“محكمة” تنشر اعترافات عملاء ذهبوا إلى”الموساد” بملء إرادتهم/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لا يوجد في التعامل مع العدوّ الإسرائيلي إضطرار، هذا في المبدأ، لكنّ الأمر قد ينقلب لدى بعض الأشخاص إلى خيار، وهذا ما ترسمه إعترافات شبكة التجسّس الإسرائيلية المؤلّفة من الثلاثي عبّاس مصطفى سلامة، وكرم أكرم إدريس، وكمال أجود حسن الذين اعتقلتهم المديرية العامة للأمن العام في شهر تشرين الأوّل 2017 في مناطق برج البراجنة والحدث ودير قوبل، من دون أن تكون هنالك أيّة صلة بينهم أو معرفة مسبقة، أو علاقة عمل، والأغرب من كلّ ذلك أنّ كلّ واحد منهم ذهب بملء إرادته إلى “الموساد” متبعاً طريقة مختلفة عن الآخر وهذا ما تشي به التحقيقات معهم.
فعبر حساب على موقع التواصل الإجتماعي”الفايسبوك”، تواصل عبّاس مصطفى سلامة(والدته رباب، مواليد العام 1996) مع العميل سامر جوزف أبو عرّاج الذي كان من عداد عناصر ميليشيا أنطوان لحد، وهرب مع فلول المنهزمين عند تحرير الجزء الأكبر من جنوب لبنان في شهر أيّار من العام 2000. وأبو عرّاج مطلوب للقضاء اللبناني بجملة أحكام بينها علاقته مع آخرين بجريمة اغتيال المسؤول في حزب الله غالب عوالي في حيّ معوّض في الضاحية الجنوبية في 19 تموز 2004.
وتوطّدت الصداقة الإفتراضية بين سلامة وأبو عرّاج ووصلت إلى حدّ طلب الأخير من الأوّل أن يقوم بتصوير مواقع في بلدة مرجعيون في جنوب لبنان، وسرعان ما لبّى طلبه، فالتقط ما تيسّر له من الصور لمدخل البلدة المذكورة و”المجنة” وأحياء عديدة فيها، ونشرها على صفحته “الفايسبوكية” لكي يتمكّن صاحب الطلب من مشاهدتها ونسخها والإحتفاظ بها من دون أن يثير هذا التصرّف أيّة ريبة على الإطلاق.
وخلال العام 2015، طلب سلامة من أبو عرّاج تأمين عمل له مع “الموساد” الإسرائيلي لقاء مبالغ مالية ينوي أن ينفقها في سبيل استقطاب مجموعات لبنانية لضرب مصالح حزب الله إنطلاقاً من أنّه ناشط في الحراك المدني ويسهل عليه القيام بذلك من دون أن ينتبه إليه أحد.
ولم يتأخّر أبو عرّاج في موافقة سلامة على أمنيته وتحقيق رغبته، فطلب منه في البدء، تصوير مقاطع فيديو لأماكن في مناطق الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب ووضعها على “الفايسبوك” أيضاً لكي يتمكّن من سحبها.
وسرعان ما استعاد سلامة كامل نشاطه، وراح يتجوّل في الجنوب والضاحية الجنوبية لمدينة بيروت ويصوّر بواسطة هاتفه الخليوي الطرقات والأماكن والأبنية التي يراها مفيدة، ثمّ ينشرها على صفحته ليأخذها العميل أبو عرّاج ، وبعد ذلك يقوم بحذفها نهائياً لئلاّ تلفت الأنظار.
كما تواصل سلامة في العام 2015، مع صاحب حساب”فايسبوكي” يستعمله”الموساد” قائلاً له:” سأعطي بلادك ما تريد”، فطلب منه محدّثه في هذه الصفحة بموافاته إلى قبرص وأعطاه رقم هاتف، فطالبه بسلامة بأن يرسل له المال من أجل أن يتمكّن من السفر، غير أنّ الأوّل قطع التواصل معه.
ولم يرتدع سلامة، ولم يتوقّف، بل واصل ارتماءه في حضن الإسرائيلي، وتواصل في العام 2017 مع فتاة إسرائيلية تدعى “شوشان”(shochan)، كما أنّه تواصل مع حساب رئيس الوزراء الإسرائيلي طالباً ربطه بجهاز “الموساد”، وصفحات ترفع اسم إسرائيل علناً، بالإضافة إلى شخص إسرائيلي يدعى مراد إبراهيم مرمر.
ولدى سؤال سلامة عن سبب تعامله مع الإسرائيلي، أجاب بلا تردّد:” أولّاً، كرهي لحزب الله، وثانياً، للحصول على المال”.
ولا تختلف قصّة الإنجرار التلقائي للعميل كرم أكرم إدريس (والدته نايفة، مواليد العام 1994) إلى العمالة عن سلامة، فهو لم يخف، يوماً، طموحه للعمل مع “الموساد”، ولذلك بدأ في منتصف العام 2015 يتواصل عبر حسابه على “الفايسبوك” مع عدد لا بأس به من الإسرائيليين ويعبّر لهم عن عاطفته الجيّاشة تجاههم وعن حبّه لدولتهم واستعداده لإعطائها معلومات أمنية مهمّة.
وتعرّف عبر صفحة يهود إسرائيل(Sandra Malkouva) وصفحة(Michal Libov) على شخص زعم أنّ اسمه هو هنري إهتم لأمره بمجرّد أن عرف أن إدريس يقيم في بلدة القصير السورية لجهة مدينة الهرمل اللبنانية، وعرض عليه العمل معه والتواصل عبر تطبيق”التلغرام” على الرقم الإسرائيلي 97236810786، على أن يناديه باسم طوم، ثمّ كلّفه جمع معلومات عن نشاطات حزب الله في بلدة القصير بعدما استطاع تحريرها من التنظيمات الإرهابية المشاركة في الحرب السورية، وتصوير مخازن الأسلحة هناك، مقابل مبلغ مالي، مخيّراً إيّاه بين راتب شهري أو مبلغ مقطوع.
وقام إدريس بتصوير مدخل بلدة القصير، غير أنّه لم يتمكّن من تصوير مراكز حزب الله هناك بسبب الإجراءات الأمنية المحيطة بها، وأرسل ما صوّره لمشغّله الإسرائيلي.
واعترف إدريس بأنّ المعلومات التي كان ينوي إبلاغه بها هي: أماكن مرابض المدفعية الثقيلة، مركز الإشارة، مركز الدعم اللوجستي، بالإضافة إلى واقعة مفادها أنّ أكبر مربض مدفعي لحزب الله تمّ نقله من القصير إلى تدمر.
ودفعته حماسته الزائدة إلى التواصل مع مشغّله الإسرائيلي باللغة العبرية التي تعلّمها غبر “غوغل”، وأحياناً بالعربية والإنكليزية.
وكان إدريس يتاجر بالأسلحة الحربية، ومع أنّها تجارة رائجة ورابحة، ولا تعوزه إلى طلب حاجة أحد، إلاّ أنّ كرهه لعناصر في حزب الله ذكر أسماءهم في التحقيقات الأوّلية والإستنطاقية معه، دفعه إلى مدّ يد التعاون للإسرائيلي.
ووصلت وقاحة كمال أجود حسن(والدته حُسْن،مواليد العام 1981) إلى تضمين سيرته الذاتية أو التعريف عن نفسه على صفحتيه على “الفايسبوك” و”ياهو”(Yahoo) أنّه مهتمّ بالصهيونية وبجهاز “الموساد”، وذهب الأمر به إلى الإشتراك في صفحة عبرية تعنى بشؤون الشباب الإسرائيلي، بالإضافة إلى موقع (United With Israel).
وتواصل مع فتيات إسرائيليات منهنّ: كارلا، ريتا، عنبال، ليندا، وكان يطلب منهنّ مساعدته مادياً للسفر إلى الخارج مقابل تلبية أيّ شيء لهنّ وزودهنّ برقم هاتفه الإماراتي وبريده الإلكتروني. وعبّر لموقع”Israel Druzz” عن رغبته بالسفر والتعرّف إلى الدروز في إسرائيل والعيش معهم.
كما تواصل كمال حسن مع حساب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، وهنّأه على حصوله على ترقية رتبته.
وبعد دهم منزله وإلقاء القبض عليه، عثر على أسلحة حربية ورمّانة يدوية، مدعياً أنّه كان يودّ الإتجار بالسلاح. كما صودرت من منزله “نجمة إسرائيل”(نجمة داوود) التي سبق له أن أحضرها معه من رحلته إلى روسيا. ولدى سؤاله عن سبب احتفاظه بها، أجاب:” هَبَل”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 25 – كانون الثاني 2018 – السنة الثالثة)