معالي الوزير ميشال اده…واللقاء الجميل/ ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحكم انتسابي إلى مكتب النائب المحامي أوغست باخوس منذ العام 1983، وتشبّعي من أفكاره وأفكار أمثاله من كبار القوم، بتّ أتوق إلى الاجتماع بأمثاله لأشبع رغبتي في الاستماع إلى آراء وأخبار وحكايات من هم مثله. إذ بعد سنة من لقائنا معالي الوزير المحامي ميشال اده في منزله المستأجر من قبله في اليرزة، زرنا، رئيس جمعية خريجي كلّية الحقوق في جامعة القديس يوسف-اليسوعية القاضي عباس الحلبي، والقاضي فوزي خميس، والمحامون فادي شلفون، والبروفسور كريم هنري طربيه، والدكتور جورج هيام ملاط، وأنا، معاليه. وكانت جلسة امتدت لأكثر من ساعة حيث أخبرنا أنّه لم يدخّن أيّ نوع من الدخان، ولو على سبيل التجربة، كما أنّه لا يعرف طعم الكحول على أنواعها، وأنّه وأفراد عائلته ينامون في الثامنة مساء ولا يحبّون السهر.
الأكل المفضّل لديه هو الأجبان على مختلف أنواعها. وفي هذا المجال يقول وهو يضحك: لقد أوصيت في وصيتي أن أدفن في الأجبان.
أثناء الحديث معه، يدخل أحد مساعديه وهو يحمل ورقة ويسلّمه إيّاها. شخص من منطقة بعيدة يطلب مساعدة مالية.
يتكلّم عن علاقته بالرؤساء أده والخوري وشمعون وشهاب والحلو وفرنجية وسركيس. علاقة مودة واحترام حتّى ولو اختلفت الآراء في بعض الأحيان. ويؤكّد أنّ بعضهم قد توفّى وليس لديه ثمن سيّارة أو شقة وهذا ما تبيّن لاحقاً لدى افتتاح التركة. ويستشهد بقول للكونفوشيوس: إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟.
كما يتكلّم عن علاقته مع زملائه الوزراء ومع كبار المسؤولين وكم كانت هذه العلاقة تنمّ عن كبر وأصالة ورقّي، لم نعد نلمسها في عصرنا الحاضر إلاّ لماماً. وذكّرني كلامه بمقابلة أجرتها إحدى الاذاعات مع الأديب الكبير المرحوم جورج جرداق والتي دوّنتها في كتابي حول طرائف القضاة والمحامين عندما سألته المذيعة عن رأيه في مستوى اللغة العربية فأجابها:
“قديماً كان البستاني والمنذر وعبد الساتر وغيرهم يدرّسون اللغة العربية واليوم يولا تدرّسها. فما هو رأيك بمستوى اللغة العربية؟”.
وأثناء الاجتماع يسأل معاليه عن المنح التي تقدّمها الجمعية للطلّاب فيجيبه رئيس الجمعية أنّها تقدّم المبلغ الفلاني الذي كان يكفي لدفع نصف قيمة القسط. أمّا حالياً فإنّ هذا المبلغ لا يكفي إلاّ لدفع قسم قليل من القسط الجامعي. فيسحب ورقة ويحرّر شكاً بمبلغ محترم جدّاً ويقول تابعوا في دفع القسم الكبير من قيمة القسط الجامعي، فالطلاب هم مستقبل البلد.
أثناء خروجنا من منزله، إستعاد أحد الزوّار ما سبق وكتبته في المقالة السابقة: صحيح ليته تبوأ منصب رئاسة الجمهورية لكان فعل الكثير لهذا البلد. فأجابه البروفسور طربيه: لو فعل لكان احترق. فأجبته: كلا، إنّ المسؤول الشجاع والحكيم ونظيف الكفّ والشبعان لا يحترق. على الأقلّ ينجز ما يمكن إنجازه، ولكنّه لا يحترق.
في طريق العودة، عدت حزيناً بعد أن قارنت معاليه ببعض المسؤولين الحاليين الذين ينتقمون بدل أن يطبّقوا القانون. يأخذون بدل أن يعطوا. يقهرون شعبهم بدل أن يكونوا سنده. ممّا أدخله في حالة من اليأس والقنوط.
“محكمة” – الثلاثاء في 2018/10/02