ما هي مفاعيل سلسلة الراتب والرواتب في تسريع الإنهيار في لبنان؟/باسكال ضاهر
المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر:
بداية تقتضي الإشارة إلى أنّ الإنهيار الحاصل هو نتيجة فساد قد تعمّق على مدى الثلاثين عامًا المنصرمة، وما رافق ذلك من نهب ممنهج سيق بحقّ المال العام، يضاف إليه عدد من النواحي تأتي في خاتمتها موضوع إقرار السلطة سلسلة الراتب والرواتب لأنّها زادت نسبة العجز في الموازنة العامة،
والسؤال الأهمّ هنا هو، ما مدى مسؤولية السلطة عن إقراراها وهي عالمة بشكل جوهري بالمفاعيل الكارثية لا سيّما وأنّ المنطق القانوني يقتضي بأنّها كانت على يقين بما هي مقدمة عليه؟ والأهمّ أنّها لم ترافق إقرارها بأيّة إجراءات لحماية الإقتصاد، هذه الناحية تقودنا إلى طرح سؤال هام جدًّا وهو، هل أنّ السلطة كانت تسعى إلى تحقيق هذا الإنهيار عن سابق علم وتصوّر لا سيّما بعد تحذير صندوق النقد الدولي؟
بالعودة إلى الموضوع المساق أعلاه، يقتضي الإشارة إلى أنّ صندوق النقد الدولي كان قد حذّر من اعتماد سلسلة الرتب والرواتب وأوضح أنّه قد ينتج عنها زيادة في معدّلات غلاء المعيشة، مؤكّدًا أنّ الإجراءات المالية المقترحة غير كافية لتغطية الزيادة االكبيرة في الإنفاق التي ستنجم عن إقرارها، وحضّ السلطة على توخّي الحذر في تطبيقها، وعلى اتخاذ تدابير لتعزيز الإيرادات وتعزيز الجباية، مثل توسيع القاعدة الضريبية، على أن تبقى “عادلة”؛
ثمّ وبعد إقراراها دعا في تقرير آخر إلى إصلاح الوظيفة العامة وإصلاح الكهرباء وتحويل الإنفاق المخصّص للكهرباء إلى النفقات الإستثمارية والإجتماعية،
إضافة إلى ما تقدّم، فإنّ تمويل السلسة قد جرى من خلال الضرائب، وبحسب دراسة لمنظّمة التعاون والتنمية، فإنّ إقرار الضرائب سيؤول حتمًا إلى خفض الإنتاجية وما يتبع ذلك من انخفاض في الإستثمارات وانتقال رؤوس الأموال الأجنبية إلى دول أخرى تجذبها بالتسهيلات والخفوضات الضريبية،
وبغضّ النظر عن مدى مساهمة إقرار السلسة في تحقيق العجز إلّا أنّه يبقى هنالك أمر جدًّا مهمّ وهو أنّ إتمامها قد جرى قبيل الإنتخابات النيابية أيّ أنّ السلطة اعتمدتها بغية تحقيق مكسب إنتخابي (حتّى أنّ البعض وصفها برشوة إنتخابية) وذلك دون أن تبحث على ما يبدو في المفاعيل التي ستنشأ عنها، كما ودون إتباع الأسس الإقتصادية السليمة، الأمر الذي يطرح عددًا من الإستفهامات حول سلطة لا تعبق إلّا اإستمرار حكمها؟
إنّ الإشكاليات التي نشأت عن إقرار السلسلة تتمحور بالآتي: إنّ تمويلها جرى من خلال الضرائب على النشاط الإقتصادي بشكل عام علمًا أنّ مفاعيلها انحصرت بموظّفي القطاع العام دون الخاص، الأمر الذي أدّى إلى إضعاف القدرة الشرائية للقطاع الخاص لأنّ الضرائب فرضت على الجميع، وفي السياق عينه لم تواكبها أيّة خطوات إصلاحية سمحت باستخدام الكتلة النقدية التي جرى ضخّها في الإقتصاد، كلّ ذلك قد دفع بالدولة إلى الإستدانة من المصارف لتمويل عجزها.
وهذا ما يدفعنا إلى القول إنّ أسباب ومسبّبات الإنهيار الحاصل تعود إلى الإجراءات التي اتبعت من قبل السلطة، وأنّ تحميل أمره إلى القطاع المصرفي لوحده يشكّل ظلمًا وعدم يقين أو تعمية، وبالتالي يقتضي تصويب البوصلة بالإتجاه الصحيح لا سيّما وأنّ هذه السلطة قد صاغت حول مقاماتها حصانات بغية حصر سيف العدالة ومنعه من إتمام واجباته، علمًا أنّ كلّ ذلك لا ينفي مسؤولية القطاع المصرفي الذي أبدى قبوله تسليف الدولة من جيب المودع، والمراهنة بحقوقه لا سيّما في ظلّ وجود نسب مرتفعة من المخاطر وعدم اليقين.
أؤكّد في النهاية، أنّ الحلّ يكون باعتماد نظرة شمولية غير جزئية ترمي إلى إعادة الأموال المنهوبة، ولتحقيق ذلك يقتضي تحرير سيف العدالة من غمده بعد إسقاط الحصانات كافة أمام سيف سلطانها، مع العلم أنّ القانون الذي يصنعه الحاكم لتأمين عدم امتثاله للعدالة يجب أن لا يطبّق من قبل القاضي لعلّة انعدام عدالته، بمعنى آخر أنّ العدالة تقضي بأن يجري إقصاء عدد من القوانين لتأمين إتمامها.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/5/5