مسرحية السريّة المصرفية/بسّام الحلبي
المحامي بسام أمين الحلبي:
خلال فترة تدّرجي التي استضافني فيها، المغفور له الشهيـد النائـب والوزيـر ناظم القادري من سنة 1968 لغاية سنة 1972، الذي بدأت نيابته عن قضاء البقاع الغربي منذ سنة 1952 واستمرّت حتّى اغتياله سنة 1989، وكان بخلال هذه الفترة بشكل دائم من أعضاء لجنة الإدارة والعدل رئيساً أو مقرّراً ، كان يقول لي عند بحث أيّ نقطة خلافية في دعوى، “لا تجادلني إرجع إلى النصّ” وينتهي جدلنا بالإعتراف بصحّة موقفه، ويعلّق قائلاً لن أخطئ فالنصّ أنا وضعته أو ساهمت فيـه.
تذكّرت هذه الفترة من حياتي بعد ما هزل مفهوم القانون وأصبح النصّ محتقراً، وبات رجال القانون خاصة الدستوري والإداري ، يفسّرونه وفقاً لرغبة أسيادهم من زعامات معمل الحرير العثماني.
وما جعلني أتذكّر تعبير العودة إلى النصّ هو تذرّع حاكم المصرف المركزي بقانون النقد والتسليف، تحديداً المادة 151 منه ، للإمتناع عن تسليم شركة التدقيق العالمية ألفاريز ومارسال المستندات اللازمة للقيام بمهمّتها، ووقوف الحكومة مكتوفة الأيدي دون اتخاذ أيّ قرار، سنداً للقانون ، يُلزم الحاكم بالإستجابة لطلـب الشركة.
فور انتشار الخبر، صُدمت معتبراً أنّ في موقف الحاكم “قطبة مخفيّـة ” ما أدّى بي إلى تطبيق المبدأ الذي أنشأني عليه معلّمي “لنرجع إلى النصّ”، وعندما عُدت إلى النصّ إكتشفت أنّنا أقلّـه أمام مسرحية، دون أن أقول مؤامرة، سياقها أن يرفض الحاكم كشف السرّية، والعهد القوي، كونه عهد تطبيق القوانين والدستور بحذافيرهم، سيسعى تذليل هذه العقبة القانونية ولو اقتضى الأمر والقانون الذي يعلّق العمل بقانون السرّية المصرفية ويسمح للحاكم بعدم الخضوع للسرّية، أو تعليق العمل بالمادة 151 نقد وتسليف.هكذا تُفتعل مسرحية رفع السرّية بإعتبار أنّ القانون منع فريقاً من الكشف والخلاف بين الكتل النيابيـة منع تعديـل القانون ، وينتهي الموضوع أنّ جميع أعضاء معمل الحرير التركي شرفاء نظاف الكفّ.
وأؤكّـد وجهة نظري ببيان بصورة مختصرة لما يقوله القانون حول الموضوع، فقانون السرّيّة المصرفية يحدّد في المادة الأولى منه المصارف التي تخضع له بالمصارف المؤسّسة في لبنان على شكل شركات مساهمة وفروع المصارف الأجنبية في لبنان. أيّ من التدقيق في المادة الأولى من القانون يتبيّن أنّ مصرف لبنان غير مشمول بأحكامه كونه ليس شركة مساهمة بل هو مؤسّسة عامة منظّمة بقانون خاص.
وهنا قد يكون رأي من يؤيّد الحاكم أنّ الأخير أسند قراره إلى المادة 151 نقــد وتسليف، وليس إلى قانون السرّيّة المصرفيـة ، وبالعودة إلى هذه المادة يتبيّــن أنّها لا تخاطب المصرف المركزي بل هي موجّهة إلى من كان يعمل أو عمل فيه بأيّ وظيفـة. فالمصرف كشخص معنوي ومؤسّسة عامة لا يخضع أيضاً لهـذا النصّ.
وبشكـل استطرادي، كما يحلو للمحامي القول، لو افترضنا أنّ الحاكم اعتبر ذكر قانون 56/9/2(السرّية المصرفية) في هذه المادة تجعله يطبقّها على شخص الحاكم كموظّف، فالحقيقـة أنّ قانون السرّية الذي يستنـد إليه يخاطبـه في المادة الثانية منه التي تجيـز له رفع السرّية المصرفية بإذن خطّي من صاحب الحساب، والإذن المطلوب في حالتنا قد أُعطي بالعقد الجاري بين الحكومة والشركة المولج بها التدقيق، والمرسوم الذي صدر بتنفيـذه.
مسرحيــة مفضوحـة وشعــب مسكين لن يعرف أيّ حقيقــة هذا إذا بقي على قيد الحياة نتيجـة حكم العهـد القوي ومن يحـالفـه!
“محكمة” – الجمعة في 2020/11/27