محاكمة الوزراء بتهمة الفساد أمام القضاء العادي تستوجب تعديلاً دستورياً/جهاد اسماعيل
كتب جهاد اسماعيل:
طرح بعض النوّاب، كذلك الأوساط الحقوقية والاعلامية، وجوب إعداد اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى محاكمة الوزراء أمام القضاء العادي في دعوى هدر المال العام، بهدف إسقاط “الحصانة” التي يتمتّع بها الوزراء في معرض ممارستهم لأعمالهم الوزارية، أو لناحية مثولهم، أسوة بالمواطنين، أمام المحاكم الجزائية، عند ثبوت الاختلاس أو سرقة الأموال العمومية.
إلاّ أنّ هذا الطرح، على أهمّيته وأحقّيته، دونه عقبات تجد أساسها في الدستور قبل الواقع السياسي والقضائي، لأنّ المادة 70 من الدستور نصّت على أنّ لمجلس النوّاب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم. وكذلك حدّدت المادة 71 من الدستور، المرجع الذي يحاكم أمامه رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وهو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وذلك عن جريمتي الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات المترتّبة عليه، هذا وتبقى الجرائم العادية التي يمكن أن يتهم بها الوزراء، خاضعة لأصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات، وبالتالي يتمّ المحاكمة، في حال ثبوت هذا النوع من الجرائم، أمام القضاء العادي.
لذلك كان لزاماً التمييز بين الجرائم العادية التي تخضع للقواعد العامة، وبين جرائم إخلال الواجبات المترتّبة على الوزراء، وهي، بطبيعة الحال، تخضع للقواعد القانونية الخاصة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء، ولو أنّ قانون إعمال شروط مسؤوليات الوزراء الحقوقية لم يصدر إلى هذا الحين، وإنْ صدرت نصوص متفرّقة في هذا المضمار.
وهنا يطرح السؤال عن مفهوم الإخلال بالموجبات المترتّبة على الوزراء، وعن مدى إمكانية التمييز بينها وبين الفساد؟
تعدّدت الآراء، لكن من الثابت والواضح، من خلال التعريفات القانونية والاصطلاحية، بأنّ الفساد هو كلّ فعل يؤدّي إلى مخالفة الواجبات المترتّبة على الموظّفين أو العاملين بالشأن العام، بحيث يأتي مخالفاً لما توجب عليه أمانة تسيير المصلحة العامة، بمعنى آخر، هو عملية إساءة استخدام السلطة أو الوظيفة العامة أو الموارد، وهذا ما ينسجم مع المقتضى القانوني للمحظورات الواردة في المادة 70 من الدستور، وبالتالي فإنّ المحاكمة عن هذه الأفعال تتمّ أمام المجلس الأعلى تبعاً لصراحة نصّ المادة 71 من الدستور، وأيّ تعديل في المرجع القضائي يحتاج إلى تعديل دستوري في المواد السالف ذكرها، وهذا بالطبع لا يسري على الوزراء السابقين.
وما يعزّز هذا المنحى من التحليل، المنهجية أو المقاربة لقضيّة الوزير السابق شاهيه برسوميان خلال العام 1999، حيث برزت وجهة نظر مختلفة في التفسير، بحيث اعتبر قاضي التحقيق الأوّل حينذاك القاضي سعيد ميرزا أنّ ما يعزّز التفريق بين الأفعال التي يأتيها الوزير، توجب إتهامه من ثلثي أعضاء مجلس النوّاب، وتتصف بالخيانة العظمى أو بالإخلال بالواجبات المترتّبة عليه، وبين الأفعال الجرمية العادية التي ترتّب عليه مسؤولية حقوقية عادية، وليست دستورية، هو ما جاء في آخر نصّ المادة 70 من الدستور الذي أشار إلى صدور قانون لاحق يحدّد شروط مسؤولية الوزير الحقوقية. ولو شاء المشرّع أن تكون المادة 70 من الدستور شاملة كلّ الأفعال التي يرتكبها الوزير، سواء تلك التي ترتّب عليه مسؤولية حقوقية أو جزائية عادية، لكان انتهج ما انتهجه في نصّ المادة 60 من الدستور المتعلّقة بمسؤولية رئيس الجمهورية.
إلاّ أنّه في ظلّ سوء الممارسة الوزارية، وتعذّر المحاسبة أمام المجلس الأعلى، تبعاً لتركيبة المجلس النيابي، علاوة على الأصول المعقّدة التي جعلت من ملاحقة الخاضعين للمجلس الأعلى أمراً مستحيلاً، فلا بدّ من تعديل قانوني في أصوله وتركيبته ونظام عمله، وإلاّ بتعديل دستوري، وهو ضروري على أيّة حال، يطيح بهذا المجلس، الذي يرزح تحت قبور السياسة والطائفية الفساد السياسي، فهل سيفعلها المشترع الدستوري؟!
“محكمة” – الجمعة في 2019/11/15