“محكمة” تكشف: شخصية هامة سعت لتسوية أوضاع إرهابيين من “النصرة”
كتب علي الموسوي:
إيراني الجنسية، سوري المولد والمنشأ، لبناني الإقامة المؤقّتة، حاول تمويل جبهة “النصرة” التكفيرية تحت مسمّيات مختلفة، من أجل المزيد من تنفيذ الأعمال الإرهابية بأشكال متنوّعة، وإراقة دماء الأبرياء، فحطّ الرحال به في قبضة المديرية العامة للأمن العام اللبناني، إنّه بشّار مختار شيرازي الذي نال عقوبتين من المحكمة العسكرية الدائمة بالسجن سنة واحدة، والسجن سنة ونصف السنة، على اتهامه في ملفّين يتعلّقان بمحاولة تمويل الإرهاب، والإنتماء إلى تنظيمات إرهابية، على الرغم من نفيه لأيّ ارتباط له بالجبهة المذكورة.
ولكنّ الأهمّ من كلّ ذلك هو ما تضمّنته التحقيقات الأوّلية مع شيرازي، من أنّ “أحد النافذين في لبنان يعمل على تسوية” وضع السوريين غسّان جمعة حيدر، ومحمّد سعيد هندية عطش، لدى الأمن العام اللبناني لكي يتمكّنا من السفر إلى تركيا، علماً أنّ عطش هو من المصنّفين في قائمة الإرهابيين الخطرين، وموضوع متابعة لجهة ارتباطه بأحد الإرهابيين اللبنانيين، كما تقول المعلومات الأمنية عنه، والواردة حرفياً في سياق التحقيقات الأوّلية.
فمن هو هذا المتنفّذ الذي سعى إلى تسوية وضع أشخاص إرهابيين ملاحقين قضائياً؟ وكيف سمح لنفسه أن يتدخّل لمصلحة مطلوبين وبجرائم إرهابية؟ وكيف سوّلت له “وطنيته” أن يقوم بهذا الفعل الجرمي؟ وأكثر من ذلك، فإنّ عطش هو الذي عمل في الخفاء، على تأمين هروب الإرهابي بلال ميقاتي المتورّط بذبح شهيد الجيش اللبناني علي السيّد الذي كان ضمن العسكريين المخطوفين، وتمّ ذبحه في شهر آب من العام 2014، قبل أن يعود ويلقى القبض على ميقاتي، فكيف يجرؤ هذا المدعو “أحد النافذين” على مساعدة مجرمين عاثوا في الأرض خراباً، وفي الإنسان ذبحاً وقتلاً وبدون رحمة؟.
هل يتحرّك أهل القضاء لمعرفة هذا الشخص وتوقيفه ومحاكمته، أم أنّه محمي، ولا قدرة للقضاء على الوصول إليه؟.
بالعودة إلى اعترافات بشّار شيرازي المولود في العاصمة السورية دمشق في العام 1961، والمتعلّم في مدارسها لغاية نيله الشهادة الثانوية في العام 1980، حيث انتقل للعمل متعهّد بناء، فإنّه حضر مراراً إلى لبنان بشكل شرعي مستخدماً جواز سفره الإيراني، وأقام في منطقة المنية الشمالية لدى محمّد سعيد هندية عطش الذي يعرفه منذ العام 2006 بحكم عملهما معاً في مجال العقارات.
وقد اشترى عطش من شيرازي عقاراً في بلدة عسال الورد الواقعة في منطقة القلمون السورية في العام 2013، من دون أن يدفع له كامل ثمنه، إذ بقي له بذمّته مبلغ إثني عشر مليون ليرة سورية، فتواصل معه لتحصيل ماله، وتبيّن أنّ عطش المنتمي إلى جبهة “النصرة” التكفيرية، قد دخل الأراضي اللبناني خلسة وأقام في منطقة محاذية من نقطة المصنع على الحدود اللبنانية – السورية، فأبلغه بضرورة المجيء إليه، وهو ما حصل بالفعل بعدما دخل شيرازي لبنان بصورة قانونية ورسمية، واستضافه في منزله مدّة يومين، ثمّ انتقلا معاً على متن سيّارة “فان” من محلّة شتورا إلى بيروت، ومنها إلى محلّة المنية حيث حلاّ ضيفين على السوري أنس تويم المكنّى بـ “أبي يزن” لمدّة يومين إنتهيا بعودة شيرازي إلى سوريا من دون القيام بأيّ عمل سوى السياحة في ربوع لبنان.
بطاقات عودة سورية مزوّرة
وبعد مرور أربعة أيّام، إتصل عطش هاتفياً بصديقه شيرازي وطلب منه الانتقال إلى نقطة المصنع على الحدود اللبنانية – السورية لاستلام بطاقات عودة سورية مزوّرة من شخص ينتظره في المكان نفسه ويقود سيّارة خضراء اللون تحمل لوحة سورية “دمشق”، ثمّ يسلّمها بدوره إلى إبن عم عطش ويدعى أيمن عطش.
وبالفعل لبّى شيرازي نداء صديقه واستلم عشر بطاقات ممهورة بخاتم دائرة الهجرة والجوازات السورية، وعاد بها إلى سوريا وأعطاها للشخص المذكور.
الاستعداد للسفر إلى تركيا
وفي شهر أيلول 2014، حضر شيرازي إلى لبنان حاملاً معه جواز سفر سورياً يحمل اسم محمّد عطش أعطته إيّاه محاميته منى د. وهو منتهي الصلاحية وبحاجة إلى تجديد، وتوجّه إلى محلّة المنية لتسليمه إلى عطش الذي كان ينوي السفر إلى تركيا بغية تجديده وتسوية وضعه في لبنان.
وعرض عطش المكنّى بـ”أبي سعيد”، على شيرازي السفر معه إلى تركيا من أجل لقاء شخص سوري الجنسية ملقّب بـ” أبي كرمو” واستلام مبلغ خمسين ألف دولار أميركي منه، ثمّ نقلها إلى لبنان بواسطة شيرازي الذي لن يشكّ بأمره أحد كونه إيراني الجنسية على أن يتقاضيا معاً مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي لقاء هذه “التوصيلة”، وتسليم المبلغ المتبقّي إلى “جهة لا يعرفها”، فوافق شيرازي دون أدنى تردّد وبقي في محلّة المنية مدّة شهر، غير أنّ عطش لم يتمكّن من تسوية وضعه القانوني، فاتفقا أن يسافر شيرازي إلى تركيا للإجتماع بـ” أبي كرمو” وأخذ الأموال منه، ولكنْ جرى توقيف شيرازي في مطار بيروت على يد جهاز الأمن العام اللبناني.
الإرهابي بلال ميقاتي
وأنكر شيرازي إنتماءه إلى أيّة جهة إرهابية، أو ارتباطه بمتطرّفين، مبرّراً بأنّ هدفه من تنفيذ ما طلبه منه عطش، هو الكسب المادي فقط.
كما نفى شيرازي معرفته بالإرهابي بلال عمر ميقاتي، ومحاولة عطش تهريبه إلى خارج الأراضي اللبنانية بموجب مستندات مزوّرة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 5 – آذار 2016).