“محكمة المطبوعات”: يحقّ للاعلام نشر تجاوزات المؤسّسات بأدلّة/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
في قرار مبدئي ومهم، صادر عن محكمة استئناف بيروت – الغرفة العاشرة الناظرة بالدرجة الاولى في دعاوى المطبوعات، والمؤلفة من القضاة الرئيس رفول البستاني والمستشارين هبه عبدالله وناديا جدايل، اعتبرت المحكمة ان لبنان التزم اتفاقيات وقوانين لتطبيقها، ويبقى من واجب الاعلام تسليط الضوء في استقصاءاته على التجاوزات الحاصلة من قبل المؤسسات العامة حؤولًا دون ارتكاب المزيد منها، وان حرية إعلام الرأي العام بها ونشرها تكون مصانة قانوناً، دونما حاجة لاثبات كل واقعة من الوقائع المسندة الى المدعية بالدليل القاطع والجازم طالما ان المدعى عليهما تمكنا من ابراز الدليل على انه ما بت بحق الشركة المدعية ليس كذباً مجرداً او مختلقاً.
كما اعتبرت المحكمة انه وان كانت هذه المحكمة بصفتها ناظرة في جرائم الذم والقدح ونشر الاخبار الكاذبة الحاصلة بالوسائل الاعلامية غير منوط بها اساساً اجراء تحقيق مفصل حول التجاوزات المرتكبة في ابرام الصفقات الا انه يستفاد مما سبق عرضه ان شكوكاً محقة تثار حول احقية وقانونية ايلاء الشركة المدعية صفقة صيانة وتشغيل المحركات العكسية لمعملي كهرباء الذوق والجية بقيمة تقارب ماية وثلاثين مليون دولار اميركي.
وقضت باعلان براءة المدعى عليهم.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/2/21
بناء عليه،
وبنتيجة المحاكمة الابتدائية الوجاهية والعلنية،
اولاً: في الوقائع:
تبين ان شركة “م. ت.” ش.م.ل. بثت بتاريخ 2016/5/16 عبر أثيرها ضمن نشرة الساعة الثامنة الاخبارية تقريراً اتهمت فيه الشركة المدعية بالفساد مستندة الى معطيات تتعلّق باستدراج العروض رقم ث4 د/9082 الذي اطلقته مؤسسة كهرباء لبنان لتشغيل وصيانة المحركات العكسية في محطتي الذوق والجية، وانها على الرغم من نشرها البيان التوضيحي الذي اصدرته مؤسسة كهرباء لبنان بالكامل ضمن نشرة الاخبار المسائية بتاريخ 2016/5/17 عمدت الى بث تقرير ثان يتضمن الاتهامات عينها اضافة الى بثها لشريط اعلامي يتناول الموضوع عينه بوتيرة مرتفعة بمعدل مرة كل نصف ساعة طيلة ساعات ليل 2016/5/17، كما عمدت بتاريخ 2016/5/18 وبثت تقريراً يشير الى كون الشركة المدعية لا تملك اية خبرة على الاطلاق في موضوع التلزيم الممعن منحه اليها، وخصصت بتاريخ 2016/5/21 عبر برنامج “ع. وخ.” الذي تعده المدعى عليها غ. ع. فقرة كاملة تناولت فيها الموضوع عينه.
ثانياً: في الادلة:
تأيدت هذه الوقائع بالادلة التالية:
1- بالشكوى الشخصية المباشرة وما ورد فيها
2- بمضمون القرص المدمج الذي تم تفريغه موضوع الدعوى الراهنة
3- بقرار البت بالدفوع الشكلية تاريخ2017/7/11
4- بالمستندات المبرزة طي المذكرة المقدمة في الجلسة تاريخ 2018/10/18
5- بمجريات المحاكمة
ثالثاً: في القانون:
حيث انه تجدر الاشارة بادئ ذي بدء الى ان قرار البت بالدفوع الشكلية تاريخ 2017/7/11 قرر رد الدعوى الراهنة عن المدعى عليه غ. ي. بصفته المدير المسؤول عن الاخبار والبرامج السياسية في قناة “م ت.”، الامر الذي يوجب اقتصار البحث في مدى توافر الجرائم المنسوب اقترافها الى المدعى عليهما شركة “م. ت.” ش.م.ل. والسيدة غ. ع. بصفتها مقدمة ومعدة برنامج “ع.وخ.” حصراً.
وحيث ان الدعوى الراهنة المنشورة امام هذه المحكمة تستدعي البحث عن مدى توافر عناصر جرائم مواد الذم والقدح ونشر الخبر الكاذب المنصوص عليها في المواد /3/ و /17/ و /19/ و /20/ من قانون المطبوعات معطوفة على المادة 582 من قانون العقوبات في افعال المدعى عليهما المشكو منها، في ضوء معطيات الملف واستناداً لما ابرزته المدعى عليها قناة “م.ت.” من مستندات ثبوتية تتعلق بدفتر الشروط المعد من قبل شركة D. الالمانية لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان بشأن تشغيل وصيانة المولدات العكسية تاريخ نيسان 2005 واخرى تتعلق بالشركة المدعية.
وحيث ان الشركة المدعية تأخذ على المدعى عليهما ما كانا قد نسبا اليها في التقارير المعدة ضمن نشرتي الاخبار المسائية تاريخ 2016/5/17 و 2016/5/18 وضمن برنامج “ع.وخ.” الذي اعدته المدعى عليها غ.ع. بتاريخ 2016/5/21 معتبرة افعالها من قبيل الذم والتشكيك بها والنيل من سمعتها، وان الاخبار الكاذبة التي تم اختلاقها وضعت في اطار فضائحي لاستثارة الراي العام والاساءة اليها وذلك فيما نسبت اليها من وقائع تتعلق بإجراء صفقة تراضي بقيمة 125 مليون دولار اميركي مع مؤسسة كهرباء لبنان في ظل معلومات عن عدم اهليتها وعدم خبرتها في هذا المجال، وبوجود باب لسرقة الملايين في مؤسسة الكهرباء عنوانه التلزيمات الملتبسة، وبأن الصفقة انحصرت بشركة خ. حيث تم الاحتكار بالتراضي، وغيرها من الاقوال التي من شأنها الدلالة على الضلوع بصفقة مشبوهة على الرغم من صدور بيان توضيحي من مؤسسة كهرباء لبنان بهذا الخصوص.
وحيث ان الشركة المدعى عليها ادلت بما مفاده ان ما جرى بثه هو تطبيق لالتزام الدولة اللبنانية في اشراك المجتمع المدني في مكافحة الفساد، ولثبوت مخالفة المدعية بالتواطؤ مع مؤسسة كهرباء لبنان الشروط المالية لدفتر الشروط المنوه عنه في بيانها.
وحيث ان العديد من الاتفاقيات الدولية التي انضم لبنان الى معظمها اشارت الى اهمية حرية الصحافة والاعلام كحق انساني، ومبدأ اساسي حام للحريات والمجتمعات الديمقراطية (l’art 10 de la convention européenne des droits de l’homme, l’art 19 de la déclaration universelle des droits de l’homme des nations unies) حيث ان لها الدور الرائد في إستقصاء ومراقبة اعمال اشخاص السلطة العامة وإعلام المواطنين بها وتسليط الضوء على مكامن الفساد في المجتمع، الذي يعد اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة وجهاً من اوجهه وفق مُرفق اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003، ومن شأنه ان يلحق ضرراً بالغاً بالمؤسسات الديمقراطية والاقتصاد الوطني وسيادة القانون ويهدد التنمية المستدامة للشعوب بحسب الفقرة 19 من اعلان جوهانسبرغ للتنمية المستدامة عام 2002.
وحيث ان الدولة اللبنانية إلتزاماً منها في مكافحة الفساد انضمت الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب القانون رقم /33/ تاريخ 2008/10/16 التي اوجبت في المادة 13 منها اشراك المجتمع المدني في مكافحة الفساد عبر حماية حرية التماس المعلومات المتعلقة وتلقيها ونشرها.
En vertu de l’article (13 d) de cet instrument, les etats parties sont tenus de favoriser la participation de la societé à la lute contre la corruption par les mesures consistant notamment à respecter promouvoir et protéger la liberté de rechercher, de recevoir, de publier et de diffuser des informations concernant la corruption.
وحيث ان تعزيز حرية الاعلام يعد مبدأ من المبادئ العشرين الموجهة لمكافحة الفساد “l’un des vingt principes directrices pour la lutte contre la corruption: point 16 de la resolution (97) du conseil de l’europe.”
وان السلطة القضائية باعتبارها حامية للحريات تعد الملاذ لحماية حرية الصحافة والتعبير المصانة في الدستور اللبناني والقوانين المرعية الاجراء وان من مهمة الاعلامي ابداء الراي وتنوير الرأي العام وتوعيته ونقل المعلومات اليه برصانة ودقة، دون الاساءة الى الغير والمس بكراماتهم او قدحهم وتحقيرهم بحيث تبقى المعايير الضابطة لمهمته، الامر الذي نصت عليه صراحة المادة /4/ من قانون البث التلفزيوني والاذاعي رقم 94/353 اذ حظرت على المؤسسات الاعلامية اتيان اعمال معينة، وفي عدادها منع بث او اذاعة اي قدح او ذم او تحقير او تشهير او كلام كاذب بحق الاشخاص الطبيعين او المعنويين
وحيث يقتضي التحقق عما اذا ما اثير من شؤون خلال التقارير التي بثتها قناة “م.ت.” والحوارات التي اجرتها المدعى عليها غ.ع. في برنامج “ع.وخ.” الذي اوتي فيها على تفنيد التلزيمات الحاصلة بين مؤسسة كهرباء لبنان والشركة المدعية ما يشكل خبراً كاذباً وفق المادة 3 من المرسوم الاشتراعي رقم 77/107 وذماً وفق المادة 385 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 20 من قانون المطبوعات.
وحيث ان مؤسسة كهرباء لبنان اوردت بياناً توضيحياً ذكرت في مضمونه المراحل التي اتبعتها في “استدراج العروض لتشغيل وصيانة المحركات العكسية في الذوق والجية وفق النظام المالي للمؤسسة وبموافقة وزارة الطاقة والمياه، بناء على دفتر الشروط المعد من قبل الاستشاري العالمي MVV Decon (…) ورغم ذلك لم يتقدم سوى عارضين اثنين، احدهما لم يستوف عرضه الشروط الفنية رغم افساح المجال له طوال فترة تمديد العروض لاستكمال ملفه، وبالتالي لم يتم فتح ملفه المالي عملاً بالنظام المالي للمؤسسة، بينما تم فض العارض الآخر وهو تحالف شركات OEG/ARAKAY limited/middle east power المطابق فنياً وادارياً لاحكام دفتر الشروط” وان هذا البيان نقلته القناة التلفزيونية المدعى عليها بحرفيته في نشرة الاخبار المسائية تاريخ 2016/5/17 صوناً لحق المدعية في الرد.
وحيث ان الشركة المدعى عليها في اطار حقها في الحصول على المعلومات الذي اقره المشرع اللبناني بتاريخ 2017/1/19 (loi sur l’acces a l’information) ناقشت في صحة مضمون البيان وابرزت امام هذه المحكمة مستندات ارفقتها في لائحتها تاريخ 2018/10/18– لم تناقش الجهة المدعية في صحتها – تبين من خلالها ما يلي:
– ان دفتر الشروط المعد من قبل شركة Dexon الالمانية الذي تستند عليه مؤسسة كهرباء لبنان لقبول العروض او رفضها اوجبت في البند c.102 على العارض ان يكون لديه خبرة ناجحة لا تقل عن خمس سنوات كحد ادنى في تشغيل وصيانة معامل مماثلة، في حين انه يتبين من شهادة تسجيل الشركة المدعية في السجل التجاري ومن تقرير مفوضي المراقبة تاريخ 2015/8/11 ومن براءة الذمة تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي انها تأسست في العام 2012 ولم تستخدم اي اجير ولم تقم بأي نشاط كما انها لا تملك المعدات والتجهيزات اللازمة لتشغيل المعامل وبالتالي لا تتمتع بأية خبرة في المجال.
– ان البند b.105 من دفتر الشروط فرضت على العارض ان يقدم ميزانية مدققة لآخر خمس سنوات مثبتة لموقع العارض المالي، الامر غير المتوافر في حال الشركة المدعية، ولا يرد على هذا الامر ان الاخيرة تقدمت بعرضها بالتحالف مع شركات اخرى باعتبار ان الفقرة الاخيرة من البند a.2 من دفتر الشروط الزم على كل عارض ان تتوافر فيه الشروط المالية بصورة افرادية.
“… individual members must each satisfy the requirement of sub-clauses 1.5b and 1.6 above”
وحيث انه وان كانت هذه المحكمة بصفتها ناظرة في جرائم الذم والقدح ونشر الاخبار الكاذبة الحاصلة بالوسائل الاعلامية غير منوط بها اساساً اجراء تحقيق مفصل حول التجاوزات المرتكبة في ابرام الصفقات الا انه يستفاد مما سبق عرضه ان شكوكاً محقة تثار حول احقية وقانونية ايلاء الشركة المدعية صفقة صيانة وتشغيل المحركات العكسية لمعملي كهرباء الذوق والجية بقيمة تقارب ماية وثلاثين مليون دولار اميركي.
وحيث استناداً الى ما سبق وذكرناه من اتفاقيات وقوانين التزام لبنان تطبيقها، يبقى من واجب الاعلام تسليط الضوء في استقصاءاته على التجاوزات الحاصلة من قبل المؤسسات العامة حؤولًا دون ارتكاب المزيد منها، وان حرية إعلام الراي العام بها ونشرها تكون مصانة قانوناً، دونما حاجة لاثبات كل واقعة من الوقائع المسندة الى المدعية بالدليل القاطع والجازم طالما ان المدعى عليهما تمكنا من ابراز الدليل على انه ما بت بحق الشركة المدعية ليس كذباً مجرداً او مختلقاً.
وحيث ان المادة 387عقوبات تنص على انه فيما خلا الذم الواقع على رئيس الدولة يبرأ الظنين اذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته، الامر الذي يشير للاهمية التي اولاها المشترع لحسن سير المرفق العام ولوجوب انتظام العمل فيه بشرعية وقانونية صوناً للمال العام، بحيث اراد اخضاع كل شخص يتعاطى شأن المرفق العام لرقابة الرأي العام ولإمكانية تسليط مجهر الاعلام عليه والاضاءة على كل انحراف من شأنه الاخلال بحسن سيره، متيحاً في هذه الحال الذم به بصورة استثنائية.
وحيث ان القصد الجرمي في حال جريمة الذم – خروجاً عن المبدأ العام – مفترض قانوناً لدى مطلقه، ما لم يثبت عكس ذلك انطلاقاً لما اعطاه القانون من حق لاثبات صحة وقوع الاعمال موضوع الذم التي نسبت لاي من مسيري المرفق العام.
وحيث انه بالاستناد الى مجمل ما سبق عرضه اعلاه من دلائل، فإن المدعى عليهما تمكنا من ابراز ادلة منتجة وذات اسس جدية، تستدعي افادتهما من البراءة التي اباح المشترع امكانية منحهما اياها، سيما بالنظر الى فداحة النتائج التي تنعكس اضراراَ بالمال العام.
بناء عليه،
تقرر بالاتفاق:
وبعد سماع مطالعة النيابة العامة الاستئنافية
1- رد الادعاء المباشر وعدم سماع الدعوى بحق المدعى عليه غ. ي. بصفته المدير المسؤول عن الاخبار والبرامج السياسية في قناة “م.ت.”
2- اعلان براءة المدعى عليهما شركة “م.ت.” ش.م.ل. ممثلة برئيس ادارتها السيد م. ك. م. والسيدة غ.ع. بصفتها معدة ومقدمة برنامج “ع.وخ.” في قناة “م.ت.” من جرائم المواد /3/ و 17/ و /19/ و /20/ معطوفة على المادة /26/ المرسوم الاشتراعي رقم 1977/104 والمادة /35/ من القانون رقم 1994/382.
3- رد سائر الاسباب والمطالب الزائدة او المخالفة.
4- تدريك المدعي النفقات القانونية كافة.
قراراً بمثابة الوجاهي بحق الجهة المدعية والمدعى عليهم لصدوره بغير موعده افهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/2/21 بحضور ممثل النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.
“محكمة”- الاثنين في 2019/4/1