“محكمة” وقصّة اكتشاف مرسوم تعيين سامي الصلح رئيساً لمجلس القضاء/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
ليس صحيحاً على الإطلاق ما أوعز به القاضي بسّام الحاج لصحيفة محلّية غير مقروءة من أنّه صاحب الأسبقية في اكتشاف مرسوم تعيين الرئيس سامي الصلح رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في العام 1943، في مسعى منه للتعتيم على إضاءات”محكمة” على هذا الموضوع الهام، بينما الحقيقة هي ما ذكرته“محكمة” في صدر صفحتها الأولى في العدد 43 الصادر في تموز 2019 وأفردت صفحة كاملة في الداخل لتبيان حقيقة تعيين الصلح في هذا المنصب كأوّل قاض مسلم، وقبل تعيين القاضي الراحل عاطف النقيب بـ 47 سنة.
وقبل أن يبادر الحاج إلى إصدار كتابه عن سيرة بعض القضاة وقد استند على “محكمة” ومقابلة رئيس تحريرها للقاضي الراحل عبد الله ناصر شخصياً في العام 2007، ليأخذ منها الكثير من المعلومات عنه، كان القاضي المتقاعد حسين زين قد نشر كتابه “المعجم القضائي اللبناني” في شهر آذار 2019، وذكر في متنه مرسوم تعيين الصلح رئيساً لمجلس القضاء الأعلى دون تقديم معلومات أو تفاصيل أخرى.
ثمّ جاء دور القاضي الحاج وذكر في أحد هوامش كتابه الصادر في حزيران 2019 تعيين الصلح في هذا المنصب، دون إفادة القرّاء بمعلومات وافية عن هذا الموضوع، ولو كان الحاج يملك النصّ الحرفي لمرسوم التعيين لبادر إلى نشره حرفياً وبالصور والمستندات والوثائق عن الجريدة الرسمية الصادرة في العام 1943، كما فعلت“محكمة” في العدد 43.
وأيضاً، لو كان للحاج الفضل في الوصول إلى مرسوم تعيين الصلح ثالث رئيس لمجلس القضاء الأعلى بعد نجيب أبو صوّان وشكري قرداحي كما يعتقد، لأعطاه حقّه بالتفصيل وبصفحات كاملة في متن كتابه، وليس في الهامش، خصوصاً وأنّ كلّ القضاة الذين أتى على ذكرهم في كتابه لم يلاقوا الشهرة التي أنعم الله بها على سامي الصلح رئيس الحكومة والنائب والقاضي صاحب المواقف المشرّفة في وجه الانتداب الفرنسي، فيما كان سواه ومنهم قضاة أتى على ذكرهم الحاج يحنون رؤوسهم للمندوب السامي الفرنسي، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال كتاب مذكّرات سامي الصلح.
وقبل خمسة أيّام من إصدار كتابه، إتصل الحاج بإدارة “محكمة” من أجل نشر خبر عن حفل توقيع كتابه الذي تمّ لاحقاً في 20 حزيران 2019 في “بيت المحامي”، وخلال الاتصال قال إنّ لديه اكتشافاً عن عدد رؤساء مجلس القضاء دون أن يفصح عن الشخصية الجديدة المضافة، فأبلغه رئيس التحرير ومن دون أن يكشف له من هي هذه الشخصية، بأنّ هذه المعلومة متوافرة لدى“محكمة” وهي قد جهّزت موضوعاً عن هذا الأمر لنشره في عدد تموز 2019، ثمّ فوجئنا بتعاطي الحاج السلبي مع الزميل الموسوي عندما التقاه في باحة قصر عدل بيروت يوم الخميس الواقع فيه 4 تموز 2019 حيث أبدى امتعاضه من تحقيق “محكمة” أسبقية إعلامية ونشرها صورة عن مرسوم تعيين الصلح رئيساً لمجلس القضاء الأعلى وصورة عن إعادته إلى القضاء بعد استقالته منه على اثر تعيينه رئيساً للحكومة حيث مكث بضعة أيّام في منزله إلى أن جاءه رئيس الدولة آنذاك ألفرد النقّاش عارضاً عليه عودته إلى القضاء وتعيينه رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
ولم يسكت الموسوي على كلام الحاج وردّ عليه بالشكل المناسب، لا بل أفحمه بالحجج الموثّقة.
ثمّ طلب الحاج من القاضي سميح صفير أن يتوسّط له لدى الموسوي لنشر توضيح يقول فيه إنّه هو من توصّل أوّلاً إلى المرسوم الضائع، فرفض الموسوي وبشكل قاطع أن يعطيه حقّاً ليس ملكه على الإطلاق، وأن يحقّق حلماً ليس واقعياً، وأوضح للقاضي صفير كيفية حصوله ووصوله إلى مرسوم تعيين الصلح من خلال المكتبة الوطنية بعدما لفت المحامي وليد أبو دية نظر“محكمة” إليه في مطلع شهر حزيران 2019 وهو المنكبّ على إعداد كتاب عن مئوية نقابة المحامين في بيروت والتي صودف أنّها تأسّست مع إنشاء محكمة التمييز اللبنانية في العام نفسه.
ونشرت “محكمة” في العدد 43 أنّ القاضيين زين والحاج أتيا على ذكر تعيين الصلح رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في كتابيهما ولم تغفل هذا الأمر لإيمانها المطلق بإيفاء كلّ إنسان حقّه وتعبه وفي سبيل صون الأمانة العلمية والفكرية والأدبية، لكنّهما لم ينشرا صورة عن المرسوم ولا معلومات كاملة وشاملة عنه، فيما أفردت“محكمة” صفحة في الداخل وصدر صفحتها الأولى لتبيان حقيقة هذه الصفحة المجهولة من تاريخ العدلية وحقّ الصلح في هذا التعيين.
ويفترض أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بواجبه تجاه هذا القاضي الرئيس ويضع صورته إلى جانب من سبقه ومن تلاه من القضاة في جناحه في الطبقة الرابعة من قصر عدل بيروت، وهو بزّهم شهرة وسمعة، وإذا ما سئل المواطن اللبناني، لا بل شريحة كبيرة وواسعة من المثقّفين والنخبويين والحقوقيين عن اسم واحد من هؤلاء وخصوصاً من عاشروا الصلح ومن مرّ في فترة الانتداب الفرنسي ولغاية مطلع تسعينيات القرن العشرين، لجاءه الجواب بعدم معرفته بهم وربّما سماعه بهم، فيما اسم سامي الصلح راسخ في الوجدان وفي تاريخ لبنان وهو صاحب الصفة الأبدية واللقب الأحبّ “أبو الفقراء”، وقد لعب قربه من الناس وتعيينه رئيساً لثماني حكومات وانتخابه نائباً عن بيروت ستّ دورات، دوراً رئيسياً في رفع صيته وشهرته لتظلّ مدوّية في كلّ الأذهان.
ومن كان في هذه المكانة والهيبة يستحقّ صفحات كاملة، وليس هامشاً يتيماً في كتاب يوضع على الرفّ وقد لا يصل إلى كلّ الناس في زمن العولمة والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي زمن أصبح العالم فيه “قرية صغيرة”.
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/7/16