مثول الصحفي أمام القضاء ليس عيباً
كتب علي الموسوي:
ليس عيباً أن يمثل الصحفي أمام القضاء عند ارتكابه عن سابق إصرار وتصميم، أو بنيّة حسنة ومفتعلة، إحدى الجرائم المُعاقب عليها في قانوني العقوبات والمطبوعات.
فالتطاول على الكرامات، والمسّ بسمعة الإنسان من أيّ شريحة إجتماعية كان، ليس حرّيّة على الإطلاق، لا في القول، ولا في التعبير، ولا في الرأي، ولا في الموقف. ومتى تجاوز الصحفي الضوابط الأخلاقية والمهنية لرسالة الكتابة الصحفية، وأمعن في تخطّي قواعد التخاطب، وأصول الحديث، في كلّ حين، إعتقاداً منه بعدم وجود رادع يعيد تصويب الواقع والحقائق، إستحقّ الملاحقة والمحاكمة العادلة أمام محكمة المطبوعات.
فكرامات الناس ليست ألعوبة بيد الصحفي تحت ذريعة الانتقاد العشوائي والمبرمج لأهواء سياسية وغايات شخصانية، بل يتوجّب عليه إدراك معنى التخاطب الحضاري، وإيصال موقفه ووجهة نظره من هذا الشخص، زعيماً كان أو مواطناً عادياً، وذلك بموضوعية وحكمة. فمن قال إنّ إطلاق وابل من الشتائم يعني أنّ الحقيقة الإعلامية المنتظرة تقبل بهذا الأسلوب الشوارعي؟ ومن قال إنّ انتقاد هذا السياسي أو ذاك، وفضح ممارساته، يكون بالتجريح الشخصي ولمجرّد الحديث ومن دون وثائق ومستندات؟. إنّ توافر هذه الوثائق ونشرها لتدعيم التحقيق الصحفي لأشدّ وقْعاً لدى الرأي العام من كلّ مفردات السباب والكلام الفوضوي.
وليس عيباً أن يُستدعى الصحفي للمثول أمام القضاء عند اقترافه جرائم القدح والذم، والتحقير، والافتراء، ونشر الأخبار الكاذبة، ما دام أنّ الأخيرَ يمثّل هيبة القانون، ومسؤولٌ عن حماية المجتمع، والجميع سواسية في الحقوق والواجبات الواردة بشكل صريح في مفكّرة الدستور ونصوصه الواجبة التقدير والتنفيذ على الجميع.
وإذا ما تجاوز الصحافي حدوده وتعدّى على حقّ الآخر مهما كانت صفته مسؤولاً أم مواطناً عادياً، فلا يمكنه التذرّع بحرّيّة التعبير والقول، ولا بحرّيّة الصحافة التي لم تكن يوماً مطلقة، ولن تكون، لأنّها تنتهي بمجرّد تطاولها على حرّيّة الآخر.
وثمّة من يطلق الكلام على عواهنه من دون إدراكٍ لمعناهُ القانوني، إنْ لم يكن بسبب جهله للآلية القانونية المتبعة في ملاحقة الصحفيين، ومن ذلك أنّ النيابة العامة التمييزية تتحرّك بناء على شكوى المتضرّر، فتستدعي الصحافي إلى جلسة تحقيق يعقدها أحد المحامين العامين التمييزيين. ولا شيء يمنع النائب العام التمييزي من إيلاء التحقيق إلى قسم المباحث الجنائية المركزية العامل بإشرافه وتحت سلطته المباشرة ، إذا ما أراد ممارسة نوع من “قهر الصحفي” على حدّ تعبير محامين، وقد حصلت حالات كثيرة في عهد القاضي المتقاعد سعيد ميرزا الذي كان يضيق ذرْعاً بالكلمة الحرّة وبالصحافة برمّتها، ومنها حالة مع كاتب هذه السطور الذي مثل حرّاً وعن قناعة أمام القضاء وخرج مرفوع الرأس.
وقد أمضى ميرزا سبع سنوات في منصبه بين العامين 2005 و2012 ، من دون أن يعقد مؤتمراً صحافياً واحداً يُخْبر فيه الشعب اللبناني الذي هو مصدر السلطات، معلومةً واحدةً عن ملفّات كثيرة وصلته على شاكلة إخبارات، أو شكاوى، ولم يُعْرف مصيرها، وأين استقرّ مطافها؟!.
وبعدما ينتهي التحقيق الأوّلي لدى المحامي العام التمييزي أو عناصر قسم المباحث الجنائية المركزية، يُبلَّغ النائب العام التمييزي بالأمر، فيشير إلى ترك الصحافي بسند إقامة، في ظلّ عدم القدرة على توقيفه المحرّم قانوناً، وهذا يعني أنّ ملفّ التحقيق سيحال حتماً على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت للإدعاء على الصحافي، على أن ترفع “ورقة طلب” الادعاء إلى قاضي التحقيق، أو محكمة المطبوعات لبدء الملاحقة الفعلية، وبعدما ينتهي قاضي التحقيق من تحقيقاته، يقرّر نتيجته، فإذا ما أيقن أنّ الصحافي مذنبٌ سواء من خلال الاعتراف، أو نصّ الكلام المشكو منه، يحيله على محكمة المطبوعات للمحاكمة، وإذا ما لمس مليّاً أنّ الصحافي لم يرتكب جرماً يُعاقب القانون عليه، منع عنه المحاكمة.
كما يمكن للمتضرّر من كلام الصحافي وكتاباته أن يقدّم شكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت على سبيل المثال، فإمّا يبقيها الأخير لديه، أو يوزّعها إدارياً على قضاة التحقيق الموجودين في دائرته، فيقومون بواجبهم بالتحقيق اللازم.
ويستطيع المتضرّر أن يقدّم دعواه مباشرة أمام محكمة المطبوعات إختصاراً للوقت، بحيث تكون قد تجاوزت المراحل السابقة من تحقيق أولي، وتحقيق إستنطاقي، إيذاناً بوجود نيّة لدى صاحبها في المضي فيها قُدُماً لإزالة ما وجده مسّاً بكرامته وشعوره.
وفي المحصّلة، لا داع على الإطلاق لأنْ يعتبر الصحفي إستدعاءه إلى التحقيق أمام القضاء أمْراً مهيناً، فالتعدّي بالكلام، أو الرسوم، أو الإشارات، على الآخرين، ليس حرّيّة، وليس بالأمر المشرّف للإعلام والصحافة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 2- كانون الأوّل 2015).