مجلس نقابة المحامين يُفقد محامي مواجهة الفساد مظلّتهم القانونية/علي عبّاس
أعطى مجلس نقابة المحامين في بيروت الإذن بملاحقة عدد من المحامين بسبب التعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أثار استغراب شريحة كبيرة من المحامين باعتبار أنّ التعبير عن الرأي بالنسبة إلى المحامي لا يقتصر على المحاكم وخلال مرافعته في ملفّ ما، فإذا ما وجد فساداً ما في مكان ما، فإنّه لا يمكنه السكوت عنه والقبول به كأمر واقع، بل تحتّم عليه رسالته الدفاع وإعطاء رأيه سواء سلباً أو إيجاباً وضمن الأصول والقانون.
والمحامي علي عباس هو أحد المحامين الذين شملهم قرار النقابة بإعطاء الإذن.
“محكمة” تنشر نصّاً للأستاذ علي عبّاس يشرح واقع الحال ويعبّر فيه عمّا يختلج في صدره من تساؤلات تعني المحامين وتستحقّ التوقّف عندها والتدقيق فيها ملياً:
“طالما أنّنا لن نسكت بعد اليوم وما حصل معنا ليس صدفة أو تطبيقاً للقانون لأنّ قراءة القانون حتّى بما حصل معنا هو استنسابي ولا يمثّل قاعدة عامة في تصرّف مجلس النقابة في حالات أخرى ومنها شبيهة وأكثر نفوراً لا سيّما في ما يتعلّق بالأذونات لملاحقة المحامين.
إنّ نصّ المادة ٧٩ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يلحظ حرفياً عدم جواز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلاّ بقرار من مجلس النقابة يأذن بالملاحقة، ومجلس النقابة يقدّر ما إذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة أو بمعرضها.
لا أستنجد بمجلس النقابة لمراعاة وضعي أو وضع غيري من الزملاء الذين أمطرت عليهم الأذونات مؤخّراً بسبب الرأي والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
أبدأ بالإشادة بمجلسي نقابة الأطباء والمهندسين لأنّه عند أي ادعاء يتناول أيّ من المنتسبين لديهما لا يسارعان إلى إعطاء الإذن، والشواهد عديدة.
أما نحن أحد جناحي العدالة، أصحاب واجب الجرأة وقول الحقّ، فقد وصلنا في هذه المرحلة إلى بداية تفريغ قانون تنظيم مهنتنا من قوّته، وما لحظه من حصانة لا مثيل لها في المهن الأخرى.
لماذا المشرّع وعلى الأكيد ليس بإرادته وإنّما بضغط وكلمة رجال من محامين رسموا تاريخ النقابة، لحظ سببين لعدم جواز الملاحقة، الأوّل لفعل نشأ عن ممارسة المهنة، والآخر بمعرضها، وأعطى للمجلس التقدير ما إذا كان الفعل نشأ عن ممارستها أو بمعرضها وهي صلاحية ميّزت النقابة على مدى قرن من الزمن.
اليوم ما حصل معي ومع الأساتذة فادي كحيل ومريانا برو وباسل عبّاس وزين علوه وحسن بزي وباسم جمعة، فلأنّنا رفعنا صوتنا من خلفية ممارستنا للمهنة وبسببها، ألم يكن حرياً بمجلس النقابة اعتبار هذا الصوت جاء في معرض ممارسة المهنة؟ وإلاّ ما الفرق بين الممارسة ومعرضها؟
اليوم مجلس النقابة بدلاً من تطبيق المادة الضمانة للمحامين وحمايتهم إلى أقصى الحدود بصفته الأب الراعي والحارس والضامن خاصة وأنّهم يتصدّون للمسّ بالمحامين وللفساد ولتحوير الحقائق كما يحصل في نقابات أخرى، فسّر هذه المادة بما يجهض الجهود الجبّارة لإقرارها في حينها ويمهّد لمرحلة جديدة تهزّ من مكانة المحامين وتجعلهم عرضة للجم والامتناع عن قول كلمة الحقّ وهو ما يؤسّس لمرحلة صعبة في هذه المهنة على شاكلة ما يحصل في الدول القمعية!
لن أدخل في تعليلات قرارات الأذونات التي تشبه الأحكام وتعرّي المحامين أمام القضاء…
ولكن لا تفقدوا المحامين القابعين في المواجهة في محاولتهم لاسترداد شيء ما من العدالة والاستقامة في هذا الوطن، مظلّتهم القانونية لأنّها ليست ملك أحد. إنّها ملك هذه المهنة الشريفة والأزلية.”
“محكمة” – الخميس في 2019/9/26