محاكمة سماحة – كفوري في المجلس العدلي تصطدم بعقبات قانونية
كتب علي الموسوي:
ما أن وافقت محكمة التمييز العسكرية على إخلاء سبيل الوزير والنائب السابق ميشال سماحة بكفالة مالية كبيرة، حتّى صبّ وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي جام غضبه على هيئة المحكمة المؤلّفة من القاضي المدني طاني لطوف رئيساً وأربعة ضبّاط عسكريين من الجيش اللبناني مستشارين، مكرّراً فعلته السابقة بالتهجّم على المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم، من دون أن يوفّر المستشارة المدنية فيها القاضية ليلى رعيدي، وذلك إثر إصدارها حكمها بحقّ سماحة والذي قضى بسجنه أربع سنوات ونصف السنة.
وقرار محكمة التمييز العسكرية بإخلاء سبيل سماحة مؤشّر حتمي على توافقها التام مع ما سبقتها إليه المحكمة العسكرية الدائمة لناحية العقوبة واعتبارها كافية، وبالتالي فإنّ الأخيرة لم تخطئ في حكمها، لا بالعكس كان قرارها صائباً وقانونياً، فلماذا تهجّم ريفي عليها؟.
وردّاً على إخلاء السبيل، أرسل ريفي إلى رئاسة مجلس الوزراء مشروع اقتراح بإحالة قضيّة سماحة على المجلس العدلي من دون أن يدرس هذه الخطوة جيّداً من الناحية القانونية بسبب وجود عقبات عديدة تحول دون نجاحها، ولو أنّ وزير العدل دقّق فيها لما فعلها أبداً.
وإذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تجيز إحالة الدعاوى المتعلّقة بجرائم محدّدة هي قيد النظر أمام القضائين العسكري والعادي ومنها الجرائم المنسوبة إلى ميشال سماحة، على المجلس العدلي بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، إلاّ أنّ الإشكالية المطروحة الآن هي هل أنّ القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري الأوّل ملزم للمحقّق العدلي، أم أنّه غير ملزم؟ وهل يستطيع المحقّق العدلي أن يمنع المحاكمة عن ميشال سماحة خلافاً للقرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري الأوّل على سبيل المثال؟، وهل يستطيع المحقّق العدلي أن يصف الأفعال الجرمية وصفاً مختلفاً عن ذلك الذي أعطاه إيّاها قاضي التحقيق العسكري الأوّل؟، وهل تستطيع السلطة التنفيذية أن تغيّر المسار الذي سلكته حتّى الآن، الدعوى العامة ضدّ سماحة، وتخضعها لمسار آخر؟.
إنّ الإشكالية تتجسّد بصورة أوضح في وجود قرار اتهامي، وحكم ابتدائي، وإخلاء سبيل، فكيف تلغى كلّ هذه الأمور دفعة واحدة؟.
ولم يسبق في تاريخ القضاء اللبناني أن طرحت هذه الإشكالية، ممّا يعني أنّ معالجتها تقتضي أن تكون قانونية بالدرجة الأولى والأخيرة، وليس “بالبَهْوَرة” الإعلامية والميزان السياسي، مع التأكيد بأنّ اجتهاد المجلس العدلي يمنع عليه النظر في اختصاصه خلافاً للقواعد الأساسية للأصول الجزائية التي تُلْزم كلّ محكمة بأن تنظر عفواً في اختصاصها، بمعنى أنّ مرسوم إحالة جريمة سماحة على المجلس العدلي في حال كان غير جائز قانوناً، فإنّه لا وجود لأيّ سلطة قضائية تقبل الطعن بمرسوم الإحالة ما لم يغيّر المجلس العدلي إجتهاده السابق الصادر في 12 نيسان 1994.
وبإمكان جهة الدفاع عن سماحة الطعن أمام مجلس شورى الدولة بصفته قضاء إدارياً، بمرسوم الإحالة على المجلس العدلي لتجاوزه حدّ السلطة، علماً أنّه لا توجد سابقة قضائية في هذا الخصوص.
وثمّة ملاحظتان على قرار محكمة التمييز العسكرية، الأولى أنّه كان يفترض أن يُترك سماحة حرّاً من دون الكفالة المالية المرتفعة التي وضعت له ضمانة لحضوره الإلزامي، خصوصاً وأنّ هذا المبلغ يوضع عادة للتعويضات الشخصية للمتضرّرين، الأمر غير المتوافر في مسألة سماحة بعد اقتصار المهمّة على نقل المتفجّرات، وهو ما اعترف به صراحة، وعدم وقوع انفجارات وسقوط ضحايا، وأضرار مادية، مع التذكير بأنّ الجزء الأكبر من المبلغ يعاد إلى سماحة بعد صدور حكم مبرم وتمضية محكوميته النهائية ويقتطع منه الشقّ المتعلّق بنفقات المحاكمة ومصاريفها كما يحصل في كلّ الدعاوى والملفّات.
والملاحظة الثانية أنّ منع سماحة من الكلام على قضيّته، يدخل في باب التعدّي على الحرّيّة الشخصية، بحسب قانونيين، فهو يقول دفاعه أمام قوس المحكمة وفي جلسات علنية تتسابق وسائل الإعلام على نقل وقائعها الخطّيّة، ولن يغيّر رأيه في ما يقوله خارج المحكمة، فضلاً عن أنّه من حقّه الطبيعي أن يدافع عن نفسه أمام الرأي العام حتّى ولو كان مذنباً، وهو كذلك، وهناك أسبقيات عن أشخاص لم يعدموا وسيلة لإظهار أنفسهم أبرياء ممّا نسب إليهم وحوكموا عليه وأدينوا به، ولم يجر منعهم من الكلام على الإطلاق، حتّى خلال فترة إخلاء سبيلهم.
ونظرة واحدة إلى “الأرشيف” تؤكّد أنّ هناك محكومين بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي، وبالإرهاب التكفيري، استفاضوا بالحديث عن ملفّاتهم أمام مختلف وسائل الإعلام خارج السجن، على الرغم من ثبوت التهم الموجّهة إليهم، وصدور أحكام مبرمة فيها لاحقاً، ولم يجر منعهم قضائياً من الكلام عليها، والخوض في مضمونها.
وبموازاة ذلك، فإنّ سماحة قضى عقوبته على أفعاله الجرمية المتمثّلة بنقل المتفجّرات من سوريا إلى لبنان، وهي ثابتة عليه، أمّا المحاكمة المستمرّة أمام محكمة التمييز العسكرية، فهي تجري على أقواله فقط، وينبغي على وكلاء الدفاع عن سماحة أن يثبتوا أنّ المخبر ميلاد كفوري هو من استدرجه إلى “كمين الموت السياسي”، في حين أنّه يتوجّب على النائب العام، أن يثبت أنّ سماحة هو من جنّد كفوري، وهذه هي الحقيقة الوحيدة التي تدور عليها “معركة” المحاكمة، وبالتالي، فإنّه لا محاكمة من دون حضور كفوري ومثوله أمام القضاء.
وإذا لم تتمكّن المحكمة العسكرية من إحضار كفوري المشمول بحماية خاصة من ريفي يوم كان يرتدي الزيّ العسكري، فإنّ الصورة مختلفة أمام المجلس العدلي حيث الكلمة الفاصلة هي للإجراءات والأصول القانونية، و”الشاهد الملك” ملزم بالمثول أمام ذوي “الروب الأحمر” الذين لن يقبلوا من أيّ كان، “بالتلطّي” خلفهم، لأنّهم يمثّلون أعلى هيئة قضائية في لبنان، وسمعة القضاء برمّته على المحكّ.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 4 – شباط 2016).