مرور الزمن الخماسي على المطالبة بالبدلات.. والعشري على الاسقاط من التمديد لعدم التسديد/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت محكمة التمييز المدنية العليا الناظرة في دعاوى الإيجارات والمؤلّفة من القضاة الرئيس لبيب زوين والمستشارين أليس شبطيني العم والياس نايفة في قرار مهمّ ومبدئي يعتبر برأينا من أهمّ القرارات الصادرة، أنّه للبحث في مرور الزمن يقتضي التفريق بين الدعوى الرامية إلى مطالبة المستأجر ببدلات الإيجار وهي خاضعة لمرور الخماسي المنصوص عنه في المادة 350 موجبات وعقود، والدعوى الرامية إلى إسقاطه من حقّ التمديد القانوني لعدم تسديده تلك البدلات رغم الإنذار وهي خاضعة لمرور الزمن العشري المنصوص عنه في المادة 349 موجبات وعقود.
كما اعتبرت المحكمة أنّ تبليغ المدعى عليه البطاقة المكشوفة لا يتمّ على وجه قانوني إذا لم يترك مأمور التبليغ البطاقة المكشوفة للمرسل إليه الذي تمنّع عن تسلّمها. وتكون تلك البطاقة غير منتجة لمفاعيلها، ولا يؤدّي الأمر إلى إسقاط حقّ المستأجر بالتمديد القانوني.
وممّا جاء في القرار المهمّ، والذي حسم نقاطاً لطالما كانت موضوع جدل والصادر بتاريخ 2004/6/30:
أوّلاً: في الشكل:
حيث إنّ التمييز ورد ضمن المهلة القانونية، لعدم ثبوت إبلاغ القرار المطعون فيه من المميّز، وهو مستوف شروطه الشكلية، فيقتضي قبوله شكلاً، علماً بأنّ الشرط المنصوص عنه في المادة 21 من القانون 92/160 متوفّر لوجود التعارض بين الحكمين الإبتدائي والإستئنافي لجهة الإسقاط من حقّ التمديد القانوني.
ثانياً: في الأسباب التمييزية:
حيث إنّ المميّز يدلي، تحت السبب التمييزي الثاني، بأنّ القرار المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق وتفسير المادة 350م.ع بقوله إنّ الحقّ بإقامة الدعوى الناجمة عن الإنذار بالدفع يخضع لمرور الزمن الخماسي.
وحيث إنّ المميّز المدعي أصلاً- قد أسند دعواه إلى الفقرة أ من القانون 92/160 طالباً إسقاط المميّز عليه، المدعى عليه أصلاً- من حقّه بالتمديد القانوني لأنّه تمنّع عن دفع بدلات الإيجار المتوجّبة عليه خلال شهرين من تاريخ رفضه استلام البطاقة المكشوفة التي أرسلها إليه.
وحيث إنّ قانون الإيجارات الإستثنائي رقم 92/160 لم ينصّ على مهلة لإقامة دعوى الإسقاط من حقّ التمديد سنداً للمادة 10 منه ممّا يوجب العودة بهذا الخصوص إلى القانون العام وهو قانون الموجبات والعقود.
وحيث إنّ المادة 349 م.ع تنصّ على أنّ مرور الزمن يتمّ في الأساس بعد انقضاء عشر سنوات، في حين أنّ المادة 350 منه تنصّ على أنّ مدّة مرور الزمن تكون خمس سنوات… في أجور المباني والأراضي الزراعية…
وحيث إنّه يقتضي التفريق بين الدعوى الرامية إلى مطالبة المستأجر ببدلات إيجار العقار المبني والدعوى الرامية إلى إسقاطه من حقّه بالتمديد القانون لإجارته لعدم تسديده تلك البدلات رغم إنذاره بوجوب تسديدها وانقضاء مدّة الشهرين المعطاة له لتسديدها. وتبقى الأولى خاضعة لمرور الزمن الخماسي المنصوص عنه في المادة 350 م.ع. في حين تبقى الثانية خاضعة لمرور الزمن العشري المنصوص عنه في المادة 349 منه وذلك:
– لأنّ مدة مرور الزمن المنصوص عنها في المادة 350 هي خروج عن مدّة مرور الزمن العادي الذي يتمّ في الأساس بعد انقضاء عشر سنوات، ممّا يوجب عدم التوسّع في تطبيق أحكامها التي جاءت صريحة ومقتصرة على أجور المباني دون دعاوى الإسقاط من حقّ التمديد لعدم دفع تلك الأجور.
– لأنّ لكلّ من الدعويين أسسها القانونية الخاصة بها إذ تستند الأولى على واجب المستأجر بأداء بدل الإيجار سنداً للمادة 568 م.ع. في حين تستند الثانية على نصّ استثنائي خاص وارد في قانون استثنائي للإيجار يسقط المستأجر من حقّه بتمديد عقد إيجاره، الممنوح له استثنائياً بموجب هذا القانون، لعدم دفعه ذلك البدل ضمن مهلة محدّدة رغم الإنذار.
– لأنّ الوضعية القانونية المتكوّنة نتيجة تمنّع المستأجر عن دفع بدلات الإيجار المتوجّبة بذمّته ضمن مهلة الإنذار القانونية المحدّدة في قانون الإيجارات الاستثنائي تنشأ وتكتمل عناصرها بانتهاء مدّة الإنذار دون دفع البدلات موضوع هذا الإنذار وأنّ انقضاء مدّة مرور الزمن على تلك البدلات، بصورة لاحقة، ليس من شأنه أن يزيل ما نشأ في حينه، عن عدم دفعها ضمن مهلة الإنذار، من مفاعيل قانونية، إنْ لجهة تحقّق شروط الفقرة أ من المادة 10 من القانون رقم 92/160 أو لجهة نشوء حقّ المؤجّر بإقامة الدعوى سنداً لتلك الفقرة.
– لأنّ ما تنص عليه المادة 361 م ع من أنّ “حكم مرور الزمن لا يقتصر على إسقاط حقّ الدائن في إقامة الدعوى، بل يسقط أيضاً الموجب نفسه، فلا يمكن بعد ذلك الإستفادة منه بوجه من الوجوه، لا بإقامة دعوى، ولا بتقديم دفع”. لا يتناول إلاّ الموجب الذي سقط حقّ إقامة الدعوى بشأنه بمرور الزمن والذي هو بالنسبة للحالة موضوع البحث، موجب أداء بدلات الإيجار، ولا يمتدّ إلى موجب الإخلاء الناتج عن عدم دفع تلك البدلات ضمن مهلة الإنذار القانونية، والذي يختلف عن موجب أداء البدلات والذي يبقى حقّ إقامة الدعوى بشأنه قائماً طيلة مدّة مرور الزمن العشري بقطع النظر عن سقوط موجب دفع البدلات بمرور الزمن الخماسي.
– لأنّ قرينة الابراء المنصوص عنها في المادة 360 م.ع لا تشكّل دليلاً على أنّ هذا الإبراء قد تمّ ضمن مهلة الإنذار القانونية، إذ إنّ مرور الزمن يعدّ بمثابة برهان على إبراء ذمّة المديون بسبب انقضاء مدّة طويلة على الموجب، وهو لا يشكّل برهاناً على الفترة التي تمّ فيه هذا الإبراء بصورة دقيقة ومحدّدة، وبالتالي، على أنّ هذا الإبراء قد تمّ ضمن المهلة القانونية المحدّدة بشهرين من تاريخ تبلّغ الإنذار، بحيث إنّ قرينة الإبراء المنصوص عنها في المادة 360 لا تكون حائلاً، بحدّ ذاتها، دون توافر شروط الفقرة أ من المادة 10 من القانون 92/160 ويبقى على المستأجر أن يبحث تسديده البدلات موضوع الإنذار ضمن المهلة القانونية.
وحيث إنّ القرار المطعون فيه، بقوله إنّ الدعوى قد وردت بعد مهلة الخمس سنوات وشهرين وإنّ الحقّ بإقامة الدعوى الناجمة عن الإنذار بالدفع يخضع لمرور الزمن الخماسي سنداً للمادة 350 م.ع يكون قد أخطأ في تفسير وتطبيق هذه المادة ممّا يوجب نقضه سنداً للفقرة الأولى من المادة 708 أ.م.
وحيث إنّ المحكمة ترى سنداً للمادة 734 أ. م. م. فصل القضيّة في الموضوع لكونها جاهزة للحكم.
وحيث إنّ المميز- المدعي أصلاً والمستأنف- يطلب إسقاط المميّز عليه المدعى عليه المستأنف- من حقّه بالتمديد القانوني سنداً للمادة 10 فقرة أ من القانون 92/160 بسبب تمنّعه عن دفع بدلات الإيجار المستحقّة بذمّته رغم إنذاره بموجب بطاقة مكشوفة مع إشعار بالإستلام تاريخ 85/12/2 أعيدت بتاريخ 86/1/3 مشروحاً عليها بأنّه تمنّع عن تبلّغها.
وحيث إنّ المدعى عليه المميّز المستأنف- يطلب ردّ الدعوى لمرور الزمن الخماسي مستنداً للمادة 344 و 350و 360و 361 موجبات وعقود، وردّها لعدم قانونية التبليغ سنداً للمادة /403/ أ.م.م.
وحيث إنّ المدعي أقام دعواه الحاضرة بتاريخ 98/11/8.
وحيث إنّ دعوى الإسقاط من حقّ التمديد لعدم دفع البدلات رغم الإنذار تخضع لمرور الزمن العشري للأسباب ذاتها المبيّنة في معرض بحث سبب نقض القرار المطعون فيه.
وحيث تحقيق المادة الثانية من قانون تعليق المهل رقم 50 تاريخ 91/5/23، يعلّق حكماً سريان جميع المهل القانونية بين تاريخ 75/4/15 ولغاية 91/5/23 ولا تعود تسري إلاّ من تاريخ 91/5/24، وإنّه بمقتضى المادة 31 من القانون 92/160 أعطيت مهلة شهرين إضافية أخرى للمستأجر لدفع بدلات الإيجار موضوع الإنذارات المؤدّية إلى الإسقاط في حقّ التمديد دفع البدلات المبلّغة بين 75/4/15 وتاريخ العمل بهذا القانون بحيث إنّ مدّة مرور الزمن العشري بالنسبة للدعوى الحاضرة تبدأ من تاريخ 91/7/24.
وحيث إنّ الدعوى الحاضرة المقامة بتاريخ 97/11/8 تكون واردة ضمن مهلة العشر سنوات التي تبدأ في 91/7/24 وتنتهي في 2001/7/24.
وحيث إنّ المدعى عليه المستأنف طلب ردّ الدعوى لعدم قانونية التبليغ أيّ تبليغ الإنذار سنداً للمادة /403/ أ.م.م.
وحيث إنّ الفقرة أ من المادة 10 من القانون 92/160 لم تحدّد الأصول التي ترعى تبليغ الإنذار بالدفع المرسل إلى المستأجر فتكون أصول التبليغ المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات المدنية هي الواجبة التطبيق في هذا المجال.
وحيث إنّ الفقرة الأخيرة من المادة 399 أ.م.م. تنصّ على أنّه في حال امتناع المطلوب إبلاغه أو الشخص المتخذّ لديه محلّ إقامة مختار عن تسليم الأوراق يتركها المباشر له. ويعتبر التبليغ عندئذٍ حاصلاً على وجه قانوني ولو رفض توقيع المحضر.
وحيث إنّ ابراز المدعي صورة عن البطاقة المكشوفة المرسلة منه إلى المدعى عليه والتي يسند إليها دعواه تتضمّن مشروحات مأمور البريد المدوّنة على ظهرها والتي تقول “إنّ المرسل قد تمنّع عن الإستلام” ينبىئ أنّ هذا المأمور لم يترك البطاقة المكشوفة للمرسل إليه وفق ما تنصّ عليه الفقرة الأخيرة من المادة 399 أ.م.م. بل أعادها إلى مكتب البريد واستقرّت بيد المرسل بالذات بدلاً من تركها للمرسل إليه وتنظيم محضر بمعاملة التبليغ يشتمل على البيانات وفقاً للمادة 405 أ.م.م.
وحيث إنّ تبليغ المدعى عليه البطاقة المكشوفة لا يكون قد تمّ على وجه قانوني ولا تكون البطاقة منتجة لمفاعيلها القانوينة، ويكون الطلب المسند إليها والرامي إلى إسقاط المدعى عليه من حقّه بالتمديد القانوني سنداً للفقرة أ من المادة 10 من القانون 92/160 مستوجباً الردّ لعدم توافر شروط تلك الفقرة، ويكون الحكم الابتدائي المستأنف الذي انتهى إلى خلاف ذلك مستوجباً الفسخ للسبب الوارد في هذا القرار. وحيث إنّه لم يعد من حاجة لبحث سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة بما في ذلك طلب الحكم بالعطل والضرر للمادتين 10و11 أ.م.م. لعدم توافر شروطهما.
لذلك تقرر بالاتفاق:
أوّلاً- قبول التمييز شكلاً.
ثانياً- قبول السبب التمييزي الثاني. ونقض القرار المطعون فيه سنداً للفقرة الأولى من المادة 708 أ.م.م. وفصل الدعوى مباشرة في الموضوع سنداً للمادة 734 أ.م.م. وفسخ الحكم الإبتدائي ونشر الدعوى مجدّداً ورؤيتها انتقالاً والحكم مجدّداً بردّها للأسباب الواردة في هذا القرار.
ثالثاً- إعادة مبلغ التأمين التمييزي ومبلغ التأمين الاستئنافي.
رابعاً- ردّ طلب الحكم بالعطل والضرر سنداً للمادة 10و11 أ.م.م.
خامساً- تضمين المدعي المميّز النفقات.
قراراً صدر في 2004/6/30.
“محكمة” – الأحد في 2018/08/05