“محكمة” تحاور عزيز طربيه: مشروعي الحفاظ على كرامة المحامين وتسهيل تملّكهم لمكاتبهم وتطوير المهنة
أجرى الحوار علي الموسوي:
ديناميكي وحيوي ومنفتح على الجميع، ويملك الكثير من الأفكار التي تستشرف المستقبل، وتبعث على الأمل والتفاؤل بغد مشرق، واستطاع بفضل الصبر والمثابرة والطموح أن يطوّر نفسه ورسالته المهنية، وأن يصبح إسماً معروفاً في عالم المحاماة إنّه الأستاذ عزيز طربيه المرشّح للعضوية ومنصب نقيب المحامين في بيروت.
يحمل طربيه في جعبته الكثير من التطلعات التي يريد إشراك زملائه المحامين فيها ليقينه بأنّها عامل مهمّ لهم في حياتهم ومهنتهم، وقد شرح الكثير منها في هذه المقابلة مع “محكمة”، بدءاً من “إنشاء الهيئة العليا لتطوير واستحداث النظم القانونية والتشريعات، وانشاء مرصد الفساد التابع لنقابة المحامين، وتفعيل نظام المعونة القضائية وانشاء العيادات القانونية لتقديم الإستشارات المجانية للمواطنين المحتاجين، وتطوير قانون تنظيم مهنة المحاماة، والتشدّد في تطبيق أحكامه ولناحية الرقابة على الجدول العام ولفظ الممارسات المهنية المسيئة، وتطوير معهد المحاماة ونظم التكوين المهني المستدام وتوسيع سوق العمل، وتعزيز ثقافة الأتعاب ومساهمة النقابة في تحصيل سلف عنها والعمل على الغاء الرسوم القضائية المتعلقة بتحصيلها، وتسهيل تملّك المحامين لمكاتبهم ومساكنهم من خلال بروتوكولات مع جمعية المصارف ومصرف لبنان تؤمن شروطاً تفاضلية”.
وهنا تفاصيل الحوار:
• لماذا أنت مرشّح لمنصب نقيب المحامين؟ وما هي الغاية من ذلك؟
إنّ ترشّحي لمنصب عضو ونقيب المحامين نابعٌ قبل كلّ شيء من حرصي العميق على أن تبقى رسالة المحاماة شعلةً مضاءةً في فضاء القيم يؤدّيها رسلها بكرامة وبأفضل الظروف الممكنة والمتاحة.
ولقد هدفت من خلال إصراري على الترشّح لهذا المنصب إلى أن أقدّم خياراً مهنياً وطنياً مستقلاً يسعى إلى تضافر جهود وطاقات عموم المحامين على مختلف آرائهم وانتماءاتهم لتكريسها في سبيل تفعيل وتعزيز دور النقابة وتطوير المؤسّسات النقابية، بعدما أعددت بهذا الصدد برنامجاً متطوّراً سأسعى إذا ما حالفني الحظّ، إلى تنفيذه بكلّ شفافية بالتعاون مع مجلس النقابة، وإلى تأمين أكبر قدر من فرص النجاح له.
أمّا على صعيد الشأن العام والصعيد الوطني، فإنّ ترشّحي ينطلق أيضاً من حرصي على تفعيل دور النقابة الوطني والمهني بما يعزّز الدور القيادي لأم النقابات في الدفاع عن وحدة لبنان وسيادة القانون والحرّيات العامة وسائر مقوّمات الدولة، وبالأخص السلطة القضائية ومواجهة الفساد.
مسار النقابة منذ إنشائها
• يؤخذ عليك أنّك تصعّب المهمّة على نفسك بالترشّح لمنصب النقيب فوراً دون المرور ولو لسنة واحدة في العضوية، على غرار ما فعل غيرك من المحامين. كيف ترّد على ذلك، وما هو تفسيرك لهذه الخطوة؟.
أنا أعتقد أنّ المرور في عضوية مجلس نقابة المحامين قبل الترشّح لمنصب نقيب المحامين، إنّما يهدف بحدّ ذاته إلى التعرّف عن كثب، إلى شؤون وشجون المحامين وما يواجهونه من مشاكل فعلية أثناء ممارستهم للمهنة بغية إيجاد الحلول لمعالجتها.
ولكنّني منذ أن قرّرت الترشّح لمنصب عضو ونقيب المحامين دأبت على دراسة الوسائل الكفيلة بمعالجة شؤون وشجون الممارسة المهنية وما تواجهه هذه الممارسة من مشاكل فعلية على مختلف الأصعدة، مستنداً في ذلك إلى ما خبرته خلال ممارسة مهنية ملتزمة أمضيت فيها ما يزيد على الأربعين عاماً، كما اطلعت على تاريخ النقابة وقراراتها المتتالية وحفظت مسارها منذ تاريخ إنشائها وحتّى يومنا هذا، فقمت باعداد مشروع متكامل لتطوير النقابة والحفاظ على مكانة المحاماة وريادتها، وعلى عزّة وكرامة المحامين، وضعته سابقاً في خدمة النقباء الذين يستحوذون على ثقة الهيئة العامة، وتوجّهت إلى الزميلات والزملاء طالباً ثقتهم لمنصب عضو ونقيب المحامين.
وقد عملت مؤخّراً، وفي إطار ترشّحي الحالي، على تطوير هذا البرنامج بالتعاون مع الزملاء المحامين ليكون مدماكاً في عملية البناء على ما سبق من إنجازات النقباء السابقين.
• أنت محام ناجح ولديك مكتب محاماة كبير يُعتبر من المكاتب الطليعية في العمل القانوني، أليس هذا كافياً لكي يشار إليك بالبنان، خصوصاً وأن تاريخك حافل بالكدّ والإجتهاد والعطاء ؟
إنّ المؤسّسة الخاصة التي أسّستها وأديرها، لم تكن نتيجة إرث بل كانت ثمرة جهد وتعب مضنٍ وإيمان بمجموعة القيّم التي تقوم عليها رسالة المحاماة. وإنّ قراري بخوض معترك النقابة لم يكن يوماً سعياً لكي يشار إليّ، وإنّما هدفت من خلاله إلى نقل تجربتي الشخصية التي اعتبرها ناجحة، إلى المؤسّسة النقابية الناظمة لعمل المحاماة بما يمكّن من توفير أفضل الظروف أمام الزميلات والزملاء لممارسة رسالتهم المهنية.
النقيب المستقلّ ضمانة لعموم المحامين
• أنت محام مستقلّ، ويشكّل المستقلّون كتلة وازنة في نقابة المحامين، ولا سيّما عند احتدام التنافس بين حزبيين، أو مدعومين من أحزاب، وفي السنوات الـــ 15 الأخيرة، كانت كفّة المستقلّين ترجّح فوز المحامي المستقلّ، وهو ما حدث مراراً باستثناء مرّة واحدة أتى فيها حزبي، وذلك لاعتقادهم بأنّ النقيب يجب ان يكون مستقلاً لكي يتمكّن من إدارة الأمور بحرّية أكبر، فهل ترى هذه النظرة صائبة؟ وهل تتكلّ على المستقلّين لإحداث نقلة نوعية في ترشَحك؟
أنا ملتزم بالدفاع عن الثوابت الوطنية وبكلّ ما تتجسّد فيه المصلحة الوطنية، وبالمقابل في ما يتعلّق باللعبة السياسية الحزبية، فإنّي حريص على استقلاليتي وانفتاحي على كلّ التوجّهات والأفكار التي تصبّ في خدمة لبنان، فخطّي السياسي والوطني لبنان، ومسلكي نقابي غير قابل للإحتواء، بل للإنفتاح على كلّ الجهات، والتفاعل مع كلّ المكوّنات لما فيه خير النقابة وكرامة المحامي وعنفوانه.
أمّا في ما يتعلّق بحزبية النقيب، فهناك خشية حقيقية من ذلك، عند معظم المحامين سواء كانوا مستقلين أو حزبيين ومرّد ذلك هو الخوف من خضوع النقيب لتأثيرات وتوجّهات حزبه، بما يبعده عن تمثيل عموم المحامين على اختلاف آرائهم وتوجّهاتهم وبما يؤثّر على استقلالية أمّ النقابات.
والنقيب المستقلّ هو مؤهّل لأن يدير قضايا النقابة بحرّية أكبر وهو يشكّل الضمانة لعموم المحامين بما فيهم المحامون الحزبيون انفسهم.
وعليه، فإنّني أعوّل بالطبع على تأييد المحامين المستقلّين الذين يشكلّون الكتلة الوازنة والأكبر في النقابة مثلما أعوّل ايضاً على الزميلات والزملاء الحزبيين الذين يدركون تماماً اهمية الحفاظ على استقلالية نقابتهم وقدرة ممثليهم على دعم الخيارات المهنية التي تصبّ في مصلحة نقابتهم.
مشروع نقابي هادف
• هل من خطوات عملانية تنوي القيام بها لتطوير نقابة المحامين وتعدّ المحامين بالعمل معهم على تحقيقها؟
لقد سبق وأطلقت مشروعي النقابي المتعدّد الأبعاد والذي يستند إلى دراسات علمية وافكار عملية محدّدة قابلة للتنفيذ تهدف إلى بناء وتطوير المؤسّسات النقابية واطلاق مؤسسات نقابية جديدة. وقد سبق ان وضعت هذا البرنامج بتصرّف الزملاء المحامين.
كما قمت في إطار الحملة الانتخابية الحالية، بتطوير هذا البرنامج عبر ادخال جملة من الأفكار المستجدة التي من شأنها ان تواكب حاجات وتطلعات الزميلات والزملاء المحامين. ومن الخطوات العملية الواردة في البرنامج:
أ- تفعيل دور النقابة في الخدمة العامة ويندرج في هذا الإطار:
1- إنشاء الهيئة العليا لتطوير واستحداث النظم القانونية والتشريعات، وتهدف إلى الإستفاده من خبرات روّاد المحاماة من أجل تأمين مشاركة فاعلة للنقابة في إطار تحديث النظم والتشريعات.
2- انشاء مرصد الفساد التابع لنقابة المحامين لرصد ومواجهة هذا الداء العضال الذي ينخر في بنيان الوطن.
3- تفعيل نظام المعونة القضائية وانشاء العيادات القانونية لتقديم الإستشارات المجانية للمواطنين المحتاجين.
وهذه الخطوات وغيرها ستعزّز أداء المحامين للخدمة العامة التي أناط بهم القانون تأديتها، وسيتيح بالمقابل، للنقابة المطالبة بقيام الدولة بواجبها في المساهمة في تأمين الأمان الاجتماعي للمحامي واسرته، وذلك من خلال اقرار قانون تعاضد المحامين الذي قمنا بوضع خطوطه العريضة والذي سيتضمّن على السواء، مساهمة معيّنة من الدولة في تغطية نفقاته، وكذلك أيضاً من المواطنين من خلال المطالبة بزيادة رسم الـــ /1/ بالف ليصبح /2/ بالف على العقود وسواها، مما يمّكن النقابة من زيادة تقديماتها على صعيد التقاعد وفي اطار الخدمات الإضافية كالتعليم والأدوية وغيرها.
ويتضمّن المشروع ايضاً مجموعة من الخطوات على الصعيد المهني تهدف الى رسم الإستراتيجية المطلوبة لمستقبل المحاماة وذلك بدءاً من:
1- تطوير وتحديث الإدارة النقابية وبرامج المعلوماتية.
2- تطوير قانون تنظيم مهنة المحاماة وإعادة الإعتبار إليه والتشدّد في تطبيق أحكامه ولناحية الرقابة على الجدول العام ولفظ الممارسات المهنية المسيئة.
3- تطوير معهد المحاماة ونظم التكوين المهني المستدام وتوسيع سوق العمل.
4- تعزيز ثقافة الأتعاب ومساهمة النقابة في تحصيل سلف عنها والعمل على الغاء الرسوم القضائية المتعلقة بتحصيلها.
وكذلك يتضمن المشروع ايضاً استحداث الهيئة العليا لحسن سير العدالة وهي تهدف الى حسن انتظام العلاقة التكاملية والندية مع القضاء، وكذلك تأمين الأمور اللوجستية التي تجعل اداء المحامين لرسالتهم اسهل، كقصور العدل والتطبيقات الإلكترونية المتعلقة بمواعيد الجلسات والمعلومات التي تهم المحامين.
وكذلك يتضمّن المشروع افكاراً تتعلّق بتسهيل تملّك المحامين لمكاتبهم ومساكنهم من خلال بروتوكولات مع جمعية المصارف ومصرف لبنان تؤمن شروطاً تفاضلية.
وكذلك الإستفادة من حجم كتلة المحامين وعائلاتهم ومساعديهم من اجل تقديم خدمات اختيارية تفاضلية.
المحاماة رسالة الفرسان
• كيف ترى دور نقابة المحامين على الصعيد الوطني وهي حصن الحريات العامة؟
المحاماة رسالة الفرسان، فهي السيف المسلول في يد العدالة والحرّية وهي الشريك الحامل لهموم الوطن، بل هي صورته ودرعه وحصنه، ولا يجوز ان تنكفىء أو تتراخى عن لعب هذا الدور، وهي بوصفها قلعة الحرّيات العامة والثوابت الوطنية ستتصدّى بحزم وقوّة بوجه كلّ محاولة للتعرّض والمسّ بها.
• كيف تقرأ المشهد القضائي في لبنان في ظلّ الثغرات والعثرات التي حدثت هذا العام وزادت من اهتزاز صورته في ذهن الرأي العام؟
سنبقى ندافع عن القضاء وعن استقلاليته، وعن منع التدخّل في شؤونه، وعن تنقيته من أيّ ممارسة مسيئة، فلا قيامة للوطن دون القضاء. والقضاء والمحاماة هما جناحا العدالة، وعلى كل منهما الوقوف الى جانب الآخر، لأن المحاماة بلا قضاء كمن يصرخ في الصحراء، والقضاء دون محاماة طائر مكسور الجناح لا يمكنه التحليق.
أؤمن بقيمة التنوّع
• يضمّ مكتب المحاماة الخاص بك محامين من جميع الطوائف والعائلات اللبنانية في تجانس تام، وهو من المكاتب القليلة التي يملكها محام مسيحي وترى فيها محامين مسلمين، وهذا ينمّ عن وطنيتك بالدرجة الأولى، لماذا هذا المزيج المتألف؟
إنّ لبنان بلد التنوّع وهذا أحد أهم مصادر غناه، وان عائلة المحامين في مؤسّستي هي على صورة هذا التنوع الفريد. وإنني أؤمن بقيمة التنوّع واهميته، مع مراعاة قاعدتي الكفاءة والإلتزام المهني.
معلّم فصحافي فمحام
• عزيز طربيه من عائلة بترونية مارونية كريمة، كيف بدأت حياتك؟ وكيف وصلت الى المحاماة؟ وما هي العبرة التي تعلمتها وترى ضرورة ايصالها للآخرين لكي يستفيدوا منها في حياتهم وعملهم؟
بدأت حياتي المهنية في التعليم الرسمي، ثمّ انتقلت بعدها إلى الصحافة وتحديداً في “الوكالة الوطنية للأعلام” حيث اتاح لي ذلك فرصة اجراء مقابلات صحافية مع العديد من السياسين ورجالات الفكر العالميين. وتلك الفترة مكّنتني من الاطلاع بدقّة على كواليس السياسة وما كان يدور في البلد في تلك الحقبة. بعدها انتقلت الى المحاماة، تلك المهنة التي كنت اصبو الى ممارستها، فاسّست مكتباً متواضعاً اخذ يتوسّع تدريجياً حتّى اصبح بما هو عليه حالياً مؤسّسة لها امتداداتها في الخارج.
وان هذا النجاح اذا صحّ التعبير، يستند بشكل اساسي الى ممارسة مهنية رصينة والتزام بالقيم الراعية للمحاماة وقناعتي بأن كلّ عمل دؤوب ورصين وملتزم لا بدّ وان يؤدّي الى النتائج المبتغاة. وهذا ما انصح به كلّ الزملاء الذين هم في طور تأسيس مستقبلهم المهني.
مارسوا دوركم في الإقتراع
• كلمة اخيرة ماذا تقول فيها للمحامين؟
اخيراً، اقول للزميلات والزملاء، بأنّ ما نحن عليه اليوم هو نتاج نضالات اجيال متعاقبة، ونحن المؤتمنون على هذا الإرث العريق، لا يمكن ان ندير ظهرنا لهذا الارث وهو مشعل وراية تناقلها روّادنا العظام .ونحن مدعوون لتسليمها في التاسع عشر من تشرين الثاني لنقيب جديد.
فانتم لا تنقلون الراية فقط ولا تسلمون القيادة فقط، انتم تسلمون الأمانة، امانة الدفاع عن القيم التي جمعتنا ووحدتنا وحملنا همّها دماً وعرقاً وجهداً يومياً.
فرسالتي الى الزميلات والزملاء، ان لا تغيبوا أو تنكفئوا، بل احضروا ومارسوا دوركم في الاقتراع واختاروا لكي تبقى نقابتكم قوية، فاعلة، متجدّدة، بهيّة ومشرقة، فانتم عصبة الرأي وحاملو الرسالة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 22 – تشرين الأوّل 2017 – السنة الثانية)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.