مظاهر العنف ضدّ المرأة والزواج المبكر من منظار القانون/عطاف قمر الدين
الباحثة القانونية عطاف قمر الدين*:
على الرغم من التطوّر الذي يشهده العالم على كافة الصعد، وعلى الرغم من مرور سنين طويلة على انضمام لبنان إلى الإتفاقيات الدولية التي ترعى حقوق الإنسان وحقوق الطفل بالإضافة إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو)، ما زلنا نجد أنفسنا كحقوقيين في موقع المندفع للمشاركة والإنخراط في ورش عمل تعنى بتنظيم شؤون المرأة، للبحث في كيفية تحقيق تغيير فعّال في واقعها، سيّما على الصعيد التشريعي على اعتبار أنّ التشريع هو الضامن الأساسي لحقوق المرأة قانونا،ً الأمر الذي يتطلّب تنقيحَه من النصوص التي تحمل تمييزاً مجحفاً بوجهها.
فمن غير الجائز أن نكون أمام “عنف قانوني” يضاف إلى أشكال العنف الأخرى التي تُمارس ضدّ المرأة، في بلد يكرّس المبدأ القائل بالمساواة بين المواطنين من الإناث والذكور على حدّ سواء في متن الدستور.
ولعلّ الزواج المبكر، لا يعدو كونه مظهراً من مظاهر الإجحاف بحقّ القاصر على وجه الخصوص، فعندما نقول الزواج المبكر، نعني به زواج الأنثى القاصرة ما دون سنّ الرشد القانوني المحدّد بـ ١٨ سنة، وهنا بيت القصيد في هذه المداخلة.
فموضوع الجلسة الراهنة يتطلّب تحديد الإطار التشريعي للمعاملة القانونية التي تتلقاها الأنثى في ما يخصّ الزواج المبكر، على ضوء قانون العقوبات اللبناني والقوانين الجزائية الخاصة ذات الصلة، بداعي تفاقم هذه الظاهرة في لبنان مؤخّراً سيّما على أثر ازدياد حالات زواج القاصرات من اللاجئات السوريات على وجه الخصوص، ومن البديهي أن تكون المخاوف والمخاطر قائمة سواء كانت القاصر لبنانية أم غير لبنانية طالما أنّ ذلك يتمّ في لبنان ووفق القانون اللبناني.
هذا من جهة أولى، و من جهة ثانية، يقتضي تبيان الآثار المترتّبة على قوننة هذه الظاهرة وذلك من ناحية ارتفاع خطر تعرّض الفتاة القاصر بفعل الزواج المبكر، لجرائم جزائية خطيرة، سيّما: الإغتصاب الزوجي والعنف الأسري.
وقبل أن نُفصّل العناوين المذكورة آنفاً، لا بدّ من لفت النظر إلى تحفّظ الدولة اللبنانية على المادة ١٦ من إتفاقية “سيداو” والتي جاء في فقرتها الثانية أنّه:”لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سنّ أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجّل رسمي أمراً إلزامياً.”
ومن هنا نلاحظ فوراً تردّد الدولة اللبنانية بإلزام نفسها بأيّ نصّ يجبرها على منع زواج القاصر قانوناً.
أمّا النصوص التي يهمّنا التطرّق إليها فهي التالية:
أ- بالنسبة لقانون العقوبات:
١- م ٤٨٣ ع التي تعاقب رجل الدين الذي يعقد زواج قاصر دون أن يدوّن في العقد رضى من له الولاية على القاصر أو إذن القاضي (غرامة من ٥٠ الى ٥٠٠ ألف ل.ل)، وهذه المادة تؤكّد أحقّية استخدامنا لعبارة “تزويج القاصر” لا ” زواج القاصر”، ثمّ أنّ صغر السنّ الذي منعها قانوناً من تولّي مسؤوليات عديدة كقيادة السيّارة وممارسة حقّ الإنتخاب، لا يمكن أن تُستنتج منه مبادرتها أو بالحدّ الأدنى أهليتها، للإلتزام بمسؤولية تفوق ما ذُكر أيّ الزواج وتأسيس أسرة! وهنا أوّل أوجه التناقض التشريعي في هذا الإطار.
٢- المادة ٥٠٥ ع التي تجرّم مجامعة القاصر، وهي تُظهر وجهاً آخر من التناقض القائم بين إباحة زواج القاصر عملاً بقوانين الأحوال الشخصية وبين تكريس تجريم مجامعة القاصر في قانون العقوبات، إذ إنّ ذلك كان يتطلّب منطقياً وجوب عدم قيام زواج القاصر قانوناً!
ب- بالنسبة لقانون الأحداث المخالفين للقانون والمعرّضين للخطر رقم 2002/422:
هذا القانون تطرّق في شقّه الثاني كما تشير التسمية، لحماية الأحداث المعرّضين للخطر، إلاّ أنّه لم يتضمّن نصّاً يمنع الزواج تحت سن ١٨ قياساً لاعتبار الحدث من لم يتجاوز هذا السنّ، علماً أنّ القانون المذكور قد وُضع بناءً على توجيهات اتفاقية حقوق الطفل لعام ١٩٨٩، والتي كرّست حقّ الطفل في الحياة والتعلّم والكرامة وغيرها، ومن غير المتنازع عليه أنّ الزواج المبكر قد يطيح بهذه الحقوق من حيث أنّه قد يؤدّي إلى الوفاة عند الولادة المبكرة ويلغي أيّ فرصة للتحصيل العلمي الكافي ويضع الفتاة في موقع الدون والتابع نتيجة صغر السنّ في إطار علاقة زوجية غير متكافئة.
أمّا عن آثار عدم تجريم زواج القاصر، فهي، كما ذكرنا في بداية هذه المداخلة، تتمثّل في كون الزواج المبكر يعزّز من احتمال تعرّض الأنثى لأفعال جرمية خطيرة أوّلها العنف الأسري وثانيها الإغتصاب الزوجي.
والمقصود بالعنف الأسري، كلّ فعل أو عدم فعل أو تهديد يرتكب في إطار علاقة أسرية ويترتّب عنه قتل أو إيذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو إقتصادي. وهو الواقع تحت طائلة القانون 2014/293 المتعلّق بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، الذي يشكّل خطوة متقدّمة في مجال مكافحة العنف ضدّ المرأة سيّما في القسم الحمائي، أعني بذاك إتاحة اللجوء إلى القضاء لاستصدار “أمر حماية” من العنف.
ولكن ما يؤخذ عليه هو حصر مفاعيل أمر الحماية بالمرأة وأطفالها الذين هم في سنّ الحضانة القانونية وفق قوانين الأحوال الشخصية، وهذا من شأنه أن يثني الضحية عن طلب الحماية عندما يكون من بين أطفالها من تخطّى سنّ الحضانة.
أمّا في ما يتعلّق بمسألة الإغتصاب الزوجي، فمن المؤكّد أنّ بنية القاصر الجسدية وقلّة إلمامها بطبيعة العلاقة الزوجية بسبب ضعف أو حتّى انعدام الثقافة الجنسية لديها، تؤدّي إلى زيادة احتمال تعرّضها للإغتصاب على يد زوجها.
ولحسن الحظّ أنّ قانون العنف الأسري تطرّق لمسألة الإغتصاب الزوجي حيث عاقب في مادته الثالثة من أقدم بقصد استيفاء حقوقه الزوجية في الجماع أو بسببه على ضرب زوجه أو إيذائه، مع تحفّظنا على عدم تعديل المادة ٥٠٣ عقوبات التي تستثني صراحة الزوج من أحكام الإغتصاب بقولها الصريح: من أكره غير زوجه عوقب… وتحفّظنا أيضاً تجاه ذكر عبارة “الحقوق الزوجية” التي تحيل إلى مفهوم الواجب ممّا يعني أنّ المرأة ملزمة بتنفيذ واجبها في هذا الإطار بتغاضٍ تام عن رغبتها الخاصة. إذاً المعاقب هو العنف وليس الإكراه بحدّ ذاته وهنا يبدو واضحاً إلتفاف المشرّع على النصّ لتلافي تجريم الإغتصاب الزوجي صراحةً.
أخيراً، وبالإستناد إلى ما تقدّم، نسعى لإقرار التعديلات التشريعية التالية:
١- تعديل المادتين ٥٠٣ و ٥٠٤ من قانون العقوبات المتعلّقتين بأحكام الإغتصاب لجهة حذف عبارة “غير زوجه” وبالتالي عدم الإبقاء على استثناء الزوج من جرم الإغتصاب.
٢- تعديل المادة ١٢ من قانون العنف الأسري رقم 2014/293 لشمول أمر الحماية لجميع أطفال الضحية حكماً بغضّ النظر عن سنّ الحضانة بحسب قوانين الأحوال الشخصية، تحقيقاً لمصلحة الطفل العليا وانسجاماً مع القانون رقم 2002/422 الذي يعتبر أنّ وجود الطفل في بيئة يسودها العنف هو إحدى حالات التعرّض للخطر.
٣- رفع التحفّظ عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة وتحديداً المادة ١٦ منها المتعلّقة بإعطاء المرأة نفس حقوق الرجل في ما يخصّ عقد الزواج ومفاعيله، والتي تتضمّن سنّ تشريعات تمنع زواج القاصر، واستطراداً تحديد سنّ الزواج بالثامنة عشرة، حتّى ينزّه المشرّع نفسه عن التناقض القائم بين التشريعات في هذا الإطار.
ختاماً، لا يسعنا سوى أن نؤكّد أنّ مناهضة الزواج المبكر هي وسيلة لا تقلّ أهمية وقيمة عن أيّ مسألة أخرى متعلّقة بالنهوض بحقوق المرأة، لما تحمله من تمكين لها في كافة المجالات بما فيها التعلّم والعمل والحدّ من العنف… هذا من جهة، ومن جهة ثانية وأخيرة، لما تشكّله من تدعيم لمكافحة الذهنية السائدة والتي ما زالت تحمل نظرة متخلّفة لحقوق المرأة بشكل عام ولزواج القاصر بشكل خاص، إذ إنّ العبرة تكمن في النفوس كما في النصوص.
• قدّمت هذه المداخلة القانونية في إطار ورشة عمل بعنوان “الحملة الوطنية لدعم وحماية المرأة من العنف والزواج المبكر” التي نظّمتها جمعية مساواة وردة بطرس ولجنة حقوق المرأة اللبنانية، بتاريخ 2009/2/9).
“محكمة” – الأحد في 2019/2/10
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.