مجلس الأمن الصامت على القهر.. الشاهد على الظلم/حسّان فلحه
الدكتور حسّان فلحه*:
إنّ المأساة الانسانية التى تحصل بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية جراء الامعان المتمادي في القتل والتدمير والتهجير من قبل مكوني الحكومة الاسرائيلية وداعميها ، والسفك المروع لدماء المدنيين العزل تحت الاحتلال الاسرائيلي تعيد طرح اشكاليات محورية وجدلية في تجانس الانتظام الدولي واستوائه في مقاربة القضايا الدولية، أقلّه على مستوى جدوى الصلاحيات الموكلة لبعض الاجهزة الاممية وحجم أدوارها ، واستمرارها وتحديداً فاعلية مجلس الامن الدولي ، الجهاز الاكثر نفوذاً في صيت حضور الدول الكبرى وسطوتها الآمرة فيه وتأثيرها المحكم في سياق توالد الحوادث والوقائع وانعكاساتها ما يجعل وجودها اكثر تاثيراً في صناعة القرارات الدولية واشدّ امساكاً فيها ، من بين الأجهزة الأخرى الدولية لمنظمة الأمم المتحدة .
ان القضية الفلسطينية اثبتت اشهار تلبس الدول الكبرى بالسيطرة العلنية على هذه المنظمة واستخدامها وأجهزتها لتنفيذ سياساتها الخاصة ومآربها الخارجية القائمة على الارتدادات المستمرة لنتائج الحرب العالمية الثانية في رسم الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية ، والتى تشكل اقامة الدولة الاسرائيلية على ارض فلسطين احد ابرز تداعياتها التكوينية. ان فظاعة الجرائم الإسرائيلية التى ارتكبت بحق غزة واهلها وسكانها كشفت بوضوح عن زيف معظم الحكومات الغربية وانحطاط “المجتمع الدولي “، وان “الاخلاقيات والقيم ” مثاليات وهمية تشهد على النفاق الخبيث في التعامل مع القضايا الإنسانية مثل قضية فلسطين وازدواجية معاييره، ويعزّز حضور هذا المآل ان ابرز الدول المنادية بالنظم الديموقراطية، والشفافية وحقوق الانسان ، و فرض حكم القانون الدولي ، هي ذاتها التى تتخذ من مجلس الامن الدولي واجهة شديدة التورية لتنفيذ سياساتها الخارجية حتى يبدو الانفصام واضحا بين تكوين هذه القوى ذات الايديولوجيات المتنوعة والمبطنة بشعارات عابرة للحدود ، وبين الاهداف الواقعية التى تتوسل السبل كلها لتحقيقها .
لا شك ان عجز مجلس الامن، لا بل فشله نتيجة تركيبته المحكومة بتفرد اتخاذ القرار بين اعضائه الخمسة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ، يطيح بالمقام الاول بعدالة القانون الدولي ويدفع الى اليأس من هذه المنظمة ومن اجهزتها التى اوهنتها القضايا العالمية وازماتها والتى استحالت عليها الحلول ولو بشكلها الجزئي. اذ ان القرارت الدولية رهن اللاعبين الخمسة مقابل مئة وثمان وثمانين دولة اخرى. لم يتسنّ لستين دولة منها ان تحظى منذ تأسيس مجلس الامن بمقعد غير دائم على طاولة المجلس. وان ثلاث دول دائمة العضوية هي من نصيب اوروبا وحدها، القارة المُطلقة لحربين عالميتين الاكثر دموية في تاريخ البشرية، في حين ان القارة الأفريقية محرومة حتى من عضوية الدول الاحتياط داخل المجلس.
من هنا يعاد طرح تعديل تركيبة مجلس الامن وعدم اقتصارها على الدول الخمس المتنفذة فيه والفاعلة في صناعة قرارته. وان الاصلاح يتمحور في تعزيز سلطته بشكل اكثر عدالة عبر تحسين طابعه التمثيلي وتوسيعه ( مجلس الامن )، وزيادة عدد اعضائه الدائمين وغير الدائمين.
فضلاً عن ارتفاع الاصوات الخافتة المطالبة بإلغاء ما يسمى حصرية النقض الفيتو veto المفردة ذات الاصل اللاتيني ومعناها “انا أمنع “، أو توسيع عدد الدول الممنوحة لها ، لأنّ ” حق النقض “، يثبت تسلط المختلفين والمتوافقين من الدول الخمس دائمة العضوية وتبعية الدول المارقة العضوية بإيقاع عمل مجلس الامن ومساحة قدراته الذاتية .
بلا مواربة، إنه من الامور الشائعة الاستعمال ، استخدام عبارة ” نقض “، وهي مفردة لم ترد في ميثاق الامم المتحدة ابداً، بل ذكر “حق الرفض “، وهي مفردة النقض تتضمن سلطة الولاية والتحكم من قبل الخمسة الكبار المنتصرين في الحرب والصانعين لمفاهيم السلام في مفاصل الحوادث وانتظامها او تفلتها على حد سواء.
ان مجلس الامن مصاب بالهرم المبكر، بشيخوخة مزمنة بأداء المهام، ليتحول وعاء اممياً يشهد بصمت ، على ظلم المقهورين ولا يشهد على القتلة .
إنّ أسوأ كارثة انسانية شهدها العالم المعاصر ويشهدها، ترتكب اليوم في غزة بحق الفلسطينيين الابرياء من قبل بنيامين نتنياهو وحكومته. فعلى مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلومتراً مرّبعاً، وعدد اهلها وسكانها حوالي مليوني نسمة سقط اكبر عدد من الضحايا على المتر المربع الواحد.
وإذا قيس عدد الشهداء والضحايا الفلسطينيين على هذه البقعة الجغرافية المقدر بمئة وثلاثة وثلاثين الف شهيد وجريح ، وعشرة آلاف مفقود ، مع من سقطوا في الحرب العالمية الثانية ، فإنّ نتيناهو تفوق بإجرامه على ادولف هتلر وكلّ مجرمي الحروب مجتمعين.
والافظع من هذه المأساة، أنّ مجلس الامن هو اليوم الاكثر عجزاً، والمسؤول الأوّل عن الفشل في تحقيق السلم والامن الدوليين.
إنّ مجلس الأمن بدا عاجزاً كلّياً عن إلزام إسرائيل باحترام قراراته أو تنفيذها. فمنذ صدور قرار مجلس الامن رقم 56 في عام 1948 وحتى تاريخه، أي القرار رقم 2712 في آخر عام 2023، صدر عن مجلس الامن 55 قراراً يتعلّق بالقضية الفلسطينية. وصدر منذ عام 1947 وحتى تاريخه، عن الجمعية العامة للامم المتحدة والهيئات المرتبطة بها حوالى 29 قراراً.
* مدير عام وزارة الإعلام. نشر هذا المقال في جريدة “النهار”.
“محكمة” – الأربعاء في 2024/9/4