ما هو الحل مع هذا النوع من البشر؟/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
يعاني متعاطو الشأن العام هذه الأيّام من قلّة فهم وقلّة تهذيب وقلّة دراية بعض المعلّقين على المواقف والتصرّفات. والأنكى كما يقول أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، أنّ كلّ واحد بات يكتب ما يشاء على صفحات الفايسبوك من دون تدقيق وتمحيص وفهم للمواقف والأمور. إذ قديماً كانت هناك عدّة وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة إمّا اليوم فهناك أربعة ملايين لبناني يكتبون. وكما يقول الصحافي فادي شهوان بات هناك أربعة ملايين إعلامي بسبب الفايسبوك وتويتر.
وتأتي هذه التعليقات من بعض الذين يريدون تسجيل موقف، أو تطبيقاً لمبدأ “خالف تُعرف”، أو تبييضاً للوجه والمزايدة التي يضعها برسم زعيمه، أو على طريقة “كسر مزراب العين” حتّى يلفت النظر.
قبل رحيله، روى لنا المحامي المرحوم جوزيف الأخطل الخوري أنّه قال مرّة لوالده الأخطل الصغير:”فلان توفّى”. فأجابه:”لعمرو ما يرجع”، فقال له المرحوم جوزيف:
– ولو…أنت الاخطل الصغير، شاعر الإحساس المرهف والوطنية والإنسانية والحبّ والجمال واللباقة تقول مثل هذا الكلام؟
فأجابه الأخطل الصغير:
– لا أسف على هذا المتوفّى لانو بعمرو ما عمل نكتة ولا فهّم نكتة ولا ضحك لنكتة.
فإذا كان البعض لا يجيد الكتابة ولا يفهم ما يكتب، فلماذا يعلّق تعليقات خاطئة ومؤذية وغير صحيحة وغير مجدية؟
منذ عدّة أيّام قرأت للصديق الشيخ جو الهاشم عبارة معبّرة حيث قال:”انا مسؤول عن أفكاري ولست مسؤولاً عن تفهّمك لها ورأيك فيها”.
أما المشكلة الأخرى، فهي ابتعاد الأوادم عن الدخول مع مثل هذا النوع من الناس في مناقشات ومهاترات حتّى لا يعطوهم قيمة أو ما يسمّى بالفرنسية “crédibilité “.
منذ عشرات السنين انتقد الرئيس الملك كميل نمر شمعون، فتى العروبة الأغرّ إحدى الشخصيات. فتدخّل صديق مشترك. فقال له الرئيس شمعون:”إنّ هجومي عليه يقويه ولا يضعفه. اسأل الذين يفهمون بالسياسة”. ولكن المشكة هي عندما يأتي الهجوم من صغار القوم بحقّ الأوادم الذين يحترمون أنفسهم: مشكة إذا أجابوهم. ومشكلة إذا لم يجيبوهم. وهنا تكمن…المشكلة. إذ يخرج بعض المنبوذين الذين ينطبق عليهم القول:”اديش الك بالقصر؟… من مبارح العصر” والذين انتقدهم الكاتب والأديب جورج جرداق في معرض قوله إنّ ولداً عمره 13 سنة يغنّي أغنية ليالي زمان…وين كنت يا حبيبي من زمان حتّى تتكلم عن ليالي زمان: ويهاجمون الأوادم.
إلاّ أن الكاتب والأديب سعيد تقي الدين لم يقصّر عندما كتب عنهم:” مهما جهد الشريف أن يُقصّر دربه على الطريق القويم، فلا بدّ أن يعلق شيء من غبار على حذائه. وها أنا أنفض عن حذائي هذا التابعي الزحفطون”، فهل من حلّ مع هذا النوع من البشر؟
أخبرني أحد الأصدقاء أنّه كلّما همّ بتقديم شكوى ضدّ من يتعرّض له يتدخّل أحد الأصدقاء المشتركين ويعتذر عنه. وهذا الأمر ذكّرني بطرفة منشورة في كتابي:“القضاة والمحامون مواقف وطرائف” ص 13:
“حصلت حادثة مع الوزير المحامي ميشال اده أثناء الحرب. فقد كان مكتبه في شارع المكسيك في القنطاري، ومنه يسافر إلى افريقيا ويعود. أمّا المشاكل التي تعرّض لها خلال الحرب فهي أنّه احتجز أكثر من مرّة على بعض الحواجز، وهتف به أحد المسلحين:” صف على جنب”. ثمّ كان هناك من يتدخّل لإنقاذه وهو يقول: “بلا مؤاخذة يا معالي الوزير…هيدول جماعة غير منضبطين”.
وفي آخر مرّة اعتذروا إليه، قال ضاحكاً: “لحد هلق ما تعرفنا إلاّ على غير المنضبطين، حرقة بقلبي شي مرّة اتعرف على المنضبطين”.
وقديماً كانت تحصل مناوشات كلامية عادية بين السياسيين، ولكن سرعان ما تعالج على طريقة “ما تريد نيله بالإرهاب، يسهل عليك بلوغه بالابتسام”. فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يخلق لنفسه المتاعب بلسانه كما يقول معالي النقيب فؤاد الخوري.
واختم بهذا البيت المعبّر من الشعر:
جراحات السنان لها التئام ولا يُلتام ما جرح اللسان
“محكمة” – الخميس في 2020/5/7