مدى قانونية التنازل عن حقّ الملكية الأدبية والفنّية/سها بلوط الأسعد
المحامية سها بلوط الأسعد:
إن هذه المسألة هي من المسائل الشائكة وكانت موضوع نزاعات بين أصحاب الحقوق الملكية الأدبية والفنية وبين المستفيدين من هذا الناتج الأدبي أو الفني،
إننا نطرح هذه المسألة لوجود إشكالية حول مدى قانونية تنازل المؤلف عن حقه في الملكية الأدبية أو الفنية،
وهنا لا بدّ ان نستعرض في البدء ما نصت عليه بهذا الخصوص بعض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ترعى هذه المسائل والتي معظم الدول بما فيها لبنان عضو فيها ومنها اتفاقية برن التي نصت على أنواع المصنفات المحمية وهي على سبيل المثال لا الحصر المصنفات الأدبية والفنية المحمية بموجب حق المؤلف وكل أنواع الإنتاج في المجالات الأدبية والعلمية والفنية، مثل الكتب والكتيبات وغيرها من المحررات؛ والمحاضرات والخطب والمواعظ وغيرها من المصنفات من نفس الطبيعة؛ والمصنفات المسرحية أو المسرحيات الموسيقية؛ والمصنفات التي تؤدى بحركات أو خطوات فنية والتمثيليات الإيمائية؛ والمؤلفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أو لم تقترن بها؛ والمصنفات السينمائية ويقاس عليها المصنفات التي يعبر عنها بأسلوب مماثل للأسلوب السينمائي؛ والمصنفات الخاصة بالرسم وبالتصوير بالخطوط أو بالألوان وبالعمارة وبالنحت وبالحفر وبالطباعة على الحجر؛ والمصنفات الفوتوغرافية ويقاس عليها المصنفات التي يعبر عنها بأسلوب مماثل للأسلوب الفوتوغرافي؛ والمصنفات الخاصة بالفنون التطبيقية، والصور التوضيحية والخرائط الجغرافية والتصميمات والرسومات التخطيطية والمصنفات المجسمة المتعلقة بالجغرافيا أو الطبوغرافيا أو العمارة أو العلوم. وأضافت معاهدات متتالية حول حق المؤلف والمبرمة لاحقاً أنواعاً إضافية من المصنفات إلى هذه القائمة، بما في ذلك قواعد البيانات وبرمجيات الحاسوب.
وعددت المادة الثانية من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75 الصادر بتاريخ 1999/4/3 مثلها من المصنفات بما يتوافق مع ما نصت عليه اتفاقية برن.
وللجواب على هذه المسألة لا بد من التفريق بين الحقوق الشخصية (المعنوية) والحقوق المالية (الاقتصادية).
وغالبا ما تشمل الحقوق المعنوية ما يلي:
1- حق المطالبة بنسبة المصنف إلى مؤلفه، والذي يشار إليه غالباً باسم “الإسناد” أو الأبوة،
2- الحق في سلامة المصنف، أي الحق في منع تشويه المصنف أو تحريفه، عندما يؤدي ذلك إلى تقويض الطبيعة الأساسية للمصنف وعندما يلحق الضرر بسمعة المؤلف. ويمكن أن تشمل هذه الحقوق أيضاً الحق في نشر مصنف أو توزيعه على الجمهور، وحق تعديل المصنف المنشور، وقد نص قانون حماية الملكية اللبناني على هذه الحقوق في المادة 21 منه مضيفاً عليها حق التراجع عن عقود التنازل أو التصرف بالحقوق المادية حتى بعد نشرها إذا كان ذلك التراجع ضرورياً للمحافظة على شخصيته وسمعته لتغيير في معتقداته أو ظروفه شرط تعويض الغير عن الضرر الناتج عن هذا التراجع.
أما الحقوق الاقتصادية فهي تشمل ما يلي:
1- حق النسخ ، من أجل إنجاز مصنفات بنفس الشكل، مثل نسخ مصنف أدبي وهذا هو الحق الأساسي في حقوق الملكية؛
2- حق التأجير أو الترخيص المؤقت للمصنفات الأصلية أو نسخ من المصنفات السمعية البصرية أو برمجيات الحاسوب للآخرين مقابل دفع رسوم؛ 3- حق استعمال ونقل مصنف إلى الجمهور من خلال العروض والبث والمعارض والنشر على الإنترنت؛ 4- الحق في التحكم في إبداع مصنفات مشتقة بناءً على المصنف الأصلي، بما في ذلك الترجمات والتحوير والتجميع، والتي غالباً ما يُشار إليها باسم حقوق الترجمة والتحوير، وقد نص قانون حماية الملكية اللبناني على هذه الحقوق في المادة 15 منه .
أما عن مدة الحماية، فحسب اتفاقية برن والمادة 49 من قانون حماية الملكية اللبناني تدوم مدة حماية الحقوق الاقتصادية للمؤلف لفترة خمسين عاماً بعد وفاته في حين أنه اختلف الأمر بالنسبة إلى الحقوق المعنوية حيث ان اتفاقية برن حددت مدة الحماية للحقوق المعنوية بمدة مماثلة لحماية الحقوق الاقتصادية في حين أن قانون حماية الملكية اللبناني الذي اعتبر أن هذه الحقوق تتسم بالديمومة لم يحدد أية مدة لحمايتها، بل اعتبرها أبدية كما جاء في المادة 53 من قانون حماية الملكية اللبناني.
ويجب الإشارة هنا إلى أن حق المؤلف المعنوي هو حق استئثاري باعتباره امتداداً لشخصية المؤلف الذي لا يمكن أن يكون إلا شخصاً طبيعياً وان المنتفع أو المستثمر بهذا الحق قد يملك الحق الاقتصادي فقط بحيث يحق له الاستعمال والاستفادة من أي مردود ناتج عن نشره بأي وسيلة نشر بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن بعض التشريعات الوطنية اعتبرت أن المستثمر يمكنه أن يملك الحق المعنوي في حال إبرام اتفاقية تنص على تنازل المؤلف له عن هذا الحق في حين أن بعض التشريعات الوطنية الأخرى تنص على أنه لا يمكن للعقود أن تلغي الحقوق المعنوية أو تنهيها ومنها القانون اللبناني حيث نص قانون حماية الملكية الأدبية والفنية المذكور أعلاه في مادته الخامسة أنه بمجرد ابتكار شخص لعمل أدبي أو فني يكون له حق ملكية مطلقة على هذا العمل دونما حاجة لذكره أو احتفاظه لحقوقه أو القيام لاي إجراء شكلي، وكما نصت المادة 16 من القانون نفسه أن الحقوق المادية للمؤلف تعتبر حقاً منقولاً يمكن التفرغ عنه كلياً أو جزئياً، بينما المادة 22 من هذا القانون نصت على أنه لا يجوز التصرف بحقوق المؤلف المعنوية ولا يجوز إلقاء الحجز عليها.
وانطلاقاً مما تقدم تكون محكمة التمييز المدنية بقرارها الصادر بتاريخ 2024/1/24 وقبلها محكمة الاستئناف أصابت برد دعوى وبوقف تنفيذ القرار الذي كان قد صدر لمصلحة المميزة عن قاضي الأمور المستعجلة في المتن الذي قضى بمنع الملحن من نشر أغنية كان قد لحنها.
وهنا لا بد من أن نشير أن هذا دون ان يمس بحق المستثمر أو المتنازل له عن الحقوق الاقتصادية من قبل المؤلف بأي ريع قد ينتج عن نشر الملحن لهذه الأغنية بأية وسيلة نشر باعتبار أن هذا الريع هو من ضمن الحقوق المالية التي كان قد تنازل عنها الملحن وهو من التنازلات المباحة قانوناً.
وعليه، من وجهة نظري لا يمكن التنازل عن الحق المعنوي لأنه يعتبر جزءًا لا يتجزأ من طبيعة الشخص الذي يعود اليه العمل الفني أو الأدبي، وفي حال حصول مثل هذا التنازل وإذا كان للمؤلف حق التراجع عن التنازل عن حقوقه المادية ضمن شروط معينة مع التعويض عن أي ضرر يحصل للمتنازل له، فإن أي تنازل عن حق معنوي يعتبر باطلاً لعدم جواز التصرف به وبالحري أن يكون للمؤلف الحق في التراجع عنه ودون ان يترتب عليه أي تعويض تأكيداً لحقه المطلق بنشره.
“محكمة” – السبت في 2024/8/24