أبحاث ودراسات

مخالفات قانونية تعتري اقتراح قانون الصندوق السيادي للنفط والغاز/ باسكال ضاهر

المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر:
بتاريخ : ٣١- ٧- ٢٠٢٣ أقرت لجنة المال والموازنة إقتراح قانون يرمي إلى إنشاء الصندوق السيادي للنفط والغاز، ومن الإطلاع على مواده تبين لنا أنه ينضوي على مخالفات قانونية مبدئية؛ كما أنه وبخلاف ما قد أشيع عنه فهو غير مستقل ويتناقض مع مبادئ سانتياغو[1] وبعض مواده إتجهت بشكل مباشر إلى تمويل عجز الموازنة بالعملة الاجنبية، لذلك سنعمد على تبويب تعليقنا الراهن وفق تسلسل المواد المدرجة في متن الإقتراح، وذلك كالآتي :
– المادة 3: الإستقلالية المشار إليها في متن هذه المادة غير متحقّقة وفق تتابع نصوص مواد هذا الإقتراح، إضافة إلى أن نصها قد أشار إلى إستقلالية مجلس الإدارة دون الصندوق بحد ذاته .
– المادة 4: أرى أنّه من الأفضل إنشاء هيئة توصّف Autorité publique indépendante (سلطة عامة مستقلة[2] تتمتع بالمزايا والضمانات التي أشارت إليها قرارات المجلس الدستوري الفرنسي ذات الصلة[3]) تتمتّع بالشخصية المعنوية والإستقلالين المالي والإداري وتعمل تحت إشراف مجلس الوزراء بواسطة وزارة المال على غرار الصناديق السيادية الناجحة حول العالم، بدلاً من اتّباع نمط المؤسسة العامة ذات الطابع الخاص.
– المادة 5:
الفقرة الأولى: أرى أنّ الإستراتيجية تقتضي أن تكون معدّة من قبل إدارة الصندوق طالما أنّ الأعضاء متخصصين، وطالما أنّ هذا الإقتراح قد أنشأ لجنة مخصّصة للتخطيط وأخرى للإستثمار، وإلاّ ما نفعهما؟ وعلى أن يتم عرض هذه الإستراتيجية على الحكومة اللبنانية للإطّلاع والدرس بالسرعة المطلوبة في هكذا نواحٍ لا تحتمل أي تأخير.
الفقرة الثانية: تجدر الإشارة إلى أنّ عبارة “مستدامة للأجيال القادمة” الواردة في متن هذه المادة وفي المواد اللاحقة قد ثبت نقيضها جزئياً في متن المادة (12).
البند الرقم 1 من الفقرة الثالثة:
– تقتضي الإشارة إلى أنّ ربط محفظة الإدخار “بالإستثمارات المالية الطويلة الأمد ذات المخاطر المعتدلة” يتناقض مع الأسس والإجراءات المتّبعة راهناً من عدد من الصناديق السيادية، لا سيما منها الصندوق السعودي والكويتي والإماراتي، بعد خروجهم مؤخراً بشكل جزئي من سندات الخزانة الأميركية واعتمادهم الآن على فكرة تنويع الإستثمار ومنها بالمخاطر. وهنا، لا بد من التشديد على أنّ الإستثمار يقتضي أن يتمّ تنويعه وليس تقييده كما هو حاصل في نص هذا البند؛ مع لفت النظر إلى وجوب أنّ يكون الإستثمار في المخاطر سريعاً مع اتّباع “مبادئ الحيطة والحذر” (ضرورة وضع قواعد صارمة لذلك). كما أنّه يقتضي أن يُبنى على مفهوم “القطف السريع” أي الدخول بالإستثمارات والخروج منها بسرعة وفق التجارب المعتمدة في الصناديق السيادية الناجحة حول العالم.
– تقتضي الإشارة إلى أنّ محفظة التنمية مخصّصة لخفض مستوى الدين (تتناقض مع البند الرقم 4 من الفقرة “ج” من المادة (12))، أي لخفض عجز الموازنة وهذا أمر غير سوي، لا سيما وأن الموازنة تقتضي أن تكون متوازنة بدون عجز، كما وأنّ تسهيل مدّ اليد هذا سيبقينا بدون إصلاحات جذرية وبدون مُساءلة، مما ينبئ باستمرار النهج السابق ويحول دون تحقيق حالة الوعي المجتمعي.
– المادة 6:
– قد يكون عدد أعضاء مجلس الإدارة “8” مبالغاً فيه مع الإشارة إلى أنه كلما قلّ العدد زادت الإنتاجية وتقلصت المصاريف.
– أرى أنّ مدة التعيين لست سنوات طويلة وأرى أنه من المهم تقليصها لأربع سنوات أسوةً بالصندوق الكويتي.
– قد يكون حصر تعيين الأعضاء بحاملي الجنسية اللبنانية أمرٌ غير سوي لا سيما وأن هنالك أشخاص من غير اللبنانين هم من أصحاب الخبرات العميقة في هذا المجال، وبالتالي قد تكون الإستفادة من وجودهم أمرٌ إيجابيّ لا سيما في الفترة التأسيسية.
– لم تُشر هذه المادة إلى الحالات التي توجب إقالة الأعضاء من مراكزهم والتي يجب ربطها بأسسٍ ثابتة لا تترك مجالاً للتأويل.
– المادة 7: هل من المفيد منح مجلس الإدارة صلاحية إنشاء لجان أخرى غير تلك المعدّدة في متن المادة والبالغ عددها “6” مع طرح السؤال عن عمل “لجنة المكافآت والترشيحات” وما نفعها غير زيادة العدد على قاعدة الحشو الإداري غير المنتج، ومع ضرورة ربط ذلك بأنّ رواتب العاملين في الصندوق يقتضي أن تكون مرتفعة. أما التحفيز يقتضي أن يكون متصلاً بعامل مختلف عن توزيع المكافآت (مع الإشارة هنا بأنّ الإجتهادين اللبناني والفرنسي يسمحان للموظف أن يدخل المكافآة والمنح ضمن أساس الراتب حال تحقّقت شروط، منها الإستمراراية، مما سيرتّب زيادةً في التكلفة، كما وسيفتح مجالاً خفياً للصندوق التحكم بمقدار رواتبه). وفي حال الإصرار عليها، نعتقد بأنه يقتضي أن يتم ربطها بقرار جوازي يخضع للسلطة الإستنسابية ويصدر عن الحكومة.
– هل من الجيد منح مجلس الإدارة سلطة تعيين أعضاء اللجان؟ وما هي مدة تعيينهم؟
– أرى أنّ مهام اللجان يجب أن يُشار إليها في متن هذه المادة وأن لا تكون معدّدة على سبيل الحصر، وليس تركها لمجلس الوزارء.
– المادة 8:
– يمكن إختصار عدد الوحدات.
– هل من المفيد منح مجلس الإدارة سلطة تعيين رئيس كل قسم بمصادقة وزير المالية؟
– المادة 9:
– حصرت تحديد تفاصيل المبادئ والتوجيهات الخاصة بتفويض الإستثمار بوزير المالية وبموافقة الحكومة ومجلس النواب، بمقابل أنّ مديرية الأصول البترولية عليها أن تعدّ سابقاً المبادئ إنما تحت إشراف وزير المالية (ضرورة العطف على الفقرتين 2 و3 من المادة (15))، مما يطرح السؤال عن كيفية الإستفادة من خبرات الموظفين بإعداد التفويض، علماً أنه يُخشى هنا من مساوئ البيروقراطية الإدارية.
– كيف أنّ الصندوق مستقلٌ من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب على رئيسه أن ينسّق بشكلٍ مستمر مع وزير المالية لتنفيذ التفويض بالإستثمار؟
– مبدأ موازاة الصيغ والإجراءات يحول دون منح الحق لوزير المالية أن يوافق بمفرده على إدخال تعديلات في الحالات المستعجلة الطارئة، وهذا ما يدل على الخلل الذي أشرنا إليه في المقدمة. علماً أنّ نص هذه المادة جعل من دور الحكومة والمجلس النيابي هو المصادقة اللاحقة، ولم تشر إلى الإجراءات التي يقتضي اعتمادها في حال عدم المصادقة وعلى مسؤولية من؟
– كل ذلك يتناقض مع الإستقلالية المتوخاة للصندوق.
– ربطت هذه المادة إمكانية نشر تقرير المدقق الخارجي المعيّن من قبل وزير المال ومضمون ما يتم نشره بسلطة مجلس الوزراء كما والتقارير الداخلية اللاحقة، وهذا يتناقض مع الشفافية والحوكمة. ونرى هنا ضرورة عدم اعتماد ذلك والإكتفاء بالإشارة فقط وبشكل صريح إلى إعتماد مبادئ سنتياغو الدولية للشفافية والحوكمة الخاصة بالصناديق السيادية.
– المادة 12: سمحت هذه المادة بمد اليد إلى محفظة الإدخار ومحفظة الإستثمار وشجّعت على عجز الموازنة ضمن نطاق شروط من السهل تحقّقها.
– البند الأخير من الفقرة جيم: منعت استعمال الأموال لخفض دين الدولة بالعملة المحلية، إنما بالمفهوم العكسي فقد سمحت بتسديد ديون الدولة بالعملات الأجنبية وهذا خطأٌ يجب تجنّبه، لا سيما وأنه سيؤدي إلى إتمام التعاقد مع الدولة بالعملة الأجنبية لضمان رد الديون من أموال الصندوق.
– المادة 15: أرى أنه من المفيد تقليص مدة تفويض الإستثمار إلى أقلّ من 3 سنوات (وذلك بعد إدخال مبدأ التنوع في الإستثمار ضمن محفظة الإدخار)، وذلك سنداً للتغييرات السريعة الحاصلة في طبيعة النظرة إلى الإستثمارات الدولية والتي تحدث بشكل سريع، مما قد يدفع إلى تعديل القواعد بشكل دوري.
– المادة 21: أرى أنّه من الواجب شطب عبارة “بعد موافقة مجلس الوزارء ومجلس النواب،” وإدخال نص ملزم بنشر تقرير التدقيق الأجنبي كما واعتماد مبادئ سنتياغو بشكل واضح.
– المادة 24: ألزمت مجلس الوزراء تعيين أعضاء مجلس إدارة الصندوق بعد نشر القانون، ممّا سيسمح بتسديد الرواتب والأجور. علماً أنّ نص هذه المادة لفت إلى أنّ النفقات تغطّى بموجب سلفات خزينة (مع الإشارة إلى عدم قانونيتها وإلى أنّ الموازنة في حالة عجز).
ملاحظات أخيرة لا بدّ من الإشارة إليها.
– لغاية الساعة لم تعتمد الدولة اللبنانية السياسة المالية الواجبة وهذا خلل أرى أنّه سيؤثر على نجاح عمل الصندوق.
– نشأت الصناديق السيادية في العالم حين جرى تحقيق فائض في الموازنة (يعتبر شرط لنجاحها) بعكس حالتنا الراهنة.
[1] – مدوّنة قواعد سلوك طوعية لصناديق الثروة السيادية، صُمِّمَت لتعزيز الحوكمة الرشيدة، والشفافية، المساءلة، مدعومة من المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادسة IFSWF وقد أعدتها مجموعة العمل الدولية حول الصناديق السيادية ووافقت عليها اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي وهي تتألف من 24 مبدأ تحدد أفضل الممارسات الخاصة بالشفافية والحوكمة والإستثمار وإدارة المخاطر المتصلة بالصناديق الإستثمارية.
[2] – يختلف تعريف هذه الهيئات من جهة إلى أخرى وفقاً للنظام القانوني التي تعمل بمقتضاها. (Jacque chevalier – Réflexion sur ľinstituition des autorité administratives – semaine juridique 1986 N; 3254 p: 5 ) ، ومن الممكن تعريفها: سلطة وطنية لا تدخل في أي من الفئات المحددة في القانون العام وتحديداً في القانون الإداري ولا تخضع للسلطة التسلسلية ولا للوصاية الإدارية وتعمل ضمن إطار السلطة التنفيذية وتتمتع بالشخصية المعنوية وبإستقلالية وظيفية وعضوية عن السلطة التنفيذية والتشريعية ولكنها تخضع لمساءلتهما وللرقابة القضائية وهي تصدر قرارات نافذة ومخولة لتأمين إستقلاليتها بسلطات وفي حالتنا الراهنة الدخول بالإستثمارات، وتتصل مهامها بالمجالات الحساسة المرتبطة بالإقتصاد والمال والحريات.
[3] – منها: conseil constitutionnel – decision n: 88-248 du 17 janv 1989 – n: 89-260 du 28 juillet 1989. N: 96-378. Du 23 jeuillet 1996.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/11/15
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!