محطّات تتوقّف عليها الدعوى: وفاة المدعي فالمدعى عليه فالقاضي/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بتعرفو؟ نعم. متعامل معو؟ لا، إذن ما بتعرفو.
إذا أردت أن تعرف ما إذا كان الإنسان متزنًا وشجاعًا ومقدامًا، سلّمه منصبًا أو مركزًا، وعندها أحكم عليه.
أمثلة قديمة كنا ولا نزال نردّدها في مجالسنا الخاصة والعامة، وهي تنطبق على كلّ إنسان وكلّ مسؤول، خصوصًا عندما يتبوأ منصبًا معيّنًا، فيضرب البخار في رأسه ويحسب نفسه وكأنّ الله خلقه وكسر القالب، هذا عدا عن رؤيته روما من فوق لا روما من تحت. هؤلاء المسؤولون، نلتقيهم يوميًا ونفاجأ بمواقفهم المتصلّبة غير الصلبة، المتكبّرة غير المترفّعة، وبذهنية الفوقية والمناكفات والنكايات وتقويم الكلام. وكأنّهم نسوا ما كان يردّده النائب المحامي اوغست باخوس، من أنّه مهما وصل الإنسان إلى مناصب، يزحط على قشرة موز ويفكّ رقبته. ألم يقل الكاتب الفرنسي cyprus، والذي كان يكتب في صحيفة Le monde الفرنسية:La modération est la forme la plus noble du courage.
وأختم بقول كان يردّده النائب الشيخ قبلان عيسى الخوري:إنت وطالع عا درج العزّ، ردّ السلام حتّى يردّوا عليك السلام إنت ونازل.
***
كيفية السير بالدعوى
يقول المحامي أنطوان الأصفر، إنّ والده المرحوم اسكندر الأصفر، كان محاميًا، وقد تعلّم وتدرّج على يد المحامي الرئيس بترو طراد الذي كان قد وضع قواعد وأسسًا للتعاون والعمل في مكتبه.
ويروي المحامي الأصفر إنّ محاميًا متدرّجًا سأل أستاذه الكسول عن كيفية الشروع بالدعوى. فأجابه أنّ عليه تنظيم الاستحضار، وطبعه، ودفع الرسم. فسأله المحامي المتدرّج: وبعد….؟ فتابع أستاذه قائلًا: هي تمشي لوحدها! لكن يوجد محطّات تتوقّف عليها. فسأله المحامي المتدرّج: وما هي؟
فأجابه قائلًا: أوّلًا وفاة المدعي، ثّم وفاة المدعى عليه، ثمّ وفاة القاضي.
***
رجّع الخواجا لمسقط راسو
يروي القاضي المرحوم إميل أبو سمرا الطرفة الآتية:
ساق إليّ الدرك في عاليه لصًّا، فبدأت باستجوابه. ولمّا وصلنا إلى سنّه قال:23 سنة.
– هل لك سوابق وهل دخلت السجن قبل الآن؟
– نعم خمس مرّات، والمرّة الأولى منذ 24 سنة.
– أما قلت لي الآن عمرك 23؟
– نعم ولكن أمّي دخلت الحبس وهي حبلى فولدت بين جدرانه.
– يا محمود (للجندي) رجّع الخواجا لمسقط راسو.
***
الله أعطاها 20/20
يروي المحامي سامي الرفاعي أنّه يوم كان تلميذًا في المدرسة كانت اللجنة الفاحصة للإمتحانات مؤلّفة من الشاعر سعيد عقل وغيره، وأنّ عقل سأل تلميذة كانت تتمتّع بجمال خارق سؤالًا فلم تعرفه وبدأت تبكي، فازداد جمالها تألّقًا فقرّر عقل وضع علامة 20/20 لها.
وعندما استفسر بقيّة أعضاء اللجنة عن السبب، أجاب عقل: إذا الله أعطاها 20/20 شو نحنا أحسن من الله؟
***
العميد ريمون اده
في تشرين الثاني 1998 أجرى المحامي إيلي مشرقاني (عضو المجلس الدستوري حاليًا) مقابلة مع عميد حزب الكتلة الوطنية في باريس المحامي ريمون اده حيث تمّ نشرها في “النشرة” التي كانت تصدر عن نقابة المحامين. وممّا جاء فيها: جهّز والدي نفسه، وحين استحصل على الإذن من اسطمبول استقلّ الباخرة، قبلها اتصل بيوسف الهاني وكان شخصية معروفة وقال له:
“انت الان متهم من الدولة وأنا مسافر الى الاسكندرية فلماذا لا تأتي معي”؟
فقال له:”لن اترك”. وكان يسهر مرّتين في الأسبوع في قصر السيّدة ليندا سرسق. قيد الترميم اليوم في حيّ سرسق في الأشرفية.عظيم اذا كان لم يهدم حتّى الان.
وأضاف الهاني أنّ علاقته جيّدة هناك مع جمال باشا، لكن سرعان ما ألقي القبض عليه وسيق إلى المحكمة العسكرية العثمانية في عاليه، حيث كان الداخل إليها لا يخرج إلّاإالى حبل المشنقة. فأقامت السيّدة ليندا سرسق حفلة ساهرة في قصرها لمحاولة إنقاذ يوسف الهاني دعت إليها جمال باشا. أخبرني والدي أنّه جيء إلى الحفلة بابنة يوسف الهاني وعلّموها أن ترقص وبعد الإنتهاء ترمي بنفسها على قدمي جمال باشا وتقول له:
Pacha sauvez mon papa وهذه الطفلة الصغيرة لم تكن تعلم ما الأمر. ففعلت كما لقّنوها وراحت تجهش بالبكاء ممّا أثّر جدًّا في مشاعر الحاضرين فوقف جمال باشا وقال بالفرنسية:
J’ai gracié joseph el hani.
فعلا التصفيق.. في الوقت ذاته كان يوسف الهاني في ساحة البرج يصعد إلى المشنقة.
أخبرتك هذه الراوية للدلالة على مدى الطغيان الذي كان سائدًا في تلك الفترة.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/6/16