مصير عقود الإيجار المحرّرة بالعملة الأجنبية/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
على أثر الأزمة الحالية المتعلّقة بشبه فقدان العملة الصعبة من الأسواق وخصوصاً الدولار الأميركي، بدأت تطرح بقوّة مسألة العقود، وتحديداً عقود الإيجارات، المحرّرة بالدولار الأميركي.
وبالفعل، بدأت تردني عشرات الاتصالات يومياً لمعرفة مصير بدلات الإيجار المحرّرة بالدولار الأميركي، وهل يمكن تسديد البدلات بالسعر الرسمي المحدّد للدولار؟
في القانون رقم 92/160 الصادر بتاريخ 23 تموز 1992، نصّت المادة الثالثة والثلاثون على عدم تطبيق الزيادات المنصوص عليها في المادتين السادسة (الأماكن السكنية) والثالثة عشرة (الأماكن غير السكنية) على البدلات المحدّدة بالعملة الأجنيبة في عقود الإيجار والتي ما دامت محرّرة بهذه العملة.
هذه المادة لم تلق مثيلة لها في القانون الجديد الصادر في العام 2014 وفي قانون 2017. ممّا يعني أنّه يمكن تطبيق الزيادات على تلك البدلات المحدّدة بالعملة الأجنبية.
ويبقى السؤال: هل يمكن تسديد تلك البدلات بالليرة اللبنانية؟
برأينا، يقتضي التفريق بين العقود التي تنصّ على تحديد بدلات الإيجار “بالعملة الأجنبية” وبين تلك التي تنصّ على تحديدها “بالعملة الأجنبية أو بما يوازيها بتاريخ الدفع”. أو ورود عبارات أخرى كالقول مثلاً: تؤخذ بعين الإعتبار الظروف الإستثنائية لناحية عدم توفر عملة صعبة، أو يؤخذ بعين الإعتبار تدنّي سعر صرف الليرة في حال قرّر المستأجر الدفع بالليرة اللبنانية: أو يمكن الدفع بالليرة اللبنانية شرط أن لا تقلّ عن مبلغ معيّن لسعر الصرف…الخ
ففي الحالة الأولى، لا يمكن للمستأجر أن يطالب بالدفع بالعملة اللبنانية بما يوازي السعر الرسمي للدولار أو لغيره من العملة الأجنبية، وعليه الدفع بتلك العملة. ولا حلّ في هذا المجال إلاّ بتعديل القانون والقول مثلاً بأنّه يمنع التعاقد ببدل غير العملة اللبنانية. أو بالنسبة للعقود المعقودة أساساً أنّه على الرغم من ورود بند ينصّ على أنّ البدل محدّد بالعملة الأجنبية فإنّه يحقّ للمستأجر الدفع بما يوازي البدل بالعملة اللبنانية بتاريخ الدفع.
أمّا إذا كان العقد ينصّ أساساً على إمكانية الدفع بالعملة الأجنبية أو بما يوازي العملة الأجنبية بتاريخ الدفع، فلا مشكلة، ويستطيع المستأجر الدفع بالعملة اللبنانية حسب السعر الرسمي للعملة الأجنبية(مع الأخذ بعين الإعتبار الرأي الذي سنورده لاحقاً والمتعلّق بالسعر الرائج بتاريخ الدفع).
وبالتالي، نستطيع تلخيص الموضوع كالتالي:
1- الأوراق النقدية بالعملة اللبنانية محدّدة في المواد 6 و7 و8 من قانون النقد والتسليف ويجب التعامل بها ولا يمكن رفضها لدى توجّب أموال نقدية بالعملة اللبنانية، تحت طائلة الملاحقة: المادة 319 عقوبات. هذا إذا كان الدين المتوجّب أو المبلغ المتوجّب بالعملة اللبنانية. والهدف هو أنّ هذه الأوراق هي أوراق العملة اللبنانية ويجب التعامل بها كعملة لبنانية لا أكثر ولا أقلّ. والمادة 92 من قانون النقد والتسليف تفسّر على الشكل الآتي: عندما تتوجّب لنا مبالغ مالية بالعملة اللبنانية نقبضها بالعملة المدفوعة في المادتين 7 و8 من القانون عينه. هذا إذا كان الدين بالعملة اللبنانية. ولكن هذه المواد لا تتكلّم عن الدين بالعملة الأجنبية.
2- العقود والاتفاقيات والسندات والشيكات والديون بشكل عام بالعملة الأجنبية قانونية وليست ضدّ الإنتظام العام.
3- تبقى المسألة الآتية: ما إذا كان يمكن دفع البدل المحدّد بالعملة الأجنبية عن طريق التسديد بالعملة الوطنية. وهي المسألة التي أجبنا عليها أعلاه.
هذا مع العلم أنّ المادة 301 موجبات وعقود تنصّ على ما يأتي:”عندما يكون الدين مبلغاً من النقود، يجب إيفاؤه من عملة البلاد وفي الزمن العادي حين لا يكون التعامل إجبارياً بعملة الورق، يظلّ المتعاقدون أحراراً في اشتراط الإيفاء نقوداً معدنية معيّنة أو عملة أجنبية”، وبالتالي، فإنّ هذه المادة لا تمنع التعامل بالنقود المعدنية أو بالعملة الأجنبية، بل أجازت ذلك.
وتبقى مسألة ثانية: هل يجب التسديد، لدى ورود نصّ في العقد المنظّم بالعملة الأجنبية والذي يجيز الدفع بالعملة اللبنانية بالإستناد إلى السعر الرسمي أم السعر الرائج وقت الدفع؟
إذا عدنا إلى منطق الأمور يجب التسديد طبقاً للسعر الرسمي. ولكن هناك رأي علمي آخر مفاده: عدم وجود نصّ يتكلّم عن صرف العملة الأجنبية بالسعر الرسمي للعملة الوطنية، واعتماد لبنان على النظام الاقتصادي الحرّ الذي لا يعترف بتحديد سعر رسمي لتبادل العملات. وعلى سبيل القياس ما ورد في نصّ المادة 432 من قانون التجارة لجهة دفع قيمة الشك بالعملة اللبنانية وفق السعر الرائج.”إذا اشترط إيفاء الشك بعملة غير دارجة في لبنان فيجوز دفع المبلغ في مهلة عرض الشك بليرات لبنانية معادلة لقيمته في يوم الإيفاء. وإذا لم يتمّ الإيفاء عند العرض فلحامل السند الخيار بأن يطلب دفع قيمة الشك بالعملة اللبنانية بحسب السعر الدارج في يوم العرض أو في يوم الإيفاء.”
ويجب اتباع العرف اللبناني في تحديد سعر كلّ عملة أجنبية يحرّر بها الشك، لأجل تعيين قيمتها بليرات لبنانية على أنّ للساحب أن يشترط حساب القيمة الواجب إيفاؤها بسعر معيّن في الشك. ولا تطبّق القواعد المتقدّم ذكرها عندما يشترط الساحب الإيفاء بعملة معيّنة (شرط الإيفاء الفعلي بعملة أجنبية)”.
موضوع دقيق سوف يعرض دون أدنى شك على المحاكم اللبنانية لأنّ معظم العقود منظّمة بالدولار، والدولار شبه مفقود، وقيمة صرفه نسبة لليرة اللبنانية باتت باهظة جدّاً. والمالك والمستأجر وبشكل عام الدائن والمدين في حالة بلبلة، ويقتضي حسم الموضوع من قبل المشرّع. وبانتظار ذلك، فإنّ المحاكم هي التي سوف تحسم النزاعات حسب كلّ ملفّ يعرض عليها.
“محكمة” – الإثنين في 2020/5/11