أبرز الأخبارعلم وخبر

محكمة الاستئناف برئاسة القاضي شبارو تردّ طلب رياض سلامة ردّ القاضي منصور: رفض الإستجواب عن بُعْد لا يعني تعريضًا للخطر/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
إذا كان من حقّ المتقاضي طلب ردّ القاضي على النحو الوارد في القانون عند توافر الشروط والمسوّغات الإلزامية والمنطقية كما جاء في المادة /120/ من قانون أصول المحاكمات المدنية، إلّا أنّه ليس من حقّه على الإطلاق الإفتئات عليه والإفتراء على عمله ووظيفته من خلال توهّم أمر ليس في الحسبان وغير وارد بتاتًا، وإنّما اتخذه المتقاضي، وهو هنا المدعى عليه، ستارًا للإختباء خلفه، ومطيّة للتهرّب من المثول أمام القاضي لاستجوابه في ما هو منسوب إليه من جرائم قد تكون صحيحة وقد لا تكون كذلك.
وفي المطلق، فإنّ المثول أمام القاضي ليس عيبًا، كما أنّ الذهاب إلى قصر العدل ليس منقصة من قيمة الشخص ومهابته إنْ كانت موجودة لديه أصلًا، وحتّى ولو كان الشخص المطلوب للتحقيق رئيسًا أو زعيمًا أو متنفّذًا. فالمثول أمام قاضي التحقيق أو المحكمة أو الضابطة العدلية عند إجرائها تحقيقات أوّلية، هو امتثال لما يفرضه القانون ولما تتطلّبه العدالة الحقّة. ومَنْ يُردْ قضاء شفّافًا ونزيهًا ومقدّرًا لا تنازعه فكرة التملّص من الاستجواب، ومن يملك أوراق دفع الأفعال الجرمية عن نفسه ومهما تعاظمت، لا يأبه لأيّ استجواب، والثقة دائمًا هي أفضل جواب.
ولم يجد الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة عذرًا مقنعًا للتصدّي لدعوة قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور إلى جلسة تحقيق سرّية بغية استجوابه في مآل الجرائم المنسوبة إليه، سوى القول بأنّ هذه الدعوة المطابقة للقانون، تعرّضه للخطر، إذ بمجرّد مجيئه إلى قصر عدل بعبدا يصبح في مرمى الخطر دون إيضاحات وشروحات تساعده على انتشال نفسه ممّا أوقعها فيه، وهذا برأيه، يتطلّب ردّ القاضي منصور لأنّه كان بمقدوره استبدال الاستجواب الحضوري بجلسة تقام “عن بُعْد” عبر وسائل التواصل والاتصالات، علمًا أنّ سلامة وخلال وجوده في منصبه حضر مرارًا وتكرارًا إلى قصر عدل بيروت ومثل أمام وفود قضائية أوروبية مختلفة، فلماذا الإستقواء دائمًا على القضاء الوطني؟!
ثمّ ان القاضي منصور ليس مسؤولًا عن تأمين المواكبة الأمنية لحضور سلامة إلى دائرته في الطابق الأرضي من قصر عدل بعبدا، فهذا أمر يخرج عن نطاق اختصاصه، وكان باستطاعة سلامة أن يتواصل مع المعنيين لتوفير الحماية له علمًا أنّ لديه عددًا لا يستهان به من الحرّاس المسلّحين.
وبطبيعة الحال، فإنّ حجّة سلامة المتعارضة مع القانون، باءت بالفشل وإنْ كان قد استفاد من طرحها من باب المماطلة والتسويف لتأجيل هذا الإستجواب أيّامًا إضافية، علمًا أنّ رفض القاضي منصور لطلب سلامة بعقد جلسة بالطرق الإستثنائية التي تفرضها شروط معيّنة كوجود وباء ما على غرار جائحة “كورونا”، لا يؤدّي إلى اختلاق حجّة واهية لردّه، كما أنّ دعوة مطلق مدعى عليه للإستجواب أمام أيّ جهة قضائية مختصة، لا تعني أن يتفرّد بفرض طريقة حصول هذا الإستجواب وأن يكون القاضي ملزمًا بشروطه وآليته وبأهوائه، ولم يعد ناقصًا سوى أن يحدّد الأسئلة او أن يختار منها ما يناسبه.
وقد قضت محكمة الاستئناف في جبل لبنان برئاسة القاضي الدكتورة ريما شبارو المعروف عنها تشدّدها إزاء النظر بطلبات ردّ القضاة وقبولها ما لم تكن هنالك أسباب موجبة وصحيحة وواقعية، بردّ طلب رياض سلامة، مع تغريمه مبلغًا ماليًا لمصلحة القاضي منصور والخزينة العامة.
“محكمة” تتفرّد بنشر قرار محكمة الاستئناف لأهمّيته المعنوية ولكي تبقى كلمة القضاء خفّاقة:
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة الإستئناف المدنية السادسة في جبل لبنان الناظرة بقضايا ردّ القضاة في بعبدا المؤلّفة من الرئيسة الدكتورة ريما شبارو والمستشارين المنتدبين السيدين خليل غصن وراني صفير،
لدى التدقيق والتداول،
تبيّن أنّ السيّد رياض توفيق سلامة ممثّلًا بوكيله المحامي الأستاذ ج.غ. تقدّم أمامنا بتاريخ 2024/2/27 بطلب يرمي لردّ حضرة القاضي الأستاذ نقولا منصور قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان وطلب ابلاغ باقي الفرقاء من المدعين الذين يمثّلهم المحامي رامي عليق، كذلك طلب أبلاغ أيضًا النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. وأسند رأيه أو طلبه إنْ جاز التعبير، لما تسمح به المادة ١٢٠- الرقم ٧، معتبرًا ان القاضي عرّضه للخطر بمجرّد دعوته للإستجواب، وكان بإمكانه لو أراد أن يعمد لاستجوابه عن بُعْد إلّا أنّه رفض ذلك (لطفًا راجع اقوال طالب الردّ لتلك الجهة).
وتبيّن أنّه قد صار إبلاغ الأشخاص المطلوب إبلاغهم اصولًا.
وتبين أن حضرة الرئيس منصور أبلغ اليوم الواقع فيه 2024/6/4 ودوّن بعض الملاحظات، مؤكّدًا أنّه لم يخالف ما يمليه عليه القانون بتاتًا، كما وأنّه من جهة أخرى، يطلب الحكم له بتعويض وقدره لا يقل عن خمسة مليارات ل. ل. نظير الإساءة اللاحقة به بفعل طلب غير محقّ وبعيد عن الواقع ومخالف لما يسمح به القانون، وكما يبدو من مراجعة خلاصة أقواله وطلباته المدونة عبر وثيقة التبليغ الحالية.
وتبيّن أنّ القضيّة أخذت للتدقيق بها أصولًا عبر غرفة المذاكرة.
بناء عليه
أوّلًا: بالشكل
حيث إنّ طلب الردّ قدّم ضمن الآجال والأصول القانونية الواجبة المراعاة، فإنّنا نرى قبوله شكلًا .
ثانيًا : بالأساس:
حيث إنّ طالب الردّ يعيب على حضرة قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان أنّه لم يعمد لإجابة طلبه الرامي للإستجواب عن بُعْد، ولأنّه أيّ طالب الردّ السيّد رياض سلامة يعتبر نفسه معرّضًا للإيذاء البدني أو الجسدي، وأنّ قرار حضرة الرئيس المطلوب ردّه بالإصرار على دعوته للحضور، من شأنه أن يعرّضه للخطر.
وحيث لا بدّ بادئ ذي بدء، من التأكيد على أنّه يعود بكلّ الأحوال لحضرة القاضي أن يعمد للإستجواب عبر الطريقة القانونية العادية للأمور، وإنّ الإستثناء هو الإستجواب عن بُعْد، أو عبر “الاون لاين”، فإنْ لم يعمد القاضي لإجابة ما يطلبه طالب الردّ، فليس معنى ذلك حتمًا أو حُكْمًا، النيل منه أو تعريضه للخطر.
هذا من ناحية أولى وأساسية.
وأمّا ومن ناحية أخرى، وإكمالًا للبحث الراهن، فإنّه غير خاف عن البيان، أنّ هذه المحكمة وهي الناظرة بقضايا ردّ القضاة، لا يكون بوسعها إلّا السعي للنظر بمدى توافر شروط طلبات الردّ أو عدمها، وليس من بينها أبدًا طريقة أداء القاضي لعمله أو وجوب أن يعمد هذا الأخير للإنصياع حكمًا أو حتمًا، لما يطلبه منه طالب الردّ، ما لم يتوافر مع ذلك أسباب أو شروط تعجيزية إنْ جاز القول أو التعبير، ولا نرى بتاتًا من ضمنها قيام القاضي بطلب إحضار طالب الردّ للتحقيق أو دعوته من أجل، بالتالي، تمكين القاضي من استكمال التحقيقات الواجبة.
وحيث وعلى فرض أخطأ القاضي، أو عمد فرضًا لخرق أيّ قاعدة من قواعد الأصول الجزائية، فإنّ للقاضي المرجع الجزائي المختص بالنظر بتقدير أيّ إجراء أو قرار صدر عنه، أو قد يصدر لاحقًا بهذا الخصوص، ولا يمكن لمحكمة ردّ القضاة أن تعمد لتقدير أيّ إجراء، أو التدخّل بعمل القاضي، ما لم تتوافر بالنتيجة شروط ردّ القاضي التي بقيت غير متوافرة بتاتًا ضمن معرض وسياق طلب الردّ الحالي.
وحيث ومن جهة أخيرة، إزاء ما تقدّم ولما لنا من حقّ تقدير وإزاء ثبوت التعسّف باستعمال الحقّ بالتقاضي، نرى إلزام طالب الردّ بأن يدفع لحضرة القاضي المطلوب ردّه أربعمائة مليون ل. ل.، وأن يدفع لصالح الدولة ثلاثماية ألف ل. ل.
وحيث لم يعد من داع لأيّ بحث آخر،
لذلك
نقرّر
أوّلًا: قبول طلب الردّ شكلًا.
ثانيًا: ردّه أساسًا.
ثالثًا: إلزام طالب الردّ بأن يدفع لصالح القاضي المطلوب ردّه، فقط أربعمائة مليون ل. ل. نظير التعسّف باستعمال حقّ التقاضي، ونظير الضرر المعنوي اللاحق بالقاضي من جرّاء طلب ردّه دون مبرّر مقبول قانونًا وواقعًا وعلى النحو المشروح أعلاه، وأن يدفع لصالح ألدولة فقط ثلاثماية ألف ل. ل. للسبب المتصل بالتالي بالتعسّف باستعمال حقّ التقاضي، وردّ ما خالف أو زاد.
رابعًا: تدريك طالب الردّ كامل الرسوم القانونية، بما في ذلك الرسوم العائدة للتعاضد والمحاماة، وإبلاغ من يلزم أصولًا.
قرار صدر وأفهم بغرفة المذاكرة بتاريخ 2024/6/12.
“محكمة” – الجمعة في 2024/6/14

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!