أبحاث ودراسات

معايير تميّز العدالة ومعالجة الإختناق القضائي/عصام ضاهر

القاضي عصام ضاهر*:
إنّ تقييم الأداء الوظيفي هو عملية إدارية تتم بغرض القياس للتأكد من أن الأداء الفعلي للعمل القضائي يوافق معايير الأداء المحددة أو المطلوبة أو المفترضة. ويعتبر التقييم متطلبًا حتميًا لكي يحقق القضاء أهدافه بناءً على المعايير الموضوعية.
ولهذا، فلا بدّ من الإشارة إلى أن فاعلية نظام تقويم الأداء هذا ترتكز على مدى مساهمة هذا النظام في مساعدة العاملين في القضاء على تطوير أدائهم الوظيفي وتحسين علاقاتهم التنظيمية. وأما موضوعيته، فهي ترتكز على مدى استناد هذا النظام إلى معايير واضحة ودقيقة وعادلة، ومدى قدرة الرئيس المباشر على الحكم على أداء المرؤوسين بكفاءة ونزاهة.
وغنيٌّ عن البيان أنه توجد علاقة موجبة ومعنوية بين إحساس العاملين بموضوعية نظام تقويم الأداء وبين الأداء الوظيفي، بمعنى أنّه كلما زاد إحساس العاملين بفعالية نظام تقويم الأداء المطبّق في مؤسسة ما، زاد مستوى الأداء الوظيفي، وهذا أمر منطقي ، حيث إن نظام تقييم الأداء الذي يتسم بالفاعلية يساهم في كشف أوجه القوة والضعف في أداء القاضي ومن ثم ينمّي ويدّعم أوجه القوة ويعالج أوجه الضعف مما يؤدي إلى رفع مستوى الخدمة التي يؤديها مرفق القضاء.
و عليه، فسوف يجري التطرق الى هذا الموضوع وفقاً للمحاور المبيّنة في برنامج عمل هذه الورشة و المبلّغ إلينا من جانب مجلس القضاء الأعلى وفقاً لما يلي:
في المحور الأول:حول معايير انتاجية المحاكم
إن الخدمة الأساس التي يقدمها مرفق العدالة هي إحقاق الحق وحماية الحريات والحفاظ على أمن المجتمع واستدراك بعض الأخطاء التي تقع من السلطة او من الأفراد..وهذه الخدمة هي أولاً خدمةٌ نوعية وليست كمية. بمعنى ان العنصر الأهم فيها هو نوعيتها ومدى تحقيقها لغايتها، وليس كمية انتاجها او درجة سرعتها.
غير أن تباطؤ هذه الخدمة وقلة عدد المشاكل التي يجري حلّها هي بحد ذاتها ايضاً آفةً تعتري العدالة. فالعدالة البطيئة والمتراخية في الزمن تقترب من عدم احقاق الحق بنتائجها وكثيراً ما يفقد الحق قيمته الاقتصادية وقوته المعنوية وتأثيراته الردعية اذا قضي به بعد ردحٍ طويل من الزمن. ومن هنا، فإنّ التحديّات التي تواجهنا في عملنا القضائي هي تحديات على مستويين: نوعي وكمّي، فالإنتاجية في مرفق القضاء يجب ان تسير جنباً الى جنب مع صوابية القرارات والأحكام ومع الجودة في نوعية الأداء القضائي.
وإنّنا نقترح هنا بالإضافة الى المعايير الملحوظة في الدعوة للمشاركة بورشة العمل هذه وهي مدة الدعاوى، ونسبة الفصل قياساً الى الورود، ونوعية الحكم، ومتوسط عدد الدعاوى لكل قاضٍ، فإننا نقترح دراسة جدول كل محكمة ووضع تقييم لها بالإستناد الى المنظور الزمني perspective chronologique و ذلك بحسب الجدول الشهري الخاص بها و لمدة سنة سابقة وتصنيفها بالإستناد اليه إمّا إلى: محكمة غارقة، أو محكمة متوسطة، أو محكمة ناشطة، ومن ثم اعتماد ما يسمى الإدارة بواسطة الأهداف MBO (management by objectives وذلك عبر وضع هدف عام من عدد فصل الدعاوى للمحكمة يجب الوصول اليه خلال فترة زمنية محددة، ومن ثم وضع اهداف اجرائية ثانوية تؤدي الى الوصول للهدف العام، وإدراج معيار تجميع الأهداف الإجرائية كمؤشر على انتاجية المحكمة وتقدّمها، وكذلك معيار تغيّر تصنيفها من غارقة الى متوسطة الى ناشطة او بالعكس لتقييم انتاجيتها سلباً أم ايجاباً.
٢) المحور الثاني:تصوّر حول تحديد الوقت القضائي للدعاوى بحسب نوعها:
قد يكون هذا المحور هو الأكثر إشكاليةً نظراً للإختلاف البيّن بين انواع الدعاوى وبين كل دعوى ودعوى ضمن النوع نفسه، ولصعوبة التكهن بماهية المسائل الواقعية والقانونية التي ستعترض المحكمة في معرض بتها بالنزاع المعروض أمامها. غير أنّ ثمّةَ تقسيمًا بديهيًا يقوم على التمييز بين الدعاوى المدنية والجزائية، وفي كلا القسمين يجب تصنيف الدعاوى الى:
– دعاوى طويلة الأمد
– دعاوى متوسطة الأمد
– دعاوى قصيرة الأمد
– دعاوى فورية
أولاً: الدعاوى المدنية:
١) تعتبر من الدعاوى المدنية الطويلة الأمد:
أ- الدعاوى المالية
ب- الدعاوى العقارية
ج- الدعاوى التجارية
د- دعاوى الجنسية
ومتوسط حدها الأقصى سنة ونصف لكل مرحلة من مراحل المحاكمة.
٢) تعتبر من الدعاوى المدنية المتوسطة الأمد :
أ- دعاوى الإيجارات
ب- دعاوى الأحوال الشخصية النزاعية
ج- المعاملات التنفيذية
ومتوسط حدها الأقصى سنة لكل مرحلة من مراحل المحاكمة.
٣) تعتبر من الدعاوى المدنية القصيرة الأمد:
أ- دعاوى الأمور المستعجلة
ب- الإعتراضات على القرارات الرجائية والأوامر على العرائض.
ج- دعاوى ازالة الشيوع
د- طلبات رد القضاة
ومتوسط حدها الأقصى ستة اشهر لكل مرحلة من مراحل المحاكمة.
٤) تعتبر من الدعاوى المدنية الفورية:
أ- القرارات الرجائية والأوامر على العرائض.
ب- اعطاء الصيغة التنفيذية.
ج- البت بتنحّي القضاة.
ومتوسّط حدّها الأقصى عشرة أيّام.
ثانياً:الدعاوى الجزائية:
١) تعتبر من الدعاوى الجزائية الطويلة الأمد:
أ- الجنايات على اختلافها
ب- الجنح الواقعة على الأموال.
ج- الجنح مطلقاً التي تقترن بالإدعاءالشخصي.
ومتوسط حدها الأقصى سنة ونصف لكل مرحلة من مراحل المحاكمة.
٢) تعتبر من الدعاوى الجزائية المتوسطة الأمد:
أ- الجنح غير المشمولة بالفقرة السابقة.
ب- المخالفات المقترنة بالإدعاء الشخصي.
ج- الدعاوى على اختلافها لدى قاضي التحقيق.
ومتوسط حدها الأقصى سنة لكل مرحلة من مراحل المحاكمة.
٣) تعتبر من الدعاوى الجزائية القصيرة الأمد:
أ- المخالفات غير المشمولة بالفقرة السابقة.
ب- الجنح والمخالفات الخاضعة للأصول الموجزة.
ج- الدفوع الشكلية واستئنافها.
د- الدعاوى على اختلافها لدى الهيئة الاتهامية.
ومتوسّط حدها الأقصى شهرٌ واحد.
٤) تعتبر من الدعاوى الجزائية الفورية:
أ- طلبات تخلية السبيل واستئنافها وطلبات تسليم الأموال المحجوزة وتخفيض الكفالات.
ب- الدعاوى على اختلافها لدى النيابة العامة.
ج- طلبات تعيين احالة الملفات الى مراجعها واسترداد الكفالات.
ومتوسط حدها الأقصى أسبوعٌ واحد.
٣) المحور الثالث: معايير تقييم أداء القاضي:
إنّ تقييم أداء القضاة وانتاجيتهم هو عبارة عن مراجعة لما أنجزوه بالاعتماد على وصفهم الوظيفي ومعايير عملهم، كما يوفّر تقييم الأداء معلومات عن المهارات التي يحتاجونها للقيام بمهامهم على أكمل وجه.
فمن خلال التقييم وبناءً على نتائجه تتخذ القرارات بمكافأة المجتهدين ومتابعة المقصّرين وتطوير بعض آليات العمل القضائي وعمل الأشخاص المساعدين للعدالة وحتى تعديل بعض المواد والأحكام القانونية لا سيما الإجرائية منها والمتعلّقة بأصول المحاكمة إذا تبيّن أنّ من شأن هذا التعديل ان يزيد من جودة وإنتاجية العمل القضائي.
ومن هنا تظهر أهمية هذه العملية في ضمان جودة تحقيق مؤسسة القضاء لأهدافها ، والتحقق من مستوى كفاءة وفعالية العاملين وقياس مدى الإنتاجية التي يساهم بها القاضي في إنجاح عملها.
فالتقييم يجب أن يستخدم لتنمية القاضي من خلال تحديد مواطن الضعف والقوّة لديه ومعرفة مدى تقدمه نحو الكفاءة. ولهذا فليس التقويم الوظيفي أداة بيد الرئيس تستخدم لضبط طاعة المرؤسين فتخفى معاييرها ونتائجها وآلياتها لتكون دوماً ورقة ضغط بيد من بيده القرار. بل أن التقويم الوظيفي الفعال والموضوعي يستند إلى معايير محددة متفق عليها ويهدف للتحسين والتطوير المستمر. وهي يجب ان تكون غير خافيةٍ على الشخص موضوعها حتى يتسنى له معرفة ماذا يراد منه بالضبط من أهداف عامة وأهداف إجرائية (ضمن الهدف العام).
وعليه، فإن التصوّر الذي نقدِّمهُ حول معايير تقييم أداء القاضي يقوم أولاً على إضافة معايير إضافية لتلك المبينة في الدعوة، وثانياً على تنظيم استمارة مجدولة حول كيفية إجراء هذا التقييم.
أوّلاً: في معايير تقييم القاضي:
أقترح توسيع المعايير المبيّنة في الدعوة وهي: الاستقلالية، الحياد، الخبرة، كيفية التعاطي مع الغير خلال جلسات المحاكمة… لكي تشمل عدة جوانب أخرى من شخصية القاضي العلمية والعملية والعلائقية والشخصية فنضيف الى هذه المعايير:
المعايير العلمية:
– القدرة على المواكبة العلمية.
– الرغبة في استمرار التعلم.
– سعة المدارك العامة.
– المهارة في إعداد الأحكام.
– القدرة على اتخاذ القرار.
– مستوى الأداء في المجال القانوني.
– المتابعة لما يستجد في المجال القانوني.
– المهارات اللغوية.
المعايير العملية:
– الإستقامة.
– التفهم لأهداف المهمة القضائية.
-المعرفة بنظم وإجراءات العمل القضائي.
– تقبل اساليب تطوير العمل.
– القدرة على تطوير أساليب العمل.
-إمكانية تحمل مسؤوليات أعلى.
– المحافظة على أوقات الدوام.
المعايير الشخصية والعلائقية:
– حسن المظهر.
– مراعاة الأصول.
– حسن التصرف.
– العلاقة مع الرؤساء.
– العلاقة مع الزملاء.
– العلاقة مع المحامين.
– العلاقة مع المتقاضين.
– العلاقة مع الموظفين.
ثانياً: في تصوّر الاستمارة المجدولة:
يجري تنظيم استمارة على شكل جدول تتضمن خاناتها العامودية من الجهة اليمنى العليا اسم القاضي، وتحتها خانات لكلٍ من المعايير التي ذكرتها أعلاه وعددها ٢١ معيارًا، وخاناتها الأفقية خاصة بالتقييم وهو موزع على خمس حالات:
غير مقبول/مقبول/جيد/جيد جداً/ممتاز
وتعطى لغير مقبول علامة ١ ، مقبول علامة ٢، جيد علامة ٣ ، جيد جداً علامة ٤ او ٥، ممتاز علامة ٦.
ثم تجمع العلامات جميعها وتقسم على عدد المعايير لمعرفة التقييم العام، كما يستخدم التقييم الفردي لكل معيار لمعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة لدى القاضي لتجري معالجة الموضوع او الإشادة.
٤) المحور الرابع: في مصادر المعلومات الضرورية لتحديد معايير انتاجية المحاكم وتقييم أداء القاضي:
إن المهمة القضائية مهمةٌ محفوفةٌ بالكثير من التحامل عليها بطبيعتها، ذلك أنها غالباً ما تطال أشخاصًا بحريتهم أو أموالهم أو مواقعهم، فينصّب الخاسر نفسه خصماً للقاضي. أما الرابح فيرى في ما انتهى اليه القضاء أمراً طبيعياً أملته قوة وضعه القانوني في الدعوى وهذا صحيحٌ بذاته، ولكنه يترك للصدى السلبي دون الإيجابي ان يلعب وحيداً، كما أن الكثير من الدعاوى تتخذ صدىً أبعد من المتقاضين وتصبح قضية رأي عامٍ في محيطٍ قد يبدأ من الحيّ في بعض الدعاوى الى الوطن بأكمله في دعاوى أخرى، ويصبح الأمرُ عرضة للآراء غير الممتهنة التي تدّعي في العلمِ فلسفةً اضافةً الى التحوير والتحريف في الأحداث والوقائع ممّا يزيد من اللغط عادةً، ومن هنا كانت ضرورة البحث عن المصادر العلمية دون سواها للإستحصال على المعلومات الضرورية لتحديد معايير انتاجية المحاكم وتقييم أداء القاضي، واني أقترح بالإضافة الى ما جاء في الدعوة الموجّهة الينا وهي: الإحصاءات الشهرية، رأي المحامين، رأي المتقاضين بعد استجوابهم، رأي الخبراء، رأي الشهود بعد الإستماع اليهم، أن يضاف الى هذه المصادر:
– متابعة مصير الدعاوى التي يصدرها القاضي او المحكمة لدى مراجع الطعن استئنافاً و تمييزاً.
– دراسة المخالفات وتبيان مصيرها لدى المحاكم الناظرة بالطعن.
– إدراج نسبة الأخذ بمخالفات القاضي لدى تقييمه.
– إدراج نسبة تصديق أحكام المحكمة ضمن انتاجيتها.
– استيضاح القاضي شخصياً رأيه حول ما يعتري تقييمه.
– سجل تدوين ملاحظات الرؤساء الأول.
– ملف القاضي.
– سجل حضور للقضاة يمسكه رئيس القلم على مسؤوليته.
كلمة أخيرة:
قد يبدو بعض هذه التصورات بحاجة الى استحداث بعض النظم او الترتيبات او التعليمات، وقد يبدو البعض منها متجاوزاً اللزوم، غير أني آثرت ابداءها الى جانب مجلسكم الكريم كما تواردت الى فكري.
* قدّمت هذه الورقة البحثية ضمن أعمال مؤتمر عن القضاء نظّمه مجلس القضاء الأعلى بالتعاون مع منظمة “كونراد ادناور” في فندق “ميتروبوليتان” في سن الفيل في العام 2013.
“محكمة”- الأربعاء في 2025/1/22

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!