 1999/1/12، وبناءً لطلب وزير النقل، صدرت عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل الاستشارة رقم 14 التي جاء فيها انه وخلال العامين 1991 و1992 التاليين لانتهاء عقد شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت انيط بموظفيها امر ادارة واستثمار المرفأ بإشراف لجنة تم تأليفها بقرار مشترك من وزير الاشغال العامة والنقل ووزير الموارد المائية والكهربائية، وان مجلس الوزراء قرر في 1992/3/17 اناطة ادارة واستثمار المرفأ بلجنة مؤقتة، وفي 1997/4/22 عيّن لجنة جديدة من سبعة اعضاء يكون احدهم مهيب هاشم العيتاني رئيسها والمدير العام للمرفأ على ان تتولى اللجنة المؤقتة بإشراف وزير النقل متابعة ادارة واستثمار مرفأ بيروت وفقاً للاصول والانظمة التي كانت تطبقها شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت وتتمتع بذات الصلاحيات التي كان يتمتع بها مجلس ادارة الشركة المنتهية مدتها ويفتح لها حساب خاص لدى مصرف لبنان. لكنه لم يصدر اي مرسوم او قانون بما تقدم.
17 – واعتبرت هيئة التشريع والاستشارات ان قرارات مجلس الوزراء لا تتمتع بالقوة التنفيذية ما لم تصدر بها مراسيم يوقعها رئيس الجمهورية والوزراء المختصون وان تعيين اللجنة غير قانوني وليست لها الشخصية المعنوية او الاستقلال المالي والاداري لانها ليست مؤسسة انشئت بقانون ونوهت الهيئة بضرورة تصحيح الوضع بإيجاد الصيغة القانونية المناسبة.
18 – وفي اول آذار 2002 صدر المرسوم رقم 7505 بعد موافقة مجلس الوزراء، الذي تجاهل الاستشارة المنوه عنها، بتعيين لجنة مؤقتة برئاسة السيد حسن قريطم (وهو قيد التوقيف)، وذلك بناءً لاقتراح وزير المالية فؤاد السنيورة ووزير الاشغال العامة والنقل محمد نجيب ميقاتي. وهي اللجنة التي ما زالت قائمة، وتمت حديثاً جداً تسمية السيد عمر عبد الكريم عيتاني رئيساً بالتكليف لها من جانب وزير الاشغال العامة والنقل.
19 – وفي 2020/3/5 نشر في الجريدة الرسمية قانون الموازنة العامة للعام 2020 وجاء في المادة 37 منه:
“خلافاً لأي نص قانوني او تعاقدي آخر، وبإستثناء الرواتب، تلزم ادارة واستثمار مرفأ بيروت، بتحويل الايرادات الناتجة عن خدمات المرفأ المحصلة الى حساب الخزينة لدى مصرف لبنان يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع، على ان تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجب على الخزينة لصالح إدارة المرفأ من بدل ادارة ونفقات واعباء ومشتريات وخلافه، تتحملها هذه الادارة في مجال عملها بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والاشغال العامة والنقل”.
20 – لكن مثل هذا القرار لم يصدر ابداً.
21 – وفي 2021/3/29 وجهت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية كتاباً الى مدير عام رئاسة مجلس الوزراء بإقتراح آلية لتنفيذ المادة 37 من قانون الموازنة فقام مدير عام رئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكية في 2021/3/31 بإحالة الكتاب المذكور الى جانب كل من وزيري المالية والاشغال العامة والنقل للاطلاع وتحضير الآلية المطلوبة من اجل عرضها على مجلس الوزراء. لكنه لم يرد اي جواب على الكتاب المذكور.
22 – وهنا لا بد من التنويه بأن الاموال التي تدخل الى ادارة واستثمار مرفأ بيروت هي طائلة وتشكل أحد الموارد الرئيسية للخزينة وتستوفيها الادارة المذكورة لصالح الخزينة وذلك وكما بيّنت اعلاه بصورة مخالفة للقانون لان ادارة واستثمار مرفأ بيروت لا وجود قانوني لها. وهي لا تنشر حساباتها ولا تخضع لأية رقابة رسمية مثل رقابة ديوان المحاسبة. وإذا جاز الحديث عن تحقيق في مغارات فساد في مختلف مرافق المرفأ فلا بدّ أن يتناول التحقيق هذه “الإدارة” أولاً.
23 – ولا بدّ من التنويه ايضاً بأن الوزير الذي كان يتولى وزارة الاشغال العامة والنقل التي تتبع لها المديرية العامة للنقل البري والبحري ومن ثم رئاسة مرفأ بيروت عند حصول الانفجار كان السيد ميشال نجار، وقبل ذلك ومنذ 2016/11/12 السيد يوسف فنيانوس، اما من كان يتولى وزارة المالية التي تتبع لها المديرية العامة للجمارك عند حصول الانفجار فهو السيد غازي وزنه. ولا يعني ذلك ابداً ان كل من سبق ان تولى هاتين الوزارتين يكون مسؤولاً حكماً عن إنفجار 4 آب 2020.
ثالثاً: الإجراءات المتخذة بعد 4 آب 2020
1 – على أثر الانفجار، تحرك مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فوراً وكلّف الشرطة العسكرية شفهياً بالتحقيق بالموضوع ثم خطياً بموجب التكليف عدد 9977 تاريخ 2020/8/6 الذي وافقت عليه قيادة الجيش. كما كلفها بتكليف الادلة الجنائية للشرطة العسكرية ورهط هندسة وخبراء متفجرات وايداعه تقريراً مفصلاً من كل منها والحفاظ على مسرح الجريمة وابقاءه مقفلاً وتكليف رئيس اللجنة حسن قريطم بتزويده بلائحة مفصلة بموجودات العنبر رقم 12 والمستندات التي تثبت ذلك بعد اصطحابه من منزله الى مكان عمله.
2 – وفي 2020/8/7 وضعت النيابة العامة التمييزية يدها على التحقيق بشخص المحامي العام غسان الخوري الذي أمر فوراً بتوقيف مدير الجمارك العام بدري ضاهر. ثم أمر النائب العام لدى محكمة التمييز السيد غسان عويدات بتوقيف حسن قريطم، حنا فارس، نعمة البركس، مخايل المر، الياس شاهين وخالد الخطيب في سجن الشرطة العسكرية وترك زياد شعبان، جرجس المدور، فادي سعيد، محمد شمس الدين، الين حبيقة، شارل ضو، محمد المولى، محمد قصابيه، مروان الكعكي، ميراي مكرزل، وجوزف القارح مرّين، كما أمر بتوقيف شفيق مرعي ومحمد زياد العوف. وفي 2020/8/13 امر عويدات بتوقيف حسن قريطم، حنا فارس نعمة البركس، مخايل المر، بدري ضاهر، شفيق مرعي، محمد زياد العوف، الياس شاهين، خالد الخطيب، جوني جرجس، سليم شبلي، نايلة الحاج، ميشال نحول، مصطفى فرشوخ، وجدي القرقفي، ســـــامي رعد، والسوريين رائد الاحمد، خضر الاحمد وأحمد رجب واعـادة كومبيوتر عدد 2 الى جمرك مرفأ بيروت وفي احدهما تفاصيل محتويات العنبر الجمركي رقم 12.
3 – ليس هناك قائمة رسمية بمحتويات العنبر رقم 12. ولكن المعلومات التي تم اعطاؤها الى مكتب المباحث الفدرالية الامريكية FBI تفيد بأنه تم، بعد الإنفجار، تجميع مواد منها 8000 متراً من فتيل تفجير، برميل سبيرتو 200 ليتر عدد 2، العاب نارية غير محترقة. لكن المكتب المذكور ابدى شكاً في انه كان يوجد في العنبر 2750 طن من النيترات وقدر الكمية التي كانت موجودة فعلاً بــ 552 طن على الأكثر. ولم يتمكن من تحديد أي سبب للانفجار. وكان مكتب الادلة الجنائية اللبناني قد أصدر تقريراً في 2020/8/7 يفيد عدم العثور في الموقع على أية آثار لانفجار اية مواد متفجرة عسكرية.
4- وإنه من غير المعروف ما إذا كانت كميّة النيترات المخزونة قد انفجرت أو أنها إندثرت بفعل الإنفجار أو أنها سُرقت. فقد تمّ العثور على أكياس زنة الــــ 50 كيلوغرام فارغة ولا بدّ أنها كانت تملأ بالمواد المستخرجة من الأكياس سعة 1000 كيلوغرام تمهيداً لسرقتها.
5 – وفي 2020/8/11 صدر المرسوم رقم 6815 بإحالة جريمة الانفجار على المجلس العدلي.
6 – وفي 2020/8/13 اصدرت وزيرة العدل نجم قراراً برقم 3/2505 بتعيين السيد فادي صوان محققاً عدلياً متفرغاً لدى المجلس العدلي في جريمة انفجار المرفأ ثم وبعد صدور القرار عن محكمة التمييز في 2021/2/17 بفعل الدعوى فانها اصدرت قراراً برقم ق/60 بتعيين السيد طارق فايز البيطار محققاً عدلياً لدى المجلس العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت.
7 – وفي 2020/8/14 قدمت الشرطة العسكرية تقريرها.
8 – وفي ذات اليوم، وقبل صدور تقرير الشرطة العسكرية المذكور، اصدر النائب العام لدى محكمة التمييز السيد غسان عويدات، بصفته النائب العام لدى المجلس العدلي، ورقة طلب ادعى فيها على 25 شخصاً بما يلي:
” بأنه في بيروت وخارجها وفي خلال العام 2013 ـــــ 2014 أقدم عدد من المدعى عليهم قصداً على إدخال مواد خطرة قابلة للتفجير (نيترات الامونيوم) خلافاً لاحكام القانون التي تحظر إدخالها، وقاموا بوضعها ــــــ بالاشتراك والتدخل ــــــ تباعاً كل بحسب وظيفته في احد العنابر داخل مرفأ بيروت ــــــ عنبر رقم 12 ــــــ مع مواد أخرى، منها عادية ومنها خطرة بماهيتها (ميتينول ــــــ مفرقعات ــــــ فتائل اشعال ــــــ كيروزين وغيرها) ومن ناحية اشتعالها السريع وقوة حرارتها، دون اتخاذ اي اجراء او فعل يحول دون امتزاجها طوال سنين وصولاً الى انفجارها، مع علمهم اليقين بخطورتها فقبلوا جميعاً مع من يظهره التحقيق بالمخاطرة بإمكانية انفجارها واحداثها الضرر بالبشر والحجر، من خلال عدم اتخاذهم تدابير السلامة العامة والامن او اي تدبير فعلي على الارض يحول دون الكارثة وفق الصلاحيات المعطاة لعدد منهم بحكم القانون بالنظر لمسؤولياتهم الوظيفية ما تسبب بتاريخ 2020/8/4 الى انفجار المواد المذكورة اعلاه بشكل رهيب يتجاوز حدود الخيال، فأدى الى استشهاد 177 شخصاً حتى تاريخه ومفقودين آخرين غير معروفي العدد والهوية واصابة اكثر من سبعة آلاف تراوحت اصاباتهم بدأً بجروح بسيطة وصولاً الى تشوهات واستئصال اطراف، وحصول دمار هائل واضرار مادية جسيمة في الممتلكات العامة والخاصة واحراق وتدمير وتخريب القسم الاكبر من بيروت ومرفأ بيروت وبواخر راسية فيه وأبنية سكنية محيطة به وتجارية وتهجير مالكيها والساكنين فيها فضلاً على عدد كبير من السيارات والشاحنات وأملاك ومقتنيات أخرى وتلوث مدمر للبيئة، فاهتز بذلك الامن القومي للوطن وجعل من عاصمته عاصمة منكوبة”.
هذا ما جاء على لسان النائب العام لدى محكمة التمييز.
9 – وهؤلاء هم من تناولهم الادعاء:
شفيق اميل مرعي، بدري فؤاد ضاهر، حسن كامل قريطم، نعمة سيمون البركس، حنا امين فارس، الياس انطونيوس شاهين، خالد محمد الخطيب، مخايل جرجس المر، ميشال جوزف نحول، محمد زياد راتب العوف، مصطفى سليم فرشوخ، نايله جورج الحاج، دجوني ناجي جرجس، وجدي يوسف القرقفي، سامر محمد رعد، سليم جورج شبلي، احمد عمر الرجب، خضر علي الاحمد، رائد خضر الاحمد، عبد الحفيظ بشير القيسي، محمد المولى، العميد انطوان سلوم سلوم، الرائد داود منير فياض، الرائد شربل كمال فواز، جوزيف ميلاد النداف وكل من يظهره التحقيق.
10 – وفي 2021/7/1 وجه القاضي البيطار الى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية كتاباً طلب فيه الاذن بملاحقة النائب علي حسن خليل للاسباب التالية:
“اذ قد يكون هناك ثمة شبهة بأن هذا الاخير قد تبلغ في العاشر من شهر ايلول من العام 2016، وخلال توليه مهمته كوزير للمالية، كتاباً موجهاً بواسطته من ادارة الجمارك الى هيئة القضايا، اشير فيه الى تخزين مادة نيترات الامونيوم في المخزن الجمركي الرقم 12 من مرفأ بيروت، والى الخطورة الشديدة التي يسببها بقاء هذه البضائع في المخزن في ظل ظروف مناخية غير ملائمة، كما تضمن الكتاب المذكور اقتراحاً بإعادة تصدير البضائع بصورة فورية الى الخارج حفاظاً على سلامة المرفأ والعاملين فيه، او النظر بالموافقة على بيع هذه الكمية الى الشركة اللبنانية للمتفجرات ـــــ مجيد الشماس المحددة في كتاب قيادة الجيش، وارفق ايضاً ربطاً مع الكتاب السابق ذكره، كتابين موجهين من مدير عام الجمارك الى قاضي الامور المستعجلة في بيروت، الاول تاريخ 2014/12/5 والثاني تاريخ 2015/6/5، يشيران بدورهما، وبوضوح، الى الخطورة الشديدة لمادة نيترات الامونيوم المخزنة في العنبر رقم 12، وبوجوب اعادة تصديرها الى الخارج بصورة فورية حفاظاً على سلامة المرفأ والعاملين داخله،
وقد يكون هناك شبهة ايضاً بأن الوزير السابق والنائب علي حسن خليل امتنع عن القيام بأي فعل من شأنه ان يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على المرفأ والاماكن السكنية القريبة منها، على الرغم من امتلاكه سلطة وصلاحية تخوله معالجة موضوع النيترات الذي انقضى على وجوده في المرفأ فترة طويلة بحيث اصبح بضاعة متروكة بحسب قانون الجمارك.
اذ انه وبصفته وزيراً للمالية يتولى شؤون الجمارك، ويرتبط به المجلس الاعلى للجمارك الذي يشرف على ادارة الجمارك، كما تخضع لسلطته الضابطة الجمركية كقوة عامة مسلحة في إدارة الجمارك، والتي حددت صلاحيتها في المادة 1 من المرسوم الرقم 1802 تاريخ 1979/2/27، الامر الذي قد يثير شبهة حول توقعه ان يتسبب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الاماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر، وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن اجراء ما يلزم لدرء الخطر”.
هذا ما جاء حرفياً على لسان المحقق العدلي البيطار!
11 – وفي ذات التاريخ، وجه القاضي البيطار كتاباً مشابهاً طلب فيه الاذن بملاحقة النائب غازي زعيتر للاسباب التالية:
“إذ قد يكون هناك ثمة شبهة، بأن هذا الاخير تبلغ في الشهر الخامس من العام 2014، واثناء توليه مهمته كوزير للاشغال العامة والنقل، كتاباً موجهاً من الامن العام اللبناني بوجود الباخرة التجارية روسوس في مرفأ بيروت، وانه يحظر مغادرتها المرفأ بسبب القاء حجز احتياطي عليها، وان قرار الحجز قد جاء بعد افراغ حمولتها وابقاء على متنها اطنان عدة من المواد الشديدة الخطورة من نوع نيترات الامونيوم العالي الكثافة،
وبأنه لم يقدم على أي فعل من شأنه ان يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على المرفأ والاماكن السكنية القريبة منها، كما انه لم يتحقق من المواد التي جرى تفريغها من السفينة،
وذلك كله على الرغم من تمتعه بالسلطات والصلاحيات التي تخوله ذلك، سيما وان مديرية النقل البري والبحري تخضع لسلطته المباشرة، علماً ان رئيس الميناء التابع لهذه المديرية قد جرى تعيينه حارساً قضائياً على مواد النيترات، وبالتالي اضحى بذلك على الوزير المذكور سلطة مباشرة على هذه المواد المخزنة في العنبر رقم 12، كما ان وزير الاشغال العامة والنقل يتمتع بسلطة الاشراف على اعمال اللجنة المؤقتة لهيئة ادارة واستثمار مرفـأ بيروت التي تتولى ادارة المرفأ،
الامر الذي قد يثير شبهة حول توقعه ان يتسبب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الاماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر، وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن اجراء ما يلزم لدرء الخطر ”.
هذا ما جاء حرفياً على لسان المحقق العدلي البيطار!
12 – وفي ذات التاريخ، وجه القاضي البيطار كتاباً مشابهاً طلب فيه الاذن بملاحقة الوزير السابق نهاد المشنوق للاسباب التالية:
” تبلغ في الشهر الخامس من العام 2014 واثناء توليه مهمته كوزير للداخلية كتاباً من الامن العام اللبناني بوجود الباخرة التجارية روسوس في مرفأ بيروت… ولم يقدم على أي فعل من شأنه ان يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على الاماكن السكنية القريبة منها، كما انه لم يتحقق من المواد التي جرى تفريغها من السفينة… الامر الذي يثير شبهة جدية حول توقعه ان يتسبب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الاماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن اجراء ما يلزم لدرء الخطر”.
هذا ما جاء حرفياً على لسان المحقق العدلي البيطار!
13 – وفي 2021/7/12 وجواباً على الطلبات الثلاث المذكورة، وجه امين عام مجلس النواب كتاباً الى النيابة العامة التمييزية طلب فيه ارسال جميع الاوراق والمستندات التي من شأنها اثبات شبهات القاضي البيطار.
14 – فكان جواب القاضي البيطار الرفض.
15- لكن المحقق العدلي البيطار لم يكن أبداً المرجع المختص لطلب الإذن. فإن المرجع الذي حدده القانون هو وزير العدل. لكنه كان يوجه طلباته إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية، التي كانت تحيلها إلى وزيرة العدل، التي كانت تحيلها بدورها إلى مجلس النواب دون أي طلب من جانبها!
16- فلم تكن طلبات البيطار جديّة بل مخالفة جلياً للقانون وكذلك النيابة العامة التمييزية فإنها لم تكن جديّة في إحالة طلب البيطار غير الجدّي والمخالف للقانون إلى وزارة العدل. وكذلك الأمر بوزيرة العدل لجهة عدم الجديّة لأنها كانت تعلم، كما كان البيطار يعلم، ان طلب الإذن لا يقدم إلا من جانبها وهي لم تطلب شيئاً.
17 – وفي 2021/7/14 تقدم 26 نائباً بعريضة اتهام ضد السادة خليل، زعيتر، والمشنوق عملاً بالمــادة 18 من القانون رقم 1990/13 المتعلق بأصــــول المحاكمة لدى المجلس الاعلى. وفي اليوم التالي وجه الامين العام لمجلس النواب كتاباً الى كل منهم يبلغه فيه بما تقدم طالباً منه توكيل محام لسماعه تمهيداً للبت بطلب الاتهام. إلا ان الجلسة لم تنعقد لعدم اكتمال النصاب ولم يعين موعد جديد لها.
18 – وبعد ذلك تم، سواء عن حق أو دون وجه حق، تقديم عدد كبير من المراجعات الرامية في مرحلتها الاولى الى رفع يد القاضي صوان عن الملف، فتم ذلك، وفي مرحلتها الثانية الى رفع يد القاضي البيطار، فتم رد بعضها وما يزال البعض الآخر قيد النظر في جو من البلبلة داخل قصر العدل وفي الشارع العام.
رابعاً: في القانون وفي ضرورة الرجوع إلى المربع الأول وإطلاق سراح كل الموقوفين
1 – ليست هذه الدراسة معدّة لاطلاع رجال القانون فحسب بل ان هدفها هو إنارة الجمهور على الحقائق الساطعة التي تعبق بروائح الفساد وإنتهاك القانون. ولا بدّ إذن من القاء نظرة بسيطة على الحالة القانونية وموضوع الفصل بين الاجراءات والاساس التي تحكم كل تطبيق للقانون.
2 – فإنه يعتبر من الاساس كل نص قانوني يتعلق بمضمون الحقوق والالتزامات. أما ما يُعرف بالشكل فهو الاجراءات التي على المحاكم واطراف الدعاوى ان يتقيدوا بها في الاعمال الهادفة الى اثبات الحقوق والالتزامات بقرارات تستوفي شروطاً معينة وتقبل في معظم الاحيان المراجعة امام مرجعيات اعلى كمحاكم الاستئناف والتمييز. وفي العادة فإن مرجعية قاضي التحقيق هي غرفة من غرف محكمة الاستئناف تمارس وظيفة الهيئة الاتهامية.
3 – وان الخطوة الاولى عند وقوع ايذاء للاشخاص او اعتداء على الاموال مما يسبب ضرراً ولو بسيطاً هو التحقق مما إذا كان هذا الضرر ناتجاً عن فعل ما وهو مما يطلق عليه ان كان قصدياً تسمية الفعل الجرمي ، وعند انتفاء القصد فإن سبب الضرر يكون حادثاً او على سبيل القضاء والقدر.
4 – وعند وجود فعل جرمي فإن المرجع الذي يتولى اعمال الاستقصاء والتحقيق الاولي فيه هو الضابطة العدلية اي الشرطة العاملة تحت اشراف وامر النيابة العامة. فإذا اشتبهت النيابة العامة الاستئنافية ان في الامر فعلاً جرمياً بالاستناد الى نتائج التحقيق الاولي ولا سيّما ان كان الفعل يوصف قانوناً بأنه جناية فإنها تدعي به امام قاضي التحقيق الذي يتولى ما يعرف بالتحقيق الابتدائي وهو جمع الادلة التي تجيز له الظن بالمشتبه به لتتولى بعدها مرجعية اعلى منه هي الهيئة الاتهامية اصدار قرار اتهامي يحيله للمحاكمة امام محكمة الجنايات. وفي القضية الحاضرة فإن المحقق العدلي يتولى وظيفتي الظن والاتهام في آن معاً.
5 – وعندما يتلقى قاضي التحقيق ادعاء النيابة العامة فإنه يصبح مقيداً بالفعل الذي بُني الادعاء عليه. فلا يحق له ان يحقق في افعال اخرى. وإذا تبين له وجود افعال اخرى غير متلازمة مع الفعل المدعى به فإنه يعيد الملف الى النيابة العامة مع اقتراح ان تدعي به. وهذا الامر يعود اليها وحدها. وبعبارة اخرى فإن ادعاء النيابة العامة هو وحده الذي يحرك دعوى الحق العام ولا يجوز لقاضي التحقيق ان يستجوب احداً كمدعى عليه ان لم يتناوله ادعاء النيابة العامة الا إذا تبين له ان هذا الشخص هو مُسهِم في ذات الجريمة، يعني محرض او شريك او متدخل فيها.
6 – وعلى ضوء هذه المبادئ البسيطة فإنه يمكن تقدير الاخطاء الجسيمة التي أصيب بها الملف منذ عرضه على مجلس الوزراء في آخر جلسة له قبل استقالة حكومة السيد حسان دياب وذلك بتاريخ 2020/8/10، أي بعد ستة أيام من الانفجار.
7 – ومن الثابت انه وفي ذلك اليوم كانت هناك ثلاثة تقارير بسيطة جداً ومبدئية جداً ولا تحسم شيئاً ولا يمكن أن تتولد عنها أية شبهة وهي:
– محضر المباحث الجنائية المركزية رقم 302/879 تاريخ 2020/8/5.
– محضر شعبة المعلومات رقم 302/890 تاريخ 2020/8/5.
– محضر الشرطة العسكرية رقم 1246/ن.ن. تاريخ 2020/8/6.
وهي ذات التقارير التي استند اليها فيما بعد النائب العام لدى محكمة التمييز للادعاء. لكنه لا يمكن اعتبارها بأي حال من الاحوال من التحقيقات الاولية بالمفهوم القانوني ذلك انها لم تتوصل الى تحديد اي فعل جرمي أو تسمية أي مشتبه بارتكابه بل انها تتحدث عن حادث غامض دون الاستناد الى تقارير الادلة الجنائية.
8 – حتى ان مجلس الوزراء لم يطلع على المحاضر المذكورة. فلا يُعرف مصدر المعلومات التي وصلتهم والتي تبين لهم منها ان في الامر جريمة، أي فعل جرمي.
9 – وبدلاً من انتظار ان يدعي النائب العام الاستئنافي المختص او مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية المختص بالفعل الجرمي الذي نتج عنه انفجار 4 آب 2020 بعد اجراء التحقيقات الاولية من جانب الضابطة العدلية المختصة وبالاستناد الى تقارير ادارة الادلة الجنائية المختصة، وبالتالي تحريك دعوى الحق العام حسب الاصول من احد المرجعين المذكورين الذي يحق له تحريكها، فإن مجلس الوزراء في حكومة السيد حسان دياب أحلّ نفسه محل الضابطة العدلية والادلة الجنائية والنيابة العامة بأن اعطى نفسه الاختصاصات المذكورة بصورة غير قانونية. فقرر ان في الامر جريمة يعني فعلاً جرمياً قصدياً وان هذا الفعل المزعوم الذي لم يبيّنه يؤلف اعتداءً على امن الدولة بمعناه الواسع بحسب تعريف قانون العقوبات وهو امن الدولة الداخلي والخارجي.
10 – ومع ان النص في قانون اصول المحاكمات الجزائية واضح في ان ما يحيله مجلس الوزراء على المجلس العدلي هو الدعوى او الدعاوى الناشئة عن الاعتداء على امن الدولة، فإن مجلس الوزراء “احال جريمة” الانفجار الذي وقع بتاريخ 2020/8/4 في مرفأ بيروت على المجلس العدلي علماً بأن الانفجار لم يقع في مرفأ بيروت اي السطح المائي بل في حرم المرفأ.
11 – فما كان من وزيرة العدل الا ان اصدرت قراراً في 13 آب 2020 بتعيين القاضي السيد فادي صوان: “محققاً عدلياً لدى المجلس العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 2020/8/4 “اي ان الوزيرة قررت من عندها وقبل أي تحقيق شرعي forensic او إدعاء ان ما وقع في 4 آب 2020 هو جريمة دون ان تكون على علم بماهية الفعل الجرمي ودون تمييز بين مرفأ بيروت الذي هو سطح مائي وحرمه الذي وقع فيه الانفجار، وهي استعملت العبارة نفسها عندما عينت القاضي السيد طارق البيطار ليحل محل القاضي السيد صوان.
12 – وكما يقال فإنه تم وضع العربة امام الحصان مرتين لان الحصان، وهو في القضية الحاضرة النائب العام لدى محكمة التمييز، لم يحرك الدعوى العامة حتى يوم 2020/8/14 حين ادعى على 25 شخصاً جلّهم من اسرة المرفأ وادارته وجمركه والضباط في الاجهزة الامنية فيه بالافعال الجرمية المنوه عنها اعلاه وهي أنهم أقدموا خلال العام 2013 ـــــ 2014 على:
(أ) فعل الادخال قصداً لمواد خطرة قابلة للتفجير خلافاً لاحكام القانون التي تحظر ادخالها.
(ب) فعل وضع المواد المذكورة قصداً بالاشتراك والتدخل تباعاً وتعاقباً كل بحسب وظيفته في العنبر رقم 12 داخل مرفأ بيروت مع مواد اخرى منها عادية ومنها خطرة من ناحية اشتعالها السريع وقوة حرارتها.
(ج) عدم اتخاذ اي اجراء او فعل يحول دون امتزاج المواد المذكورة طوال سنين وصولاً الى انفجارها مع علمهم اليقين بخطورتها فقبلوا جميعاً بالمخاطرة بإمكانية انفجارها واحداثها الضرر بالبشر والحجر من خلال عدم اتخاذهم تدابير السلامة والامن او اي تدبير فعلي على الارض يحول دون الكارثة ما تسبب بتاريخ 2020/8/4 الى انفجار المواد المذكورة بشكل رهيب.
13 – إذن فإن الفعل الاول والرئيسي الذي اسند اليه النائب العام لدى محكمة التمييز ادعاءه في 2020/8/14 الذي حرك دعوى الحق العام هو ادخال المواد الخطرة خلافاً لاحكام القانون ووضعها في العنبر رقم 12 مع مواد أخرى.
14 – ولعل النائب العام لم يكن يدري عندما حرّك دعوى الحق العام على الوجه المبيّن اعلاه ان هناك ثلاثة جهات اشتركت في فعل الادخال الذي تم مباشرة وبسرعة فائقة من السفينة روسوس الى العنبر رقم 12 وهي:
(1) قاضي الامور المستعجلة في بيروت آنذاك السيد جاد معلوف بقراره رقم 2014/429 تاريخ 2014/6/26 بناء لطلب الامر على عريضة الذي قدمه المحامي الاستاذ عمر طربيه بتكليف من هيئة القضايا في وزارة العدل.
(2) السيدان غسان غساني وعادل نصور. الاول ممثلاً للمديرية العامة للجمارك والثاني ممثلاً لادارة واستثمار مرفأ بيروت لتوقيعهما على وثيقة الادخال الجمركية 353832 تاريخ 2014/12/29 وقد كتب عليها:
“أفرغـــت حمولــــة البــاخرة بموجب امــــر قضـــائي رقم 2014/429 المستدعي الدولة اللبنانية”.
(3) الشركة العاملة في حرم مرفأ بيروت بترخيص من ادارة واستثمار المرفأ والتي تقدم خدمات التفريغ والنقل وهي التي تولت هذا العمل بواسطة عمالها وآلياتها.
15 – ولولا القرار 2014/429 الصادر عن قاضي الامور المستعجلة السيد جاد معلوف لما وافق السيدان غساني ونصور، دون تطبيق الإجراءات الجمركية الإلزامية، على تفريغ السفينة وادخال المواد الخطرة الى العنبر رقم 12. فإن كل ذلك تم تنفيذاً لقرار قضائي.
16- لكن فعل الإدخال لم يتسبب أبداً في إنفجار 4 آب 2020 لأنه وقع بعد أكثر من ست سنوات على وصول السفينة المحملة بالامونيوم نايترايت إلى بيروت، فلماذا لم يحدث الإنفجار أثناء تلك الفترة وقبل 4 آب 2020؟
17 – ولو افترضنا جدلاً ان فعل الإدخال أدى إلى الإنفجار بعد تلك المدة الطويلة فإن المادة 185 عقوبات صريحة في ان الفعل المرتكب انفاذاً لنص قانوني او لأمر شرعي صادر عن السلطة لا يعد جريمة.
18 – وحتى ولو كان في فعل ادخال المواد المذكورة وايداعها العنبر رقم 12 مخالفة لاحكام القانون فإن الامر لا يعدو ان يكون من نوع المخالفات التي نص عليها قانون الجمارك كما نص على اجراءات المحاكمة فيه والتي تنتهي كلها لا بالسجن بل بجزاءات نقدية ولا يمكن بأي حال من الاحوال احالتها الى قاض منفرد جزائي. فكيف بالمجلس العدلي ؟!
19 – فإن في قانون الجمارك تعداداً للمخالفات لاحكامه وهو يوجب ضبطها بموجب محاضر أي ان المخالفات هي من نوع الجرائم الاقل من الجنحة ويعاقب عليها بجزاءات نقدية. لكن المحاكمة فيها تخضع لقانون اصول المحاكمات المدنية. وهو نص على اصول خاصة للملاحقة والمحاكمة في شأن المخالفات الجمركية، هي:
“القسم الخامس: في الملاحقات”
“المادة 381
1 – يمكن ملاحقة المخالفات المنصوص عليها في القوانين والانظمة وإثباتها بجميع طرق الاثبات القانونية حتى ولو لم تضبط هذه المخالفات في النطاق الجمركي او خارجه او لم تكتشف عند التصريح عن البضائع بموجب بيانات جمركية. ولهذه الغاية يمكن اعتبار المعلومات التي ترد من سلطات اجنبية ومحاضر الضبط والمستندات الصادرة عنها بمثابة بينات علة وقوع الجرم.
2 – تتولى النيابات العامة امام المراجع الجزائية الدعوى العامة الرامية الى تطبيق العقوبات الجزائية عن الجرائم العادية المتلازمة مع المخالفات الجمركيــة او المرتبطة بها. وتتولى ادارة الجمارك الدعوى الرامية الى تطبيق الرسوم والغرامات”.
“المادة 382
على السلطة القضائية ان تزود إدارة الجمارك بأية معلومات تتصل بها في معرض نزاع مدني او تجاري او جزائي ولو اقترن بمنع المحاكمة، ومن شأنها ان تشكل قرينة على حصول مخالفة لقانون الجمارك ولأنظمتها”.
“المادة 391
1 – مع الاحتفاظ بصلاحية المحاكم الجزائية المختصة وفقاً لاحكام القوانين النافذة، يحال محضر الضبط المنظم وفقاً لاحكام المواد السابقة، إذا لم يفض الخلاف بطريقة المصالحة، الى محكمة الدرجة الاولى المختصة.
2 – تتبع امام كافة المحاكم العدلية الناظرة في القضايا الجمركية احكام اصول المحاكمات المدنية مع مراعاة الاحكام الخاصة المنصوص عليها في القانون”.
“المادة 393
تدّعي ادارة الجمارك ويدّعى عليها امام سائر المحاكم ودوائر التنفيذ، بشخص المدير العام او من يمثله”.
20 – وبانتفاء الافعال الجرمية المنسوبة الى المدعى عليهم بإدخال المواد الخطرة ووضعها في العنبر الجمركي رقم 12، فإن سائر ما جاء في ادعاء النائب العام لدى محكمة التمييز يؤلف تسليماً دون اي ادلة بأن الانفجار نتج عن اختلاط المواد المخزنة تلقائياً طوال عدد من السنين.
أنه حادث وقع قضاءً وقدراً ‘‘دون إتخاذ أي إجراء أو فعل يحول دون امتزاجها طوال السنين وصولاً إلى انفجارها’’.
21 – كما لا بد من التنويه بأن الادعاء لم يشمل اي فعل اعتداء على امن الدولة الداخلي او الخارجي مما يدخل في نطاق الجرائم التي عددتها المادة 547 عقوبات التي تنص على ما يلي:
“من قتل انساناً قصداً عوقب بالاشغال الشاقة من 15 الى 20 سنة”.
22 – وكل ما حاول المحققان العدليان صوان وبيطار نسبته الى الوزراء والنواب الحاليين منهم والسابقين بمن فيهم رئيس الوزراء السابق السيد حسان دياب لا يقع ضمن نطاق الافعال الجرمية التي ادعت بها النيابة العامة التمييزية والتي لا وصف جنائي فيها تبعاً لاحكام المادة 185 عقوبات لان تفريغ المواد الخطرة من السفينة وادخالها فوراً الى العنبر رقم 12 تمّ بأمر من قاضي الامور المستعجلة وعلى يد اشخاص سوى المدعى عليهم. وفي حال انها قابلة للملاحقة فإنها تعتبر من المخالفات الخاضعة لقانون الجمارك ولا ترقى بأي حال من الاحوال الى الاعتداء على امن الدولة الداخلي أو الخارجي.
23 – ولا بد ان مجلس النواب وفي الوقت الذي يشدد رئيسه على صلاحية المجلس الاعلى الحصرية في الجرائم المنسوبة الى الوزراء والنواب والتي جرى تأكيدها بقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز في قرار الوزير ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، فإنه غير متعطش كثيراً لمتابعة اجراءات عريضة الاتهام التي تم توجيهها عملاً بقانون أصول المحاكمات المدنية امام المجلس الاعلى والتي لم تعقد الجلسة التي لم تعيينها فيها لعدم اكتمال النصاب.
24- ويتضح جلياً مما تقدم ان لكل من قصر عين التينة وقصر العدل موقفاً يتحّد ويختلف جذرياً عن الآخر في آن معاً ولكل منهما أسبابه واهدافه.
25- فإن موقف عين التينة هو الدفاع عن إستقلالية إختصاص المجلس الأعلى إختصاصاً وظيفياً في ملاحقة الأفعال الجرمية المنسوبة للنواب والوزراء، الحاليين منهم والسابقين، وتثبيت هذه الإستقلالية الوظيفية الحصرية بإعتراف صريح من قصر العدل، كما لو صدر قرار عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز في هذا الشأن، ومن ثمّ كف يد المحقق العدلي المخالف لهذا الإختصاص الوظيفي فحسب أي السير في التحقيق دون استجواب النواب والوزراء السابقين ورئيس الحكومة السابق كمُسهمين في الجريمة.
26- أما موقف قصر العدل حتى الآن فهو العمل على حصر إختصاص المجلس الأعلى الوظيفي في أضيق نطاق ممكن بحيث تطلق يدّ المحقق العدلي في ملاحقة وإستجواب من يشاء دون حساب.
27- لكن عين التينة وقصر العدل يتحدان ضمناً، ولأسباب مختلفة جذرياً، في نفي أي إحتمال لأن يكون ما حصل مساء يوم 4 آب 2020 هو فعل من أفعال الإعتداء العسكري الذي سارع الرئيس ترامب إلى تأكيده ثم سكت عنه. ذلك أن تأكيد الإعتداء العسكري يصب في مصلحة شركات التأمين ويعفيها من إلتزاماتها للمتضررين من حملة بوالصها. كما أنه محرج سياسياً للحكومة اللبنانية، وربما لحكومات أخرى كالحكومتين الأمريكية والإسرائيلية.
28- وزاد في الطين بلّة ان النائب العام لدى محكمة التمييز الذي أصدر ورقة الإدعاء حاول إتخاذ موقف وسط بين الموقفين وأعلن عن تنحيه عن الملف لعلاقة القرابة التي تربطه بالنائب زعيتر قبل وقت طويل من قيام المحقق العدلي البيطار بتقرير استجوابه كمُسهِم في الجريمة وذلك في شهر أيلول 2021. لكن النائب العام لم يقدم عرض تنحِ صحيح بموجب القانون ولم يقبل تنحيه أو تُرفع يده عن الملف. وهو دفع إلى الحلبة بأحد مساعديه المحامي العام غسان خوري الذي ما لبث ان اصطدم مع المحقق العدلي البيطار الذي رفض إطلاعه على الملف عندما مارس الخوري حقاً طبيعياً من حقوق النيابة العامة فانسحب أو سُحب من الحلبة وحلّ محله محام عام تمييزي آخر اصطدم بدوره بالبيطار عندما امتنع عن تعميم مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها هذا الأخير ضد النائب علي حسن خليل لوضوح مخالفتها للقانون والدستور لكنه اضطر لتعميمها بعد حين. فيكون المحقق العدلي البيطار قد نجح بدعم من قصر العدل في حجب دور النيابة العامة التمييزية الإعتيادي والجوهري في الإجراءات.
29- وهذا هو الجوّ الذي دارت وتدور فيه ظاهراً، وراء الستار وأمامه، المعارك الطاحنة حول رفع يد المحقق العدلي البيطار لسبب او آخر عن الملف بين المطلوبة ملاحقتهم كمُسهمين في الجريمة والقاضي البيطار، وفي الحقيقة بين قصر العدل وقصر عين التينة!
30- لكن ما هو مصير زهاء ثلاثين موقوفاً في هذا الملف دون سبب مشروع؟ وبأي حق أو منطق يطول احتجازهم لمدة غير معروفة وتطول معاناتهم ومعاناة عيالهم؟ فإن الأولوية هي لإطلاق سراحهم جميعاً وفوراً.
31 – ذلك ان الخطوة الاولى في التحقيق وجمع الادلة في شأن ما حدث يوم 4 آب 2020 لم يتم اتخاذها بعد وهي اقامة الدليل على وجود فعل جرمي بإطلاق trigger ما بجهاز ما لفعل ما سواء بإستعمال مواد الامونيوم نيترات التي كانت مخزونة فعلاً في العنبر رقم 12 او مواد اخرى لم يُعرف كنهها بعد أو عدم وجود مثل هذا الفعل. وفي حال العجز عن إثبات حصول الفعلي الجرمي القصدي فلا بد من اعتبار ما جرى مساء 4 آب 2020 من نوع الحادث الذي لا يرقى الى الوصف الجرمي.
32 – وإنه من الساطع ان ادعاء النائب العام لدى محكمة التمييز لم يتناول ابداً فعل التفجير لانه لم يعثر على ما يولد شبهة بحصوله بل اقتصر ادعاؤه على فعل الادخال بمخالفة القانون. فإذا كان المحقق العدلي يرغب في إجراء تحقيق حول فعل التفجير في حال ثبوت وجود أدلة في الملف على ان انفجار 4 آب هو بفعل فاعل ، ولم يُعثر على مثل هذا الدليل حتى اليوم، فإن من واجبه اعادة الملف دون تأخير الى النائب العام لدى محكمة التمييز للنظر في أمر الادعاء بالفعل المذكور وإلا إقفال الملف بعد منع المحاكمة عن كل الموقوفين وإطلاق سراحهم دون أي تأخير.
33- وان مسؤولية النواب والوزراء السابقين تبقى سياسية ويمكن أن تكون مدنية. وعلى من يرغب في محاسبتهم سياسياً ان يراجع مجلس النواب ومن يرغب في محاسبتهم وطلب التعويض منهم عن العطل والضرر ان يراجع المحاكم العدلية المدنية المختصة.
خامساً: في تدابير الإصلاح
ان أول إصلاح مطلوب هو إلغاء المجلس العدلي فتناط مهامه بمحاكم الجنايات العادية. وبالنسبة لمرافق مرفأ بيروت، وفي حال ثبوت انها تؤلف بؤرة فساد، سواء سهلت هذه الحالة في تحقق كارثة 4 آب 2020 أو لم تسهل، فإن هذا الفساد هو جزء لا يتجزأ من حالة الفساد السائدة في البلاد والتي تستوجب القمع عامة. فإنه من الساطع ان مرافق المرفأ هي من نوع أقراص العسل. لكن، ومع الإعتراف بما تقدم، ولما لا يمكن إلغاء مرافق مرفأ بيروت وسائر الموانيء الجمركية في لبنان اسوة بالمجلس العدلي، فإن ذلك لا يغني عن إجراء بعض الإصلاحات الضرورية في إدارة هذه المرافق الحيوية وحمايتها ومن أهمها:
(1) إناطة إدارة واستثمار مرافق الموانيء اللبنانية كافة بمديرية عامة واحدة تابعة لوزارة المالية أو لوزارة الشغال والنقل، لا لكليهما.
(2) إنشاء جهاز أمني خاص لحماية المرافق المذكورة وحفظ الأمن داخلها على قدم المساواة مع الأجهزة الأمنية الأخرى وتندمج فيه الضابطة الجمركية ويكون تابعاً للمديرية العامة المذكورة.
(3) إنشاء مركز قضائي مختص ودائم في حرم المرفأ يتولاه قاض واحد أو أكثر للبت حسب الأصول المستعجلة بكل نزاع أو حالة في مرافق المرفأ كافة تستوجب تدخل القضاء مع الحرص على احترام وتطبيق القانون الجمركي بحيث لا تتكرر أبداً سابقة مخالفة هذا القانون بإعطاء أي من القضاة الأـمر بإدخال أية بضاعة خطرة إليه أو غير خطرة دون أن تكون مستوردة إلى البلاد بصورة شرعية وبإستيفاء الشروط الجمركية. كما وينشأ مركز قضائي مماثل في مطار بيروت وكل من مرافيء طرابلس وصيدا وصور وجونيه.
“محكمة” – الخميس في 2021/11/25
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.