مرسوم التشكيلات القضائية غير قابل للطعن لعدم وجود هيئة تبتّ في القضايا القضائية
كتب علي الموسوي:
فور صدور مرسوم التشكيلات القضائية الرقم 1570 تاريخ 10 تشرين الأوّل 2017، بصورة رسمية، أُطلقت باتجاهه مواقف عديدة تنادي بإمكانية الطعن به، دون أن تحدّد الجهة القضائية المخوّلة النظر فيه سلباً أو إيجاباً، ودون أن يُعرف صاحب الصلاحية للفصل فيه، ومن هو المختصّ قضائياً لقول رأي نهائي وحازم بشأنه، وما إذا كانت الإدلاءات المذكورة في متنه، قابلة للنقاش القانوني المنطقي والعقلاني والفعلي بعيداً عن كلّ الحسابات اللاقانونية في لبنان.
وبغضّ النظر عن تضمّن مرسوم التشكيلات القضائية المذكور، إجحافاً بحقّ عدد لا بأس من القضاة بحسب ما بات معروفاً، أو احتوائه على مغالطات طفيفة وجسيمة غير مقبولة من سلطة قضائية، واشتماله على تقاسم غنائم سياسية وطائفية جعلته عرضة للإنتقاد الواسع من شريحة كبيرة من الرأي العام باختلاف توجّهاته ومشاربه وطوائفه وأطيافه، إلاّ أنّ السؤال الرئيسي الذي لا يمكن تجاوزه والحياد عنه، هو هل بالإمكان الطعن بهذا المرسوم؟ وكيف يمكن حصول ذلك حتّى ولو توافرت الصفة والمصلحة من “قاض فدائي” إتخذ قراراً لا رجوع عنه بتقديم استقالته، أو بالأحرى رفع كتاب إنهاء خدمته الفعلية من السلك القضائي؟، ومن هو صاحب السلطة القانونية للقول بأحقّية الطعن وضرورة إبطال المرسوم؟ ومَنْ يملك مفتاح الحلّ؟.
“الشورى” و”الدستوري”
وإذا كانت المراسيم المتعلّقة بالقوى العسكرية والمؤسّسات الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وجمارك قابلة للطعن بموجب مراجعات استدعاء تقدّم أمام مجلس شورى الدولة، كما هو حال الانتخابات البلدية والإختيارية، والقرارات الصادرة عن الوزراء لأسباب جوهرية مختلفة،
وإذا كان المجلس الدستوري قادراً على النظر في دستورية القوانين وكلّ نصّ يتمتّع بقوّة القانون، وفي الطعون المرتبطة بالإنتخابات النيابية، بحسب ما يستشفّ من المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري دون أن يتعدّاها إلى أمور أخرى،
وإذا كانت صلاحيات المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو هيئة صورية لا تعمل إلاّ عند الإقتضاء السياسي، محصورة بارتكاب رئيس الجمهورية الخيانة العظمى أو خرق الدستور، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء الخيانة العظمى أو الإخلال بالواجبات المترتّبة عليهم،
فإنّه لا توجد هيئة معيّنة بالذات، تستطيع النظر في أيّ طعن يتعلّق بمرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية في حال حدوثه، ولم يسبق في تاريخ القضاء اللبناني أن طعن أيّ قاض يتمتّع بالصفة والمصلحة بأيّ مرسوم تشكيلات غير راض عنه، أو لحقه غبن وأذيّة معنوية منه، مع العلم أنّ هناك سجّلاً حافلاً بحالات اعتراض داخلية ضمن البيت القضائي على مراسيم تشكيلات من خلال رفع النبرة عالياً ضدّها، وإيصال هذه الأصوات إلى وزير العدل أو مجلس القضاء الأعلى، ثمّ ما تلبث أن تخمد وتصمت، ليكمل القضاة المعنيون أعمالهم بشكل اعتيادي وكأنّ شيئاً لم يكن، وإذا ما خرج أحدهم على هذا “التقليد” المتبع، فإنّه يستعيض عن الإلتزام والسكوت، بالإستقالة، مع الإصرار عليها حتّى تبصر النور.
وسبق لمجلس شورى الدولة أنّ ردّ الكثير من المراجعات المرفوعة أمامه من قضاة كونهم أصحاب صفة ومصلحة، وذلك لعدم تمتّعه بالنظر في القضايا القضائية الإدارية والأعمال التشريعية بحسب منطوق نظامه الداخلي، وأكثر من ذلك، فإنّه يمنع على مجلس شورى الدولة النظر في القضايا الإدارية المحكى عنها، وهو لا يملك صلاحية النظر في هكذا مراسيم، من دون أن ننسى أنّ مرسوم التشكيلات القضائية ليس صادراً عن مجلس الوزراء، بل هو مرسوم مناقلات عادية يحمل تواقيع رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزراء المالية والعدل والدفاع، وهذا الأخير تقتصر علاقته بالقضاة المدنيين المعيّنين في القضاء العسكري الإستثنائي.
“القضاء الأعلى” ليس صالحاً
كما أنّ مجلس القضاء الأعلى ليس الجهة الصالحة للفصل في الطعن في حال حصوله، لأنّه لا يحقّ له أساساً، النظر في مشروع مرسوم سبق له أن اقترحه وصاغه وعكف على إعداده بحسب رؤيته حتّى ولو توافقت مع المنظار السياسي للأمور.
وتأسيساً على كلّ ما تقدّم، فإنّ أيّ طعن بمرسوم التشكيلات القضائية حاضراً ومستقبلاً، يردّ شكلاً وفوراً بداعي عدم الصلاحية، وهذا قرار لا رجعة فيه وعنه أبداً، ليبقى السؤال الموجّه إلى قضاة لبنان والمحامين وأهل القانون والإختصاص، هل من اجتهاد مفاجئ يفصل في هذا الوضع بشكل نهائي ليصبح قاعدة يُستند عليها في المستقبل في حال تكرّر التفكير بطعن مماثل في مرسوم تشكيلات قضائية مفعم بالأخطاء والخطايا والأضرار الجسيمة؟!.
(نشر في مجلّة “محكمة”- العدد 23 – تشرين الثاني 2017 – السنة الثانية)