مدى صفة ومصلحة طالبي وقف بثّ حلقة تلفزيونية /ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الإستئناف المدنية في بيروت بغرفتها الثالثة المؤلّفة من القضاة الرئيسة جانيت حنا والمستشارين ندين القاري (منتدبة) ومنال فارس مسألة تتعلّق بمدى صفة ومصلحة طالبي التدبير الذين يطلبون وقف بثّ الحلقة التلفزيونية أو الترويج لها، فاعتبرت أنّه يقتضي أن يكون طالب التدبير قد تضرّر مباشرة وشخصيًا في مصالحه الشخصية، الأمر غير المتوفّر في الدعوى الحاضرة، وقضت بردّ الاستئناف وتصديق القرار المستأنف.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/1/30:
إنّ محكمة الاستئناف في بيروت، غرفتها الثالثة، المؤلّفة من القضاة جانيت حنا رئيسًا وندين القاري مستشارًا منتدبًا ومنال فارس مستشارًا.
لدى التدقيق والمذاكرة،
حيث تبيّن أنّه بتاريخ 2019/1/30 أحال قاضي العجلة في بيروت إلى هذه المحكمة، الإستئناف المقدّم إليه من المحامين الأساتذة م. وم. ول. وم. طعنًا بالقرار الصادر عنه بتاريخ 2019/1/30 والقاضي بردّ الطلب موضوع الاستدعاء المقدّم مهم لانتفاء الصفة.
وحيث إنّ المستأنفين يعرضون أنّ كلّ شخص هو صاحب صفة لمكافحة الرذيلة ومن غير المقبول ردّ طلبهم لهذا السبب، وأنّ مفهوم الصفة يختلف عن مفهوم المصلحة، وأنّ ما سيتمّ عرضه في برنامج “أنا هيك” يتعارض مع أسس النظام الاجتماعي والثقافي في لبنان وأنّ هذا الأمر يمنح كلّ مواطن لبناني الصفة للحؤول دون التعرّض لهذا الكيان، وأنّ القرار المستأنف لا يتعلّق بحقّ شخصي وأنّه يعود لأيّ مواطن أن يداعي بشأنه، وأنّ الصفة تستمدّ من الحقّ وأنّ القرار المستأنف يستوجب الفسخ لوقوعه في غير محلّه القانوني، وأنّ المادة 9 من قانون أصول المحاكمات المدنية تنصّ على أنّ الدعوى هي مباحة لكلّ من له مصلحة قانونية قائمة، وأنّه يفهم من هذا النصّ أنّ الدعوى تكون مباحة بغضّ النظر عن الصفة باستثناء الحالات التي يحصر فيها القانون هذا الحقّ بأشخاص يحدّد صفتهم، وأنّ المصلحة تقوم بالفائدة التي يتوخّاها الخصم في إقامة الدعوى، وأنّ الصفة تستقلّ عن المصلحة في كلّ حالة ينحصر فيها رفع الدعوى بأشخاص معيّنين دون غيرهم ممن تتوافر لهم المصلحة فيها والذين يفيدون من النتيجة التي تقرّر في الدعوى دون جواز مخاصمتهم فيها، وتتميّز الصفة عن المصلحة أيضًا في الحالة التي يجوز فيها القانون لشخص ما الإدعاء بحقّ يعود لغيره.
وفي الختام، طلب المستأنفون الرجوع عن القرار القاضي بردّ طلب الأمر على عريضة وإعطاء القرار مجدّدًا باتخاذ تدبير يقضي بوقف بثّ الحلقة أو الترويج لها عبر قناة “الجديد” أو وسائل الانترنيت المزمع عرضها عليها في تمام الساعة 21:30 من مساء الأربعاء الموافق 2019/1/30 ومنعه من أيّ نشاط إلى حين البتّ بموضوع ما تمّ اقترافه.
وحيث تبيّن أنّه ورد إلى الملفّ لائحة بعنوان “طلب تدخّل” مقدّم من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، بوكالة الأستاذ ر. ع.، عرضت فيها طالبة التدخّل أنّه يدخل في مهامها رعاية الشؤون الإجتماعية والدينية والإهتمام برعاية الأسرة المسلمة سندًا للمرسوم 18 للعام 1956، وأنّ هذا الأمر يحقّق صفتها ومصلحتها لطلب الأمر على عريضة، وأنّ لها الصفة والمصلحة لطلب التدخّل.
وفي الختام، طلبت المديرية العامة للأوقاف الإسلامية قبول طلب التدخّل المقدّم منها واتخاذ تدبير معجّل بوقف بثّ الحلقة أو الترويج لها عبر قناة “الجديد” أو الوسائل المزمع عرضها عليها في تمام الساعة 21:30 من مساء يوم الأربعاء الموافق 2019/1/30 ومنعه من أيّ نشاط إلى حين البتّ بموضوع ما تمّ اقترافه.
بناء عليه،
أوّلًا: في الشكل:
حيث إنّ الاستئناف ورد إلى قلم المحكمة خلال المهلة القانونية وهو يستوفي سائر الشروط الشكلية المفروضة قانونًا، فيقتضي قبوله من حيث الشكل.
ثانيًا: في الأساس:
حيث إنّ الجهة المستأنفة تطلب الرجوع عن القرار المستأنف وإعطاء القرار مجدّدًا بوقف بثّ الحلقة موضوع الاستئناف أو الترويج لها، وهي تدلي بأنّ برنامج “انا هيك” يتعارض مع أسس النظام العام الاجتماعي والثقافي اللبناني ويقتضي وقف بثّه حماية لهذا الكيان ومنعًا من التعرّض له.
وحيث إذا كان القانون يولي قضاء العجلة صلاحية تقرير التدابير الرامية إلى منع التعرّض ووقف التعدّي، فيقتضي أن يكون طالب التدبير قد تضرّر مباشرة وشخصيًا في مصالحه الحقيقية، علمًا أنّ القانون القضائي الخاص لا يجيز قبول المراجعة القضائية من الشخص الذي يدلي بمصلحة تخصّ الغير أو الجماعة، فالمصلحة يجب أن تكون شخصية ومباشرة لأنّ حقّ الإلتجاء إلى القضاء المعترف به للأفراد هدفه تأمين احترام الحقوق الذاتية العائدة لهم.(يراجع في هذا المعنى، حلمي الحجّار، القانون القضائي الخاص، الطبعة الثانية، ص 63 والمراجع التي تحيل إليها).
وحيث وانطلاقًا من أقوال المستأنفين ومن الأسباب المقدّمة منهم لتبرير تدبير وقف بثّ الحلقة المشكو منها، يتبيّن أنّ الغاية التي يرمي المستأنفون إلى تحقيقها تتعلّق بمسائل اجتماعية وثقافية عامة ليس لها طابع فردي أو شخصي.
وحيث وطالما أنّ التدبير الذي تطلبه الجهة المستأنفة لا يهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية ومباشرة لأفرادها وإنّما يتعلّق بقضيّة ذات طابع اجتماعي وثقافي عام، لا تكون مصلحتها وصفتها لمراجعة القضاء متحقّقة ولا يكون هناك من محلّ للقول بتحقّق حالة التعدّي التي تبرّر تدخّل قضاء العجلة.
وحيث وإذا كانت مهام المديرية العامة للأوقاف الإسلامية تشمل رعاية الشؤون الاجتماعية والدينية والإهتمام برعاية الأسرة المسلمة وفقًا لما ورد في طلب التدخّل، فإنّ تأييدها لمطالب المستأنفين لا يدلي هؤلاء المصلحة والصفة لتقديم الطلب موضوع الاستئناف.
وحيث إنّه لا محلّ لقبول طلب وقف بثّ الحلقة المقدّم من المديرية العامة للأوقاف الاسلامية إطار المحاكمة الحاضرة إذ إنّ طلب التدخّل الذي يجعل من المتدخّل خصمًا في الدعوى بمفهوم المادتين 36 و 37 أ.م.م. لا محلّ له في الدعوى الرجائية ولا يمكن قبوله بمفهومه القانوني في إطارها، على أن يبقى للقاضي أن يقرأ ما فيه على سبيل المعلومات وفي نطاق سلطاته الواسعة بالتحرّي والإستنارة المنصوص عنها في المادة 596 أ.م.م. (يراجع في هذا المعنى، قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز تاريخ 1995/4/11، منشور في المصنّف في اجتهادات الهيئة العامة لمحكمة التمييز، المستشار المصنّف الالكتروني).
وحيث إنّ ما انتهى إليه القرار المستأنف بردّه طلبات المستأنفين يكون من ثمّ واقعًا في محلّه السليم.
وحيث إنّه يقتضي من ثمّ ردّ الاستئناف في الأساس وتصديق القرار المستأنف.
وحيث إنّه لم يعد هناك من محلّ للتوقّف عند باقي ما أثير من أسباب ومطالب إمّا لأنّها لقيت ردًّا ضمنيًا في سياق التعليل، وإمّا لعدم الفائدة فاقتضى إهمالها.
لهذه الأسباب
تقرّر بالإتفاق:
1- قبول الاستئناف شكلًا.
2- وفي الأساس ردّ الاستئناف وتصديق القرار المستأنف وفقًا للتعليل المبيّن في متن هذا القرار.
3- تضمين الجهة المستأنفة الرسوم والمصاريف ومصادرة التأمين الاستئنافي إيرادًا للخزينة العامة.
قرارًا صدر في بيروت بتاريخ 2019/1/30، الساعة: 20:05.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/2/23