“محكمة” تنشر إعترافات عناصر”النصرة” المتروكين مقابل تحرير العسكريين
كتب علي الموسوي:
إنتهت مأساة اختطاف ستّة عشر عسكرياً من الجيش وقوى الأمن الداخلي بعملية تبادل قضت بإطلاق سراح ثلاثة عشر موالياً بالروح والدم لـ “جبهة النصرة” التكفيرية الإرهابية من السجون اللبنانية، وثلاث نسوة من السجون السورية، وذلك في اليوم الأوّل من شهر كانون الأوّل 2015، أيّ بعد 486 يوماً من الخطف والاعتقال التعسفي وحجز الحرّيّة، وتحديداً منذ يوم السبت الواقع فيه 2 آب 2014 حيث دارت معارك بين الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والجماعات الإرهابية في بلدة عرسال وجرودها اللبنانية.
واختيار “جبهة النصرة” لعناصرها المطلوب إطلاقهم ضمن الصفقة التي أعاد تحريكها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله باتصال هاتفي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني،على ما قال مدير التفاوض من الجانب اللبناني المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، يؤكّد بأنّهم من أتباعها قلباً وقالباً حتّى ولو كان توقيفهم في لبنان سابقاً على ولادتها، وهذا ما يبرهن بأنّ كلّ الجماعات التكفيرية الإرهابية تتبع تنظيم”القاعدة” وإنْ حَمَلَتْ أسماء مختلفة، كما أنّها كلّها توالي بعضها حتّى ولو خرجت باسم مغاير عن أختها.
فكلّ العناصر الذين طالبت بهم جبهة “النصرة” يحملون العقيدة الجهادية التكفيرية مثل الفلسطيني السوري محمّد أحمد ياسين، وهذا موثّق باعتراف الأخير أمام القضاء، وتحديداً أمام المحقّق العدلي في قضيّة أحداث نهر البارد القاضي غسّان عويدات حيث قال عنه في تعريفه به أنّه من حملة هذه العقيدة، وهذا يعني التماثل إلى حدّ الوحدة، في الفكر والتوجّه مع أمراء وعناصر “جبهة النصرة”، ولو لم يكن الأمر كذلك لما بادرت إلى حصر مطالبتها بأسمائهم دون سواهم من الموقوفين، علماً أنّ بعض الموقوفين أخطر من المتروكين، فضلاً عن أنّهم نفّذوا أعمالاً تخريبية في وضح نهار مشمس، لم يقم بها المُطلقُ سراحهم تحت رايات “جبهة النصرة”.
وهذا يعني مرّة أخرى، أنّ تنظيم “فتح الإسلام” هو أيضاً من التنظيمات التكفيرية على غرار “جبهة النصرة”، وأنّ هناك مسؤولين في “جبهة النصرة” كانوا على علاقة قوّية بتنظيم “فتح الإسلام”، لا بل كانوا من قيادييه وعناصره، بدليل أنّهم طرحوا أسماء رفاقهم الموقوفين لدى لبنان والمحكومين من القضاء اللبناني، دون آخرين مرّوا مرور الكرام في عداد “فتح الإسلام”.
( الاعترافات صفحة؟؟؟؟؟)
ثلاثة قاتلوا في “البارد” وواحد عبر”الفايسبوك” وآخر أصيب في عسال الورد
“محكمة” تنشر إعترافات عناصر”النصرة” المتروكين لقاء تحرير العسكريين
كتب علي الموسوي
أسر الجيش اللبناني العنصر في تنظيم “فتح الإسلام” الفلسطيني السوري محمّد أحمد ياسين في 2 أيلول/سبتمبر 2007، خلال اندلاع الأحداث الأمنية داخل مخيّم “نهر البارد” في شمال لبنان، حيث كان مصاباً برصاصتين في إبطه الأيمن وركبته اليمنى، وكان يهمّ بمغادرة المخيّم ضمن أفراد المجموعة السابعة للهروب إلى خارجه مع فلول المسلّحين برئاسة “أميرهم” شاكر العبسي بعدما شعروا بمرارة الهزيمة، غير أنّ الجيش اللبناني اصطاده قبل نجاحه في الفرار.
وأوقف ياسين( والدته زينب أبو حسن، مواليد اليرموك في العام 1987، وملقّب بـ “أبي محمّد الفلسطيني”، و”سامر دياب”) لدى القضاء وجاهياً في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2007، وظلّ لغاية تركه من دون استجواب ومحاكمة، على الرغم من مثوله مراراً أمام المجلس العدلي طوال فترة توقيفه بعد صدور القرار الاتهامي عن القاضي غسّان عويدات، كونه من أوائل السجناء والموقوفين الذين طالبت “جبهة النصرة” بهم.
فقد أبقي ياسين جانباً لتسهيل مبادلته، ومن أجل مصلحة إتمام صفقة التبادل فور جهوزها، وبالتالي فإنّ أيّ حكم قضائي مبرم لم يصدر بحقّه، لأنّ أيّ حكم يعني وجود آلية قانونية إلزامية تقتضي إمّا إتمام العقوبة السجنية حتّى اللحظة الأخيرة من ثوانيها، وإمّا المتابعة مثل العفو الخاص من رئيس الجمهورية، بينما إبقاء الموقوف من دون محاكمة يسهّل الأمر على المحكمة لإخلاء سبيله وتركه، وبمعنى آخر، فإنّ القرار يكون للمحكمة المعنية بمحاكمته وليس لأيّ أمر آخر، ولا يكون مرتبطاً به. ولو أنّ المجلس العدلي أصدر حكماً على ياسين لاستحال تركه، وبقي مصيره معلّقاً مثل محكومين آخرين.
العقيدة الجهادية التكفيرية
ويحمل ياسين العقيدة الجهادية التكفيرية التي جاهر بها خلال التحقيق معه، مستنداً إلى دراسته في كلّيّة الشريعة الإسلامية في العاصمة السورية دمشق، وأمضى العام 2002 في منزل جدّه لوالدته حسن أبو حسن في بلدة الحفّة في اللاذقية حيث تعرّف إلى مجموعة من السلفيين التفكيريين وهم: زهير حدّاد الملقّب بـ”أبو البراء” وإبن أخته يوسف أبو بشير اللاذقي، وياسر حسن الكردي الملقّب بـ” أبو مجاهد”، وحسن أبو دجانة السوري، ونشأت بينهم صداقة قوّية.
وبعد احتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق في العام 2003، إنضمّ حدّاد وأبو بشير إلى جماعة “أنصار السنّة” العراقية وقاتلا في محافظتي ديالا والأنبار مدّة شهور قليلة ثمّ قفلا عائدين إلى مدينة اللاذقية من دون أن تنقطع الاتصالات بين ياسين وهذه المجموعة من الأصدقاء الذين قرّروا المضي قدماً في نشر الفكر السلفي. وعاد والتقى بهم من دون سابق موعد في مخيّم “نهر البارد” على الرغم من انتشار شائعة مفادها أنّهم انتقلوا إلى العراق للقتال.
ففي المخيّم وجد أمامه زهير حدّاد وقد تحوّل من “أبو البراء” إلى “أبو عبد الرحمن السوري”، ولم يلبث أن قتل بعد فترة مع صهر شاكر العبسي، المدعو محمّد أحمد طيورة الملقّب بـ “أبو الليث” عند الحدود السورية- العراقية.
وخلال مثابرته على درس الشريعة الإسلامية في العامين 2003 و2004، تولّى ياسين “إمامة” مسجد عمر بن الخطّاب في بلدة كنسبا التابعة لمنطقة الحفّة في محافظة اللاذقية لمدّة شهرين، ثمّ مسجد بلدة نحْ شبا في اللاذقية أيضاً.
من “الإنتفاضة” إلى “فتح الإسلام”
وأوقفت أجهزة الاستخبارات السورية ياسين للتحقيق معه، ثمّ تركته، فتوجّه إلى مكتب حركة “فتح الإنتفاضة” الموجود في مخيّم “اليرموك” في سوريا حيث طلب منه ياسر حسن الكردي الملقّب بـ “أبي مجاهد” التوجّه من سوريا إلى لبنان دون أن يفصح له عن الأسباب، فتردّد ياسين للوهلة الأولى، لأنّه كان يريد أن يجهّز نفسه للقيام بأعمال ضدّ النظام في سوريا.
وما لبث أن اتصل بالمسؤول العسكري في “فتح الانتفاضة” في مخيّم “اليرموك” الفلسطيني السوري يوسف عبد الله شديد(والدته مريم، مواليد العام 1948، وملقّب بـ”أبي العبد”) الذي أرسله إلى لبنان مع حسام فؤاد الخليل الملقّب بـ”خطّاب”. وقد دخل ياسين البلاد خُلسة، وقصد مخيّم “شاتيلا” في بيروت، وكان من ضمن عناصر “فتح الانتفاضة” المنشّقة أساساً عن حركة “فتح” التي أسّسها ياسر عرفات الملقّب بـ”أبي عمّار”، فبقي أسبوعاً كاملاً.
ثمّ انتقل ياسين برفقة الفلسطيني السوري “أبو عمران” إلى مخيّم “نهر البارد” ملتحقاً بموقع “صامد” التابع لـ”فتح الإنتفاضة” لمدّة أسبوعين، ليعود ويتحرّك باتجاه مركز التنظيم الكائن في وسط المخيّم حيث تعرّف إلى العشرات من العناصر من جنسيات عربية مختلفة، وهذا ما مهّد بعد نحو ثلاثة أسابيع لإعلان ولادة “فتح الإسلام” التي سيطرت على كلّ مواقع “فتح الإنتفاضة” دون أيّة إشكالات أو أحداث أمنية تذكر، وشيّدت مراكز إضافية لها لكي تتسع لإيواء أكثر من مائتي عنصر وقيادي ومن بينها مركز خان العبدة القريب من شاطئ البحر.
وفي هذا المخيّم، إلتقى ياسين بـ”رفاق الدرب” ياسر الكردي وإبن عمّته حسن الملقّب بـ”أبو دجانة اللاذقاني”، و”أبو بشير اللاذقاني” الذين أخبروه بأنّهم دخلوا من سوريا إلى أحد معسكرات التدريب التابعة لحركة “فتح الانتفاضة” في البقاع.
وبوشرت التدريبات القتالية المكثّفة في موقع “صامد” على الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة وقواذف “أر.بي.جي” والخطط الحربية تحت إشراف عدد من المدرّبين هم: الفلسطيني أحمد توفيق الهيتي الملقّب بـ “أبو الزبير”( قتل لاحقاً)، والفلسطيني السوري خيرالله محمّد خلف الملقّب بـ “أبو الشهيد”( مواليد قبر الستّ في العام 1975)، والسوري الحلبي “أبو أنس”، والفلسطيني الأردني عبد العزيز حسن الشواخ الملقّب بـ “أبو صقر”( مواليد إربد في العام 1981) الذي كان مسؤول التفخيخ والمتفجرّات.
سعوديون وجزائريون وفلسطينيون وسوريون
وبانتهاء الدورة بعد عشرة أيّام، فصل ياسين إلى موقع “صامد” للحراسة طوال شهر كامل، نقل بعدها، إلى موقع “بيت أبو البراء” أمام المشفى ضمن التقسيمات التي اعتمدها العبسي في توزيعه للمواقع العسكرية. وكان معه كلٌّ من: السعودي “أبو وقّاص الجزراوي”، والفلسطيني الأردني محمّد ذكي أحمد أحمد الملقّب بـ “أبو الزبير”( قتل لاحقاً)، وأمير المجموعة القتالية عزّ الدين عبد القادر بن موسى الملقّب بـ”أبو معتزّ الجزائري”(حكم عليه المجلس العدلي في 12 حزيران/يونيو 2015 بعقوبة الأشغال الشاقة مدّة عشرين عاماً وجاهياً وطَرْده من لبنان نهائياً بعد تنفيذ عقوبته)، ونصر الدين عدّة بلقايم الملقّب بـ”أبي ياسر الجزائري”(حكم عليه المجلس العدلي برئاسة القاضي جوزف سماحة في 12 حزيران/يونيو 2015 بعقوبة الأشغال الشاقة مدّة خمسة عشر عاماً وجاهياً وطرْده من لبنان نهائياً بعد تنفيذ عقوبته)، وأحمد حسن لبش الملقّب بـ”أبي عادل”، وأحمد بسّام قاسم الملقّب بـ”أبي صهيب”، والسوري محمّد عمر أحمد الراجح الملقّب بـ”أبي خباب”، وصالح عبد الحميد بلقاسم، والسوري نوري نصر المحمود الحجّي الملقّب بـ”أبي البراء الحموي” شقيق عمر الحجّي رئيس الخلّيّة التي ارتكبت التفجيرين في حافلتين لنقل الركّاب في محلّة عين علق في قضاء المتن الشمالي في 13 شباط/فبراير من العام 2007( حكم المجلس العدلي برئاسة القاضي أنطوني عيسى الخوري على نوري المذكور بالإعدام وجاهياً في 30 أيّار/مايو من العام 2014).
كما خدم محمّد ياسين في مراكز الحراسات في مواقع “خان العبدة”، و”التنظيم” بإمرة السوري “أبو هاجر”، إلى أن جرى الاعتداء على مركز الجيش اللبناني في المحمرة حيث هاجمها المسؤول العسكري اللبناني شهاب خضر القدور الملقّب بـ “أبو هريرة”(قتل في محلّة أبي سمرا بتاريخ 31/7/2007) على رأس مجموعة كبيرة من المسلّحين، وعلى حاجز الجيش اللبناني في العبدة، وبدأت شرارة المعارك.
وحَمَلَ الجيش اللبناني على عناصر “فتح الإسلام” الموجودين على محور مسجد “التقوى” المشرف على بلدة المنية، أملاً بإحداث ثغرة تقلقهم، وهم: السوريون عبد الملك أحمد عبود الملقّب بـ “أبي حسام”(قتل)، و”أبو همّام الشاوي” ونوري نصر المحمود الحجّي الملقّب بـ “أبي البراء الحموي”، والسعوديون عايض مبارك عبد الله القحطاني الملقّب بـ “أبي مصعب الجزراوي”( مواليد الرياض في العام 1985) و عاطف صالح مساعد العوفي الملقّب بـ “أبي حكيم”( مواليد المدينة المنورة في العام 1984، وقتل) و”أبو سعد الجزراوي”، والتونسي حامل الجنسية الألمانية أحمد عبد السلام عبد الكريم الملقّب بـ “أبي ثابت”( مواليد هامبورغ في العام 1981) والتونسي محمود البشير عبد الله شواط الملقّب بـ “أبي شيماء”( مواليد بنقردان في العام 1982، وقتل)، والفلسطيني السوري “أبو حسن”، فنُقل ياسين مع آخرين لمؤازرتهم طوال اشتداد وقع المعارك، ثمّ استدعي مع الجزائري محمّد عبد القادر قدوّر( والدته عائشة حمريت، مواليد العام 1972، وملقّب بـ “أبي أنس الجزائري”، قتل لاحقاً) للقتال عند محور مدارس “الأونروا”، وقرب صالة “النورس”، ولنقل الذخائر من مختلف الأنواع من جامع “الحاووز” إلى محور مطعم “بهار” في شارع التنظيم، ومحور أوتوستراد المنية والمحمرة، وتوزيعها على رفاقه المسلّحين.
التونسي بين “البارد” و”عين الحلوة”
ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ التونسي المجنّس ألمانياً أحمد عبد السلام عبد الكريم خرج من مخيّم “نهر البارد” في 2/9/ 2007، وألقى الجيش اللبناني القبض عليه في 11/6/2008 خلال اشتباك مسلّح عند مدخل مخيّم “عين الحلوة” في شرق مدينة صيدا حيث أصيب في رأسه، وكان يحمل بطاقتي لاجئ فلسطيني مزوّرتين باسم “إبراهيم جعفر”، و”وفيق شقير”. وقد أخلى القضاء سبيله في 29/5/2009 بسبب المرض.
الإصابة والخروج من المخيّم
وخلال حمل ياسين الذخائر مع “أبو أنس الجزائري”، سقطت قذيفة مدفعية بالقرب منهما فقتل الأخير، وأصيب هو بجروح بليغة في رجله اليمنى، ونقل للمعالجة داخل جامع “الحاووز” الذي تحوّل إلى مكان لتجميع الجرحى. وبعد شفائه أبقي مع مسلّحين آخرين عند نقطة حماية هذا الجامع لغاية الأوّل من شهر أيلول/سبتمبر من العام 2007، حيث حضر الناطق الرسمي باسم التنظيم الفلسطيني السوري محمّد صالح زواوي الملقّب بـ “أبي سليم طه” وأبلغهم بالاستعداد للخروج من المخيّم ضمن مجموعات، فتجهّزوا ومع اشتداد ظلمة الليل انسلّوا نحو العبدة وتفرّقوا أشتاتاً ليتدبّروا أمرهم، واختبأ هو مع “أبو خالد السوري” بين الأشجار الموجودة عن الطرف الثاني من الأوتوستراد، غير أنّ دورية من الجيش اللبناني كشفت أمرهما وأوقفتهما.
وأثناء وجوده في مخيّم “نهر البارد”، أخذ محمّد أحمد ياسين يتنقّل بموجب بطاقة لاجئ فلسطيني مزوّرة باسم “سامر دياب” إستحصل عليها من مسؤول التزوير في “فتح الإسلام” الفلسطيني الأردني حسين فوزي ارحيل قديس قديسات الذي قتل في مخيّم “نهر البارد”، وكان يحمل ستّة ألقاب هي:” أبو أسامة الأردني”، “جواد قاظم خضر”، “عبد الله محمّد أحمد”، شوقي غالب كريم”، “محمّد سالم الحميري”، و”عبد الله حسن فارس”.
وليس محمّد أحمد ياسين الوحيد الذي أرسله الفلسطيني السوري يوسف عبد الله شديد إلى لبنان، بل سبقه ولحقه العشرات وتوزّعوا على مخيّمات “شاتيلا”، و”صبرا”، و”برج البراجنة”، قبل أن ينقلوا إلى مخيّم “نهر البارد”. وكان شديد الذي بقي فاراً من وجه العدالة، يطلب من عناصره أن يكونوا من عداد اللجنة الأمنية المؤلّفة من لجان فلسطينية عديدة في مخيّمي “شاتيلا” و”برج البراجنة” بهدف الإطلاع على خفايا القرارات وما يدور في الاجتماعات الأمنية والسياسية، فضلاً عن إعطائهم أدواراً كبيرة من أجل الهيبة والهيمنة، وبسط النفوذ.
وهذا ما يؤكّد أنّ عناصر شاكر العبسي المهمّين والخطرين ممن هم من التابعية الفلسطينية، تسلّلوا من سوريا إلى لبنان وتخفّوا ببطاقات لاجئين فلسطينيين مزوّرة في مخيّم “نهر البارد”، وبالتالي فإنّ لهجتهم الفلسطينية ساعدتهم على التمدّد والتوسّع داخل أزقّة وأحياء المخيّم من دون لفت النظر إلى أنّهم غرباء وأجانب.
الفرار من “رومية”
وحاول محمّد أحمد ياسين مرّتين الفرار من السجن الأولى في 20 آذار/مارس 2010، والثانية في 5 شباط/فبراير 2013، غير أنّ هاتين المحاولتين باءتا بالفشل، وهو جرّب سجن المحكومين، وسجن الموقوفين (د)، وسجن الأحداث، واستقرّ به المقام في سجن الموقوفين (ب) في سجن رومية المركزي إلى حين تركه حرّاً ضمن صفقة التبادل.
واشترك الفلسطيني اللبناني حسام فؤاد الخليل(والدته نزيهة، مواليد البارد في العام 1980، وملقّب بـ”خطاب”، و”حسام الخطّاب”، و”حسام فارس”) في المعارك ضدّ الجيش اللبناني حيث كان قنّاصاً، إلى أنّ أوقف في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2007، وأصدر المجلس العدلي برئاسة القاضي جوزف سماحة حكمه عليه يوم الجمعة الواقع فيه 10 تموز/يوليو من العام 2015، وقضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة به بصورة وجاهية.
رحّال يقلّد شقيقه بأفكاره السلفية
إنضمّ السوري محمّد حسين رحّال(والدته روضة بكور، مواليد إدلب في العام 1972، وملقّب بـ”أبي علي السوري”، و”محمّد جاسم الأمين”، و”جمال خليل الذهبي”)، إلى الجيش السوري مجنّداً في العام 1990، وخدم في منطقة الجولان إلى حين تسريحه من الخدمة في العام 1993، فأخذ يتردّد إلى مسجد الحارة الغربية في بلدته معرّدبسة في ريف إدلب حيث كان يؤمّه شقيقه الشيخ عبد الرزّاق رحّال المنتمي إلى الفكر السلفي التكفيري، قبل أن يقتل مع شقيقه الآخر على يد سلطات الأمن السورية.
بعد دهم منزل عائلته، فرّ محمّد رحّال إلى العاصمة دمشق قاصداً شخصاً يعرف باسم إبراهيم طلب منه تزويده ببطاقتي هويّة سورية مزوّرتين، وبطاقتي عودة مزوّرتين باسم “محمّد جاسم الأمين”، و”جمال خليل”، وذلك بهدف التوجّه إلى لبنان، من دون أن يعرف أحد باسمه الحقيقي، فلبّى طلبه ورغبته على الفور.
حمل رحّال شخصيته الجديدة، قاصداً “مخيّم شاتيلا” في بيروت، “فمخيّم عين الحلوة” في شرق صيدا حيث نصحه أحد المشايخ بالتوجّه إلى مخيّم “نهر البارد” والالتحاق بجماعة “فتح الاسلام”، فذهب بتوصية منه إلى شاكر العبسي الذي استقبله وألحقه بتنظيمه، وصار يتلقّى الدروس الدينية، وعند اندلاع المعارك ضدّ الجيش اللبناني خاضها في عدد من المواقع بينها المحمرة، والعبدة، والحاووز، والتعاونية، إلى أن تمّ توقيفه في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2007، وصدر القرار الاتهامي في أحداث نهر البارد في 19 تموز/يوليو من العام 2012، وظلّ بدون أيّة محاكمة أمام المجلس العدلي بانتظار إجراء صفقة التبادل، فالتحق بها.
نجم التحايل
ولم يأت الفلسطيني السوري محمّد علي نجم(والدته وطفة السيّد، وملقّب بـ”أبي طارق”، و”محمود عدنان عموري”، و”عمر أحمد قطيش) إلى مخيّم “نهر البارد”، بل ولد فيه في العام 1980، ثمّ “هاجر” إلى مخيّم “اليرموك” في سوريا حيث نشأ، ولمّا شبّ وصار مهيّئاً للقتال وفد إلى مخيّم “نهر البارد”.
حاول التحايل على القاضي غسّان عويدات عند إحضاره إليه بعد توقيفه في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2007، لاستجوابه خلال مرحلة التحقيق الإستنطاقي، مدعياً عدم قدرته على النطق، وعدم استطاعته الإيماء، ولا الإستجابة لأيّ شيء بسبب إصابته، وهذا ما دفع القاضي عويدات إلى تأجيل استجوابه فترة من الزمن، إلى أن انكشف أمره بأنّ تخفّيه وراء “الشلل الكلامي” مردّه احتفاظه بحقد عارم، فأحضر إليه من جديد في 14 تموز/يوليو من العام 2008، ليعترف بأنّ أمجد عبد الله كيوان الملقّب بـ”أبي خالد” جنّده، فدخل خلسة عن طريق المعبر الحدودي الشرعي في المصنع، مستعملاً إخراج قيد سوري مزوّراً باسم “عمر أحمد قطيش” بعدما استحصل عليه بواسطة المرافق الشخصي لأمير “فتح الإسلام” شاكر العبسي والذي فرّ معه، الفلسطيني السوري مازن نزّال نزّال( مواليد “اليرموك” في العام 1980، وملقّب بـ”أبي أحمد المرافقة السوري” ومتزوّج من هند أحمد حاجي سليمان شقيقة طه أحمد حاجي سليمان الذي هرب ليوم واحد من سجن رومية المركزي، وذلك يوم الثلاثاء الواقع فيه 18 آب/أغسطس من العام 2009، ثمّ ألقت عناصر فوج المغاوير في الجيش اللبناني القبض عليه في خراج بلدة بصاليم المجاورة لمحلّة رومية، وأعادته إلى زنزانته).
من تزوير الحقائق إلى تحوير المستندات
وعمل محمّد علي نجم في “فتح الإسلام” في مراقبة الإعلام مع السعودي “أبي سعد الإعلامي” الذي قتل لاحقاً، حيث كان من ضمن مجموعة موقع “بيت اللجنة الاعلامية” بحسب تقسيمات العبسي لعناصره القتالية، ثمّ رقّي إلى العمل في التزوير مع السوري أنس طلال هزّاز(مواليد العام 1984، وملقّب بـ”أبي ماريا” وقتل)، والتونسي أمين الستيلي الملقّب بـ”أبي محمّد التونسي”( قتل أيضاً) حيث كانت مهمّته التحوير في أشكال الصور لاستعمالها في تزوير المستندات، واستحصل من الفلسطيني السوري يوسف شريف شريف الملقّب بـ”أبي حمزة السوري” و”أبي حمزة الحموي”(قتل أيضاً)، على بطاقة لاجئ فلسطيني لبناني مزوّرة باسم “محمود عدنان عموري”(والدته هناء، مولود 1980 بيروت، ملفّ 389، رقم البيان 4068).
وقاتل محمّد علي نجم في العبدة، والمحمرة، وموقع الجسر، وقنص أحد العسكريين قبل أن يلقى القبض عليه.
الغضبان لم يتنكّر لـ”النصرة”
كان يفترض أن يترك السوري عبد المجيد عبدالله الغضبان( والدته دلّة المبروك، مواليد الرقّة في العام 1985، رقم القيد 60 الكرين) سجن رومية المركزي في شهر أيّار 2016، بانتهاء مدّة محكوميته البالغة ثلاث سنوات بعد احتساب السنة السجنية تسعة شهور وهو الذي أوقف في شهر شباط 2014، غير أنّه استعجل الخروج ضمن صفقة التبادل بسبب وفائه لـ”جبهة النصرة” التي لم يتنكّر لها لا في التحقيقات الأوّلية، ولا في التحقيقات الاستنطاقية، ولا خلال محاكمته أمام المحكمة العسكرية الدائمة، فأكّد ولاءه لها من دون أن يقوم بأيّ عمل أمني مهمّ باستثناء نشاطه الدؤوب على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”.
وقد أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم حكمها بحقّ عبد المجيد عبدالله الغضبان في 26 آب 2015، وقضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدّة ثلاث سنوات بحقّه لجهة المادة 335 من قانون العقوبات والمتعلّقة بالإنتماء إلى تنظيم “جبهة النصرة” المسلّح بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، وتجريده من الحقوق المدنية، وبإعلان براءته من المادتين 5 و6 من قانون 11/1/1958( قانون الإرهاب) لعدم كفاية الدليل.
بعدما أنهى عبد المجيد دراسة الإعدادية في مدينة الرقّة، إلتحق بالثانوية الشرعية حيث بقي ستّ سنوات حتّى تعمّق في العقيدة السلفية على يد الشيخ أبو قتيبة رشيد عسّاف( قتله تنظيم “داعش” في العام 2013)، وهو ينتمي أساساً إلى عشيرة الناصرة المعادية للنظام في سوريا، ولها ميول سلفية، وشارك عدد لا بأس به من أبنائها في القتال في العراق.
ميول سلفية
وفي أواخر العام 2006، إنضمّ عبد المجيد إلى صفوف الجيش السوري لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية حيث وضع في الفرقة 18، وتعرّف فيها إلى ضابط أمن الكتيبة المقدّم عبود عبود الملقّب بـ”أبي يزن الديري” كونه من مدينة دير الزور، فنشأت بينهما علاقة صداقة قوّية توطّدت مع حملهما ميولاً سلفية وتبادلهما النشرات الدينية السلفية بشكل سرّي، فدرّبه الأخير على العمل الأمني من مراقبة واستقصاء، وعندما اشتعلت الحرب إنشقّ عن جيش بلاده وانخرط، في البدء، بـ”الجيش الحرّ”، ثمّ بـ “جبهة النصرة”، وصارت وظيفته قائداً ميدانياً ما بين ريف حمص، وريف دمشق، والقلمون.
ولم يتأخّر عبد المجيد الغضبان في تقديم العون والسند لـ “جبهة النصرة” على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” حيث كان يروّج لنشاطاته ويبثّ معاداته للنظام السوري، كما انضمّ شقيقه عبد الحميد الغضبان إلى التنظيم المذكور في مدينة حلب تحت إسم ” أبو عبدالله الجزراوي”، وتبعه شقيقه الآخر الرقيب في الفرقة الرابعة في الجيش السوري عبد العزيز الغضبان الذي ارتمى بأحضان “لواء أويس القرني” التابع لـ”النصرة” أيضاً باعتبار أنّ قائد هذا اللواء عبد الفتّاح الحاج عبد الشيخ موسى من عشيرته.
مراقبة “المنار” ومستشفى الرسول
وأنشأ عبد المجيد الغضبان صفحة على “الفايسبوك” أسماها ” جبهة النصرة في فلسطين”، كما أنّه أسّس صفحة أخرى على موقع “تويتر” باسم “زاهد الغرباء” نشر عبرها صوراً وفيديوهات مختلفة، وظلّ مواظباً على النشر فيه على أنّه من الطبقة في الرقّة السورية، لغاية الخامس من شهر كانون الثاني 2014، أيّ قبل فترة وجيزة من توقيفه في بيروت. وشجّعه الأمير الشرعي في “جبهة النصرة” السوري عبد الرحمن العسكري على تنفيذ هاتين الصفحتين وهو يعرفه منذ أيّام الدراسة في الشام.
والتقى عبد المجيد الغضبان في بيروت وتحديداً في مخيّمي صبرا وبرج البراجنة بعناصر من “جبهة النصرة” مكلّفين القيام بأعمال أمنية في منطقة الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، ومنهم عبدالاله الخلف العدهان من “لواء أويس القرني”، والذي كان يتستّر بأنّه عامل يومي، ودخل مرّة باسم مستعار وهوّية سورية مزوّرة إلى مستشفى الرسول الأعظم في محلّة طريق المطار بداعي أنّه مريض ويريد أن يتعالج، وذلك لكي يعرف تفاصيل المستشفى من الداخل. وشملت عمليات المراقبة “مجمع سيّد الشهداء”، و”مستشفى الساحل” وبقيّة المستشفيات الموجودة في الضاحية الجنوبية، وتلفزيون “المنار”، ومقرّ الرئيس نبيه بري في قصر الرئاسة الثانية في محلّة عين التينة.
وبعد كلّ تفجير إرهابي يطاول المدنيين الأبرياء في الضاحية الجنوبية لبيروت، كان عضو المكتب الإعلامي لـ “لواء أويس القرني” السوري مهاب ناصر يتصل به ويسأله عن الأضرار والضحايا وعمّا إذا كانوا مدنيين أو عناصر حزبية، مع الإشارة هنا إلى أنّ ناصر المذكور أصيب في شهر آذار 2013، في قدمه بفعل قصف الجيش السوري في منطقة الطبقة في الرقّة.
سكن عبد المجيد الغضبان مع أقاربه في مخيّم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث كان يخرج منه كلّ يوم صباحاً للعمل كدهّان في ورش البناء الموجودة في غير مكان بما فيها محلّة عين التينة في بيروت، ويعود إليه عصراً، إلى أن حصل خلاف بين أقاربه وآخرين، فتدخّلت اللجنة الأمنية المسؤولة في المخيّم وأوقفتهم، وسلّمته هو إلى مخابرات الجيش اللبناني بسبب ارتباطاته بـ “جبهة النصرة”، فلم يتردّد في الاعتراف بميوله السلفية وحبّه لهذا التنظيم الإرهابي.
والغضبان هو أحد إثنين محكومين من المتروكين ضمن صفقة التبادل، والآخر هو السوري عبد اللطيف أسعد.
أسعد والدعم الإعلامي للمسلّحين
وانضمّ عبد اللطيف محمّد أسعد الملقّب بـ”أبي محمّد الحمصي”، إلى الجيش السوري وفصل إلى فرع المخابرات في القنيطرة حيث سرّح في العام 1994، ونشط في مجال التجارة بين لبنان وسوريا، إلى أن اندلعت الحرب في وطنه، فانتقل إلى لبنان للعمل مع”الائتلاف الوطني السوري” وأحمد الجربا وميشال كيلو تحت عنوان إنساني يتعلّق بمجال الإغاثة، كما أنّه نشط في مجال تقديم الدعم الإعلامي للمسلّحين من خلال موقعه الإلكتروني “تجمّع أحرار سوريا”، وتولّى مركز الأمين العام لـ “تجمّع سوريا”.
أوقفته المديرية العامة للأمن العام في العام 2012، لحيازته جواز سفر مزوّراً، بعدما استحصل على ختم خروج سوري على هذا الجواز مقابل رشوة مالية دفعها، ودخل إلى الأراضي اللبنانية عبر أحد المعابر الشرعية بموجبه، لكنّ فعلته لم تمرّ على الأمن العام، فأوقفه وأحيل على القضاء، وصدر حكم عليه بالسجن شهراً ونصف الشهر مع قرار بترحيله إلى بلاده، غير أنّ تدخّلات سياسية لبنانية معارضة للنظام السوري حالت دون حصول ذلك، فأبقي في لبنان.
وخلال توقيفه تعرّف إلى مواطنه زيدان زيدان، ونشأت صداقة بينهما إمتدت إلى ما بعد خروجهما من السجن حيث تعاونا في شراء أسلحة بغية تمريرها إلى المنظّمات الإرهابية في سوريا، ومن بينها صاروخ مضاد للطائرات، ثمّ تعاون مع صانع العبوات والمتفجّرات السوري أحمد العموري الملقّب بـ”أبي عبدو العموري” الذي أودع لديه في منزله في بلدة حلبا العكّارية “غالونات” تحتوي مادة أسيدية وسماداً كيماوياً، وهو لم ينف طوال استجوابه تورّطه في سعيه الدؤوب لتأمين السلاح.
ولدى عبداللطيف أسعد إبن يدعى ملاذ أسعد ناشط على “الفايسبوك”، وجيّر صفحته لنشر أخبار التنظيمات الإرهابية في سوريا وهو يعمل ضمن “كتيبة الفاروق” الفصيل العامل في عداد “جبهة تحرير سورية الإسلامية” بقيادة أبو عيسى أحمد عيسى الشيخ. وقد تشكّلت هذه الجبهة في شهر أيلول من العام 2012، ثمّ ما لبثت أن أعلنت عن حلّ نفسها في 25 تشرين الثاني 2013 بعد تأسيس “الجبهة السورية”.
وفي 17 أيلول 2014، حكمت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم على أسعد بعقوبة الأشغال الشاقة مدّة ثلاث سنوات وجاهياً مع التجريد من الحقوق المدنية، وذلك بعدما جرّمته بتهم “الانخراط في عصابة مسلّحة تهدف إلى ارتكاب الجنايات على الأموال والناس، والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، والقيام بأعمال إرهابية والتزوّد بالأسلحة والمتفجّرات اللازمة والتدرّب عليها، وحيازة أسلحة حربية غير مرخّصة”، وبرّأت نجله محمّد من هذه الإتهامات لعدم كفاية الدليل.
جمانة حميّد والحقد الأعمى
وملأ الحقد قلب جمانة حسن حميّد على اثر مقتل شقيقها في الحرب الدائرة في سوريا ومشاركته في القتال ضمن صفوف “جبهة النصرة”، فعميت بصيرتها وبصرها، وقرّرت الانتقام بعيار أكبر، فوضعت نفسها في سيّارة مفخّخة بمئة وأربعة كيلوغرامات من المواد الشديدة الانفجار، من نوع “كيا ريو” فضيّة اللون وضعت عليها لوحة مزوّرة، وقادتها قبل ظهر يوم الأربعاء الواقع فيه 12 شباط من العام 2014، على أمل أن تصل إلى المكان المستهدف وفق خطّة مسبقة، وتسليمها إلى “الإنتحاري” الجاهز، غير أنّ توقيف مخابرات الجيش اللبناني للإرهابي الفلسطيني نعيم اسماعيل محمود المعروف باسم ” نعيم عبّاس” في محلّة الطريق الجديدة، وتقديمه اعترافات سريعة عن وجود سيّارات مفخّخة، أصابت تاجرة النحاسيات جمانة حسن حميّد بالخيبة من دون أن تدري، فما إن وصلت إلى حاجزه في بلدة اللبوة بُعَيد خروجها من بلدتها عرسال، حتّى جرى توقيفها على الفور، واستخراج المتفجّرات الموزّعة في جنبات “سيّارة القتل” والمخبّأة في مقعدها الخلفي.
وكانت تجلس في هذه السيّارة مع جمانة حميد( والدتها درّة، مواليد العام 1982، ورقم سجّلها 69، وملقّبة بـ” التومللي”) إمرأتان من بلدتها هما: ه.ر. وخ.ع. إتخذتهما ستاراً لئلاّ ينكشف أمرها، وتبيّن عدم ارتباطهما بها، وإنْ كانتا تعرفان بما تختزنه من حقد أعمى بفعل مقتل شقيقها، ثمّ قريبها خالد حميّد يوم الجمعة الواقع فيه الأوّل من شباط من العام 2013 على يد دورية من مخابرات الجيش اللبناني كانت تداهمه لتوقيفه لأنّه مطلوب للقضاء، فكمن بعض أهالي بلدة عرسال للدورية وعملوا على إطلاق النار من أسلحة حربية على أفراد الدورية، ممّا أدّى إلى استشهاد النقيب بيار بشعلاني، والرقيب أوّل إبراهيم زهرمان، وجرح الملازم ميلاد صفير وسبعة عسكريين آخرين. وقيل إنّه استخدمت أدوات حادة لقتل النقيب والرقيب اللذين ألقي القبض عليهما وهما جريحان.
ولم تكن هذه السيّارة المفخّخة الوحيدة التي قادتها جمانة حمّيد، بل سبقها قيامها بقيادة سيّارة أخرى مفخّخة من عرسال إلى عاليه حيث لاقاها السوري فارس حسين الحمود الملقّب بـ” فادي”، ونزلا معاً إلى محلّة جسر الكولا في بيروت حيث صرف حميّد وقاد السيّارة بمفرده، سائراً خلف نعيم عبّاس الذي كان في سيّارة أمامه، حتّى وصلا إلى موقف عمومي في محلّة كورنيش المزرعة، فركناها بانتظار حلول موعد استعمالها وتفجيرها.
وبعد توقيف جمانة حميّد هددت “النصرة” بإعدام العسكري علي البزّال ما لم يجر تركها، وعرضت صوراً يظهر فيها تحت سكّين الذبح، ما يدلّل على مكانة هذه المرأة لدى هذا التنظيم الإرهابي الذي جنّدها بواسطة المسؤول فيه “أبو خالد”.
الحجيري وخطف الأستونيين
وأوقف “فرع المعلومات” في قوى الأمن الداخلي حسين أحمد الحجيري (مواليد عرسال في العام 1983، وملقّب بـ”حسين الحلاّق” لامتهانه الحلاقة)، بين جرود عرسال ورأس بعلبك، وذلك يوم الخميس الواقع فيه 2 أيّار من العام 2013، في عملية أمنية نظيفة، كونه الرأس المدبّر لعملية خطف الأستونيين السبعة في منطقة البقاع في 23 آذار من العام 2011، ولفترة 170 يوماً، نزولاً عند طلب أحد المسؤولين الكبار في تنظيم “القاعدة” في العراق.
وحاول “فرع المعلومات” أكثر من مرّة توقيف الحجيري، وأصابه بجروح في إحدى المطاردات، غير أنّه أفلت وهرب، إلى أن وقع في كمين الاستدراج. وبإيعاز منه نصبت مجموعة مسلّحة تابعة له كميناً لدورية من “فرع المعلومات” في بلدة جلالا(قضاء زحلة) ممّا أدّى إلى استشهاد الرقيب أوّل إلياس نصر الله وجرح رقيب آخر في 16 أيلول 2011.
ولم يكتف الحجيري بالأستونيين، بل عمد أيضاً إلى خطف ثلاثة صحفيين أجانب يعملون في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ونقلهم إلى سوريا قبل أن يعود ويتركهم، وهو الذي أشعل الفتنة بين آل جعفر وأهل بلدته عرسال لتورّطه الفعلي في خطف حسين كامل جعفر.
والحجيري “زبون” سابق في سجن رومية المركزي وتحديداً مبنى الموقوفين (ب)، إذ سبق له أن زاره في العام 2008 وأمضى فيه سنة وثمانية شهور نتيجة حكم صادر بحقّه بجرم تأليف عصابة مسلّحة.
الحلاّق من الإغاثة إلى الإصابة
ولم يقنع اللبناني إيهاب الحلاّق بملازمة العمل الإنساني وإغاثة السوريين الهاربين من”الموت العاصف” في بلادهم، ضمن الجمعية الإسلامية في العاصمة السويدية استوكهولم حيث نشط وعاش ثلاثين عاماً وحمل الجنسية السويدية، فقرّر الاقتراب من الحدود اللبنانية – السورية لعلّه يتمكّن من تقديم العون المفيد لـ”جبهة النصرة” في عملياتها الإرهابية ضدّ اللبنانيين، ولذلك عاد إلى لبنان في العام 2012، وانتقل سرّاً إلى مدينة القصير في حمص قبل تحريرها من المسلّحين، وتمدّد منها إلى بلدة عسال الورد، غير أنّ حظّه العاثر أوقعه في الإصابة، وخلال فترة معالجته تعرّف إلى المسؤول الإعلامي لدى “جبهة النصرة” السوري عبيدة الله زعيتر الملقّب بـ”أبي معن” واشتدت أواصر العلاقة بينهما ممّا دفعه إلى تزويجه ابنته.
وسبق للحلاّق أن درس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة في المملكة العربية السعودية.
إنتحاري ومصلح إجتماعي
وأوقف الجيش اللبناني عند حاجز وادي حميد في بلدة عرسال، في 14 كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2014، الأمير الشرعي لـ “جبهة النصرة” السوري محمّد حسين يحيى، بالجرم المشهود مزنّراً نفسه بحزام ناسف، خلال اختبائه في سيّارة عضو “هيئة علماء المسلمين” الشيخ حسام الغالي الذي كان متوجّهاً للقاء خاطفي العسكريين ونقل مطالبهم إلى الدولة اللبنانية. ووجدت في السيّارة أسلحة حربية هي عبارة عن ثلاث بنادق وثلاثة مسدّسات زعم الغالي أنّها مرخّصة ولحمايته الشخصية، وأنّ الإرهابي المزنّر نفسه هو وسيط ومصلح إجتماعي بين اللاجئين السوريين الموجودين في المخيّم الثابت في عرسال!.
أمّا حقيقة يحيى المكنّى بـ” أبي حسين”، فهي أنّه درس الهندسة المعمارية في جامعة دمشق وتخرّج حاملاً شهادتها في العام 2012، بموازاة انصرافه إلى دراسة الفقه الشرعي الديني واعتلاء المنابر في المساجد خطيباً غير مؤثّر وغير مستفزّ، ثمّ تأسيس منظّمة “شباب الدعوة والجهاد” للتعمّق أكثر في مجابهة النظام في سوريا، وهذا ما دفعه إلى اللجوء إلى منطقة القلمون والإنخراط في صفوف “جبهة النصرة” التي وقفت على مؤهلّاته الدينية فقرّر “أميرها” هناك “أبو مالك التلّي” ونائبه “أبو صهيب” إيلاءه دفّة التشريع الديني، وهذا ما جعله على تماس مباشر مع كلّ قيادات “جبهة النصرة” وعناصرها ومنهم “أبو عبدالله العرجوني” الذي أعطاه مسدّساً وحزاماً ناسفاً للحماية الشخصية والدفاع عن نفسه بالانتحار لحظة وقوعه في كمين ما.
الدليمي بحمى “أبي ثابت”
وأوقف حاجز الجيش اللبناني في محلّة المدفون في شمال لبنان، في 19 تشرين الثاني 2014، طليقة زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”(داعش) “أبي بكر البغدادي” العراقية سجى حميد الدليمي وزوجها الفلسطيني كمال محمّد خلف(والدته ميسرة، من مواليد 21 كانون الأوّل من العام 1989 في مخيّم نهر البارد، وملقّب بـ”أبي ثابت”، “أبي عبيدة”، “محمّد سعيد الحسيني”، و”كمال أبي ثابت”) لأنّها كانت تحمل هويّة سورية مزوّرة باسم “ملك عبدالله”، ودخلت الأراضي اللبنانية خلسة وبطريقة غير شرعية.
وعلى الرغم من أنّ هاتين التهمتين هما جنحة تتراوح عقوبتهما بين ستّة شهور وثلاث سنوات كحدّ أقصى سنداً للمادة 463 من قانون العقوبات اللبناني، إلاّ أنّ الدليمي أحيطت بحراسة أمنية مشدّدة وهالة إعلامية كبيرة، كونها طليقة “أبي بكر البغدادي”. وسبق للسلطات السورية أن أوقفتها ثمّ أفرجت عنها في شهر آذار 2014، ضمن صفقة تبادل ثلاث عشرة راهبة من دير في بلدة معلولا السورية بموقوفين لـ “جبهة النصرة” في سجونها.
أمّا خلف الذي تولّى تأمين الوثائق الثبوتية لزوجته سجى وأولادها الثلاثة أسامة وعمر وهاجر من زوجين سابقين، فقد حوكم أمام المجلس العدلي في قضيّة أحداث “نهر البارد” حيث كان من المقاتلين على الرغم من صغر سنّه آنذاك، وأصدر المجلس المذكور في 9 أيّار من العام 2014 حكمه بحقّه، وقضى بتجريمه وإحالته إلى محكمة جنايات الأحداث في بيروت التي أصدرت بحقّه في 5 حزيران 2014 حكماً إنتهى إلى وضعه في الأشغال الشاقة مدّة خمس سنوات، والإكتفاء بمدّة توقيفه ليخرج من السجن ويتعرّف إلى الدليمي ويتزوّجا، وحملت منه وأنجبت طفلاً خلال مرحلة توقيفها.
وخرجت الدليمي من السجن في لبنان مع أولادها الأربعة من ثلاث زيجات.
وفي 3 كانون الأوّل 2014، أوقفت السورية علا مثقال العقيلي “أمّ علي”، في إحدى المدارس الرسمية المستخدمة كمأوى لعائلات سورية نازحة، في بلدة حيلان في قضاء زغرتا، وهي زوجة السوري أنس شركس المعروف بـ “أبي علي الشيشاني” والذي كان مسؤول “كتيبة درع الإسلام” في القصير، وتركها باتجاه يبرود بعد خسارته عسكرياً أمام “حزب الله” والجيش السوري، فانضمّ إلى “كتيبة الفاروق” العائدة لـ “الجيش الحرّ”، ثمّ انضمّ إلى “جبهة النصرة”.
وتضمّنت الصفقة أيضاً، ترك ليلة عبد الكريم النجّار وهي زوجة شقيق جركس، بالإضافة إلى سمر الهندي شقيقة أبو مالك التلّي الذي تكنّى باسم مسقط رأسه مدينة التلّ الواقعة في ريف دمشق. كما أفرجت السلطات السورية ضمن هذه الصفقة، عن خالدية حسين زينية وأولادها الخمسة: آلاء، نور، إسراء، وسارة محمّد شرارة، وحذيفة نوح البني، وابتسام عبد الرحمن بالوش، وزينب شعلان عيشة وأولادها الأربعة تقى علي عيشة، رؤى، غيث، وآلاء يحيى عيشة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 3 – كانون الثاني 2016).